الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَغُودِرَ فِيهِمُ الْكَذَّابُ رَهْنًا
…
لِدَائِرَةِ الْعَوَاقِبِ بِالتَّوَالِي
وَرُحْنَا بِالسَّبَايَا لَمْ تُنَاظِرْ
…
مَرَاضِعُها مَتَى أَمَدُ الْفِصَالِ
فَهَاتِ كَمَا أَعَدُّوا هَاتِ قَوْمًا
…
كَقَوْمِي عِنْدَ مُخْتَلَفِ الْعَوَالِي
وَرُمْ مِسْكِينُ حِينَ تُرِيحُ رَأْيًا
…
سِوَى الرَّأْيِ الْمُضَلَّلِ وَالْمَقَالِ
وَلَوْ جَارَيْتَ قَوْمَكَ مِنْ مَعَدٍّ
…
كَفَوْتَ الطَّرْفَ عِيرًا فِي النِّكَالِ
سَوَى رَهْطِ النَّبِيِّ فَثَمَّ مَجْدٌ
…
وَفِعْلٌ قَاهِرٌ لِلْنَاسِ عَالِ
وَقَبْلَكَ رَامَ يَجْرِي ذُو فَخَار
…
ٍغَزِيرُ الشَّعْرِ مُشْتَهِرُ الرِّجَالِ
أَتَانَا شَامِخًا يُبْدِي سُرُورًا
…
بِشَأْوٍ كَانَ مِنْهُ وَهْوَ خَالِ
جَعَلْنَا بِالْقَصَيْدِ لَهُ خِشَاشًا
…
فَوَاتًا فِي الْعَقِيقِ وَالِارْتِجَالِ
وَلَوْلا أَنْ تَحِيدَ الْيَوْمَ عَنِّي
…
تَرَكْتُكَ تَرْكَ حُرٍّ ذِي اشْتِعَالِ
يَقُولُ إِذَا هَجَاهُ غَيْرُ كَفْؤٍ
…
ذَرُوهُ لَيْسَ نَبْلُكَ بِالنِّبَالِ
قَعِيدَكَ قَدْ أَجَبْتُكَ لا بِفُحْشٍ
…
وَلَمْ يَكُ غَيْرُ حَقٍ وَاسْتِطَالِ
فَإِنْ تَنْزَعْ فَحَظُّكَ نِلَتَ مِنْهُ
…
وَإِنْ تَلْجَجْ فَجَدُّكَ لِلسِّفَالِ
سَتَبْعَثُ لِلْجَوَابِ أخَا حِفَاظٍ
…
عَلَى الأَقْرَانِ يُعْنَفُ فِي السُّؤَالِ
رَحِيبَ الْبَاعِ لا قِصَفًا هَدُورًا
…
شَدِيدَ الشَّغْبِ يُوصَفُ بِالْبَسَالِ
أَرِيبٌ زَانَهُ حِلْمٌ وَعِلْمٌ
…
وَمَجْدٌ كَانَ فِي الْحُقَبِ الْخَوَالِي
فَإِنْ تَحْلُمْ فَذُو حِلْمٍ جَسِيمٍ
…
وَإِنْ تَجْهَلْ فَجَهْلٌ ذُو اغْتِيَالِ
وَقَالَ يَهْجُو مِسْكِينَ بْنَ عَامِرِ:
أَيُّهَا الشَّاتِمِي لِتُجِيبَ مِثْلِي
…
إِنَّمَا أَنْتَ فِي ضَلالٍ تَهِيمُ
لا تَسُبَّنَّنِي فَلَستَ بِبَذِّي
…
إِنَّ بَذِّي مِنَ الرِّجَالِ الْكَرِيمُ
إِنَّ سَبَّ الْكَرِيمِ فِيهِ شِفَاءٌ
…
إِنَّمَا الْمَوْتَ أَنْ يُسَبَّ الزَّنِيمُ
مَا أُبَالِي أَنَبَّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ
…
أَمْ هَجَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَرَقَ هَذَا الْبَيْتِ وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَبِيهِ فِي هِجَائِهِ لِابْنِ الزِّبَعْرَى.
147 -
حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ:
أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَارِيَةَ ابْنَةَ شَمْعُونَ
الْقِبْطِيَّةَ، وَأُخْتَهَا شِيرِينَ، وَخَصِيًّا يُدْعَى مَابُورَا فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَارِيَةَ ابْنَةَ شَمْعُونَ لِنَفْسِهِ، فَهِيَ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، وَوَهَبَ شِيرِينَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ «، فَأَوْلَدَهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَ خَالَةِ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم» ، وَقَدِ انْقَرَضَ وَلَدُ حَسَّانٍ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرُ: " كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ فِي الْكُتَّابِ، فَتَأَخَّرَ فِي الْكُتَّابِ، فَقَالَ لَهُ مُعَلِّمَهُ: أَيْنَ كُنْتَ؟ وَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ، فَقَالَ:
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ مُعْتَزِلا
…
فِي دَارِ حَسَّانَ أَصْطَادُ الْيَعَاسِيبَا "
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " لَسَعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ زُنْبُورٌ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَأَتَى أَبَاهُ، فَقَالَ: يَا أَبَهْ، عَضَّنِي دَابَّةٌ، كَأَنَّهُ بُرْدُ حِبَرَةٍ.
فَقَالَ حَسَّانٌ: قُلْتَ الشِّعْرَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ".
خَلَوْتُ أَنَا وَابْنُ عَزِيزٍ مَعَ الرَّشِيدِ فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ كَأَنَّهُ هَمَّ بِالنَّظَرِ فِيهِ، فَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عُرْوَةَ مُتَمَثِّلا:
لَيْتَ هِنْدًا أَنْجَزَتْنَا مَا تَعِدْ
…
وَشَفَتْ أَنْفُسَنَا مِمَّا تَجِدْ
وَاسْتَبَدَّتْ مَرَّةً وَاحِدَةً
…
إِنَّمَا الْعَاجِزُ مِنْ لا يَسْتَبِدْ
قَالَ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ: " فَالْتَقَيْتُ أَنَا وَيَحْيَى بْنُ خَالِدٍ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَلْ وَجَدْتَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِي أَثَرًا تَكْرَهُهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَخَلَوْتُ مَعَهُ الدَّهْرَ لَمْ أَغِبْ لَكَ بِسُوءٍ، وَخَلَوْتَ سَاعَةً فَقَرَضْتَنِي، قُلْتُ: قَدْ بَلَغَكَ الْحَدِيثُ، كُنْتُ مَعَ رَجُلٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَخْذُلَهُ، وَاسْتَطْمَعَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ شِكَايَتَكَ، فَشَكَوْتُكَ بِأَهْوَنِ الأَشْيَاءِ عَلَيْكَ.
فَقُلْتُ: حَبْسُ أَرْزَاقِنَا وَشُغْلُ وَجْهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَنَّا، وَلَوْ أَرَدْتُ قَرَضَكَ لَوَجَدْتَ لِي أَثَرًا ".
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمِ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: " اسْتَعَمْلَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيُّ ابْنَ أَبِي عَاصِيَةَ عَلَى يَنْبُعَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ فَجَرَى بَيْنَهُمَا كَلامٌ، فَأَغْلَظَ لابْنِ أَبِي عَاصِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ: إِنِّي قَدْ أَقْلَتُكَ، فَإِنْ عُدْتَ ضَرَبْتُكَ وَاللَّهِ مِائَةَ سَوْطٍ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَنْصُورَ، فَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ أَنْ يَشُدَّ ابْنَ أَبِي عَاصِيَةَ فِي الْحَدِيدِ، وَيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ.
فَفَعَلَ، فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ أَبِي عَاصِيَةَ عَلَى الْمَنْصُورِ، قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قُلْتُ إِلا لِمَا عُلِمَ مِنْ رَأْيِهِ، وَأَنَا الْقَائِلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ:
لَيَحْبِسُكُمْ أَنْ تَمْنَعُوا بِنُبَاحِكُمْ
…
ثَمَرَاتِ يَنْبُعَ شَرَّ دَارٍ يَنْبُعُ
هَلا أُمَيَّةَ وَهْيَ ظَالِمَةٌ لَكُمْ
…
وَلَهَا عَلَيْكَ رِحَالَةٌ لا تُنْزَعُ
رَكِبُوكِ مُرْتَحَلا فَظَهْرُكِ مِنْهُمْ
…
دَانِي الْحَرَاقِفِ وَالْفِقَارِ مُوَقِّعُ
كَالْكَلْبِ يَأْلَفُ خَانِقِيهِ وَيَنْتَحِي
…
نَحْو الَّذِينَ بِهِمْ يُعَزُّ وَيُمْنَعُ
فَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ
حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَأْمُونَ، يَقُولُ:" لَيْسَ عَلَيَّ فِي الْحُكْمِ مَئُونَةٌ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ أَهْلَ الْجَرَائِمِ عَلِمُوا رَأْيِي فِي الْعَفْوِ، فَيَذْهَبَ عَنْهُمُ الْخَوْفُ، وَتُسْلِمَ قُلُوبُهُمْ لِي وَقَالَ الْمَأْمُونُ: " الْمُلُوكُ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا ثَلاثَةَ أَشْيَاءَ: الْقَدْحُ فِي الْمُلْكِ، وَإِفْشَاءُ السِّرِّ، وَالتَّعَرُّضَ لِلْحُرُمِ اسْتَقْبَلَ الطَّالِبِيُّونَ الْمَأْمُونَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ خُرَاسَانَ إِلَى الْعِرَاقِ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، فَاعْتَذَرُوا مِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ.
فَقَالَ الْمَأْمُونُ لِمُتَكَلِّمِهِمْ: كُفَّ وَاسْمَعْ مِنِّي.
أَوَّلُنَا وَأَوَّلُكُمْ مَا تَعْلَمُونَ، وَآخِرُنَا وَآخِرُكُمْ مَا تُرِيدُونَ، وَتَنَاسَوْا مَا بَيْنَ هَذَيْنِ.
قَالَ: وَرَكِبَ الْمَأْمُونُ يَوْمًا فَصَاحَ إِلَيْهِ الأَنْصَارُ، فَقَالَ:" أَيْنَ كُنْتُمْ يَوْمَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَالْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ يُرِيدَانِ نُصْرَتَكُمْ، فَلا تُرِيدُوا مِنَّا ثَوَابًا قَالَ: " وَذَكَرَ الْمَأْمُونُ يَوْمَ اخْتِلافِ النَّاسِ، فَقَالَ لِثُمَامَةَ: قَدْ كَثُرَ اخْتِلافُ النَّاسِ فِي الِاسْتِطَاعَةِ، وذِكْرِ الأَفْعَالِ، فَاجْمَعْ لِي فِي هَذَا كَلامًا تَخْتَصِرهُ لِيُفْهَمَ.
قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ الْجَوَابِ إِلا لِتَشْخَصَ الْقُلُوبُ إِلَى فَهْمِهِ.
فَجَمَعَ النَّاسَ إِلَى ثَلاثَةِ أَيَّامِ، فَلَمَّا جُمِعُوا وَحَضَرَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، قَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: تَكَلَّمْ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَخْلُو هَذِهِ الأَفْعَالُ مِنْ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا مِنِ اللَّهِ، فَمَا السَّبِيلُ عَلَيْنَا؟ أَوَ تَكُونَ مِنْهُ وَمِنَّا فَمَنِ الْحَكَمُ بَيْنَنَا؟ أَوْ يَكُونَ مِنَّا وَالْقُوَى مِنَ اللَّهِ.
قَالَ: فَقَالَ الْمَأْمُونُ: بَلْ وَمِنَّا وَالْقُوَى مِنَ اللَّهِ عز وجل ".
كَانَ لِبَكَّارِ بْنِ رَبَاحٍ مَنْزِلٌ إِلَى دَارِ الْعِجْلَةِ، فَأَعْطَاهُ بِهِ الْمَهْدِيُّ أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ.
فَقَالَ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كُنْتُ لِأَبِيعَ جِوَارَكَ بِشَيْءٍ» ، فَتَرَكَ لَهُ مَنْزِلَهُ، وَأَعْطَاهُ الأَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ، فَفَيِهِ بَعْضُ وَلَدِهِ الْيَوْمَ.
قَالَ: وَبَكَّارُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلًى لآلِ الأَخْنَسِ بْنِ شَرِيفٍ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفُ بْنُ زُهْرَةَ.
وَأَنْشَدَنِي لِبَكَّارٍ فِي الْمَهْدِيِّ يَرْثِيهِ:
أَلا رَحَمَةُ الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ
…
عَلَى رِمَّةٍ رُسَّتْ بِمَاسِبَذَانِ
لَقَدْ غَيَّبَ الْقَبْرُ الَّذِي ثَمَّ سُؤْدُدًا
…
وَكَفَّيْنِ بِالْمَعْرُوفِ تَبْتَدِرَانِ
حَدَّثَنِي أَبُو غَزِيَّةَ، وَكَانَ قَاضِيًا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: " كَانَ إِسْحَاق بْنُ غُرَيْرٍ يَتَعَشَّقُ عَبَّادَةَ جَارِيَةَ الْمُهَلَّبِيَّةِ، وَكَانَتِ الْمُهَلَّبِيَّةُ مُنْقَطِعَةً إِلَى الْخَيْزُرَانِ، فَرَكِبَ إِسْحَاقُ يَوْمًا وَمَعَهُ جَدِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، يُرِيدَانِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيَّ، فَلَقِيَا عَبَّادَةَ، فَقَالَ إِسْحَاق: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذِهِ عَبَّادَةُ، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ حَتَّى سَبَقَهَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَضَحِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ، وَمَضَيَا فَدَخَلا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَحَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُصْعَبٍ بِمَا فَعَلَ إِسْحَاق، فَقَالَ: أَنَا أَشْتَرِيهَا لَكَ، وَدَخَلَ عَلَى الْخَيْزُرَانِ، فَدَعَا الْمُهَلَّبِيَّةَ فَسَامَهَا وَأَعْطَاهَا ثَمَنَهَا خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُهَا لِنَفْسِكَ فَبِهَا فَدَاكَ اللَّهُ، هِيَ لَكَ.
فَقَالَ: أُرِيدُهَا لِإِسْحَاقَ بْنِ غُرَيْرٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: تُؤْثِرُ عَلَيَّ إِسْحَاقَ، وَهِيَ يَدِي وَرِجْلِي وَلِسَانِي فِي حَوَائِجِي.
فَقَالَتِ الْخَيْزُرَانُ: مَا يُبْكِيكِ؟ صَارَ إِسْحَاقُ يَتَعَشَّقُ جَوَارِيَ النَّاسِ، لا يَصِلْ وَاللَّهِ إِلَيْهَا أَبَدًا.
فَأَخْبَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا جَرَى فِيهَا.
وَقَالَ لَهُ: الْخَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَكَ مَكَانَهَا.
فَأَخَذَهَا.
فَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ:
مَنْ صَدَقَ الْحُبَّ لِأَحْبَابِهِ
…
فَإِنَّ حُبَّ ابْنِ غُرَيْرٍ غَرُورُ
أَنْسَاهُ عَبَّادَةَ ذَاتَ الْهَوَى
…
وَأَذْهَبَ الْحُبُّ لَدَيْهِ الضَّمِيرُ
خَمْسُونَ أَلْفًا كُلُّهَا وَازِنٌ
…
حَسَنٌ لَهَا فِي كُلِّ كِيسٍ صَرِيرُ
وَقَالَ أَيْضًا:
حُبُّكَ الْمَالُ لا كَحُبِّكَ عَبَّادَةَ
…
يَا فَاضِحَ الْمُحِبِّينَا
لَوْ كُنْتَ أَصْفَيْتَهَا الْوِدَادَ كَمَا
…
قُلْتَ لَمَّا بِعْتَهَا بِخَمْسِينَا
كَتَبْتُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ:
يَا ضَيْفَ إِسْحَاق كُنْ فِي خَيْرِ مَنْزِلَةٍ
…
فَضَيْفُ إِسْحَاق مَحْبُورٌ وَمَمْنُوحُ
واسْمَعْ مِنَ الْعِلْمِ أَنْوَاعًا عَلَى ثِقَةٍ
…
أَنْ لَسْتَ نَائِلَهَا مَا هَبَّتِ الرِّيحُ
لَكَ الْكَرَامةُ مِنْهُ شِيمَةٌ خُلُقٌ
…
وَالْعِلْمُ عَنْ ضَيْفِهِ مَحْلٌ وَمَجْلُوحُ
هَيْهَاتَ فِي الْعِلْمِ إِذْ تَرْجُو فَوَائِدَهُ
…
رُمْتَ الَّذِي لَمْ تُقَعْقِعْهُ الْمَفَاتِيحُ
فَكَتَبَ إِلَيَّ إِسْحَاق:
الْعِلْمُ عِنْدِي شَيْءٌ لَسْتُ مَانِعَهُ
…
وَكُلُّ بَابٍ لَهُ عِنْدِي فَمَفْتُوحُ
لَوْلا مَوَاقِعُ أَرْعَاهَا وَأَرْقُبُهَا
…
وَإِنْ لَمِثْلُكَ مِنِّي الْحِلَمَ مَمْنُوحُ
إِذًا لَجَاءَكَ مِنِّي مَنْطِقٌ قَذِعٌ
…
يَطِيرُ مِنْهُ إِذَا اسْتَسْمَعْتَهُ الرُّوحُ
حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ قَحْذَمٍ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، وَكَانَ قَحْذَمٌ كَاتِبًا لِيُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا وَلِيَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ الْعِرَاقَ اتَّخَذَ أَمْوَالا وَضِيَاعًا، وَحَفَرَ أَنْهَارًا، فَكَانَ يَسْتَغِلُّ عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِالْعِرَاقِ، مِنْهَا نَهْرُ خَالِدٍ، وَكَانَ يَغُلُّ خَمْسَةَ آلافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْجَامِعُ، وَالْمُبَارَكُ، وَلَوْبَةُ سَابُورَ، وَالصِّلْحُ، وَكَانَ هِشَامٌ حَسُودًا مُتَيَقِّظًا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَحْفَظَهُ، وَأَصَرَّ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَ خَالدًا أَخِلاؤُهُ، وَصَنَائِعُهُ الْعُرْيَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَبِلالُ بْنُ أَبِيِ بُرْدَةَ، وَغَيْرُهُمَا، فَقَالُوا: نُشِيرُ عَلَيْكَ بِرَأْيٍ قَدْ أَصَبْنَاهُ وَرَأَيْنَاهُ صَوَابًا، فِيهِ دَوَامُ نِعْمَتِكَ، وَكَبْتُ أَعَادِيكَ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ بَلَغَنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هِشَامٍ مَا غَمَّنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ عَنْ غَلاتِكَ وَأَمْوَالِكَ، فاكتب إليه فاعرض عليه أموالك.
فقال والله ما يعارضني شك في نصيحتكم، ولكني والله لا أُعْطِي الدَّنِيَّةَ، وَلا أُخْرِجُ عَنْ يَدِي دِرْهَمًا قَسْرًا فَمَا فَوْقَهُ أَبَدًا.
قَالُوا: فَإِنَّ هِشَامًا أَعْذَرَ مِنْكَ.
وَلاكَ وَلا تَمْلِكُ شَيئًا، وَقَدْ عَرَفْتَ شَرَهَهُ وَحِرْصَكَ، فَإِنْ هُوَ قَبَضَ مَا تَعْرِضُ عَلَيْهِ فَعَلَيْنَا جَمْعَهُ لَكَ ثَانِيَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ تَسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ كَتَبَ إِلَيْهِ هِشَامٌ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْكَ أَمَرٌ لَمْ يَحْتَمِلْهُ مِنْكَ إِلا لِمَا أَحَبَّ مَنْ رَبُّ صَنِيعَتِهِ قِبَلَكَ، وَاسْتِتْمَامُ مَعْرُوفِهِ عِنْدَكَ، وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَقُّ مَنِ اسْتَصْلَحَ مَا فَسَدَ مِنْكَ، فَإِنْ تَعُدْ لِمِثْلِ مَقَالَتِكَ وَمَا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْكَ، رَأَى فِي مُعَاجَلَتِكَ بِالْعُقُوبَةِ رَأْيَهُ، إِنَّ النِّعْمَةَ إِذَا طَالَتْ بِالْعَبْدِ مُمْتَدَّةً أَبْطَرَتْهُ، فَأَسَاءَ حَمْلَ الْكَرَامَةِ، وَاسْتَغَلَ النِّعْمَةَ، وَنَسَبَ مَا فِي يَدِهِ إِلَى جِبِلَّتِهِ، وَبَيْتِهِ وَرَهْطِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ الْغِيَرُ، وَانْكَشَطَ عَنْهُ عِمَايَةُ الْغِنَى وَالسُّلْطَانِ، ذَلَّ مُنْقَادًا وَنَدِمَ قَسْرًا، وَتَمَكَّنَ مِنْهُ عَدُوُّهُ قَادِرًا عَلَيْهِ، قَاهِرًا لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِفْسَادَكَ لَجَمَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ فَلَتَاتِ خَطَلِكَ، وَعَظِيمَ زَلَلِكَ، حَيْثُ تَقُولُ لِجُلَسَائِكَ: وَاللَّهِ مَا زَادَنِي الْعِرَاقُ رِفْعَةً وَلا شَرَفًا، وَلا وَلانِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ مَنْ كَانَ قَبْلِي، مِمَّنْ هُوَ دُونِي، يَلِي مِثْلَهُ.
وَلَوِ ابْتُلِيتَ بِبَعْضِ مَقَاوِمِ الْحَجَّاجِ أَهْلَ الْعِرَاقِ فِي تِلَكَ الْمَضَايقِ بِمِثْلِ الْجَمَاعَاتِ الَّتِي لَقِيَ، لَعَلِمْتَ أَنَّكَ مِنْ بَجِيلَةَ، وَلَقَدْ خَرَجَ عَلَيْكَ أَرْبَعُونَ رَجُلا فَغَلُبُوكَ عَلَى بَيْتِ مَالِكَ وَخَزَائِنِكَ، فَمَا اسْتَطَعْتُمْ إِلا بِأَمَانٍ، ثُمَّ أَخْفَرْتَ ذِمَّتَكَ، فِيهِمْ رَزِينٌ وَأَصْحَابُهُ، وَلَعَمْرِيَ لَوْ حَاوَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مُكَافَأَتِكَ بِلَفْظِكَ فِي مَجْلِسِكَ، وَجُحُودِكَ فَضْلَهُ عَلَيْكَ، فِي تَصْغِيرِ عَظِيمِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكَ، فَحَلَّ الْعُقْدَةَ وَنَقَضَ الصَّنِيعَةَ، وَرَدَّكَ إِلَى مَنْزِلَةٍ أَنْتَ أَهْلُهَا، لَكُنْتَ لَهُ مُسْتَحِقًّا، وَلَقَدْ حَشَدَ جَدُّكَ يَزِيدُ بْنُ أَسَدٍ مَعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ، وَعَرَضَ دِينَهُ وَدَمَهُ فَمَا اصْطَنَعَ إِلَيْهِ، وَلا وَلاهُ مَا اصْطَنَعَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلاكَ، وقِبَلَهُ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَالْبُيُوتَاتِ مَنْ قَبِيلَتُهُ أَكْرَمُ مِنْ قَبِيلَتِكَ مِنْ كِنْدَةَ وَغَسَّانَ وَآلِ ذِي يَزَنَ وَذِي كَلاعَ وَذِي رُعَيْنَ، فِي نُظَرَائِهِمْ مِنْ بُيُوتَاتِ قُوْمِهِمْ، كُلُّهُمْ أَكْرَمُ أَوَّلِيَّةً، وَأَشْرَفُ أَسْلافًا مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ.
ثُمَّ آثَرَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِوِلايَةِ الْعِرَاقِ، بِلا بَيْتٍ عَظَيمٍ، وَلا شَرَفٍ قَدِيمٍ، وَلَهَذِهِ الْبُيُوتُ تَغْمُرُكَ وَتَعْلُوكَ، وَتُسْكِتُكَ وَتَتَقَدَّمُكَ فِي الْمَحَالِّ وَالْمَجَامِعِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الأُمُورِ وَأَبْوَابِ الْخُلَفَاءِ، وَلَوْلا مَا أَحَبَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَدِّ غَرَبِكَ لَعَاجَلَكَ بِالَّتِي كُنْتَ أَهْلَهَا، وِإِنَّهَا لَقَرِيبٌ مِنْكَ مَأْخَذُهَا، سَرِيعٌ مَكْرُوَهُهَا، فَمِنْهَا إِنِ اتَّقَى اللَّهَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ زَوَالُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ، وَحُلُولُ نِقْمَتِهِ بِكَ، فِيمَا صَنَعْتَ، وَارْتَكَبْتَ بِالْعِرَاقِ مِنْ أَهْلِهِ، وَاسْتِعَانَتُكَ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، تُوَلِّيهِمْ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَاجَهُمْ، وَتُسَلِّطَهُمْ عَلَيْهِمْ، نَزَعَ بِكَ إِلَى ذَلِكَ عِرْقُ سُوءٍ مِنَ الَّتِي قَامَتْ عَنْكَ، فَبِئْسَ الْجَنِينُ أَنْتَ عُدَيُّ نَفْسُهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا رَأَى إِحْسَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ وَسُوءَ قِيَامِكَ بِشُكْرِهِ، قَلَبَ قَلْبَهُ لَكَ، فَأَسْخَطَهُ عَلَيْكَ، حَتَّى قَبُحَتْ أُمُورُكَ عِنْدَهُ، وَآيَسَهُ مَعَ شُكْرِكَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ كُفْرِكَ النِّعْمَةَ عِنْدَكَ، فَأَصْبَحْتَ تَنْتَظِرُ غَيْرَ النِّعْمَةِ، وَزَوَالَ الْكَرَامَةِ، وَحُلُولَ الْخِزْيِ، فَتَأَهَّبْ لِنَوازِلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ بِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَيْكَ أَوْجَدُ، وَلِمَا عَمِلْتَ أَكْرَهُ، فَقَدْ أَصْبَحْتَ وَذُنُوبُكَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَكِّتَكَ بِهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ذَنْبًا ذَنْبًا، وَمَنْ يُرْفَعْ عَلَيْكَ عِنْدَهُ يُبَكِّتْكَ مِنْهَا بِمَا نَسِيتَهُ، وَأَحْصَاهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَلَقَدْ كَانَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ زَاجِرٌ عَنْكَ بِمَا عَرَفَكَ مِنِ التَّسَرُّعِ إِلَى حَمَاقَاتِكَ، فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ، مِنْهَا الْقُرَشِيُّ الَّذِي تَنَاوَلْتَهُ بِالْحِجَازِ ظَالِمًا، فَضَرَبَكَ اللَّهُ بَالسَّوْطِ الَّذِي ضَرْبتَهُ بِهِ، مُفْتَضَحًا عَلَى رُءُوسِ رَعِيَّتِكَ، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَعُودَ عَلَيْكَ بِمِثْلِهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَأَنْتَ أَهْلُهَا، وَإِنْ صَفَحَ فَأَهْلُهُ هُوَ، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَسْتَدِلَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَعْفِ نَحَائِزِكَ، وَسُوءِ تَدْبِيرِكَ إِلا فَسَالَةَ دُخَلائِكَ، وَبِطَانَتِكَ وَعُمَّالِكَ، وَالْغَالِبَةِ عَلَيْكَ جَارِيَتِكَ الرَّائِقَةِ، بَائِعَةِ الْعُهُودِ، وَمُشْغِلَةِ الرِّجَالِ، مَعَ مَا أَتْلَفْتَ مِنْ مَالِ اللَّهِ بِالْمُبَارَكِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كُنْتَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَا احْتَمَلَ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ أَمْوَالِ اللَّهِ، وَضَيَّعْتَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَلَّطْتَ مِنْ وُلاةِ السُّوءِ عَلَى جَمِيعِ كُوَرَ الْإِسْلامِ، تَحْمَلُ إِلَيْكَ هَدَايَا النَّيْرُوزِ وِالْمِهْرَجَانِ، خَالِسًا لِأَكْثَرِهَا، رَافِعًا لِأَقَلِّهَا مَعَ كَثْرَةِ مَسَاوِيكَ الْمَتْرُوكِ تَقْرِيرُكَ بِهَا، وَمُنَاصَبَتِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُوَالاةِ حَسَّانٍ وَوَكِيلِهِ فِي ضِيَاعِهِ، وَأَحْوَازِهِ فِي الْعِرَاقِ، وَسَيَكُونُ لَكَ وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ نَبَأٌ إِنْ لَمْ يَعْفُ عَنْكَ، وَلَكِنَّهُ يَظُنُ اللَّهَ طَالِبَكَ بِأُمُورٍ، غَيْرَ تَارِكٍ لِتَكْشِيفِكَ عَنْهَا، وَحَمْلِكَ الأَمْوَالَ نَاقِصَةً عَنْ وَظَائِفِهَا الَّتِي جَبَاهَا عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَتَرْكِ رَفْعِ مُحَاسَبَتِكَ سنَةَ كَذَا وَكَذَا لِمَا وُلِّيتَ مِنْ خَرَاجِ الْعِرَاقِ، وَتَوْجِيهِكَ أَخَاكَ أَسَدًا إِلَى
خُرَاسَانَ، مُظْهِرًا بِهَا الْعَصَبِيَّةَ، مُتَحَامِلا عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ مُضَرَ، قَدْ أَتَتْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُيُونُهُ بِتَصْغِيرِهِ لَهُمْ، وَاحْتِقَارِهِ إِيَّاهُمْ، نَاسِيًا لِحَدِيثِ زَرْنَبٍ وقَصَصِ الْهَجْرِيِّينَ، كَيْفَ كَانَتْ فِي يَزِيدَ بْنِ أَسَدٍ، فَإِذَا خَلَوْتَ أَوْ تَوَسَّطْتَ مَلأَ فَاعْرِفْ نَفْسَكَ ، وَاحْذَرْ رَوَاجِعَ الْبَغْيِ عَلَيْكَ، وَعاجِلاتِ الْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ مَا بَعْدَ كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَفْسَدُ لَكَ، وَأَشَدُّ عَلَيْكَ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ تَأَنَّى فَيْئَكَ، وَأَمَّلَ رَجْعَتَكَ، وَاسْتَنْظَرَ تَوْبَتَكَ، وقِبَلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَلَفٌ كَثِيرٌ، فِي أَحْسَابِهِمْ وُبُيُوتَاتِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَفِيهِمْ عِوَضٌ مِنْكَ، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَنَةَ تَسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ.
فَلَمَّا دَخَلَتْ سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ كَتَبَ هِشَامٌ إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عَامِلُ الْيَمَنِ بِوِلايَتِهِ عَلَى الْعِرَاقِ لَمَا بَلَغَهُ مِنْ شَهَامَتِهِ وَرُجْلَتِهِ وَخُبْثِهِ، فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ أَهْلَ الْكُوفَةِ، فَأَرَسَلَ إِلَى طَارِقٍ فَحَبَسَهُ، وَكَانَ خَالِدٌ اسْتَخْلَفَ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيِّ، فَقَالَ يُوسُفُ لِزِيَادٍ: مَنْ أَنْتَ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ، فَقَالَ: النَّجْرَانِيُّ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَى خَالِدٍ وَهُوَ بِالْحَمَّةِ، فَأُتِيَ بِهِ، فَحَبَسَهُ وَجَمِيعَ عُمَّالِهِ.
فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ الْمَنْتُوفِ مَعَهُ أَخَوَهُ الَفَضْلُ، وَقَدْ كَانَ الْعُرْيَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ضَرَبَ الْجَرَّاحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ، فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ خَالِدًا، فَلَمْ يُعْدِهُ عَلَيْهِ، فَحَقَدُوا عَلَيْهِ، فَوَثَبَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْفَضْلُ عَلَى خَالِدٍ بِبَابِ يُوسُفَ فَشَتَمَاهُ، وَكادا يَطَآنِهِ بِأَرْجُلِهِمَا وَيَقُولانِ عَلَى مَا يُعَذَّبُ هَذَا أَلا يُؤتَى بِأُمِّهِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَتُعَذَّبُ حَتَّى تُسْلَحَ عَلَى الصَّلِيبِ وُيُقْتَلُ هَذَا.
فَأَقْبَلَ مَنْ هُنَاكَ مِنَ الْحَرَسِ عَلَيْهِمَا، فَهَرَبَ الْفَضْلُ وَضُرِبَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَنْتُوفُ، وَخُرِّقَتْ ثِيَابُهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ قَمِيصِهِ إِلا الزِّيقَ، مَكْشُوفَ الاسْتِ، مُسْتَقْبِلا فَتْقُ اسْتِهِ عَيْنَ الشَّمْسِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ فَدَعَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ ضَرَبَكَ؟ قَالَ: أَهْلُ الدُّنْيَا، مَا رَأَيْتُ إِلا ضَارِبًا.
قَالَ: لَكِنِّي أَدْرِي مَنْ ضَرَبَكَ، عَلَى مَنْ كَانَتِ النَّوْبَةُ؟ قِيلَ: عَلَى فُلانٍ وَفُلانٍ وَفُلانٍ، فَدَعَا بِهِمْ، فَضَرَبَهُمْ أَلْفًا أَلْفًا، وَأَغْزَاهُمُ الثُّغُورَ، وَعَذَّبَ يُوسُفُ خَالِدًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبْلِغَ نَفْسَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ كِتَابُ هِشَامٍ فِي اسْتِخْلاصِهِ إِلَى مَا قَبِلَهُ، فَوَجَّهَهُ إِلَيْهِ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَكَانَ مُقِيمًا بِالشَّامِ إِلَى أَنْ مَاتَ هِشَامٌ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَرَدَّهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ إِلَى يُوسُفَ بِالْعِرَاقِ فَعَذَّبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ