الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه، الذين اتبعوه، فوفقوا أعظم التوفيق في حفظ الرسالة، وأداء الأمانة، ونشر الدعوة، التي خلصت العرب من قيود الوثنية، ومدَّتهم بقوة الإيمان، وحمَّلتهم مسؤولية هداية العالم، فما أنْ فتح العرب الأوائل عيونهم على نور الإسلام، وفهموا القرآن، وأبصروا طريق الحق بعد الضلال، وسعدوا بالمعرفة بعد الجهل - حتى انطلقوا يحملون لواء الحرية، ومشعل النور والعرفان، يضيئون للإنسانية سبيلا، ويوجِّهُون نحو المجد والعزة ركبها، وينقلون العالم إلى السعادة والخير، فكانوا بحق خير أمَّة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
وبعد .. فإنه لم يرق لأعداء الإسلام أنْ يروا هذا الدين، قد صلب عوده، واستوى ساقه، وأثمرت أزهاره، وأينعت ثماره، مما حال بينهم وبين استغلال المسلمين، واستنزاف خيرات بلادهم، وقضى على مصالحهم الاستغلالية، ولم تعد تجدهم وسائل القوة لتحقيق مآربهم والوصول إلى غايتهم، فرأوا أنْ تدسُّوا السم في عقائد المسلمين، ليسلخوهم عنه، فعملوا على تغيير وجه الإسلام وتشويهه بمختلف طرق الدعاية الجذابة، وافتنُّوا في وسائل التبشير المغرية، فشكَّكوا بعض ضعاف القلوب - ممن يحسبون على الإسلام - في تعاليمه وأحكامه، وكان من الصعب عليهم أنْ يعبثوا بالقرآن الكريم الأصل التشريعي الأول، عليهم فحاولوا أنْ يطرقوا باب السُنَّة، فاتهموا كبار نقلتها، وأئمة حُفاظها، لإضعاف جانب عظيم من الحديث النبوي، قاصدين من وراء هذا تشكيك المسلمين
في السُنَّة الطاهرة، ليطرحوها - وهي المفسِّرة المُبيِّنة للقرآن الكريم - فتبعد الشقة بين المسلمين وفهم قرآنهم، ويبدو القرآن غريباً عنهم مع مر الزمن، وبهذا يتم لأعداء الإسلام ما يريدون.
وقد شاعت هذه الأفكار في أبحاث بعض المستشرقين، وحملها عنهم بعض من ينسب إلى أهل العلم، وروجها أشياعهم من أهل الأهواء.
ولكنا نعلم وجميع المنصفين يعلمون أنَّ السُنَّة انتقلت إلينا جيلاً بعد جيل، على أسلم طرق التثبت العلمي، فقد بذل العلماء قصارى جهودهم في سبيل الحفاظ على السُنَّة، فرحلوا في طلب الحديث، وتحمَّلوا مشاق السفر، وتركوا الأهل والأوطان، وحفظوا الأحاديث بأسانيدها، وذكروا طرق كل حديث، وبيَّنوا نقلته عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومازوا الضعيف من الصحيح، ونقدوا الرُواة، نقداً علمياً دقيقاً، ولم يقبلوا الحديث إلَاّ عن الثقات.
وقد أجمعت الأمَّة على عدالة الصحابة، الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخرَّجُوا في حلقاته، وبذلوا النفس والنفيس في سبيل الدعوة إلى الله، وإرساء قواعد الإسلام وحفظ الشريعة الحنيفة.
وكان الصحابي الجليل أبو هريرة أحد كبار الصحابة الذين رَوَوْا عن الرسول الأمين - عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَلَاةِ وَأَتَمِّ التَسْلِيمِ - الكثير الطيب، وروى عنه كثير من التابعين، فكان أكثر صحابي روي عنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك وجه إليه أعداء الإسلام، وبعض أهل الأهواء سهام طعونهم فأعلنوها عليه حرباً شعواء لا هوادة فيها، وتحاملوا عليه، واتهموه في بعض ما روى عنه، واستهزأوا ببعض مروياته، حتى أنَّ بعضهم جعله في مصاف الوضَّاعين والكذَّابين، وفي زُمرة أهل الجحيم.
وقد هالني أنْ أجد راوية الإسلام تلوكه الألسن المغرضة، وتتناوله أقلام الباطل، فرأيت من واجبي كمسلم أولاً، وكمشتغل في السُنَّة وعلومها
ثانيا، أنْ أكشف عن الحقيقة مهما تكن نتائجها، غير منحاز ولا متحامل، قاصداً في هذا وجه الله العلي القدير، لأنصف راوية الإسلام أبا هريرة، وأضع الحق في نصابه، فأقدمت على هذا البحث، تحف به الصعاب من كل جانب، وتناولت أمهات المراجع: المخطوط منها والمطبوع، فإذا بصورة أبي هريرة تبدو واضحة صافية، لا شِيَةَ فيها، تشرق بماض مجيد، وبروح سامية وبنفس طيبة لتكوِّن شخصيته العلمية القوية، فيتجلَّى بطلان تلك الطعون التي وجهت إليه من خلال نظرات خاصة، أو أهواء متبعة، أو غايات هدامة، وتتضح مخالفتها للواقع التاريخي، وللحقيقة العلمية، لهذا رأيت أنْ أستكمل دراسة أبي هريرة بتفنيد تلك الشُبهات التي أثيرت حوله على ضوء دراستي إياه، ولما كان الطعن في أبي هريرة ذريعة للطعن في غيره من الصحابة الكرام - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - لتوهين السُنَّة ورفض العمل بها رأيت من الواجب أنْ أمَهِّدَ للبحث بما يقتضيه فكان الموضوع في تمهيد وبابين:
التمهيد:
تناولت فيه العرب ورسالة الإسلام، ثم تكلمت عن السُنَّة والمقصود بها لغة وشرعاً، ثم بيَّنتُ مكانة السُنَّة من القرآن الكريم، وتماسك الأمَّة بها والمحافظة عليها، والعمل بها، ثم بيَّنت منزلة الصحابة وعدالتهم.
وبعد ذلك تكلمت عن حفظ السُنَّة وصيانتها وانتشارها، وأهم ما صُنِّفَ فيها. لأنَّ في هذا ما يرحض عن السُنَّة الطاهرة أدران أعدائها.
الباب الأول: وفيه فصلان:
الفصل الأول: تناولت فيه حياة أبي هريرة في مختلف مظاهرها، الخاصة والعامة.
الفصل الثاني: حياة أبي هريرة العلمية، بيَّنْتُ فيه نشاط أبي هريرة العلمي، وطرق تحمُّلِهِ الحديث ونشره السُنَّة، ومنزلته العلمية، ورأي العلماء فيه.
الباب الثاني: عرضت فيه ما أثاره بعض أهل الأهواء، وبعض الكاتبين والمستشرقين من طُعُونٍ حوله، وناقشتها وبيَّنت وجه الحق فيها.
وإني لأرجو الله أنْ أكون قد وفِّقْتُ بهذه الطريقة، لعرض الموضوع بشكل يحقق الغاية منه. وأخيراً لا بد لي من أنْ أتوجه بشكري العميق إلى أستاذي الجليل فضيلة الشيخ علي حسب الله، أستاذ الشريعة الإسلامية والدراسات العليا في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فقد تفضَّلَ عليَّ بقراءته هذا البحث، قراءة دقيقة فأفدت من ملاحظاته، مِمَّا شجَّعني على التفكير في طبعه ونشره، دفاعاً عن السُنَّة الطاهرة، وعن رُواتها الأمناء؛ فجزاه الله خير الجزاء.
وختاماً .. أرجو كل من يطلع على هذ الكتاب، فيجد فيه ما يحتاج إلى تعديل أو تبديل، أنْ يفيدني بما عنده ..
والله الموفق إلى الصواب
محمد عجاج الخطيب
القاهرة: 10 رمضان سنة 1381 هـ - 15 فبراير سنة 1962 م.
***