الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ج] أبو هريرة وعَلِيٌّ بن أبي طالب رضي الله عنهما
-:
لم يحمل مصدر موثوق بين دفَّتيه ما يثبت أنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَذَّبَ أبا هريرة أو نهاه عن التحديث، إلَاّ أنَّ بعض أعداء أبي هريرة يستشهدون برواية عن أبي جعفر الإسكافي أنَّ عَلِيًّا لما بلغه حديث أبي هريرة قال:«أَلَا إِنَّ أَكْذَبَ النَّاسِ - أَوْ قَالَ أَكْذَبَ الأَحْيَاءِ - رَسُولِ اللَّهِ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ» (1). هذه رواية ضعيفة مردودة لأنها من طريق الإسكافي وهو صاحب هوى دَاعٍ إلى هواه غير ثقة.
ومنها ما أروده النَظَّام على أبي هريرة أنَّ عَلِيًّا بلغه قول أَبِي هُرَيْرَةَ: «قَالَ خَلِيلِي، وَحَدَّثَنِي خَلِيلِي» فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «مَتَى كَانَ النَبِيُّ خَلِيلُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» (2). ومن الغريب أنَّ عبد الحُسين ينقل هذا في كتابه ويعزوه إلى ابن قتيبة (3)، بينما ينقله ابن قتيبة عن النظَّام ليرُدَّ عليه، وهذا خطأ كبير، إنْ لم يكن تدليساً لا يغتفر مثله مِمَّنْ ادَّعَى البحث العلميَّ والذوق الفني.
وَرَدَّ ابن قتيبة قول النظَّام بما مُلخَّصُهُ: أنَّ الخُلَّة بمعنى المصافاة والصداقة درجتان إحداهما ألطف من الأخرى، فمن الخلة التي هي أخص قول الله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (4).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً» . وأما الخلة التي تعم هي الخلة التي جعلها الله تعالى بين المؤمنين فقال: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (5).
(1)" شرح نهج البلاغة ": ص 468، جـ 1 و " أبو هريرة ": ص 273.
(2)
" تأويل مختلف الحديث ": ص 27 و 51.
(3)
" أبو هريرة ": ص 273. وما زاده ابن قتيبة في الصفحة [52] من " تأويل مختلف الحديث " (إذ كان سيِّئ الرأي فيه) لا يضير أبا هريرة لأنَّ ابن قتيبة إنما يبيِّن للنظَّام سبب قول عَلِيٍّ رضي الله عنه ويَرُدُّ عليه افتراءه على أبي هريرة.
(4)
[النساء: 125].
(5)
[الزخرف: 67].
فَعَلِيٌّ رضي الله عنه يقصد النوع الأول فأنكر عليه قوله لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتَّخّ خليلاً من هذا النوع ولو اتَّخذ لاتَّخذ أبا بكر رضي الله عنه، وذهب أبو هريرة إلى الخلة التي جعلها الله تعالى بين المؤمنين، والولاية فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الجهة خليل كل مؤمن ووَلِيُّ كل مسلم (1). وهل في هذا تكذيب لأبي هريرة!؟.
ومن أعجب ما رأيت في هذا الباب ما ادَّعاهُ النظَّام إذ قال: «وَبَلَغَ عَلِيًّا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَبْتَدِئُ بِمَيَامِنِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَفِي اللِّبَاسِ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، فَبَدَأَ بِمَيَاسِرِهِ، وَقَالَ: لأُخَالِفَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ» (2). وقد نقل هذا الخبر عبد الحُسين، ومِمَّا يؤسف له أنه عزاه إلى ابن قتيبة (3)، وابن قتيبة بريء منه إنما أورده للردِّ على النظَّام، وهكذا نعود ثانية فنكشف عن عدم الأمانة العلمية التي ثبتت على المؤلف في أكثر من موضع.
هل يقبل إنسان يحب عَلِيًّا رضي الله عنه، ويرى فيه إمام أهل البيت وحامل راية الحق، وأمير المؤمنين الذي «مع القرآن والقرآن مع عَلِيٍّ لن يفترقا حتى يَرِدَا الحوض على رسول الله، وعَلِيٌّ مع الحق والحق مع عَلِيٍّ يدور معه كيف دار» (4). هل يقبل إنسان يؤمن بهذا أنْ يصدر عن إمامه مثل هذا الخبر؟. بل هل يُصَدِّقُ مثل تلك الرواية؟. وأغرب من هذه وتلك أنه يورد هذه القصة ليستشهد بها على طعن أمير المؤمنين عَلِيٌّ رضي الله عنه، وإنَّ عَلِيًّا بريء من هذا الحادثة، وإني لأؤكد أنَّ هذه الرواية موضوعة وقد صنعتها يد أعداء أمير المؤمنين، بل إنَّ كل من يدَّعِي صحتها نشك في حُبِّهِ لعَلِيٍّ رضي الله عنه. وهو الذي ثبت عنه في الصحاح: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ،
…
فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَلا أَتَوَضَّأُ لَكَ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -
(1) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص 52.
(2)
المرجع السابق: ص 27 وانظر " قبول الأخبار ": ص 59.
(3)
" أبو هريرة ": ص 273، قال في الهامش:«العُهدة في هذه الرواية على ابن قتيبة» .
(4)
هذا ما نصَّ عليه مؤلف كتاب " أبي هريرة " في الصفحة 273 - 274.