الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يسرد الكاتب ألواناً موجزة مما سنعرض له بما يتناسب وهذه الرسالة الموجزة. أتحرَّى الحق، غير منحاز إلى فئة أو متأثر بهوى، أبحث ما جاء في كتابه وأشير أحياناً إلى ما ذكره بعض الطاعنين في أبي هريرة إذا ما اقتضى الأمر، لاشتراك المؤلف وبعض الطاعنين في فكرة ورأي .. ، وستكون هذه الدراسة على ضوء ما عرفناه من حياة أبي هريرة، وعلمه في الباب السابق، ولن أبادل الطاعنين استهزاءهم وازدراءهم لأبي هريرة، بازدراء مثله، ولن أَرُدَّ شتائمهم وسبابهم وافتراءاتهم بمثل ما فعلوا، لأنَّ المنهج العلمي يأبى هذا كله.
…
1 - اسمه ونسبه:
يقول الكاتب: «كان أبو هريرة غامض الحسب، مغمور النسب، فاختلف الناس في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً. لا يحاط ولا يضبط في الجاهلية والإسلام. وانما يُعرف بكُنيته. وينسب إلى دَوْسٍ» [صفحة 2].
أراد أنْ يَغُضَّ من قدر أبي هريرة، ويغمز نسبه لأنه لم يكن معروفاً في الجاهلية، ولاختلاف الناس في اسمه، ومتى كان الاختلاف في اسم إنسان يشينه أو يسقط عدالته؟ ويكفي أنْ نعرفه بكنيته كما عرفنا أبا بكر وأبا عُبيدة وأبا دُجانة الأنصاري، وأبا الدرداء، الذين اشتهروا بكُناهم وعابت أسماؤهم عن كثير من الناس .. ولم نسمع في يوم من الأيام أنَّ الحسب والنسب يقدم صاحبه في المفاضلة العلمية أو يؤخِّرُهُ. ثم إنه اشتهر بكُنيته من صغره وعرفه الناس جميعاً بذلك، فما يضيره أنْ يعرف بكنيته ويختلف اسمه؟ والاختلاف في الاسم طبيعي وبدهي لا في أبي هريرة وحده بل في كل إنسان عرف بكنيته منذ نعومة أظفاره، ولم هذه الحملة وإيهام القارئ بأنَّ اسمه لا يحاط به ولا يضبط؟ ومَرَدُّ الخلاف فيه إلى ثلاثة أسماء (عُمير وعبد الله وعبد الرحمن) كما قال ابن حجر (1) وقد اختلف في
(1)" الإصابة ": 7/ 201.
اسم غيره على أكثر من ذلك ولم ير فيهم عيباً أو مطعناً بسبب ذلك!!.
ثم يقول: «وكنى أبا هريرة بِهِرَّةٍ صغيرة كان مغرماً بها، ولعلَّ من غرامه بها حَدَّثَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ امرأة دخلت النار في هِرَّةٍ ربطتها» [صفحة 3 - 4].
إنَّ أبا هريرة الطفل الصغير الذي كان يرعى غنم أهله، ويداعب هرَّته في نهاره ويضعها في شجرة أثناء الليل، ما كان يظن ولا يتوقَّعُ أنْ تصبح كنيته سبب مهانته وازدرائه، فأيُّ عار لأبي هريرة في كُنيته وأيُّ إثم اقترفه حين لقَّبه أهله بذلك.
ثم نحن أمام زعم خطير من المؤلف، فإما يتَّهمه أنه يضع حديث الهرَّة على رسول الله، أو أنه سمعه فحدَّث به، فإنْ كانت الأولى، فمعاذ الله أنْ يجرؤ أبو هريرة ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل هِرَّتِهِ التي رافقته في صغره، ثم إنَّ الحديث قد رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والدارمي وابن ماجه. وصحيح أنَّ راويه في مسلم أبو هريرة وحده وأما البخاري فلم ينفرد به أبو هريرة بل رواهُ أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وأسماء بنت أبي بكر (1)، فهل هؤلاء شاطروا أبا هريرة في كذبه!!؟ أم أنَّ لهؤلاء هِرَراً حملتهم على وضع مثل حديث أبي هريرة!!!؟ إنَّ الحقيقة تَرُدُّ هذا الافتراض والتخمين الذي تَصَوَّرَهُ المؤلف.
وإذا كان المؤلف يقصد الثانية وهي سماع أبي هريرة الحديث والتحديث به، فأيَّ جريمة يقترفها من يُبَلِّغُ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حضَّ الصحابة على نقل وتبليغ حديثه؟ فهل يؤخذ على أبي هريرة أمر منكر في هذا!!؟ أم أنَّ المؤلف نظر من زاوية خاصة إلى راوية الإسلام فكانت لا تعكس عليه إلَاّ ما في نفسه من الظلمات؟.
نحن في موضع الحكم على صحابي، بل على إنسان له شعوره وكرامته،
(1)" فتح الباري ": 5/ 439 و " صحيح مسلم ": 4/ 2023 و 2110.