الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السُنَّة ومكانتها من القرآن الكريم:
لم يكن للأحكام في عهد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام مصدر سوى الكتاب والسُنَّة. ففي كتاب الله تعالى الأصول العامة للأحكام الشرعية، دون التعرض إلى تفصيلها جميعها، والتفريع عليها، إلَاّ ما كان منها متفقاً مع الأصول العامة ثابتاً بثبوتها، لا يتغيَّر بمرور الزمن، ولا يتطور باختلاف الناس في بيئاتهم وأعرافهم، كل هذا حتى يٌحقِّق القرآن الكريم النهضة الإنساية الشاملة، والرقيَّ الاجتماعي والفكري، وينشر العدالة والسعادة، في كل زمن، ويبقى صالحاً لكل أمَّة مهما كانت بيئتها وأعرافها، فتجد فيه ما يكفل حاجتها التشريعية في سبيل النهوض والتقدم، وإلى جانب هذه الأصول في القرآن الكريم نجد العقائد والعبادات وقصص الأمم الغابرة، والآداب العامة والأخلاق ..
وقد جاءت السُنَّة في الجملة موافقة للقرآن الكريم، تُفَسِّرُ مُبْهَمَهُ، وتُفَصِّلُ مُجْمَلَهُ، وتُقَيِّدُ عامَّهُ، وتشرح أحكامه وأهدافه، كما جاءت بأحكام لم ينص عليها القرآن الكريم، تتمشى مع قواعده، وتحقِّق أهدافه وغاياته، فكانت السُنَّة تطبيقاً عملياً لم جاء به القرآن العظيم، تطبيقاً يتَّخذ مظاهر مختلفة، فحيناً يكون عملاً صادراً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وحيناً آخر يكون قولاً يقوله في مناسبة، وحيناً ثالثاً يكون تصرُّفاً أو قولاً من أصحابه صلى الله عليه وسلم، فيرى العمل أو يسمع القول ثم يُقِرُّ هذا وذاك، فلا يعترض عليه ولا ينكره، بل يسكت عنه أو يستحسنه فيكون منه تقريراً.
وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبيِّنُ ما جاء في القرآن الكريم، والصحابة يقبلون ذلك منه، لأنهم مأمورون باتِّباعه وطاعته، ولم يخطر ببال امرئ منهم أنْ يترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله، وقد عرفوا ذلك من كتاب الله تعالى، ففيه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (1){وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} (2)، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3){وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4){فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (5).
وقوله عز وجل: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (6). فأوكل الله عز وجل بيان أحكام القرآن الكريم إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. وغير ذلك من الآيات الكريمة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (7)، وقال:«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (8)، وقد أجمعت الأمَّة على العمل بسُنَّة الرسول الكريم.
فتقبَّل المسلمون السُنَّة من الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقبَّلوا القرآن الكريم، استجابة لله عز وجل وللرسول الأمين، لأنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم بشهادة الله عز وجل ورسوله، وإذا اعتبرنا السُنَّة المصدر الثاني، إنما نعتبرها من حيث إنها مفسرة لكتاب الله، مُفَصِّلَةٌ مُجْمَلَهُ، مُبَيِّنةٌ أحكامه ومقاصده، مُفَرَّعة على أصوله وقواعده، لهذا كان الكتاب هو المصدر الأول والسُنَّة هي المصدر الثاني، ومع هذا فإنَّ ما استقلَّت به السُنَّة من أحكام لم ينص عليها القرآن الكريم، وليست بياناً له، ولا تطبيقاً مؤكداً لما جاء في كتاب الله - لا تقل في المنزلة عن
(1)[الفتح: 10].
(2)
[المائدة: 92].
(3)
[النساء: 80].
(4)
[الحشر: 7].
(5)
[النساء: 65].
(6)
[النحل: 44].
(7)
أخرجه أبو داود في " سُننه ".
(8)
" سُنن أبي داود ": ص 506، جـ 2.
الأحكام التي نص عليها الله عز وجل في القرآن الكريم، ذلك لأنَّ ما يسُنُّهُ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يكون إلَاّ حقاً، والله عز وجل لا يقر الرسول صلى الله عليه وسلم على اجتهاد خطأ، بل ينزل الوحي ويُصَحِّحُ له اجتهاده، فكل حكم ثبت من طريق السُنَّة وجب اتِّباعه، لأنه حكم الله لعباده على لسان رسوله. وقد ثبتت عدة أحكام بالسُنَّة من غير أنْ ينُصَّ عليها الكتاب الكريم، كتحريم أكل الحُمُر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، وتحريم نكاح المرأة على عمَّتها أو خالتها (1). ولم يفكر مسلم في ترك بعضها لأنها لم تذكر في الكتاب، بل استجاب لذلك جميع المسلمين مُطبِّقين أمر الله عز وجل في اتِّباع سُنَّة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نزل فيه قول الله عز وجل:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (2).
قال ابن قيم الجوزية: «وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (3).
فأمر الله بطاعته وطاعة رسوله، وأعاد الفعل إعلاماً بأنَّ طاعة الرسول تجب استقلالاً من غير عرض ما أمر به على الكتاب، بل إذا أمر وجبت طاعته مطلقاً، سواء أكان ما أمر به في الكتاب أو لم يكن فيه، فإنه أوتي الكتاب ومثله معه، ولم يأمر بطاعة أولي الأمر استقلالاً، بل حذف الفعل وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذاناً بأنهم إنما يطاعون تبعاً لطاعة الرسول. فمن أمر منهم بطاعة الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ما جاء به الرول فلا سمع له ولا طاعة» (4).
(1) انظر " الرسالة " للإمام الشافعي: ص 92 وما بعدها، و " أعلام الموقعين ": ص 288 - 290 جـ 2. و " أصول التشريع الإسلامي ": ص 42 وما بعدها. وانظر (موضوع السُنَّة ومكانتها من القرآن الكريم) من كتابنا " السُنَّة قبل التدوين ".
(2)
[النجم: 3، 4].
(3)
[النساء: 59].
(4)
" أعلام الموقعين "، ص 48، جـ 1.
فالقرآن والسُنَّة مصدران تشريعيان متلازمان. لا يمكن لمسلم أنْ يفهم الشريعة إلَاّ إذا رجع إليهما معاً، ولا غنى لمجتهد أو عالم عن أحدهما، ولا يجرؤ أنْ يدعى هذا أحد.
فقد فرض الله تعالى الصلاة على المؤمنين، من غير أنْ يُبَيِّنَ أوقاتها وأركانها وعدد ركعاتها. فبَيَّنَ الرسول الكريم هذا بصلاته، وتعليمه المسلمين كيفية الصلاة، وقال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (1)، وفرض الله عز وجل الحج من غير أنْ يُبَيِّنَ مناسكه، وقد بَيَّنَ الرسول الأمين كيفيته، وقال:«خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (2). وقد فرض الله تعالى الزكاة من غير أنْ يبين ما تجب فيه من أموال وعروض وزروع، كما لم يبين النصاب الذي تجب فيه الزكاة من كل، وأوكل بيانه للرسول الكريم الذي أوضحه وفَصَّلَهُ بسُنَّته، وغير ذلك من الأحكام التي بَيَّنَتْهَا السُنَّةُ.
لهذا كله رأينا الصحابة يلتفُّون حول الرسول صلى الله عليه وسلم يشاهدون بعيونهم، ويسمعون بآذانهم وتَعِي قلوبهم، ويتمسَّكون بسُنَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، ولا يفرِّقُون بين ما جاء في القرآن وما جاء في السُنَّة، وقد امتثل الصحابة لأوامر الله عز وجل ورسوله، ونفَّذُوها مخلصين، وحَمَوْا الشريعة بالمال والدماء، في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته.
وحافظوا على الكتاب الكريم والسُنَّةِ الشريفة وأَبَوْا أنْ يكونوا ذك الرجل الذي ينطبق عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «يُوشِكُ الرَجُلُ مُتَّكِئًا عَلى أرِيكَتِهِ، يُحَدِّثُ بَحَدِيث مِنْ حَدِيثي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ عز وجل، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَال اسْتَحْلَلْنَاهُ، ومَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وإنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ مِثْلُ مَا حَرَّم اللهُ» (3) بل وقفوا من
(1) أخرجه البخاري في حديث طويل. انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 125 - 126، جـ 1. و ص 52، جـ 4.
(2)
" صحيح مسلم ": ص 943، جـ 2. وانظر " جامع بيان العلم وفضله ": ص 190 جـ 2.
(3)
" سنن ابن ماجه ": ص 6، جـ 1. و " سُنن البيهقي ": ص 6، جـ 1. وراهُ المقدام بن معدي كرب.
السُنَّة موقفاً عظيماً، وردُّوا على كل من فهم ذاك الفهم. روى أبو نضرة عن عمران بن حُصين:«أنَّ رجلاً أتاه فسأله عن شيء، فحدَّثه، فقال الرجل: حدِّثُوا عن كتاب الله عز وجل، ولا تحدِّثُوا عن غيره، فقال: إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ!! أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لَا يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ» ، وعَدَّ الصلوات، وعَدَّ الزكاة ونحوها، ثُمَّ قَالَ:«أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ كِتَابُ اللَّهِ أَحْكَمَ ذَلِكَ، وَالسُّنَّةَ تُفَسِّرُ ذَلِكَ» (1).
ونهج التابعون وأتباعهم والمسلمون من بعدهم سبيل الصحابة في المحافظة على السُنَّة والعمل بها وإجلالها، قال رجل للتابعي الجليل مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: لَا تُحَدِّثُونَا إِلَاّ بِالْقُرْآنِ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ:«وَاللَّهِ مَا نُرِيدُ بِالْقُرْآنِ بَدَلاً، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِالْقُرْآنِ مِنَّا» (2).
وأخبار اقتداء الصحابة بالرسول صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سُنَّته تفوق الحصر، وسأورد بعضها على سبيل الذكرى.
أتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر تطلب سهم رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال لها: «إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ عز وجل، إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ جَعَلَهُ لِلَّذِي يَقُومُ بَعْدَهُ "، فَرَأَيْتُ أَنْ أَرُدُّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ» . فَقَالَتْ: فَأَنْتَ وَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ (3).
وقال في رواية: «لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إِلَاّ عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ» (4).
وفي وقعة اليرموك كتب القادة إلى عمر بن الخطاب: «إِنَّهُ قَدْ جَاشَ إِلَيْنَا الْمَوْتُ» يستمدونه فكان فيما أجابهم: «إِنِّي أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ هُوَ أَعَزُّ
(1)" كتاب العلم " للمقدسي، مخطوطة الظاهرية: ص 51. و " جامع بيان العلم وفضله ": ص 191، جـ 2.
(2)
" جامع بيان العلم وفضله ": ص 191، جـ 2.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 160، جـ 1، بإسناد صحيح.
(4)
" مسند الإمام أحمد ": ص 167، جـ 1، بإسناد صحيح.
نَصْرًا، وَأَحْضَرُ جُنْدًا، اللهُ عز وجل، فَاسْتَنْصَرُوهُ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَدْ نُصِرَ يَوْمِ بَدْرٍ فِي أَقَلَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَقَاتَلُوهُمْ وَلا تُرَاجِعُونِي» (1).
ويرى عمر رضي الله عنه الناس قد أقبلوا على طيِّبات الدنيا مما أحلَّ لهم الله تعالى، فيُذَكِّرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:«لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلا يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ» (2).
وقال سعيد بن المسيب: رَأَيْتُ عُثْمَانَ قَاعِدًا فِي الْمَقَاعِدِ «فَدَعَا بِطَعَامٍ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، فَأَكَلَهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ فَصَلَّى» ، ثُمَّ قَالَ عُثْمَانُ:«قَعَدْتُ مَقْعَدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَكَلْتُ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ وَصَلَّيْتُ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (3).
وروى الإمام أحمد أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، شَرِبَ قَائِمًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ، فَقَالَ:«مَا تَنْظُرُونَ؟ إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا، فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَائِمًا، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا، فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَشْرَبُ قَاعِدًا» (4).
وقد اشتهر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بمحافظته الشديدة على سُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الرسول أسوته في كل شيء، في صلاته وحَجِّهِ وصيامه، وفي جميع أحواله (5)، وكثيراً ما كان يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (6).
(1)" مسند الإمام أحمد ": ص 304، جـ 1. بإسناد صحيح.
(2)
" مسند الإمام أحمد ": ص 224 و 307، جـ 1. بإسناد صحيح. والدقل: هو رديء التمر ويابسه.
(3)
" مسند الإمام أحمد ": ص 378، جـ 1. بإسناد صحيح. والمقاعد: مكان في المسجد كانوا يتوضأون عنده.
(1)
" مسند الإمام أحمد ": ص 130، جـ 2. و ص 179، جـ 2 منه أيضاً.
(5)
انظر ما رويناه عنه في كتابنا " السُنَّة قبل التدوين " في الباب الثاني، الفصل الأول: اقتداء الصحابة والتابعين بالرسول صلى الله عليه وسلم.
(6)
[الأحزاب: 21].
قيل لعبد الله بن عمر: لا نَجِدُ صَلاةَ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «
…
إِنَّ اللَّهَ عز وجل بَعَثَ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَلا نَعْلَمُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا نَفْعَلُ كَمَا رَأَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ» (1) وفي رواية قال:«وَكُنَّا ضُلَاّلاً فَهَدَانَا اللَّهُ بِهِ، فَبِهِ نَقْتَدِي» (2).
والأخبار عن الصحابة والتابعين وأهل العلم من بعدهم كثيرة جداً. نختتمها بهذا الخبر، فقد روى ابن ماجه أنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيَّ، النَّقِيبَ، صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: غَزَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَرْضَ الرُّومِ، فَنَظَرَ إِلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَبَايَعُونَ كِسَرَ الذَّهَبِ بِالدَّنَانِيرِ، وَكِسَرَ الْفِضَّةِ بِالدَّرَاهِمِ، فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَأْكُلُونَ الرِّبَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا تَبْتَاعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، إِلَّا مِثْلاً بِمِثْلٍ، لَا زِيَادَةَ بَيْنَهُمَا وَلا نَظِرَةً» ، فَقَالَ: لَهُ مُعَاوِيَةُ: «يَا أَبَا الْوَلِيدِ، لا أَرَى الرِّبَا فِي هَذَا، إِلا مَا كَانَ مِنْ نَظِرَةٍ» ، فَقَالَ عُبَادَةُ:«أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتُحَدِّثُنِي عَنْ رَأْيِكَ لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ لا أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ لَكَ عَلَيَّ فِيهَا إِمْرَةٌ» ، فَلَمَّا قَفَلَ لَحِقَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:«مَا أَقْدَمَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، وَمَا قَالَ مِنْ مُسَاكَنَتِهِ، فَقَالَ: «ارْجِعْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِكَ، فَقَبَحَ اللَّهُ أَرْضًا لَسْتَ فِيهَا وَأَمْثَالُكَ» ، وَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: لا إِمْرَةَ لَكَ عَلَيْهِ، وَاحْمِلِ النَّاسَ عَلَى مَا قَالَ، فَإِنَّهُ هُوَ الأَمْرُ» (3).
وأولئك صحابة رسول الله الذين لم يرضوا ترك سُنَّةً كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقبلوا مع السُنَّة رأي أحد مهما كان شأنه، ومهما عَلَتْ مكانته، أولئك الذين حفظوا الحديث النبوي، ووجَّهُوا
(1 و 2)" مسند الإمام أحمد ": ص 68، و ص 77 جـ 8.
(3)
" سُنن ابن ماجه ": ص 7 جـ 1. كِسَرَ الذَّهَبِ: جمع كسرة، وهي كالقطعة لفظاً ومعنى. نَظِرَةٌ: انتظار، أي أجل.
الأُمَّة إلى السبيل القويم، وحملوا الأمراء على تطبيق أحكام الشريعة، وأبَوْا أنْ يُماروا في دين الله، صادعين بالحق، لا يخافون فيه لومة لائم. وقد كان لهم الفضل الكبير، والشرف العظيم في حمل أحكام الشريعة وحفظها وتبليغها إلى من بعدهم.
***