الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو هريرة في عهد عَلِيٍّ رضي الله عنه
-:
بعد وفاة عثمان رضي الله عنه لم يذكر المؤرِّخُون الثقات أبا هريرة في شيء مِمَّا جرى من الحوادث بين سَنَةَ خمس وثلاثين وسَنَةَ أربعين، التي استشهد فيها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه اللهم إلَاّ ما رواه زياد بن عبد الله البكائي عن عوانه (بن الحكم الكلبي) أنَّ معاوية أرسل بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز - وكان ذلك سَنَةَ أربعين - ودخل المدينة وعليها عامل عَلِيٍّ يومئذٍ أبا أيوب الأنصاري، فَفَرَّ، وطلب بسر البيعة لمعاوية وأتى مكة ثم اليمن، وقتل في اليمن جماعة كثيرة من شيعة عَلِيٍّ رضي الله عنه فلما بلغ عَلِيًّا خبر بسر وجه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فهرب بسر وأصحابه، فطلب جارية البيعة لأمير المؤمنين ولما بلغه استشهاده طلبها للحسن، «وأتى المدينة وابو هريرة يُصلِّي بهم فهرب منه فقال جارية: والله لو أخذت أبا سنور لضربت عنقه» وأخذ البيعة للحسن بن عَلِيٍّ، وأقام يومه ثم انصرف إلى الكوفة وعاد أبو هريرة فصلَّى بهم (1).
إنَّ فرار أبي هريرة من جارية لا يعني قط أنه كان أميراً على المدينة من قبل معاوية، إنما فَرَّ بنفسه خافة بطش قائد فاتح.
وأما غضب جارية عليه فلا يعني أنه كان خصماً لِعَلِيٍّ رضي الله عنهما، ومؤيداً لمعاوية، فقد يكون غضبه لأنه علم إمامته للناس في صلواتهم حين غاب عن المدينة أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، الذي كان أمير المدينة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فظنَّ فيه ظن السوء
…
وأراد البطش به، في حين أنه قدم للصلاة بالناس لجلالة قدره.
والراجح القوي أنَّ أبا هريرة اعتزل هذه الفتن، وحثَّ الناس على اعتزلها، إذ كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
(1)" تاريخ الطبري ": طبع مصر (سَنَةَ 1358 هـ - 1939 م) ص 106 - 107، جـ 4 بإيجاز، وانظر " الكامل " طبع مصر (سَنَةَ 1356 هـ) حيث ذكره من غير سند في ص 193، جـ 3.
ولم يثبت عن أبي هريرة أنه اشترك في تلك الفتن والخلافات، وأما ما ذكره أبو جعفر الإسكافي من أنَّ أبا هريرة كان مع النعمان بن بشير في قدومه من دمشق إلى عَلِيٍّ رضي الله عنه في المدينة، لرفع القتال، وحقن دماء المسلمين، على أنْ تكون الشام ومصر لمعاوية، والحجاز والعراق لعَلِيٍّ، فهذا الخبر لم يصح، ولم يروه مؤرِّخٌ ثقة قط، ولم أجده إلَاّ في " شرح نهج البلاغة "(2)، عن أبي جعفر من غير سند، فكيف نحكم على صحته مع مخالفته لصحيح الأخبار؟.
ولو سلَّمنا جدلاً بصحة هذا الخبر، فإنه لا يدل على اشتراك أبي هريرة في الفتنة، كما لا يدل على تحزُّبه لمعاوية أو لعَلِيٍّ رضي الله عنهما، وإنما يدل على حياده التام، وعلى إجلال الصحابة له، وعلى مكانته عند عَلِيٍّ ومعاوية رضي الله عنهما مِمَّا حمله على محاولة طيبة، وهي إيقاف القتال، وحقن الدماء، ودعوة الفريقين إلى الصلح والسلام. وأنَّ هذه المحاولة تدل على سمو أخلاق أبي هريرة، وحرصه على جمع كلمة المسلمين ونبذ الخلاف، والرجوع إلى الحق.
وبالرغم من أنَّ هذا الخبر لا يدل قطعاً على تشيع أبي هريرة لأحد الفريقين، بل يدل على مكانته ومنزلته بين المسلمين، بالرغم من هذا فإننا نتوقَّف عن الأخذ به إلى أنْ يصح في مصدر موثوق به.
والثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه حُبَّهُ لأهل البيت، فقبل صفحات ذكرت حبه للحسن بن عَلِيٍّ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ -، وقد روى مساور مولى بني سعد بن بكر قال: رأيت أبا هريرة قائماً في المسجد يوم مات
(1)" فتح الباري ": ص 426، جـ 7. و " مسند الإمام أحمد " ص 208، جـ 14.
(2)
انظر " شرح نهج البلاغة " طبع دار الفكر ببيروت: ص 260، جـ 1.