الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله عليه الصلاة والسلام: «هَذَا غُلَامُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . فَيَقُولُ: «هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ» فَيُعْتِقُهُ (1).
لقد أعتق أبو هريرة مملوكه قربة لله، فرحاً مسروراً، وهو أحوج ما يكون إليه، فعوَّضهُ اللهُ خيراً منه، الإسلام وصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا قُرَّةُ عَيْنٍ له، وسعادة أبدية، تفوق كل سعادة.
وكان يحب أنْ يتصدَّق من ماله، ليشعر بالراحة النفسية، وينال أجره مرتين، قيراط لعمله وآخر لصدقته، يُرْوَى عنه أنه قَالَ: دِرْهَمٌ يَكُوْنُ مِنْ هَذَا - وَكَأَنَّهُ يَمْسَحُ العَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ - أَتَصَدَّقُ بِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، وَمائَةِ أَلْفٍ، مِنْ مَالِ فُلَانٍ» (2).
…
ولايته في عهد عمر رضي الله عنه
-:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أرسل أبا هريرة مع العلاء الحضرمي إلى البحرين لينشر الإسلام ويُفَقِّهَ المسلمين ويُعلِّمهم أمور دينهم، فَحَدَّثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفتى الناس.
وفي عهد عمر رضي الله عنه استعمله على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: «اسْتَأْثَرْتَ بِهَذِهِ الأَمْوَالِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَعَدُوَّ كِتَابِهِ؟.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَقُلْتُ لَسْتُ بِعَدُوَّ اللَّهِ، وَلَا عَدُوَّ كِتَابِهِ، وَلَكِنِّي عَدُوُّ مَنْ عَادَاهُمَا» .
قَالَ: «فَمِنْ أَيْنَ هِيَ لَكَ؟» . قُلْتُ: «خَيْلٌ نَتَجَتْ، وَغُلَّةُ رَقِيقٍ لِي، وَأُعْطِيَةٌ تَتَابَعَتْ عَلَيَّ» .
(1)" البداية والنهاية ": ص 104، جـ 8. و " سير أعلام النبلاء ": ص 446، جـ 2.
(2)
" سير أعلام النبلاء ": ص 442، جـ 2. في سنده مقال لأنَّ هشام بن عروة يرويه عن رجل عن أبي هريرة، ومع هذا فليس بعيداً عن أبي هريرة أنْ يقول هذا.
فَنَظَرُوا، فَوَجَدُوا كَمَا قَالَ (1).
وفي رواية عنه: «خَيْلٌ لِي تَنَاتَجَتْ وَسِهَامٌ لِيَ اجْتَمَعَتْ. فَأَخَذَ مِنِّي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا» .
وفي رواية همام بن يحيى، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طليحة: أنَّ عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين، قال: أظلمت أحداً؟ قال: لا. قال: فما جئت به لنفسك؟ قال: عشرين ألفاً. قال: من أين أصبتها؟ قال: كنت أتجر. قال: انظر رأس مالك ورزقك، فخذه واجعل الآخر في بيت المال (3).
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: «كَيْفَ وَجَدْتَ الإِمَارَةَ؟» قَالَ: «بَعَثْتَنِي وَأَنَا كَارِهٌ، وَنَزَعْتَنِي وَقَدْ أَحْبَبْتُهَا» . وَأَتَاهُ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ:«أَظْلَمْتَ أَحَدًا؟» قَالَ: «لَا»
…
قَالَ: «فَمَا جِئْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ؟» قَالَ: «عِشْرِينَ أَلْفًا» . قَالَ: «مِنْ أَيْنَ أَصَبْتَهَا؟» ، قَالَ:«كُنْتُ أَتَّجِرُ» ، قَالَ:«انْظُرْ رَأْسَ مَالِكٍ وَرِزْقَكَ، فَخُذْهُ وَاجْعَلِ الآخَرَ في بيت المال» (3).
فقد قاسمة عمر رضي الله عنه مع جملة من العُمَّال، وكان أبو هريرة يقول:«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَمِيرِِ المُؤمِنِينَ» (4).
وبعد ذلك دعاه عمر ليوليه، فأبى، فقال:«تَكْرَهُ الْعَمَلَ وَقَدْ طََلَبَ العَمَلَ مَنْ كَانَ خَيْراً مِنْكَ، يُوسُفُ عليه السلام!؟» .
فقال: «يُوسُفُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، وَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ بْنُ أُمَيْمَةَ، وَأَخْشَى مِنْ عَمَلِكُمْ ثَلَاثاً وَاثْنَتَيْنِ» . قَالَ: «فَهَلَاّ قُلْتَ خَمْساً؟» . قَالَ: «لَا، أَخَافُ أَنْ أَقُوْلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَقْضِيَ بِغَيْرِ حِلْمٍ، وَأَنْ يُضْرَبَ ظَهْرِي، وَيُنْزَعَ مَالِي، وَيُشْتَمَ عِرْضِي» (5).
…
(1)" تاريخ الإسلام ": ص 338، جـ 2. و " البداية والنهاية ": ص 111 و 113، جـ 8. و " عيون الأخبار ": ص 53، جـ 1. و " حلية الأولياء ": ص 380، جـ 1 ، و " قبول الأخبار ": ص 57.
(2)
" طبقات ابن سعد ": 4: 2/ 59. وكلاهما من رواية محمد بن سيرين والإسناد صحيح وإنما جمعت بين الروايات ليتم الانسجام بين أول القصة وآخرها.
(3)
" طبقات ابن سعد ": 4: 2/ 60. و " تاريخ الإسلام ": ص 338، جـ 2. و " تهذيب التهذيب ": ص 267، جـ 12. و " سير أعلام النبلاء ": ص 444، جـ 2.
(4)
" طبقات ابن سعد ": 4: 2/ 60.
(5)
انظر " طبقات ابن سعد ": 4: 2/ 59. و " سير أعلام النبلاء ": ص 441، جـ 2، من رواية معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين، وكانت ولاية أبي هريرة على البحرين بين سنة (21 - 23 هـ) بعد وفاة علاء الحضرمي. وانظر الباب الثاني من هذا الكتاب حيث رَدَدْنَا بعض الشُبُهات التي أثيرت حول أبي هريرة وانظر الفقرة (4 - على عهد الخليفتين).