الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد كان يرعى غنم أهله وهو صغير، ويداعب هِرَّتَهُ في النهار، فإذا جَنَّ الليلُ وضعها في شجرة، حتى إذا كان النهار أخذها ولعب بها، وفي " صحيح البخاري " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«يَا أَبَا هِرٍّ» كما ثبت أنه قال له: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . وكان يقول: «لَا تُكَنُّونِي أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَنَّانِي أَبَا هِرٍّ. وَالذَكَرُ خَيْرٌ مِنَ الأُنْثَى» .
…
هيئته وأوصافه الجسمية:
(1)
كان أبو هريرة رجلاً آدم بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثنيتين، يخضب شيبه بالحُمرة، وكان أبيض ليناً لحيته حمراء، ورآه خباب بن عروة وعليه عمامة سوداء.
…
نشأته قبل الإسلام:
لا نعرف شيئاً كثيراً عن أبي هريرة قبل إسلامه، إلَاّ ما كان يرويه عن نفسه، فقد ولد في اليمن، ونشأ فيها، يرعى غنم أهله، ويخدمهم، كما نشأ أترابه، نشأة القبيلة والبادية، تلك النشأة العربية الخالصة.
وقد توفي والده وهو صغير، فنشأ يتيماً، وقاسى شظف العيش، حتى مَنَّ الله عليه بالإسلام فكان له فيه الخير كله. وأخبار أبي هريرة في تلك الفترة قليلة، لا نفيد من تتبعها شيئاً بقدر ما نفيد من معرفة أخباره في الإسلام.
…
إسلامه وهجرته:
كان الطُفيل بن عمرو الدوسي رجلاً شريفاً مليئاً كثير الضيافة، وكانت قريش تعرف منزلته في قومه، وما أنْ عرفت قدومه إلى مكة بعد نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم حتى انطلق إليه رجال منها يقولون له:
(1) انظر المراجع السالف ذكرها.
«إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرَّق جماعتنا، وشتَّتَ أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرِّقُ بن الرجل وأبيه
…
» أرادوا بهذا أنْ يصُدُّوهُ عن الإسلام، واقتنع الطفيل بقولهم ونوى ألَاّ يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يؤخذ بسحره كما ادَّعُوا
…
وذهب الطفيل إلى الكعبة، وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فسمع كلامه فأعجب به، وأبَى الله إلَاّ أنْ يفتح قلبه للإيمان، وذهب مع الرسول الكريم إلى داره فعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن، فشعر بحلاوة الإيمان، و طلب من الرسول أنْ يدعو له، وأن يجعل الله له عوناً في حمل الإسلام إلى قومه ودعوتهم إليه، فقال صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً» فوقع له نور بين عينيه، فقال: يا رسول الله .. أخشى أنْ يقول قومي هي مثلة، فرجع النور إلى طرف سوطه، فكان يضيء في الليل، ولهذا لُقِّب بذي النور (1).
وعاد الطفيل إلى قومه فدعا أبويه إلى الإسلام، فأسلم أبوه، ولم تسلم أمه، ودعا قومه فأجابه أبو هريرة وحده، وأبطأ عليه قومه، فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بإبطاء قومه، وقال له: ادع عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً» وفي رواية: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْساً وَائْتِ بِهَا» ، وقال له:«اخْرُجْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ وارْفِقْ بِهِمْ» ، فخرج إلى قومه فلم يزل بأرض دوس يدعوها حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزل المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لهم مع المسلمين، وقال الطفيل: «قلنا يا رسول الله .. اجعلنا ميمنتك، واجعل
(1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 175 و 176، قسم 1، جـ 4. وانظر " الإصابة ": ص 287، جـ 3. و " جمهرة أنساب العرب ": ص 360 - 361.
شعارنا مبرور، ففعل، فشعار الأزد كلها إلى اليوم مبرور» (1).
هكذا أسلم أبو هريرة قديماً وهو بأرض قومه، على الطفيل بن عمرو، وكان ذلك قبل الهجرة النبوية، وأما هجرته من اليمن إلى المدينة فقد كانت في ليالي فتح خيبر، ورواية أبي هريرة لهجرته توكِّدُ لنا قدم إسلامه.
قال أبو هريرة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وقدمت المدينة مهاجراً، فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة - وكان استخلفه - فقرأ في السجدة الأولى بسورة «مريم» ، وفي الآخرة «ويل للمطففين» (2) فقلت في نفسي:«ويل لأبي فلان - لرجل كان بأرض الأزد - وكان له مكيالان، مكيال يكيل به لنفسه ومكيال يبخص به الناس» (3). وفي رواية: «ويل لأبي! قل رجل كان بأرض الأزد، إلَاّ وكان له مكيالان. مكيال لنفسه، وآخر يبخس به الناس» (4).
وقد ثبت في " صحيح البخاري " أنه ضلَّ غلام له في الليلة التي اجتمع في صبيحتها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه جعل ينشد:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا
…
عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الكُفْرِ نَجَّتِ
فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع غلامه، فقال له عليه الصلاة والسلام:«هَذَا غُلَامُكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» !! فقال: «هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ» (5).
وقد لازم النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى آخر حياته، وقصر نفسه على خدمته، وتلقَّى العلم الشريف منه صلى الله عليه وسلم، فكان يدور
(1) انظر " طبقات ابن سعد ": ص 176، قسم 1، جـ 4. و " الإصابة ": ص 287، جـ 3. ترجمة «الطفيل بن عمرو الدوسي». و " جمهرة أنساب العرب ": ص 361. وانظر " السيرة " لابن كثير: ص 72، جـ 2 وما بعدها. و " السيرة لابن هشام: ص 409 - 410، جـ 1.
(2)
" سير أعلام النبلاء ": ص 425 - 426، جـ 2.
(3)
" البداية والنهاية ": ص 104، جـ 8.
(4)
" سير أعلام النبلاء ": ص 426، جـ 2.
(5)
انظر " صحيح البخاري بحاشية السندي ": ص 81، جـ 2، كتاب العتق، باب:(إذا قال رجل لعبده هو لله ونوى العتق، والإشهاد في العتق). وانظر " سير أعلام النبلاء ": ص 446، جـ 2. و" البداية والنهاية ": ص 104، جـ 8.