الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد الذكر
حبيبي في الله .. أنت على دين عظيم ..
دين الإسلام دين عظيم .. دينك عظيم ..
أريد أن أكررها على مسامعك ليل نهار: لتعتقدها وتعمل بها ولها دومًا.
وحقًا أقول إنني كلما كتبت والله في فرع من فروع دين الإِسلام يمتلئ قلبي رهبة وتعظيمًا لهذا الدين العظيم، وسترى والله إن فهمت ما أقول ودرست بوعي وفهم ما أسطره لك أن هذه هي الحقيقة، وسيتملكك شعور رهيب قوي بعظمة هذا الدين، وستظل تحمد الله عليه ليل نهار، وتعي جيدًا فضل الله عليك باختياره سبحانه وتعالى هذا الدين لك، قال سبحانه وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، وتستشعر قول يعقوب عليه السلام:{يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].
لذلك ونحن في معرض حديثنا عن ذكر الله عز وجل، نقول: إن العبادات التي أمر الله بها، والشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى في دين الإِسلام كلها مصلحة وسعادة.
يقول ابن القيم رحمه الله: (إن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإخلاص العمل له وإفراده بالتوكل عليه هو غذاء الإنسان، وقوته وصلاحه وقوامه، بل إن أوامر المحبوب كلها قرة العيون، وسرور القلوب ونعيم الأرواح، ولذات النفوس بها كمال النعيم.
فقرة عين المحب في الصلاة والحج، وفرح قلبه وسروره ونعيمه في ذلك وفي الصيام والذكر والتلاوة، وأما الصدقة فعجب من العجب، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصبر على أعداء الله سبحانه وتعالى، فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف ولا يدركه من ليس له نصيب منه، وكل من كان به أقوم، كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم).
فما بالك بذكر الله وهو أعظمها وأفضلها وأكبرها، ففوائد الذكر وثمراته أكثر من أن تحصى أو تعد، وإن كان ابن القيم رحمه الله قد جمع بعضها في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب، إلا أن ما ذكره إشارة فقط إلى بعضها، وهناك غيرها من الأسرار ما لا يعلمها إلا الله اختص بها من شاء من عباده.
ولذلك فسأسوق إليك ما ذكره ابن القيم رحمه الله وهو بضع وخمسون فائدة، وأزيد عليها ما تيسر مما فتح الله به، وبعد كل ما ذكره وذكرته أمامك فرصة لتبحث عن الأكثر، ويخصك الله بالمزيد: فافهم وتوكل وتيقن، واذكر ربك يذكرك وُيفِدْك.
من فوائد الذكر
(1)
إن أهم، وأعظم، وأجل فائلة للذكر أن الله يذكرك بذكرك له، ولو لم تكن للذكر إلا هذه الفائدة لكفت، قال سبحانه وتعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
قال الحسن البصري رحمه الله: {فَاذْكُرُونِي} فيما افترضت عليكم .. {أَذْكُرْكُمْ} فيما أوجبت لكم على نفسي ..
وقال: إن الله يذكر من يذكره، ويزيد من يشكره.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: {فَاذْكُرُونِي} بطاعتي {أَذْكُرْكُمْ} بمغفرتي ورحمتي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
إخوتاه ..
ليس العجب من فقير يلجأ إلى غني، ليس العجب من ضعيف يلجأ إلى قوي، ليس العجب من قوله عز وجل:
{فَاذْكُرُونِي} ؛ إنما العجب من قوله: {أَذْكُرْكُمْ} .
من نحن حتى يذكرنا الله سبحانه وتعالى إن ذكرناه؟!!
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ الله: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ ذَكَرْتَنِي في نَفْسِكَ؛ ذَكَرْتُكَ في نَفْسِي، وَإِن ذَكَرْتَنِي في مَلإ ذَكَرْتُكَ في مَلإ مِنْ الْمَلاِئكَةِ أَوْ في مَلإ خَيرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا، وَإِنْ أَتَيتَنِي تَمْشِي أَتَيتُكَ أُهَرْوِلُ" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 138).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله سبحانه وتعالى: عَبدِي إِذَا ذَكَرتَنِي خَالِيًا، ذَكَرْتُكَ خَالِيًا، وَإِنْ ذَكَرتَني في مَلأٍ ذَكَرْتُكَ في مَلأٍ خَيرٍ مِنْهُمْ، وَأكْبَرَ"(رواه البيهقي، وصححه الألباني في الصحيحة: 2011).
يالتفضل الجليل الودود!! الله .. جل جلاله .. يجعل ذكره لهؤلاء العبيد مكافأة لذكرهم له، إن العبيد حين يذكرون ربهم، يذكرونه في هذه الأرض الصغيرة، وهم أصغر من أرضهم الصغيرة، والله حين يذكرهم، يذكرهم في هذا الكون الكبير، وهو الله العلي الكبير، أيُّ تفضل وأيُّ كرم!! وأيُّ فيض في السماحة والجود!! إنه الفضل الذي لا يفيضه إلا الله، الذي لا خازن لخزائنه، ولا حاسب لعطاياه، الفضل الفائض من ذاته بلا سبب، ولا موجب إلا أنه هكذا، هو سبحانه وتعالى فياض العطاء.
إنه ذلك الفضل الذي لا يصفه لفظ، ولا يعبر عن شكره إلا سجود القلب.
من نسيه الله فهو مغمور ضائع، لا ذكر له في الأرض، ولا ذكر له في الملأ الأعلى، ومن ذكر الله ذكره، ورفع من وجوده، وذكره في هذا الكون العريض.
لقد ذكر المسلمون الله؛ فذكرهم ورفع ذكرهم، ومكنهم من القيادة الراشدة، ثم نسوه: فنسيهم، فإذا هم هملٌ ضائع، وذيلٌ ذليلٌ تافهٌ.
والوسيلة قائمة، والله يدعوهم في قرآنه الكريم:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} .
{فَاذْكُرُونِي} بالتذلل {أَذْكُرْكُمْ} بالتفضل.
{فَاذْكُرُونِي} بالانكسار {أَذْكُرْكُمْ} بالمبار.
{فَاذْكُرُونِي} باللسان {أَذْكُرْكُمْ} بالجنان.
{فَاذْكُرُونِي} بقلوبكم {أَذْكُرْكُمْ} بتحقيق مطلوبكم.
{فَاذْكُرُونِي} بتصفية السر {أَذْكُرْكُمْ} بتوفية البر.
{فَاذْكُرُونِي} بالجهد والعناء {أَذْكُرْكُمْ} بالجود والعطاء.
{فَاذْكُرُونِي} بالرهبة {أَذْكُرْكُمْ} بتحقيق الرغبة.
{فَاذْكُرُونِي} بالشوق والمحبة {أَذْكُرْكُمْ} بالوصل والقربة.
{فَاذْكُرُونِي} بالحمد والثناء {أَذْكُرْكُمْ} بالمنن والعطاء.
{فَاذْكُرُونِي} بالتوبة {أَذْكُرْكُمْ} بغفران الحوبة.
{فَاذْكُرُونِي} بالسؤال {أَذْكُرْكُمْ} بالنوال.
{فَاذْكُرُونِي} بلاغفلة {أَذْكُرْكُمْ} بلا مهلة.
{فَاذْكُرُونِي} بالندم {أَذْكُرْكُمْ} بالكرم.
{فَاذْكُرُونِي} بالمعذرة {أَذْكُرْكُمْ} بالمغفرة.
{فَاذْكُرُونِي} بالإرادة {أَذْكُرْكُمْ} بالإفادة.
{فَاذْكُرُونِي} بالتنضل {أَذْكُرْكُمْ} بالتفضل.
{فَاذْكُرُونِي} بالإخلاص {أَذْكُرْكُمْ} بالخلاص.
{فَاذْكُرُونِي} بالقلوب {أَذْكُرْكُمْ} بكشف الكروب.
{فَاذْكُرُونِي} باللسان {أَذْكُرْكُمْ} بالأمان.
{فَاذْكُرُونِي} بالافتقار {أَذْكُرْكُمْ} بالاقتدار.
{فَاذْكُرُونِي} بالاعتذار {أَذْكُرْكُمْ} بالرحمة والاعتفار.
{فَاذْكُرُونِي} بالإسلام {أَذْكُرْكُمْ} بالإكرام.
{فَاذْكُرُونِي} ذكرًا فانيا {أَذْكُرْكُمْ} ذكرًا باقيا.
{فَاذْكُرُونِي} بالتذلل {أَذْكُرْكُمْ} بمحو الزلل.
{فَاذْكُرُونِي} بالاعتراف {أَذْكُرْكُمْ} بمحو الاقتراف.
{فَاذْكُرُونِي} بصفاء السر {أَذْكُرْكُمْ} بخالص البر.
{فَاذْكُرُونِي} بالصدق {أَذْكُرْكُمْ} بالرفق.
{فَاذْكُرُونِي} بالصفو {أَذْكُرْكُمْ} بالعفو.
{فَاذْكُرُونِي} بالتعظيم {أَذْكُرْكُمْ} بالتكريم.
{فَاذْكُرُونِي} بالتكثير {أَذْكُرْكُمْ} بالنجاة من السعير.
{فَاذْكُرُونِي} بترك الأخطاء {أَذْكُرْكُمْ} بحفظ اوفاء.
{فَاذْكُرُونِي} بترك لأخطاء {أَذْكُرْكُمْ} بأنواع العطاء.
{فَاذْكُرُونِي} بالجهد في الخدمة {أَذْكُرْكُمْ} بإتمام النعمة.
{فَاذْكُرُونِي} من حيث أنتم {أَذْكُرْكُمْ} من حيث أنا.
{فَاذْكُرُونِي} بالحب {أَذْكُرْكُمْ} بنيل القرب.
{فَاذْكُرُونِي} بالإجلال {أَذْكُرْكُمْ} بالإفضال.
{فَاذْكُرُونِي} بالصبر عند البلاء {أَذْكُرْكُمْ} بكشف البأساء.
{فَاذْكُرُونِي} بالذل {أَذْكُرْكُمْ} بالعز.
{فَاذْكُرُونِي} يتغيير المذكر {أَذْكُرْكُمْ} يوم العرض الأكبر.
{فَاذْكُرُونِي} بطول السجود {أَذْكُرْكُمْ} بالعطاء والجود.
{فَاذْكُرُونِي} ذكرًا كثيرًا {أَذْكُرْكُمْ} ذكرًا.
{فَاذْكُرُونِي} بوصف السلامة {أَذْكُرْكُمْ} يوم القيامة، يوم لاتنفع الندامة
{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} هذا طعم الخير .. فكيف طعم النظر؟!!
هذا سماع ذكره في دار الشقاء .. فكيف في دار البقاء؟!!
هذا في دار المحنة .. فكيف في دار النعمة؟!!
هذا ذكره في الدنيا من وراء حجاب، فكيف ذكره عند النظر إليه في دار الثواب؟!
قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أَوْييَاءُ اللهِ النِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ".
(رواه الحكيم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 2557)
وورد أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح كل يوم اثنتي عشر ألف تسبيحة ويقول: أسبح بقدر ديتي! أي إنه يدفع ديته ويشتري نفسه، ويعتق رقبته من النار بهذا العدد من الذكر كل يوم.
وكان خالد بن معدان رحمه الله يسبح في اليوم أربعين ألف تسبيحة سوى ما يقرأ من القرآن، فلما مات ووضع على سريره ليغسل؛ جعل بأصبعه يحركها بالتسبيح.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تلقاهن ملك، فعرج بهن إلى الله عز وجل، فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يحمىَّ بهن وجه الرحمن.
قيل لعمير بن هانئ رحمه الله: ما نرى لسانك يفتر، فكم تسبح كل يوم؟ قال: مائة ألف تسبيحة، إلا أن تخطئ الأصابع.
قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:"أَلا نبِّئُكُنم بِخِيَارِكُمْ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ ، قَالَ:"خِيَارُكُمْ الَّذِينَ إِما رُءُوا ذُكرَ الله عز وجل"(حسن، مسند الإِمام أحمد: 6/ 459).
لما ذكروا الله عز وجل وانشغلوا به ة أعطاهم فوق ما أمَّلوا، فجعل مجرد رؤيتهم تذكر بالله، أو حتى مجرد ذكر حديثهم.
قال المناوي رحمه الله: عليهم من الله سيما ظاهرة تُذَكر بذكره فإن رؤوا ذُكر الخير برؤيتهم، وإن حضروا حضر الذكر معهم، وإن نطقوا بالذكر فهم يتقلبون فيه اكيفما حلوا فمن كان
حاضر القلب بين يدي ربه وآخرته ث فإنما يفتتح إذا لقيك بذكر الله، ومن كان أسير نفسه ودنياه ، فإنما يفتتح إذا لقيك بدنيا، فكلَّ يحدثك عما يطلع على قلبه فتنبه.
يقول جعفر رحمه الله: كنت كلما قسا قلبي نظرت إلى وجه محمَّد بن واسع.
وكان الناس إذا رأوا أيوب السختياني رحمه الله في السوق كبروا لمخايل النور التي على وجهه.
(2)
ومن فوائد الذكر أيضًا أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره؛ فإن الشيطان يفر ويخنس عند سماع الذكر، ولا يستطيع أن يقاومه.
فمثلاً إذا ذكر الإنسان ربه عند دخوله لبيته لم يدخل الشيطان البيت، وإذا ذكره عند طعامه لم يستطع أن يأكل معه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا دَخَلَ الرجُلُ بَيتَهُ فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ
دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشيطَانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكرْ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ قَالَ الشيطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الله عِنْدَ طَعَامِهِ؛ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعًشَاءَ" (صحيح مسلم: 3763)، ومن ذلك، أنك إذا ذكرت ربك عند نومك؛ فإنّه لا يقربك شيطان تلك الليلة، كما في حيث أبي هريرة رضي الله عنه: إِذا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِي؛ فإنه لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُكَ شَيطَانّ حَتى تُصْبِحَ"(صحيح مسلم:2018).
(3)
أنه يرضي الرحمن عز وجل؛ فإن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيذكره ويحمده عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إِن الله لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكلَ اكْلَةَ فَيَحْمَلَهُ عَلَيهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَمَهُ عَلَيهَا"(صحيح مسلم: 2734).
(4)
أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وقد أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هم وَلا حَزَن فَقَالَ: اللهُم إِني عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدُكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدكَ،
مَاضٍ فِئ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِئ قَضَاؤُكَ، أَسْاَلُكَ بكُلِّ اسْمِ هُوَ لَكَ، سَمَيتَ بهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكً، أَوْ أنزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَو اسْتَأثَرْتَ بِهِ في عِلْم الْغَيبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَذهابَ هَمَّي إِلاْ أَذّهبَ الله هَمهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجَا" (صحيح، مسند الإِمام أحمد: 8/ 63)، ومن أعرض عن ذكر الله وجد الغم والكرب والضنك، قال سبحانه وتعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
(5)
أنه يجلب للقلب الفرح والسرور؛ لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135]،
وَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْيَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ رَجُلِ خَرَجَ بِاَرْضِ دوَيةٍ مَهْلَكَةِ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَزَادهُ وَمَا يُصْلِحُهُ فَاَضفَهَا فَخَرَجَ في طَلَبِهَا حَتَّى إِما أَدْرَكهُ الْمَوْتُ فَلَمْ يَجدْهَا قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي أَضْلَلْتُهَا فِيهِ فَاَمُوتُ فِيهِ قَالَ: فَاَنى مَكَانَهُ فَغَلَبَتْهُ عَينُهُ فَاسْتَيقَظَ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وزَادهُ وَمَا يُصْلِحُهُ"(صحيح البخاري: 5949).
ّفالله يفرح بتوبة المؤمن العاصي والجزاء من جنس العمل، فإذا فرح الله به أفرحه وأسعده، وهكذا شأن المسلم يفرح بكل طاعة، وتسوؤه كل معصية، ولا شك أن من أفضل الطاعات الذكر، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة نوراً في القلب، وبياضًا في الوجه، وسعةً في الرزق، وانشراحَا في الصدر.
(6)
أنه يقوي القلب والبدن ة فحين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه وهو في الغار ومعه أبو بكر رضي الله عنه، وقال:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] قوى الله قلبه وأنزل سكينته عليه: {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]، وحين قال المسلمون بعد غزوة أحد:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قوى الله قلوبهم، قال سبحانه وتعالى:{النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]
وقال عز وجل: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52]، فالذكر قوة، وقوة إلى قوة، واستمداد للقوة من القوي المتين الكبير.
(7)
أنه ينور الوجه والقلب؛ فنور القلب والوجه في كبيرة.
ذكر الله، قال سبحانه وتعالى:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام: 122].
(8)
أنه يجلب الرزق، قال عز وجل عن رسوله نوح عليه السلام أنه قال لقومه:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12].
(9)
أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة؛ لذا فقد أمرنا الله به عند لقاء العدوّ، فقال عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]، ولماقال موسى عليه السلام لربه عز وجل:{كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 33، 34]، كساه الله مهابهَ جعلت فرعون يتردد ويتذبذب كثيراً عند محادثته عليه السلام.
(10)
أنه يورثه المحبة التي هي روح الإِسلام وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة؛ لأن من أحب شيئًا أكثر من ذكره، كما قيل: القلوب كالقدور، والألسنة مغارفها، فكثرة الذكر على اللسان دليل على وجود الحب الخالص للمحبوب في عين القلب، وقد قيل: قلما ولع المرء بذكر
الله إلا أفاد منه حب الله.
فدوام ذكر الله عز وجل يغرس المحبة في القلب، وإذا حصلت في القلب المحبة فقد حفَت به السعادة، ومن كان كذلك كتب له القبول في الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أَحَب الله الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِن الله يُحِبُّ فُلَانَا فَاَحْبِبْهُ، فَيُحِبهُ جبْرِيلُ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ في أَهْلِ السمَاءِ: إِن الله يُحِبُّ فُلَانًا فَأحِبُّوهُ، فَيُحِبهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُم يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ في الأَرْضِ".
(صحيح البخاري: 3037)
(11)
أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان:
قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن عَبْدَا أَصَابَ ذَنْباً وربَّمَا قَالَ: أَذْنب ذَنْبّا فَقَالَ: رَبَّ أَذْنَبْتُ وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ فَاكْفِرْ لي فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبُّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيأخُذُ بِهِ؟ غفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ الله ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبَا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدي أَن لَهُ رَبا يَغْفِرُ أذَّنْبَ وَيأخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكثَ مَا شَاءَ الله ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالً: أَصَابَ ذَنْبَا، قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ: أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْه لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَن لَهُ رَبُّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيأخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثا؛ فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ"(صحيح البخاري: 7068)، وهكذا لمّا راقب الله ذكره فاستغفر؛ فغُفِرَ له.
(12)
أنه يورثه الإنابة وهي الرجوع إلى الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
(13)
أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسيّ:"أَنا عِنْدَ ظَن عَبْدِي بِي وَأَتا مَعَهُ إذَا ذَكَرَنِي فَإِن ذَكَرَني في نَفْسِهِ ذَكَزتُهُ في نَفْسِي، وإِنْ ذَكَرَنِي في مَلإ ذَكَرْتُهُ في مَلإ خَيرٍ مِنْهُمْ"(صحيح البخاري: 6970).
(14)
أنه يفتح له بابًا عظيمًا من أبواب المعرفة، وكلما أكثر العبد من الذكر؛ ازداد من المعرفة.
(15)
أنه يورثه الهيبة لله رحمه الله وإجلاله؛ لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله رحمه الله الغافل؛ فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه.
(16)
أنه يورث حياة القلب، يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!
(17)
أنه قوة القلب والروح، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته.
(18)
أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
(19)
أنه يحط الخطايا ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات، قال عز وجل:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] ، وقال صلى الله عليه وسلم "مَنْ قَالً سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَؤمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ".
(صحيح البخاري: 6042)
(20)
أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه عز وجل فإن الغافل بينه وبين الله سبحانه وتعالى وحشة لا تزول إلا بالذكر، قال الله عز وجل:{ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23].
(21)
أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده يُذَكرُ بصاحبه عند الشدة؛ ففي حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الَّذينَ يَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ الله مِنْ تَسْبيحِهِ، وَتَحْمِيلِهِ وَتكْبيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ يَتَعَاطَفنَ حَوْلَ
الْعَرْشِ، لَهُنَّ درِىَّ كَدَوِرِّ النَّحْلِ، يُذَكَرْنَ بصَاحِبِهِنَّ، ألَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أن لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ الله شَئ يُذَكرُ بَهِ؟! " (صحيح، سنن ابن ماجه: 3809)، وهذا والله حديث عجيَب، كفى به حافزًا
للعبد على ذكر الله، أن يظل شيءٌ فعلتَه يُذكِّر ربَّك بك دومَا.
سبحان الملك الكريم!!! انتبه با غافل!!
(22)
أن العبد إذا تعرف إلى الله عز وجل بذكره في الرخاء عرفه في الشدة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرّفْ إِلَيهِ في الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ في الشدةِ"(صحيح، مسند الإِمام أحمد: 198/ 6).
(23)
أنه يُنجي من عذاب الله سبحانه وتعالى؛ فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا عَمِلَ آدميُّ عَمَلاً قَط أَنْجَى لَهُ مِنْ عذاب اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ"(حسن، مسند الإِمام أحمد: 1/ 293).
(14)
أنه سبب تنزُّل السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر، كما أخبر بذلك النبي فقال صلى الله عليه وسلم:"لا يَقْعُدُ قَؤم يَذْكُرُونَ الله عز وجل إِلا حَفَّتْهُمْ الْمَلاِتكَةُ وَغشِيَتْهُم الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ الله فِيمَنْ عِنْدهُ"(صحيح مسلم: 2700)
(25)
أنه سبب لانشغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل ، فإن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله عز وجل وذكر أوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها ألبتة إلا بذكر الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن النجاة:"لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا من ذكْرِ اللهِ"(صحيح، سنن الترمذي: 3375).
(26)
أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين؛ فليتخير العبد أعجبهما إليه وأولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَمَا لا يُجْتَنَى مِنْ الشَّوْكِ العِنَبَ كَذَلِكَ لا يَنزِلُ الفُخارُ مَنَازِلَ الأَبرَارِ، وَهُمَا طَرِيقَانِ فَاَيهُمَا أَخَذْتُمْ
أَدْرَكْتُنم إِلَيهِ" (حسن، صحيح الجامع: 8704).
(27)
أنه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك أينما كان، وأما الغافل فيشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مُجالِسُه، قال عز وجل:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] ، وقال صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّؤءِ كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إما أَنْ يُحْذ يَكَ، وَإِما أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِذا أن تَجِدَ مِنْهُ رِيحَا طَيبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إما أن يُخرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجدَ رِيحًا خَبيثَةً".
(صحيحَ البخاري: 5214)
(28)
أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة؛ فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه عز وجل يكون عليه حسرة وَيرَة يوم القيامة، عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنهُ قَالَ:"مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهِ كَانَت عَلَيهِ مِنَ الله تِرَةَ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَا يَذْكُرُ الله فِيهِ كَانَتْ عَلَيهِ مِنَ اللهِ تِرَةَ".
(صحيح، سنن أبي داود: 4856)
(29)
أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله عز وجل العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظلهُ"
…
وذكر منهم:"ورَجُل ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَينَاهُ" "صحيح البخاري: 1709).
(30)
أنه أيسَرُ العبادات وهو من أجلها وأفضلها؛ فإن حركة اللسان أخفُّ حركات الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك، وقد قال الله عز وجل:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 17].
(31)
أنه غِرَاسُ الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَقِيتُ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيم الخَلِيلَ سبحانه وتعالى فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أَقْرِئ أُمّتَكَ السَلامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَن الجتَةَ طَيِّبَةُ الترْبَةِ، عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَتَهَا قِيعَان، وَأَنَّ غرَاسَهَا: سُبْحَانَ الله، وَالحمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَالله كبَر"(حسن، سنن الترمذي: 3462)، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْلِهِ؛ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَة الجنَّة"، (صحيح، سنن الترمذي: 3465).
(32)
أن العطاء والفضل الذي ترتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا الله وَخدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ
وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَديرٌ في يَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزَا مِنْ الشيطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَاْتِ أَحَدٌ
باَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ له إِلا أحد عَمِلَ أَكثَرَ مِنْ ذلِكَ" (صحيح البخاري: 3119) و "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ وَبحَمْدهِ في يَوْم مِائَةَ مَرَّةِ؛ حُطتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ رَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ" (صحيحَ البخاري: 6042)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأنْ أَقُولَ: سُبحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لله، وَلا إِلَهَ إِلا الله، وَالله كبَرُ؛ أَحَبُّ إلى مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيهِ الشَّمسُ" (صحيح مسلم: 2695).
(33)
أن دوام ذكر الرب عز وجل يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، قال - سبحانه الله وتعالى -:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19] ،، إن نسيان الله عز وجل يسبب نسيان الإنسان لنفسه ومصالحها، فتهلك وتفسد، فيكون لها الخسران في الآخرة والعياذ بالله، فمن نسي الله عز وجل أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة، قال - سبحانه الله وتعالى -:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124 - 126]
(34)
أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله عز وجل قال الله - سبحانه الله وتعالى -:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]
(35)
أن الذكر رأس الأمور، قال عز وجل:{وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]؛ فمن فُتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله - سبحانه الله وتعالى - فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل فسيجد عنده كل ما يريد، فإن من وجدربه عز وجل
فقد وجد كل شيئ ومن فاته ربه فاته كل شيء.
(36)
أن الذكر يجعل الذاكر في معية الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قال الله عز وجل: أَنا عِنْدَ ظَن عَبدِى بِي، وَأَنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإنْ ذَكَرَنِي في نَقسِهِ؛ ذَكَرْتُهُ في نَفسِى، وَإِنْ ذَكَرَنِي في مَلأِ؛ ذَكًرْتُهُ في مَلأٍ خَيرِ منَهمْ (صحيح البخاري: 7066).
(37)
أن الذكر شجرة تثمر لصاحبها على قدر مراعاته واعتنائه بها، قال عز وجل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]
(38)
أن الذكر رأس الشُكر فَمَا شَكر الله عز وجل مَن لم يذكُره، قال - سبحانه الله وتعالى -:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152].
(39)
أن الذكر يعدل عِتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل بل وخيرٌ من ذلك كله؛ ففي الحديث أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ضَنّ بالمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ وَهَابَ اللَّيلَ أن يُكَابِده، وَخَافَ العَدوَّ أَنْ يُجَاهِدهُ؛ فَلْيُكْثِر مِنْ سُبحَانَ الله،
وَالْحمدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا الله، واللهُ أَكبَرُ؛ فَإِنَّهُن مُقَدمَاتُ مُجَنَّبَاتٌ، وَمُعَقِّبَاتٌ وَهُن البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ".
(رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 3214)
وفي الحديث عن أَبِى الدرداء رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "ألَا نبئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا في درَجَاتِكُمْ، وَخَير لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَب وَالْوَرِقِ، وَخَيز لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدوكُمْ؛ فَتَضْربُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى، قَالَ:"ذِكْرُ اللهِ تَعَالَى"(صحيح، سنن الترمذي: 3377).
(40)
أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله عز وجل؟ فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى:{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22، 23]
(41)
أن الذكر شفاء القلب ودواؤه؛ فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر لمله عز وجل، قال سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]
قال مكحول رحمه الله: ذكر الله عز وجل وذكر الناس داء، وكما قيل:
إذا امَرضْنَا. تدَاوَينَا بِذِكرِكُم ونتَرُكُ الذكرَ أحيانًا فَننتكسُ
(42)
أنه أكبر الأسباب الجالبة لنِعم الله عز وجل والمستدفِعَة
لنقَمِه سبحانه وتعالى، قال عز وجل:{(9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 9 - 12] وقال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، قال بعض السلف: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك!!!
(43)
أن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر، ومن صلّى الله عز وجل عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز، قال سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]، فهذه الصلاة منه عز وجل ملائكته إنما هي سبب لإخراج العبد من الظلمات إلى النور، فأي خير لم يحصل لهم وأي شر لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضله!!
(44)
أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فعليه بمجالس الذكر، قال صلى الله عليه وسلم:"إِذَا مَرَرتُم بِرِيَاضِ الجَنةِ فَارْتَعُوا" قَالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ؟! قَالَ:"حِلَقُ الذكْرِ".
(حسن، سنن الترمذي: 3510)
(45)
إن مجالس الذكر مجالس ملائكة فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يُذكر الله عز وجل فيه؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِن لِلَّهِ مَلَاِئكَةً يَطُوفُونَ في الطُرُقِ، يَلْتَمِسُونَ هْلَ الذكْرِ، فَإِذَا وَجَمُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللهَ تَنَادوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُونَهُم بِأجنِحَتِهِمْ إِلَى السِّمَاءِ الدُنيَا، قَالَ: فَيَسْألُهُمْ رَبهُم وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِى؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبحُونَكَ، وَيكبرُونَكَ، وَيَحمُدونَكَ، وَيُمجَّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْني؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَالله مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيفَ لَوْ رَأَؤنِى؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادة، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجيدا، وَأكَثَرَ لَكَ تَسْبِيحَا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْألُوني؟ قَال: يَسْاَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَالله يَارَبَّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَوْ أنهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ؟ نهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيهَا حِرْصّا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ:
فَمِنم يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَالله مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارَا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةَ، قَالَ: فَيَقُولُ: فَاُشْهِدُكُمْ أَنيّ قَدْ
غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةِ، قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَايَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ" (صحيح البخاري: 6045)، وهذا أيضًا من بركهَ الذاكرين على أنفسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله عز وجل:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31] ،
فهكذا المؤمن مبارك أينما حلّ، والفاجر مشئوم أينما حلّ.
فمجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس الغفلة مجالس الشياطين؛ فالجالس مع الذاكرين يرحمه الله عز وجل وإن لم تكن له نية، فمابالك بالذاكرين أنفسهم، اللهم اجعلنا منهم.
(46)
إن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةِ في الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قَالَ: آللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلا ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلَّاْ ذَاكَ، قَالَ: أَمَا إِنى لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُبْم وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِى مِنْ رَسُولِ الله أَقَل عَنْهُ حَدِيثاً مِنى، وَإِنَّ رَسُولَ الله خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،
فَقَالَ: "مَا أَجْلَسَكُمْ؟ "، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإسْلَامِ وَمَن بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ:"اللهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاًّ ذَاكَ؟ "، قَالُوا: وَالله مَا أَجْلَسَنَا إِلا ذَاكَ، قَالَ "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الله عز وجل يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلَاِئكَةَ" (صحيح مسلم: 2710).
(47)
ذكر الله عز وجل هو المقصود الأساسي لكل العبادت، قال - سبحانه الله وتعالى - {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] أي: لتذكروني بها، وعن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال:" إِنَّمَا جُعِلَ الطوَافُ بِالْبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الجْمَارِ لإِقَامَةِ ذِكرِ اللهِ"(حسن، مسند الإِمام أحمد: 6/ 75).
(48)
أن إدامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت بدنية أو مالية كحج التطوع؛ فقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَموَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيم الْمُقِيمِ، يُصلُّونَ كَمَا نُصلى، وَيصومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُم فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجونَ بِهَا، وَيعْتَمِرُونَ، وُيجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ:"ألا أُحَدثُكُمْ بِأمْرِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أحد بَعْدَكُمْ، وَكنتمْ خَيرَ مَنْ أَنْتُمْ بَينَ ظَهْرَانَيهِ، إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ؟! تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتكَبِّرُونَ خَلْفَ كُل صَلَاةِ ثَلَاًثا وَثَلَاِثينَ"(صحيح البخاري: 807)، فجعل الذكر عِوَضا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر.
(49)
أن ذكر الله عز وجل عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل إذ بحسب ذكره يجد الأمن
وبزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الْغَارِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَام الْقَوْم فَقُلْتُ: يَا نَبِى الله لَوْ أَن بَعْضهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنا، قًالَ:"اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْر اثْنَان اللهُ ثَالثُهُمَا"(صحيح البخاري: 3707)، فحين ذكر رسول اللهَ صلى الله عليه وسلم ربه فقال:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] زال عنه الخوف، وحصلت له السكينة والطمأنينة.
(50)
أن الذكر يعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، يقول ابن القيم في رحمه الله: وقد شاهدت من قوة شيخ الإِسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيما، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليَّار رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين ويحمدا ثلاثًا وثلاثين ويكبرا أربعَا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك وقال: إنه خير لهما من خادم، فقيل: إن مَنْ داوم على ذلك وجد قوة في يومه تُغنيه عن خادم.
(51)
أن عمال الآخرة كلهم في مضمار السباق والذاكرون
هم أسبقهم في ذلك المضمار ولكن القترة والغبار يمنعان من رؤية سبقهم فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قصب السبق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِيرُوا، سَبَقَ
الْمُفَرِّدونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: الذاكِرُونَ الله كَثِيرَا وَالذاكِرَاتُ"(صحيح مسلم: 2676).
(52)
أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده؛ فإنه أخبر عن الله - سبحانه الله وتعالى - بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدقه ربه، ومن صدقه الله عز وجل لم يحشر مع الكاذبين، ورجي له أن يحشر مع الصادقين.
(53)
أن دور الجنة تبنى بالذكر فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء، وكما أن بناءها بالذكر، فإن غرس بساتينها بالذكر أيضًا، كما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
عن إبراهيم الخليل عليه السلام أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
(54)
إن الذكر سد بين العبد وبين جهنم، فإذا كانت له إلى جهنم طريق من معصية أو عمل من الأعمال كان الذكر سدَّا في تلك الطريق، فإذا كان ذكرًا دائمًا كاملًا كان سدُّا مُحكَمّا لا منفذ فيه، وإلا فبحسبه.
(55)
- إن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب قال الله عز وجل سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} [غافر: 7].
(56)
- إن الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها، قال عبد الله عز وجل بن مسعود - رضي الله - عنه -: إن الجبل لينادي الجبل باسمه: أمَرّ بك اليوم أحد يذكر الله عز وجل فإذا قال: نعم؛ استبشر.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما من صباح ولا رواح إلا تنادى بقاع الأرض بعضها بعضاً: يا جاراه، هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك؟ فمن قائلة: لا، ومن قائلة:
نعم، فإذا قالت: نعم رأت لها بذلك فضلَا عليها.
(57)
- كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلوا الذكر لله، قال الله سبحانه وتعالى في المنافقين:{وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقال كعب رضي الله عنه: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق: ولهذا - والله أعلم - ختم الله عز وجل سورة المنافقين بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، فإن في ذلك تحذيرًا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق.
(58)
إن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه؛ لكفى به، ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة، قال مالك بن دينار رحمه الله: وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل فليس شيء من الأعمال أخف مؤنة منه، ولا أعظم لذة ولا أكثر فرحة وابتهاجًا للقلب.
(59)
إنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورًا في الآخرة؛ فالذاكرون أنضر الناس وجوهًا في الدنيا وأنورهم في الآخرة، قال بعض السلف: مر محمَّد بن سيرين رحمه الله في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله عز وجل، وكان أيوب السختياني رحمه الله إذا مر في السوق كبر الناس لمخايل النور على وجهه.
(60)
الإنس بالله عز وجل باستشعار القرب أثناء الذكر.
(61)
- الغنى بالله عز وجل، وهذا هو الغنى العالي، أن يستغني العبد بالله عز وجل عن خلقه، وأن يستشعر الوحشة عن الخلق أنساً بالله عز وجل.
(62)
الاستبشار بالوعود الموعود بها على الذكر.
(63)
حصول جنة الدنيا، قال بعض السلف: إنه تمر بالقلب أوقات يرقص القلب فيها طريًا، فأقول: لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
(64)
استسهال الذكر يجعل الإنسان يتشبه بأهل الجنة؛ فإنهم كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُلْهَمُونَ التسْبِيحَ وَالتحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النفَسَ"صحيح، مسند الإِمام أحمد: 3/ 354).
(65)
- تفريج الكروب؛ فإِن نَبِيَّ اللهِ نُوحًا عليه السلام لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لابْنِهِ:"إِنِّي قَاصُّ عَلَيكَ الْوَصيةَ، آمُرُكَ بِلا إِلَهَ إِلا الله؛ فَإِن السموَاتِ السبْعَ وَالأرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ في كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إِلَهَ إِلا الله في كِفَّةِ؛ رَجَحَتْ بِهِن لا إِلَهَ إِلا الله، وَلَوْ أَن السَّموَاتِ السبْعَ وَالأرْضِينَ السَّبْعَ كُن حَلْقَةَ مُبْهَمَة؛ قَصَمَتْهُنَ لا إِلَهَ إِلا الله (صحيح، الأدب المفرد: 548)، فلو أن السماوات السبع والأرضين السبع انطبقت عليك واشتدَّ كربك واستعنت بلا إله إلا الله لقصمتهن.
(66)
الذكر يورث رقة القلب، ويغرس فيه التقوى، فالذاكر لله رقيق القلب، غزير الدمع تقي، يخشى الله، قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].
(67)
في الذكر زيادة الإيمان وحصول اليقين، قال عز وجل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]
ولما ترك إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وإسماعيل عليه السلام في الصحراء وهم بالانصراف قالت: آلله أمرك؟ قال: نعم، حين ذاك اطمأن قلبها، وثبت يقينها.
(68)
كثرة الذكر تورث النشاط في العبادة وعلو الهمة، وتنفي عن العبد الكسل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَإنْ اسْتَيقظَ فَذَكَرَ الله انْحَلَّتْ عُقْدةُ. (صحيح البخاري: 1091).
69 -
كثرة ذكر الله من أقوى الأسباب للنصر على الأعداء، قال سبحانه وتعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]، وما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وغزوة الأحزاب إلا بالدعاء.
(70)
الذكر طمأنينة للقلب المؤمن عند الفتن والاختلاف، قال سبحانه وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
(71)
الذاكر لله لا يتعاظمه شيء، قال سبحانه وتعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]، ولعل هذا هو السر في أنه يسن التكبير على كل شرف أثناء السفر.
(72)
لذكر سبب لإطفاء النارفي الدنيا، لعله كذلك في الآخرة.
(73)
الذكر سبب لحسن الخاتمة؛ فإن من داوم عليه في الدنيا سَهُلَ عليه نطق الشهادة في السكرات، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِله إِلا الله"(صحيح مسلم: 916).
(74)
الذكر سبب لكشف الغمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِن الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آَيَتَانِ من آَيَاتِ الله عز وجل، لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ؛ فَادْعُوا اللهَ، وَكَبرُوا، وَصَلوا، وَتَصَدَّقُوا"(صحيح البخاري: 997).
(75)
إن الذي يترك الذكر يعرض نفسه للهلاك العاجل، قال عز وجل:{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 42، 43] فانظر - يرحمك الله كيف وبخ الله عز وجل تاركوا الذكر وهو يحفظهم ويكلؤهم، ولو أراد إهلاكهم لما منعه من ذلك أحد سبحانه، فكأن في الآية إشارة إلى معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهُم أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيكَ، أنتَ كمَا أثْنَيتَ على
نَفْسِكَ" (صحيح مسلم:486).
فإذا أكثر العبد من ذكر الله؛ سيَّره الله عز وجل بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يرضيه بما يقدره.
(76)
ذكر الله عصمة من اتباع الهوى قال سبحانه وتعالى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
(77)
- ذكر الله عز وجل سبيل لتدبير أمرك وصلاح حالك، قال سبحانه وتعالى:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
خلاصة ما سبق هذه الفائدة الجامعهَ: أن الذكر يمحو حصائد الألسن، ويكون كثرة ذكر الله تبديلا لسقطات اللسان، وهفواته وأخطائه وظلمه وأذاه، انظر إلى الشعراء - وهم أكثر الناس خوضًا باللسان - جعل الله توبتهم كثرة ذكر الله، قال عز وجل:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 224 - 227] فأكثر من ذكر الله، يغسل الذكر ذنبك، ويطهر قلبك.