الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلماحةٌ مهمة
اعلم أيها الحبيب - عفا الله عني وعنك، وشغلنا في هذه الدنيا بذكره عن ذكر غيره، وبالعمل له دون غيره - أن ربك العظيم الحكيم قال وهو أحكم الحاكمين:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 54] فالله الذي خلق هو الذي يأمر عز وجل وأمره مطاع لامحالة، قال سبحانه وتعالى:{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 17 - 19] فافهم حبيبي إذًا قواعد ثابتات وأصول راسخات، ومنارات
لدينك وعلامات:
أولاً: خلق الله عز وجل الخلق لعبادته لا غير.
ثانيَا: العبادة المطلوبة معروفة محدودة من كلامه سبحانه ووحيه إلى نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا.
ثالثًا: أن العبادة المحددة الواضحة المطلوبة أيضًا مشروطة بهيئة وكيفية محدودة يجب الالتزام بها.
كل ذلك يعني أن الله لما خلقنا لعبادته وأمرنا بها لم يتركنا لأهوائنا نفعل ما نشاء كما نريد بزعم عبادته، وإنما افترض علينا فرائض وشرع لنا شرائع وسن لنا نوافل أوجب علينا الالتزام بها، وأخبرنا أنه لا سبيل إلى الوصول إليه إلا عن طريقها وشرط لها شروطًا، فقال سبحانه وتعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمْرُنَا؛ فَهُوَ رَدَّ (صحيح البخاري: 2550).
واعلم رابعًا: أنه لما كان الله هو الآمر سبحانه وتعالى وهو المراد، فإذا كان الصادق المخلص مطيعًا، فإنه لا يفتئت على الشرع، ولا يبتكر في الطاعة، بل يؤدي ما أمر به على الوجه الذي
شرع له، وينتظر الأجر الذي وعد به، فالعبد عبد، والرب رب.
ثم اعلم خامسًا: أن الله سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح عباده فهو أعلم جل جلاله بمراده، وهو أعلم سبحانه بعباده؛ فبين لهم مراده، ولما شرع لهم الشرائع وفرض عليهم الفرائض أعانهم بتيسيره وكرمه سبحانه على فعلها، وشرعها لهم على أحسن الكمالات وأكمل الهيئات، وأفضل الحالات.
وافهم سادسًا وأخيرًا: أن الله أمرالعباد أن تكون حياتهم كلها عبادة: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
من أجل كل ما سبق وغيره نقول: إن ذكر الله سبحانه وتعالى هو الركن الأكيد في كل حركة وسكنة من حركات البشر، فلا تجد لحظة عند دخول أو خروج أو جلوس أو قيام أو لبس أو خلع أو لقاء أو فراق إلا وشرع في مثل هذا وآلاف أمثاله ذكر خاص ينبغي لكل مسلم أن يذكر الله به.
هذه عظمة شريعة الله عز وجل، أن تظل كل حركة وسكنة وكل نفس من أنفاس ابن آدم في الدنيا يذكر العبد بالله سبحانه وتعالى ولم أر والله مثل هذه العبادة - أعني ذكر الله - توفي هذا
المعنى، يعني أن يعيش الإنسان عبدا دائمًا، فالصلاة وقت بين إحرام وتسليم، والحج وقت بين إحرام وتحلل، وهكذا كل العبادات، أما الذكر فبدايته ولادة الإنسان، ونهايته شهادة لا إله إلا الله -، أسأل الله عز وجل أن يختم لنا بها.
واعلم - أيها الحبيب، شغلك الله بذكره عن ذكر غيره، وحبه عن حب غيره، والإنس به والوحشة عن غيره - أن ذكرك لله محفوف بذكرين: ذَكَرَكَ أولاً؛ فذَكَّرَكَ وأهَّلك لذكره فذكرته، ثم أثابك على ذكرك له ذكراً أعظم منه وأفضل.
ومن لم يذكره الله عاجز مهين، قال عز وجل:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
ومن أسباب الغفلة عن الذكر أيضًا التوسع في المباحات، قال تعالى:{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18] فقلوبهم بور لا تصلح لسقي ولا لغرس؛ فاحذر.
لذلك أنا أريد أن أؤكد ملزمًا أن الأذكار الموظفة ليست كما يفعل بعض الناس في زماننا ورقة أو كتيب أو كتاب يحمله ويرددها فقط من طرف اللسان؛ وإنما ينبغي أن تكون هذه الأذكار الموظفة محفوظة محفورة في جدار القلب لا ينساها الإنسان ولا يغفل عنها أبداً.
وقد حرصت أن أستطرد وأستزيد وأستقصي كل ما ورد في كل باب قدر الإمكان، لتكون الحياة جميلة براقة رائعة مشرقة بذكر الله عز وجل؛ فوالله ما سعدت القلوب إلا بذكره، ولا أنست
الأرواح إلا بذكره، ولا استقامت الحياة إلا بذكر الله سبحانه وتعالى.
وهيا إلى الذكر
دعك من كلام الناس، وخذ الذكر من منبعه وأصله، من رسول الله محمَّد صلى الله عليه وسلم، خير من ذكر الله وأطاعه، محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم.