الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السابع: ذكر الرعاية:
-
مثل قول الذاكر: الله معي، والله ناظر إليّ، والله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة والاعتصام من الشيطان والنفس، والأذكار النبوية تجمع كل هذه الأنواع السابقة؛ فإنها متضمنة للثناء على الله والتعرض للدعاء والسؤال والتصريح به والثناء والمدح والتمجيد وغير ذلك.
والأذكار النبوية متضمنة أيضًا لكمال الرعاية ومصلحة القلب والتحرز من الغفلات والاعتصام من الوساوس والشيطان.
إذا عرفت أنواع الذكر وحرصت - أيها الحبيب المحب - على الجمع بينها: ليجتمع فيك الخير، فكيف تذكر الله ذكرًا يجتمع فيه هذا الخير؟
كيفية الذكر:
أي أخيّ .. إنما تتفاوت أجور الذاكرين حسب كيفية حصول الذكر منهم.
الذكر يكون بالقلب واللسان تارة، ويكون بالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية، ويكون باللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة، وأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان.
وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأنّ ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويرفع العبد عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئًا من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئًا منها فثمرته ضعيفة، ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم كل الحرص على أن يكون الذكر باللسان مصحوبًا بحضور القلب.
وقد يبدو ها هنا إشكال يطرحه البعض في سؤال: هل أترك الذكر إن لم يحضر القلب؟
والجواب: لا؛ فهذا من تلبيس الشيطان، ولكن اجتهد في إحضار القلب واستيعابه للذكر بأمور:
أولًا: التفكر في معنى الذكر.
ثانيًا: استحضار مشهد معية الله: "أَنا مَعَ عَبْدِي حَيثُمَا ذكَرَنِي وَتَحَرَكَت بِي شَفَتَاهُ"(صحيح، سنن ابن ماجه: 3792).
ثالثًا: الأخذ بالأسباب في هدوء المكان والبعد عن الشواغل وإصلاح النية.
رابعًا: التفكر في الأجر الحاصل ابتداء من ذكر الله لك، حتى الوعد الحاصل على نفس الذكر المذكور.
ثم بعد الاجتهاد وبذل الوسع واستنفاذ الجهد، وبذل الطاقة لحضور القلب، إن لم تتمكن فاذكر الله بلسانك واستمر، ومع الاستمرار وإظهار الافتقار والتألم والتضرع لله سيحضر القلب حتمًا، ولا تقل: حاولت، بل اصبر ثم صابر ثم رابط، ومن أدام دق الباب، فتح الكريم له.
ويكون الذكر أفضل وأكمل وأكثر أجرًا حين يكون بحضور القلب والبعد عما يشغل، حتى يستحوذ الذكر على القلب واللسان والهمة والعقل، فكأن كل ذرة في العبد تسبح بحمد الله وتذكره، وتنطق بحمده وتمجده.
فهذا هو الذكر التام الذي يحصل به الأجر التام: فاحرص واجتهد ولا تقل: سأحاول، بل قل: أنا لها، هو ذاك.
ومن أسباب حصول الحضور القلبي الانضباط بضوابط الذكر، ومن أهمها: الالتزام بالهيئة الشرعية، والألفاظ المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده دون الخروج عن ذلك.
من ضوابط الذكر:
يعمر الصالحون خلواتهم بالعبادة والذكر والمناجاة، ورفع الشكوى إلى مولاهم البر الرحيم، واستمطار رحمته وغياثه سبحانه وتعالى، ولا شك أن الثناء على الله سبحانه وتعالى ودعاءه
بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأفضل مطلقًا والأحسن والأسلم، كما سبق أن ذكرنا وأوضحنا.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله: (لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع، لا على الهوى والابتدل، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء، وسالكها على سبيل أمان وسلامة، والفوائد التي تحصل بها لا يعبر عنها لسان، ولا يحيط بها إنسان، وليس لأحد أن يسن للناس نوعًا من الأذكار والأدعية غير المسنون ويجعلها عبادة راتبة، يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع في الدين لم يأذن الله به.
ومع هذا، ففي الأدعية الشرعية، والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المفاسد العلية، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهلٌ، أو مفرطٌ، أو متعدٍ) (مجموع الفتاوى: 22/ 510).
ولا شك أن باب الدعاء توقيفي لا ينبغي الخروج فيه عما رسمه الشارع في الجملة، والمقصود بالدعاء هنا الأدعية الراتبة التي تتكرر، ويلازمها المكلف، أو التي تختص بوقت معين أو وظيفة معينة، أو صفة معينة.