المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌أنواع الذكر

- ‌الأول: أعلى الذكر القرآن الكريم

- ‌الثاني: ذكر أسماء الرب سبحانه وتعالى وصفاته

- ‌الثالث: الخبر عن الرب سبحانه وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته

- ‌الرابع: ذكر أمره ونهيه وأحكامه

- ‌الخامس: ومن ذكره سبحانه وتعالى أيضًا ذكر آلائه وإنعامه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده

- ‌السادس: ذكر الدعاء والاستغفار:

- ‌السابع: ذكر الرعاية:

- ‌أهمية الذكر:

- ‌أحوال الذاكرين:

- ‌كثرة الذكر:

- ‌الذكر عبادة الكائنات:

- ‌أولًا: الملائكة:

- ‌ثانيَا: الجن:

- ‌ثالثًا: الجبال:

- ‌رابعًا: الرعد:

- ‌خامسًا: الطعام:

- ‌سادسًا: السماوات والأرض:

- ‌سابعًا: الحيتان والنمل:

- ‌ثامنًا: الخيل:

- ‌تاسعًا: الهدهد:

- ‌عاشرًا: عموم الطير:

- ‌حادي عشر: الجماد:

- ‌فوائد الذكر

- ‌الفصل الأول: الأذكار الموظفة

- ‌إلماحةٌ مهمة

- ‌أذكار الوضوء

- ‌أذكار الصلاة

- ‌تحفة

- ‌أدعية الاستفتاح

- ‌ التعوذ

- ‌اذكار الركوع

- ‌أذكار الرفع من الركوع

- ‌تحفة

- ‌أذكار السجود

- ‌الدعاء بين السجدتين

- ‌التشهُّد

- ‌الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم

- ‌أذكار بعد الصلاة

- ‌أذكار العيدين

- ‌أدعية الاستسقاء

- ‌أذكار الصباح والمساء

- ‌أذكار النوم

- ‌فضل النوم ذاكرًا طاهرًا:

- ‌فضل النوم على نية صالحة:

- ‌التقلب في الفراش

- ‌أذكار الاستيقاظ

- ‌تحفة

- ‌أذكار السفر

- ‌أنت المسافر

- ‌أنت المقيم

- ‌تحفة

- ‌أذكار الأذان

- ‌أذكار الدخول

- ‌دخول المسجد

- ‌دخول المنزل

- ‌دخول الخلاء

- ‌دخول السوق

- ‌من سيربح المليون

- ‌تحفة

- ‌أذكار الخروج

- ‌الخروج من المسجد

- ‌الخروج من المنزل

- ‌الخروج من الخلاء

- ‌أذكار اللباس

- ‌أذكار الأكل والشرب

- ‌الدعاء بعد الطعام

- ‌أذكار العطاس

- ‌أذكار السلام والاستئذان

- ‌أذكار الصيام

- ‌أذكار الحج والعمرة

- ‌الدعاء عند زيارة المسجد النبوي

- ‌أذكار المرض والرُّقَي

- ‌رقية المريض

- ‌ماذا يقول المريض

- ‌أذكار الموت

- ‌التعزية

- ‌الدعاء في الصلاة على الجنازة

- ‌أذكار زيارة القبور

- ‌دعاء الاستخارة

- ‌دعاء الكرب

- ‌إذا خفت قومًا

- ‌إذا خفت من الشيطان

- ‌إذا غلبك أمر

- ‌إذا استصعب عليك أمر

- ‌إذا أصابتكُ نكبة

- ‌العجز عن سداد الدين

- ‌إذا هاجت الرياح

- ‌أدعية الحب في الله

- ‌أدعية متفرقة

- ‌أدعية النكاح

- ‌الدعاء لرد الوسوسة

- ‌تحفة

- ‌الفصل الثاني: الأذكار والأدعية المطلقة

- ‌الأذكار المطلقَة

- ‌الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الاستغفار

- ‌التسبيح والتحميد

- ‌التهليل

- ‌تحفة

- ‌الأدعيه المطلقة

- ‌سُبُحَاتُ السَّحَرِ

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌أذكار الحج والعمرة

‌أذكار الحج والعمرة

لبيك اللهم لبيك ..

هل رزقك الله زيارة بيته الحرام؟! هنيئًا لك الحج والعمرة ..

اللهم ارزقنا الحج والعمرة، وتابع لنا بين الحج والعمرة، ولا تحرمنا من الحج والعمرة حتى نلقاك.

واعلم أن أذكار الحجّ ودعواته كثيرة لا تنحصر ولكن نُشير إلى المهمّ من مقاصدها. والأذكار التي فيها على ضربين: أذكار في سفرك وأذكار في نفس الحجّ، فأما التي في سفرك فقد مرت معنا في أذكار الأسفار، وأما التي في نفس الحج فنذكرُها على ترتيب أعمال الحجّ إن شاء الله سبحانه وتعالى.

إذا خرجت من بيتك وأنت تنوي أن تتمتع بالعمرة إلى الحج تقول:

(1)

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ.

(صحيح، مسند الإمام أحمد: 3/ 183)

وإذا خرجت من بيتك وأنت تنوي العمرة فقط تقول:

(2)

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ.

ص: 205

وإذا خرجت من بيتك وأنت تنوي الحج فقط تقول:

(3)

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ.

وإذا كنت تخاف من شيء حال خروجك للحج أو العمرة كمرض أو نحوه، وتخشى أن تضيع عليك المناسك فقل:

(4)

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِنْ الأرْضِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي.

(صحيح البخاري: 4801)

فإنك إن اشترطت على ربك عز وجل فأحصرت بحبس أو مرض فإنه يجوز لك التحلل من حجك أو عمرتك، وليس عليك دم، وتحج في العام التالي إن شئت، إلا حجة الإسلام

فلابد من قضائها.

ثم تقول:

(5)

اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لا رِيَاءَ فِيهَا وَلا سُمْعَةَ.

(صحيح، سنن ابن ماجه: 2890)

بل خالصة لله وحده، لا تحج ليقولوا: حاج، أو لتنال الهيبة والوقار عند الناس، بل تحج لأن الله أمرك بالحج حال استطاعتك، ابتغاء مرضاته، وخروجًا من ذنوبك؛ فإن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"(صحيح البخاري: 1449).

ص: 206

ثم تلبي، والتلبية واجبة؛ لأنها من شعائر الحج، واعلم أنك لا تلبي وحدك: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُلَب يُلَبَّي إِلا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرِ أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى

تَنْقَطِعَ الأرْضُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا" (صحيح، سنن ابن ماجه: 2921).

حين تقول: لبيك اللهم لبيك تقول الشجرة التي إلى جوارك: لبيك اللهم لبيك، ويقول مثلها كل حجر وشجر، حتى تصير أنت مركز الأرض، وكل ما حولك يلبي، ارفع صوتك بالتلبية، واجعل كل هذه الأشياء تذكر الله معك، سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَىُّ الْحج أَفْضَلُ؟ قَالَ:"الْعَجُّ وَالثَّجُّ".

(صحيح، سنن الترمذي: 827)

والعَجُّ: رفعُ الصَّوتِ بالتَّلبِيَةِ، وَالثجُّ: يَعنِي كثرَةُ إِهرَاقَةُ الدَّمِ.

ومن صيغ التلبية الصحيحه:

(6)

لَبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبيْكَ، إِن الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ (صحيح البخاري: 1474).

(7)

لَبيْكَ لَبَّيْكَ لَبيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ، لَبيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ (صحيح مسلم: 1184، وهو قول لابن عمر رضي الله عنه)

(8)

لَبيْكَ ذَا الْمَعَارجِ، لبيك ذا الفواضل.

(صحيح، سنن أبي داود: 1813)

ص: 207

(9)

ويمكن أن تزيد في تلبيتك: لَبيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ.

(صحيح، سنن النسائي: 2752)

فإذا دخلت المسجد الحرام؛ عليك بأذكار دخول المسجد.

ثم إذا رأيت الكعبة .. قف .. وتفقد قلبك: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] هذا البيت بناه أبوك آدم عليه السلام .. ورفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وساعد في إعادة بنائه نبيك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا الحجر الأسود .. نزل به جبريل عليه السلام من الجنة، وكان أشد بياضَا من البن لولا ذنوب بني آدم .. ووضعه في موضعه هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده الشريفة .. تأمل .. إنه قطعة من الجنة .. إذا لمسته لمست شيئًا من الجنة، وإذا قبلته قبلت قطعة من الجنة، أين قلبك ليعيش الجنة في هذه اللحظات؟!

تأمل .. أغمض عينيك وتخيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالسًا مُتَوسِّدًا بُرْدَةً لَهُ في ظِل الْكَعْبَةِ .. وهنا كان يصلي .. وهنا .. وهنا .. كم آذاه المشركون .. وكم صلى هنا .. وكم تحدث هنا .. وكم قرأ القرآن ونزل عليه الوحي ..

وهنا .. في حجر إسماعيل عليه السلام ختم عثمان رضي الله عنه القرآن بركعة أوتر بها .. والصلاة في الحجر تكون كأنك صليت داخل الكعبة؟ فلا يفوتك أن تركع في الحجر ركعتين.

ص: 208

وهنا جلس أبو بكر رضي الله عنه، وهنا صلى عمر رضي الله عنه، وهنا سجد علي رضي الله عنه .. أريدك أن تتخيل هذا كله؛ لتنسى كل العالم من حولك وتشعر فقط أنك بين هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم، كأنك واحد منهم؛ لتتعبد لله بقلوبهم الصافية الطاهرة، وهممهم العالية، وحبهم لله، وشوقهم إلى الجنة، تأمل ثم ادع بعد ذلك بما تشاء .. أو إذا شئت فلك فيهم أسوة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى البيت قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام؛ فحيِّنا ربنا بالسلام (صحيح).

فإذا دخلت مكة وأردت الاعتمار. فقل في عمرتك من الأذكار ما تأتي به في الحجّ في الأمور المشتركة بين الحجّ والعمرة وهي: الإحرام والطواف والسعي والذبح والحلق، أول ما تعبداً به حجك أو عمرتك أن تستقبل الحجر الأسود وتقول:

(10)

بِسْمِ الله واللهُ اكبَرُ (صحيح، مسند الإمام أحمد: 2/ 14)

(11)

ثم تبدأ فى الطواف، والطواف ليس له ذكر معين، فدعك من الأذكار المبتدعة والأدعية المتكلفة المخترعة، وانشغل بذكر الله من قلبك والدعاء بما تحب، لكن لا تنطق فيه إلا بخير، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"الطَّوَافُ بِالبَيتِ صَلَاةَ وَلَكِنَّ الله أَحَل لَكُمْ المَنطِقَ فِيهِ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إِلَّا بِخَيرٍ"(صحيح، ابن حبان: 3863)، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنما الطوَافُ صَلاة فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا

ص: 209

الْكَلامَ" (صحيح، سنن النسائي: 2922)، فيستحب لك أن تكثر من تلاوة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد والدعاء، وتقول بين الركنين اليمانيين:

(12)

رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةَ وفي الَاخِرة حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النارِ (حسن، سنن أبي داود: 1892).

(13)

وتتم أشواطك السبعة، فإذا انتهيت من الطواف تغطي كتفك الأيمن، وتذهب إلى مقام إبراهيم عليه السلام وتقرأ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 125].

(14)

ثم تصلي ركعتين خلف المقام، فيكون المقام بينك وبين الكعبة، ويستحب أن تقرأ في الركعة الأولى منهما:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} [الكافرون: 1]، وفي الثانية:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1].

ثم إذا توجهت إلى المسعى؛ قف على جبل الصفا، وتذكر أمك هاجر عليها السلام وهي تقف على هذا الجبل تنظر حولها وتبحث لتجد طعامًا أو ماء لابنها الرضيع، ثم تنزل وتجري بلهفة إلى المروة وتصعد فوقه، ليكن سعيك كسعيها، سعي الملهوف المشتاق إلى رحمة ربه ومغفرته، فتقف على الصفا وتقرأ:(15) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ

ص: 210

اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158](1)، وتقول:

(16)

أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ (2).

فإن الله سبحانه وتعالى بدأ في كتابه الكريم بالصفا، فمن الأدب أن تبدأ بما بدأ به ربك.

ثم تستقبل الكعبة وتقول:

(17)

الله أكْبَرُ الله أكْبَرُ الله أكْبَر ولِلَّهِ الحَمْدُ، الله أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلَّه على ما أولانا، لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيِ وُيمِيتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير، لا إِلهَ إِلأ الله أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، ثم تدعو بخيرات الدنيا والآخرة، وتكرّر هذا الذكر والدعاء ثلاثَ مرّات (3).

(3،2،1: أجزاء من حديث حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صحيح مسلم: 1218)

ثم تبدأ السعي بنزولك من جبل الصفا وسيرك في الممشى حتى تصل إلى المروة، وتقول في ذهابك ورجوعك بين الصفا والمروة:

(18)

رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ، وَتجاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ؟ إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ (صحيح موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه).

ص: 211

(19)

اللهمَّ اَتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةَ وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةَ وَقِنَا عَذَابَ النَّار (صحيح البخاري: 4250).

(20)

وأكثر من الدعاء؛ فإن الدعاء مستجاب حينئذٍ، ولا تنس أن تهرول في المكان الذي هرولت فيه أمك هاجر عليه السلام.

(21)

فإذا وصلت إلى المروة تقول مثل ما قلت على الصفا.

واعلم أن كل الأذكار السابقة مشتركة بين الحج والعمرة، والتالية مختصة بالحج فقط، فإذا انتهيت من المناسك السابقة بأذكارها تكون قد إنتهيت من العمرة ولك أن تتحلل.

يوم عرفة:

عليك أن تكثر من التلبية، وتخلطها بالتهليل، قال رَسُولَ الله، صلى الله عليه وآله وسلم: "أَفضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاء يَوم عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلي:

(22)

لا إِلهَ إِلا الله وَحْده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيء قَدِير" (حسن، سنن الترمذي: 3585).

اغتنم الفرصة، الدعاء مستجاب، والرحمة تنزل، والمغفرة تعم:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الحج عَرَفَة"(صحيح، سنن الترمذي: 889).

ص: 212

وهو أفضل أركانه لتوقفه عليه ولما فيه من الفضل العظيمِ والشرف العميم، ومقصولُه والمعوّل عليه، فينبغي أن يستفرغ الإِنسانُ وُسعَه في الذكر والدعاء، وفي قراءة القرآن، وأن تدعوَ بأنواع الأدعية، وتأتي بأنواع الأذكار، وتدعو لنفسك، وتذكر في كل مكان، وتدعو منفردًا ومع جماعة، وتدعو

لنفسك، ووالديك، وأقاربك، ومشايخك، وأصحابك، وأصدقائك، وأحبابك، وسائر مَن أحسن إليك، وجميع المسلمين، ولتحذر كل الحذرِ من التقصير في ذلك كله؛ فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره.

والسُّنّة أن تخفضَ صوتك بالدعاء، وعليك أن تكثر من الاستغفار والتلفّظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الخضوع وذل القلب والإلحاح في الدعاء وعدم استعجال الإِجابة، واستفتح دعاءك واختمه بالحمد لله عز وجل الثناء عليه سبحانه وتعالى والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولتحرص على أن تكون مستقبلَ الكعبة، وأن تكون على طهارة.

ثم تذهب إلى مزدلفة، وُيستحب الإِكثارُ من التلبية في كل المواطن وهذا من آكدها، وتكثر من قراءةَ القرآن ومن الدعاء، ويُستحبّ أن تقول:

(23)

لا إِلهَ إِلا الله واللهُ أكْبَرُ، وتُكرِّر ذلك.

ص: 213

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقف حتى غربت

الشمس فأقبل يكبّر الله ويهلِّله ويعظمه حتى انتهى إلى المزدلفة.

ثم تصلِّى الصبحَ في هذا اليوم في أوّل وقتها وتبالغَ في تبكيرها، ثم تسيرَ إلى المشعر الحرام وهو جبل صغير في آخر المزدلفة يُسمى "قُزَح"، فإن أمكنك صعودُه صَعَدته وإلا وقفت تحتَه مستقبلَ الكعبة فتحمد الله عز وجل وتكبِّره وتُهلِّله وتُوحِّده وتُسبِّحه، وتكثر من التلبية والدعاء.

ثم إذا أسفر الفجرُ انصرفتَ من المشعر الحرام، متوجهًا إلى مِنىَ وشعارك التلبيةُ والأذكارُ والدعاءُ والإِكثارُ من ذلك كلّه، ولتحرصْ على التلبية. فهذا آخر زمنها، وربما لا يُقدَّر لك في عمرك تلبية بعدها.

واعلم أن التلبية لا تزالُ مستحبةَ حتى ترميَ جمرة العقبة يومَ النحر، أو تطوفَ طوافَ الإفاضة إن قدّمته عليها، فإذا بدأت بواحد منهما تقطعَ التلبيَة، مع أول شروعك فيه، واشتغلت بالتكبير.

ومع آخر حصاة ترميها تنقطع التلبية، وبهذا لم تعد مركزًا للأرض بتلبيتك حيث قطعتها، لكن لا تحزن .. بل استمر في ذكر الله؛ فالأرض تفتخر بأن مرَّ عليها ذاكر لله، فاجعلها تفتخر بك دومًا.

ص: 214

ويوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده تسمى أيام التشريق، فعليك أن تكثر من ذكر الله عز وجل في أيام التشريق، الاستغفار والتكبير والدعاء، فهي ليست أيام أكل وشرب فقط، بل وذكر لله أيضا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أكلِ وَشُرْبٍ وَذكْرُ الله أيضًا"(صحيح، سنن أبي داود: 2813).

ثم إذا أردت الذبح أو النحر قل:

(24)

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ، عَلَى مِلةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشرِكِينَ، إِن صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (1).

(25)

بِسمِ اللهِ واللهُ أكبر (2)

(26)

اَلْلَّهُمَّ مِنكَ وإِلَيكَ تَقبَّل مِنِّي (3).

(3،2،1: أجزاء من حديث حسن، مسند الإِمام أحمد: 3/ 375)

(27)

اللَّهُمَّ صَل على مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وسَلم.

رمي الجمرات:

السُنّة أن تقف في أيام الرمي بعد كل رمية لتدعو، ففي اليوم الأول تقف عند الجمرة الأولى إذا رميتها، وتتقدم قليلاً عن يمينك وتستقبل الكعبة، وتحمَد الله عز وجل، وتُكبِّر وتهلِّلُ وتسبِّح، وتدعو مع حضور القلب وخشوع الجوارح، وتمكثَ

ص: 215

كذلك قدرَ قراءة سورة البقرة، وتدعو وترفع يديك بالدعاء، وتكبر الله عز وجل كل حصاة ترميها.

وتفعلَ في الجمرة الثانية وهي الوسطى كذلك، ولكن تتقدم إلى اليسار قليلاً.

ولا تقفَ عند الثالثة وهي جمرة العقبة، ولكن تجعل البيت عن يسارك، ومِنى عن يمينك وترمي.

وهكذا تفعل في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم العيد، فإذا انتهيت من رمي الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق فقد انقضى نسكك، ولكن دينك الذي من أصوله الأدب مع الله يشرع لك أنه لا بد من وداع قبل المفارقة.

الوداع:

إذا أردت الخروج من مكة إلى وطنك طف للوَدَاع ثم أئت الملتَزَم فالتزمه وقيل:

(28)

اللَّهُمَّ إن البَيْتَ بَيتُك، وَالعَبْدَ عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبدِكَ، وابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سَخرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ حتَّى سَيَّرْتَني في بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَني؟ فازدَدْ عني رِضًا، وإِلَّا فَمِنَ الآنَ قَبلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي إنْ أذِنْتَ لي، غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيتِكَ، وَلا رَاغِبٍ عَنْكَ وَلا عَنْ

ص: 216