الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النحل
قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} الآية [النحل/ 25].
هذه الآية الكريمة تدل على أن هؤلاء الضالين يحملون أوزارهم كاملة، ويحملون -أيضًا- من أوزار الأتباع الذي أضلوهم.
وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه لا يحمل أحد وزر غيره، كقوله تعالى:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر/ 18]، وقوله:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر/ 18].
والجواب: أن هؤلاء الضالين ما حملوا إلا أوزار أنفسهم؛ لأنهم تحملوا وزر الضلال ووزر الإضلال.
فمن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها؛ لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا؛ لأن تشريعه لها لغيره ذنب من ذنوبه فأخذ به.
وبهذا يزول الإشكال -أيضًا- في قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} الآية [العنكبوت/ 13].
قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} الآية [النحل/ 67].
هذه الآية الكريمة يفهم منها أن السَّكَرَ المتخذ من ثمرات النخيل والأعناب لا بأس به؛ لأن اللَّه امتنَّ به على عباده في سورة الامتنان
التي هي سورة النحل.
وقد حرَّم اللَّه تعالى الخمر بقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} الآية [المائدة/ 90]؛ لأنه وصفها بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، وأمر باجتنابها، ورتب عليه رجاء الفلاح. ويفهم منه أن من لم يجتنبها لم يفلح، وهو كذلك. وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن كل ما خامر العقل فهو خمر، وأن كل مسكر حرام، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام.
والجواب ظاهر، وهو: أن آية تحريم الخمر ناسخة لقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} الآية. ونسخها له هو التحقيق، خلافًا لما يزعمه كثير من الأصوليين أن تحريم الخمر ليس نسخًا لإباحتها الأولى؛ لأن إباحتها الأولى إباحة عقلية، وهي المعروفة عند الأصوليين بالبراءة الأصلية، وتسمى استصحاب العلم الأصلي، والإباحة العقلية ليست من الأحكام الشرعية حتى يكون رفعها نسخًا، ولو كان رفعها نسخًا لكان كل تكليف في الشرع ناسخًا للبراءة الأصلية من التكليف به.
وإلى كون الإباحة العقلية ليست من الأحكام الشرعية أشار في "مراقي السعود" بقوله:
وما من الإباحة العقلية
…
قد أخذت فليست الشرعية
كما أشار إلى أن تحريم الخمر ليس نسخًا لإباحتها؛ لأنها إباحة عقلية، وليست من الأحكام الشرعية حتى يكون رفعها نسخًا، بقوله:
أباحها في أول الإِسلام
…
براءة ليست من الأحكام
وإنما قلنا: إن التحقيق هو كون تحريم الخمر ناسخًا لإباحتها؛ لأن قوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} يدل على إباحة الخمر شرعًا، فرفع هذه الإباحة المدلول عليها بالقرآن رفع حكم شرعي؛ فهو نسخ بلا شك، ولا يمكن أن تكون إباحتها عقلية إلا قبل نزول هذه الآية كما هو ظاهر.
ومعلوم عند العلماء أن الخمر نزلت في شأنها أربع آيات من كتاب اللَّه:
الأولى: هذه الآية الدالة على إباحتها.
الثانية: الآية التي ذكر فيها بعض معائبها، وأن فيها منافع، وصرحت بأن إثمها أكبر من نفعها، وهي قوله تعالى:{قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة/ 219]، فشربها بعد نزولها قومٌ للمنافع المذكورة، وتركها آخرون للإثم الذي هو أكبر من المنافع.
الثالثة: الآية التي دلت على تحريمها في أوقات الصلاة دون غيرها، وهي قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية [النساء/ 43].
الرابعة: الآية التي حرمتها تحريمًا باتًا مطلقًا، وهي قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة/ 90 - 91].
والعلم عند اللَّه تعالى.
وأما على قول من زعم أن السَّكَر الطعمُ -كما اختاره ابن جرير وأبو عبيدة- أو أنه النحل، فلا إشكال في الآية.
قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} الآية [النحل/ 100].
هذه الآية الكريمة فيها التصريح بأن الشيطان له سلطان على أوليائه. ونظيرها الاستثناء في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} [الحجر/ 42].
وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على نفي سلطانه عليهم، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} الآية [سبأ/ 20 - 21] وقوله تعالى حاكيًا عنه مقررًا له: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} الآية [إبراهيم/ 22].
والجواب: هو أن السلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه؛ وذلك من وجهين:
الأول: أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزيينه، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة، فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها غير أنه دعاهم فأجابوه بلا حجة ولا برهان. وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن.
الثاني: أن اللَّه لم يجعل له عليهم سلطانًا ابتداء البتة، ولكنهم هم الذين سلطوه على أنفسهم بطاعته ودخولهم في حزبه، فلم يتسلط عليهم بقوة؛ لأن اللَّه يقول:{إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)} [النساء/ 76]، وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم.
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم -رحمه اللَّه تعالى-.
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)} [النحل/ 128].
هذه الآية الكريمة تدل بظاهرها على أن معية اللَّه خاصة بالمتقين المحسنين.
وقد جاء في آيات أخر ما يدل على عمومها، وهي قوله:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة/ 7]، وقوله:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد/ 4]، وقوله:{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} [الأعراف/ 7]، وقوله:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} الآية [يونس/ 61].
والجواب: أن للَّه معية خاصة ومعية عامة.
فالمعية الخاصة: بالنصر والتوفيق والإعانة، وهذه لخصوص المتقين المحسنين، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الآية [النحل/ 128] وقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال/ 12] الآية، وقوله:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} [طه/ 46]، وقوله:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/ 40].
ومعية عامة: بالإحاطة والعلم؛ لأنه تعالى أعظم وأكبر من كل شيء، محيط بكل شيء، فجميع الخلائق في يده أصغر من حبَّة خردل في يد أحدنا، وله المثل الأعلى. وسيأتي له زيادة إيضاح في سورة الحديد إن شاء اللَّه. وهي عامة لكل الخلائق، كما دلت عليه الآيات المتقدمة.