الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النبأ
قوله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} [النبأ/ 23].
تقدم وجه الجمع بينه هو والآيات المشابهة له، كقوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود/ 107]، مع الآيات المقتضية لدوام عذاب أهل النار بلا انقطاع، كقوله:{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية [الأنعام/ 128]، فقد بينا هناك أن العذاب لا ينقطع عنهم، وبينا وجه الاستثناء بالمشيئة.
وأما وجه الجمع بين الأحقاب المذكورة هنا مع الدوام الأبدي الذي قدمنا الآيات الدالة عليه، فمن ثلاثة أوجه:
الأول -وهو الذي مال إليه ابن جرير، وهو الأظهر عندي؛ لدلالة ظاهر القرآن عليه- هو: أن قوله: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)} متعلق بما بعده؛ أي: لابثين فيها أحقابًا في حال كونهم {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)} ، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذبوا بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق.
ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في قوله: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)} [ص/ 57 - 58].
وغاية ما يلزم على هذا القول تداخل الحال، وهو جائز حتى عند من منع ترادف الحال كابن عصفور ومن وافقه.
وإيضاحه: أن جملة: {لَا يَذُوقُونَ} حال من ضمير اسم الفاعل المستكن، ونعني باسم الفاعل قوله:{لَابِثِينَ} الذي هو حال.
ونظيره من إتيان جملة فعل مضارع منفي بـ "لا" حالًا في القرآن قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل/ 78] أي: في حال كونكم لا تعلمون.
الثاني: أن هذه الأحقاب لا تنقضي أبدًا.
رواه ابن جرير عن قتادة والربيع بن أنس، وقال: إنه أصح مِنْ جعلِ الآية في عصاة المسلمين، كما ذهب إليه خالد بن معدان.
الثالث: أنا لو سلمنا دلالة قوله: {أَحْقَابًا (23)} على التناهي والانقضاء، فإن ذلك إنما فُهِمَ من مفهوم الظرف، والتأبيد مُصَرَّحٌ به منطوقًا، والمنطوق مقدم على المفهوم، كما تقرر في الأصول.
وقول خالد بن معدان: إن هذه الآية في عصاة المسلمين يرده ظاهر القرآن؛ لأن اللَّه قال: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)} وهؤلاء الكفار.