الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعراف
قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} الآية [الأعراف/ 6].
هذه الآية الكريمة تدل على أن اللَّه يسأل جميع الناس يوم القيامة. ونظيرها قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر/ 92 - 93]، وقوله:{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات/ 24]، وقوله:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص/ 65].
وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف ذلك، كقوله:{فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)} [الرحمن/ 39]، وكقوله:{وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)} [القصص/ 78].
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول -وهو أوجهها؛ لدلالة القرآن عليه-: هو أن السؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وأداتُه غالبًا "لِمَ". وسؤال استخبار واستعلام، وأداتُه غالبًا "هل". فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال الاستخبار والاستعلام.
وجه دلالة القرآن على هذا: أن سؤاله لهم المنصوص في [القرآن]
(1)
كلُّه توبيخٌ وتقريع، كقوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ
(1)
ليست في الأصل المطبوع. وبها يستقيم السياق.
لَا تَنَاصَرُونَ (25)} [الصافات/ 24 - 25]، وقوله:{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)} [الطور/ 15]، وكقوله:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام/ 130]، وكقوله:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)} [الملك/ 8]، إلى غير ذلك من الآيات.
وسؤالُ اللَّه للرسل: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة/ 109] لتوبيخ الذين كذبوهم، كسؤال الموءودة:{بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)} [التكوير/ 9] لتوبيخ قاتلها.
الوجه الثاني: أن في القيامة مواقف متعدد، ففي بعضها يسألون، وفي بعضها لا يسألون.
الوجه الثالث: هو ما ذكره الحليمي من أن إثبات السؤال محمول على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل، وعدم السؤال محمول على ما يستلزمه الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه. ويدل لهذا قوله تعالى:{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65)} [القصص/ 65].
والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} الآية [الأعراف/ 12].
في هذه الآية إشكال بين قوله: {مَنَعَكَ} مع "لا" النافية؛ لأن المناسب في الظاهر لقوله: {مَنَعَكَ} -بحسب ما يسبق الى ذهن السامع لا ما في نفسى الأمر- هو حذف "لا"، فيقول:"ما منعك أن تسجد" دون "ألا تسجد".
وأجيب عن هذا بأجوبة، من أقربها: هو ما اختاره ابن جرير في
تفسيره، وهو أن في الكلام حذفًا دل المقام عليه.
وعليه، فالمعنى: ما منعك من السجود، فأحوجك أن لا تسجد إذ أمرتك؟
وهذا الذي اختاره ابن جرير، قال ابن كثير: إنه حسن قوي.
ومن أجوبتهم: أن "لا" صلة. ويدل له قوله تعالى في سورة ص: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ} الآية [ص/ 75].
وقد وعدنا فيما مضى أنَّا -إن شاء اللَّه- نبين القول بزيادة "لا" مع شواهده العربية في الجمع بين قوله: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)} البلد/ 1] وبين قوله: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)} [التين/ 3].
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف/ 28].
هذه الآية الكريمة يتوهم خلاف ما دلت عليه من ظاهر آية أخرى، وهي قوله تعالى:{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} الآية [الإسراء/ 16].
والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
الأول -وهو أظهرها-: أن معنى قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي بطاعة اللَّه وتصديق الرسل {فَفَسَقُوا} أي: بتكذيب الرسل ومعصية اللَّه تعالى. فلا إشكال في الآية أصلًا.
الثاني: أن الأمر في قوله: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أمر كوني قدري، لا أمر شرعي. أي: قدَّرنا عليهم الفسق بمشيئتنا.
والأمر الكوني القدري كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف/ 166]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس/ 82]. والأمر في قوله:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف/ 28] أمر شرعي ديني.
فظهر أن الأمر المنفي غير الأمر المثبت.
الوجه الثالث: أن معنى {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} أي: كثَّرناهم حتى بطروا النعمة ففسقوا.
ويدل لهذا المعنى الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد مرفوعًا من حديث سويد بن هبيرة رضي الله عنه: "خير مال امرئ: مهرة مأمورة أو سكة مأبورة". فقوله: "مأمورة، أي: كثيرة النسل. وهي محل الشاهد.
قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ} الآية [الأعراف/ 51]، وأمثالها من الآيات كقوله:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة/ 67]، وقوله:{وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} [طه/ 126]، وقوله:{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} الآية [الجاثية/ 34].
لا يعارض قوله تعالى: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)} [طه/ 52]، وقوله:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم/ 64]؛ لأن معنى {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} ونحوه: أي: نتركهم في العذاب محرومين من كل خير. واللَّه تعالى أعلم.
قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)} الآية
[الأعراف/ 107].
هذه الآية تدل على شبه العصا بالثعبان، وهو لا يطلق إلا على الكبير من الحيات.
وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى:{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} الآية [القصص/ 31]؛ لأن الجان هو الحية الصغيرة.
والجواب عن هذا: أنه شبهها بالثعبان في عظم خلقتها، وبالجانِّ في اهتزازها وخفتها وسرعة حركتها، فهي جامعة بين العظم وخفة الحركة على خلاف العادة.