الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة غافر
قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر/ 7].
هذه الآية الكريمة تدل على أن استغفار الملائكة لأهل الأرض خاص بالمؤمنين منهم.
وقد جاءت آية أخرى يدل ظاهرها على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآية [الشورى/ 5].
والجواب: أن آية غافر مخصصة لآية الشورى، والمعنى: ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين؛ لوجوب تخصيص العام بالخاص.
قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر/ 28].
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن في هذه الآية من توهم المنافاة بين الشرط والجزاء في البعض؛ لأن المناسب لاشتراط الصدق هو أن يصيبهم جميع الذين يعدهم لا بعضه، مع أنه تعالى لم يقل: وإن يك صادفا يصبكم كل الذي يعدكم.
وأجيب عن هذا بأجوبة، من أقربها -عندي-: أن المراد بالبعض الذي يصيبهم هو البعض العاجل الذي هو عذاب الدنيا؛ لأنهم أشد خوفًا من العذاب العاجل، ولأنهم أقرب إلى التصديق بعذاب الدنيا منهم بعذاب الآخرة.
ومنها: أن المعنى: إن يك صادقًا فلا أقلَّ من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم.
وعلى هذا، فالنكتةُ المبالغةُ في التحذير؛ لأنه إذا حذرهم من إصابة البعض، أفاد أنه مُهْلِكٌ مَخُوفٌ، فما بال الكل؟
وفيه إظهارٌ لكمال الإنصاف وعدم التعصب، ولذا قدم احتمال كونه كاذبًا.
ومنها: أن لفظة "البعض" يراد بها الكل.
وعليه، فمعنى:{بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} : كلُّ الذي يعدكم.
ومن شواهد هذا في اللغة العربية قول الشاعر:
إن الأمور إذا الأحداثُ دَبَّرها
…
دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
يعني: ترى فيها خللا.
وقول القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون مع المستعجل الزلل
يعني: قد يدرك المتأني حاجته.
وأما استدلال أبي عبيدة لهذا بقول لبيد:
تَرَّاكُ أمكنةٍ إذا لم أَرْضَها
…
أو يعتلقْ بعضَ النفوس حِمامُها
فغلط منه؛ لأن مراد لبيد "ببعض النفوس" نفسه، كما بينتُه في رحلتي في الكلام على قوله:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية [الرعد/ 31].