الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الزلزلة
قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة/ 7 - 8].
هذه الآية الكريمة تقتضي أن كل إنسان -كافرًا كان أو مسلمًا- يجازى بالقليل من الخير والشر.
وقد جاءت آيات أخر تدل على خلاف هذا العموم:
أما ما فعله الكافر من الخير، فالآيات تصرح بإحباطه، كقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود/ 16]، وقوله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان/ 23]، وكقوله:{أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} الآية [إبراهيم/ 18]، وقوله:{أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} الآية [النور/ 39]، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما ما عمله المسلم من الشر، فقد صرحت الآيات بعدم لزوم مؤاخذته به، لاحتمال المغفرة أو لوعد اللَّه بها، كقوله:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء/ 48]، وقوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء/ 31]، إلى غير ذلك من الآيات.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الآية من العام المخصوص. والمعنى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره إن لم يحبطه الكفر؛ بدليل آيات إحباط الكفر
عمل الكفار. ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره إن لم يغفره اللَّه له؛ بدليل آيات احتمال الغفران والوعد به.
الثاني: أن الآية على عمومها، وأن الكافر يرى جزاء كل عمله الحسن في الدنيا، كما يدل عليه قوله تعالى:{نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآية [هود/ 15]، وقوله:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا} الآية [الشورى/ 20]، وقوله تعالى:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور/ 39]، والمؤمن يرى جزاء عمله السيئ في الدنيا بالمصائب والأمراض والآلام.
ويدل لهذا ما أخرجه الطبرانى في "الأوسط"، والبيهقي في "الشعب"، وابن أبي حاتم، وجماعة، عن أنس قال: بينا أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الآية، فرفع أبو بكر يده وقال: يا رسول اللَّه -صلي اللَّه عليه وسلم-، إني لراءٍ ما عملتُ من مثقال ذرة من شر؟ فقال رسول اللَّه -صلي اللَّه عليه وسلم-:"يا أبا بكر، أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر" الحديث.
الوجه الثالث: أن الآية -أيضًا- على عمومها، وأن معناها: أن المؤمن يرى كل ما قَدَّمَ من خير وشر، فيغفر اللَّه له الشر ويثيبه بالخير. والكافر يرى كل ما قَدَّمَ من خير وشر، فيحبط ما قدم من خير ويجازيه بما فعل من الشر.