الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة قد أفلح المؤمنون
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)} [المؤمنون/ 99].
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من رجوع الضمير إلى الرب، والضمير بصيغة الحمع، والرب جل وعلا وأحد.
والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول -وهو أظهرها-: أن الواو لتعظيم المخاطَب وهو اللَّه تعالى، كما في قول الساعر:
ألا فارحموني يا إله محمدٍ
…
فإن لم أكن أهلًا فأنت له أهلُ
وقول الآخر:
وإن شئتُ حرمتُ النساء سواكم
…
وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بَرْدًا
الوجه الثاني: أن قوله: {رَبِّ} استغاثة به تعالى، وقوله:{ارْجِعُونِ (99)} خطاب للملائكة.
ويستأنس لهذا الوجه بما ذكره ابن جرير عن ابن جريج قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ فيقول: بل قدموني إلى اللَّه. وأما الكافر فيقولون له: نرجعك؟ فيقول: رب ارجعون".
الوجه الثالث -وهو قول المازني-: أنه جمع الضمير ليدل على التكرار، فكأنه قال: رب ارجعني، ارجعني، ارجعني
ولا يخلو هذا القول عندي مِنْ بُعْد.
والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} [المؤمنون/ 101].
هذه الآية الكريمة تدل على أنهم لا أنساب بينهم يومئذ، وأنهم لا يتساءلون يوم القيامة.
وقد جاءت آيات أخر تدل على ثبوت الأنساب بينهم، كقوله:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} الآية [عبس/ 34]. وآيات أخرى تدل على أنهم يتساءلون، كقوله تعالى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور/ 25].
والجواب عن الأول: أن المراد بنفي الأنساب انقطاعُ فوائدها وآثارها التي كانت مترتبة عليها في الدنيا، من العواطف والنفع والصِّلات والتفاخر بالآباء، لا نفيُ حقيقتها.
والجواب عن الثاني من ثلاثة أوجه:
الأول: أن نفي السؤال بعد النفخة الأولى وقبل الثانية، وإثباته بعدهما معًا.
الثاني: أن نفيَ السؤال عند اشتغالهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط، وإثباتَه فيما عدا ذلك.
وهو عن السدِّي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
(1)
.
(1)
كذا في الأصل المطبوع، و"الأضواء"(5/ 823)! وهو تلخيصٌ غير سديدٍ لكلام =
الثالث: أن السؤال المنفي سؤالٌ خاص، وهو سؤال بعضهم العفو من بعض فيما بينهم من الحقوق؛ لقنوطهم من الإعطاء، ولو كان المسؤول أبًا أو ابنًا أو أمًّا أو زوجة.
ذكر هذه الأوجه الثلاثة -أيضًا- صاحب "الإتقان".
قوله تعالى: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)} [المؤمنون/ 113].
هذه الآية الكريمة تدل على أن الكفار يزعمون يوم القيامة أنهم ما لبثوا إلا يومًا أو بعض يوم.
وقد جاءت آيات أخر يفهم منها خلاف ذلك، كقوله تعالى:{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103)} [طه/ 103]، وقوله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم/ 55].
والجواب عن هذا بما دل عليه القرآن، وذلك أن بعضهم يقول: لبثنا يومًا أو بعض يوم. وبعضهم يقول: لبثنا ساعة. وبعضهم يقول: لبثنا عشرًا.
ووجه دلالة القرآن على هذا: أنه بيَّن أن أقواهم إدراكًا وأرجحهم عقلًا وأمثلهم طريقةً هو من يقول: إن مدة لبثهم يومًا،
= السيوطي في "الإتقان"(3/ 81). فإن السيوطي أورد هذا الوجه -الثاني عند المؤلف- ثم قال: "وهذا منقول عن السدي". ثم قال عقبه مباشرة: "أخرجه ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أن نفي المساءلة عند النفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثانية"، وهذا هو الوجه الأول عند المؤلف.
وذلك قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104)} [طه/ 104]، فدل ذلك على اختلاف أقوالهم في مدة لبثهم. والعلم عند اللَّه تعالى.