الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الرحمن
قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)} [الرحمن/ 35].
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من أن إرسال شواظ النار الذي هو لهبها، والنحاس الذي هو دخانها، أو النحاس المذاب، وعدم الانتصار = ليس في شيء منه إنعامٌ على الثقلين.
وقوله لهم: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)} يفهم منه أنَّ إرسال الشواظ والنحاس وعدم الانتصار من آلاء اللَّه، أي نعمه على الجن والإنس.
والجواب من وجهين:
الأول: أن تكرير {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} للتوكيد. ولم يكرره متواليًا؛ لأن تكريره بعد كل آية أحسن من تكريره متواليًا.
وإذا كان للتوكيد فلا إشكال؛ لأن المذكور منه بعد ما ليس من الآلاء مؤكدٌ للمذكور بعد ما هو من الآلاء.
الوجه الثاني: أن {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} لم تذكر إلا بعد ذكر نعمة أو موعظة أو إنذار وتخويف، وكلها من آلاء اللَّه التي لا يكذب بها إلا كافر جاحد.
أما في ذكر النعمة، فواضح.
وأما في الموعظة، فلأن الوعظ تلين له القلوب فتخشع وتنيب،
فالسبب الموصل إلى ذلك من أعظم النعم، فظهر أن الوعظ من أكبر الآلاء.
وأما في الإنذار والتخويف -كهذه الآية-، ففيه -أيضًا- أعظم نعمة على العبد؛ لأن إنذاره في دار الدنيا من أهوال يوم القيامة من أعظم نعم اللَّه عليه.
ألا ترى أنه لو كان أمام إنسان مسافر مهلكة كبرى، وهو مشرف على الوقوع فيها من غير أن يعلم بها، فجاءه إنسان فأخبره بها وحذره عن الوقوع فيها، أن هذا يكون يدًا له عنده وإحسانًا يجازيه عليه جزاءً أكبر الإنعام؟
وهذا الوجه الأخير هو مقتضى الأصول؛ لأنه قد تقرر في علم الأصول: أن النص إذا احتمل التوكيد والتأسيس، فالأصل حمله على التأسيس لا على التوكيد؛ لأن في التأسيس زيادة معنى ليس في التوكيد.
وعلى هذا القول، فتكرير {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إنما هو باعتبار أنواع النعم المذكورة قبلها من إنعام أو موعظة أو إنذار، وقد عرفت أن كلها من آلاء اللَّه.
فالمذكورة بعد نعمة كالمذكورة بعد قوله: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ} الآية [الرحمن/ 24]، وبعد قوله:{يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)} الآية [الرحمن/ 22]؛ لأن السفن واللؤلؤ والمرجان من آلاء اللَّه كما هو ضروري.
والمذكورة بعد موعظة كالمذكورة بعد قوله: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ} الآية [الرحمن/ 37].
والمذكورة بعد إنذار أو تخويف كالمذكورة بعد قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} الآية [الرحمن/ 35].
والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن/ 39].
تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر/ 92 - 93]، وقوله:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} الآية [الأعراف/ 6] في سورة الأعراف.