المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

جليل بارع الأسلوب (1). وله كتب أخرى ذكر منها صاحب - دولة الإسلام في الأندلس - جـ ٥

[محمد عبد الله عنان]

فهرس الكتاب

- ‌العصْر الرّابعنهَايَةُ الأَنْدَلُسْ وَتَارِيخ العَرَبْ المتنَصِّرِين

- ‌مقدمة

- ‌تصدير

- ‌تاريخ مملكة غَرناطة635 -897 هـ: 1238 - 1492 م

- ‌الكِتابُ الأول ممْلكة غَرناطةمنذ قيامها حتى ولاية السّلطان أبي الحسن635 -868 هـ: 1238 - 1463 م

- ‌الفصل الأوّل الأندلس الغاربة

- ‌الفصل الثانينشأة مملكة غرناطة وقيام الدولة النصرية

- ‌الأندلس والممالك النّصرانية الإسبانيّة في أواخر عصْر الموحّدين (أوائل القرن الثالث عشر)

- ‌الفصل الثالثطوائف الأمة الأندلسية فى عصر الانحلال

- ‌الفصل الرابعطبيعة الصراع بين الأندلس واسبانيا النصرانية

- ‌الفصْل الخامسُتاريخ اسبانيا النصرانية منذ أوائل القرن الحادى عشر حتى قيام مملكة غرناطة

- ‌الفصل السادسمملكة غرناطة عقب وفاة ابن الأحمر وعصر الجهاد المشترك بين بنى الأحمر وبنى مرين

- ‌صورة: الملك ألفونسو العالم

- ‌الفصل السابعمملكة غرناطة فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى وذروة الصراع بين بنى مرين واسبانيا النصرانية

- ‌الفصْل الثامِنالأندلس بين المدّ والجزر

- ‌الفصْل التاسِعتاريخ اسبانيا النصرانية منذ قيام مملكة غرناطة حتى اتحاد مملكتى قشتالة وأراجون

- ‌1 - قشتالة

- ‌2 - أراجون

- ‌3 - اسبانيا النصرانية المتحدة

- ‌الكتاب الثانىنهاية دولة الإسلام فى الأندلس 868 - 897: 1463 - 1492 م

- ‌الفصل الأوّلالأندلس على شفا المنحدر

- ‌الفصل الثانىبداية النهاية

- ‌الفصل الثالثالصراع الأخير

- ‌الفصل الرابعختام المأساة

- ‌1 - قصر قمارش

- ‌2 - قصر السباع

- ‌مأساة الموريسكيّين أو العَرَب المتنصِّرين 897 - 1018 هـ: 1492 - 1609 م

- ‌الكتاب الثالثمراحل الاضطهاد والتنصير

- ‌الفصل الأولبدء التحول فى حياة المغلوب

- ‌الفصل الثانىديوان التحقيق الإسبانى ومهمته فى إبادة الأمة الأندلسية

- ‌الفصل الثالثذروة الاضطهاد وثورة الموريسكيين

- ‌الكتاب الرابعنهاية النّهاية

- ‌الفصل الأولتوجس السياسة الإسبانية وعصر الغارات البحرية الإسلامية

- ‌الفصل الثانىمأساة النفى

- ‌الفصل الثالثتأملات وتعليقات عن آثار المأساة

- ‌الكتابُ الخامسنظم الحكم والحياة الاجتماعية والفكريّة فى مملكة غرناطة

- ‌الفصل الأوّلنظم الحكم فى مملكة غرناطة وخواصها الإجتماعية

- ‌الفصل الثانىالحركة الفكرية فى مراحلها الأولى

- ‌الشعر والأدب

- ‌العلوم

- ‌الفصل الثالثعهد النضج والازدهار

- ‌الفصل الرابعالعصر الأخير والآثار الباقية

- ‌ثبت المراجع

- ‌مصادر مخطوطة

- ‌فهرست الموضوعات

- ‌فهرست الخرائط و‌‌الصورو‌‌الوثائق

- ‌الصور

- ‌الوثائق

الفصل: جليل بارع الأسلوب (1). وله كتب أخرى ذكر منها صاحب

جليل بارع الأسلوب (1). وله كتب أخرى ذكر منها صاحب فوات الوفيات، المرقص والمطرب، وملوك الشعر. وله شعر رقيق.

‌العلوم

وكان للعلوم أيضاً مجالها بالأندلس فى أوائل القرن السابع الهجرى، وربما كانت هذه آخر مرحلة ازدهر فيها العلم الأندلسى، واستطاع أن يحتفظ بقبس من تقاليده القديمة الراسخة.

وكان ممن ظهر فى تلك الحقبة، أبو الفضل محمد بن عبد المنعم الجليانى، الطبيب والشاعر الأديب، أصله من جليانة من أعمال غرناطة، ونبغ فى الطب فى ظل الموحدين، ثم رحل إلى المشرق، وطاف بمصر والشام، ونظم كثيراً فى الإلهيات والرياضيات وآداب النفس (2).

ومنهم أبو بكر بن عبد الملك بن زهر الإشبيلى، سليل أسرة بنى زهر الشهيرة، التى نبغ منها فى الطب والكيمياء والصيدلة، أبو العلاء بن زهر، ثم ولده عبد الملك حسبما سبقت الإشارة إليه، ثم ابنه أبو بكر هذا، وقد برع كأبيه وجده فى الطب والكيمياء، وكان من أعظم أطباء الأندلس فى أواخر القرن السادس الهجرى.

ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج الأموى المعروف بابن الرومية الإشبيلى العلامة الطبيب والنباتى، وقد اشتهر بالأندلس فى أوائل القرن السابع الهجرى، وكان إماماً فى الحديث وحجة فى علم النبات لا يبارى. ولد بإشبيلية سنة 561 هـ وتوفى بها سنة 637 هـ (1239 م). وله مؤلفات نفيسة فى النبات والطب. منها شرح حشائش دياسقوريدس، وأدوية جالينوس، والرحلة النباتية، والمستدركة، وله كتاب فى الأدوية المفردة على نمط الكتب التى ألفها بنو زهر فى هذا الموضوع (3).

وكان من أعظم علماء الأندلس فى هذا العصر، ابن البيطار المالقى العالم

(1) راجع نفح الطيب ج 2 ص 137. وقد انتهت إلينا من هذا الأثر الضخم نسخة مشوهة ناقصة، وهى محفوظة بدار الكتب المصرية رقم 2712، تاريخ. وقد نشر أخيراً كتاب "المغرب فى حلى المغرب" فى جزأين محققاً بعناية الدكتور شوقى ضيف وصادراً عن دار المعارف بالقاهرة (1953 - 1955).

(2)

راجع نفح الطيب ج 2 ص 16، وقد أورد المقرى شيئاً من شعره.

(3)

ترجم له ابن الخطيب فى الإحاطة (ج 1 ص 215 وما بعدها). وراجع نفح الطيب ج 2 ص 137

ص: 459

النباتى والطبيب المشهور، وهو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، ولد بمالقة ْفى أواخر القرن السادس الهجرى، ودرس على أبى العباس النباتى، ثم غادر الأندلس فى شبابه، وطاف بأنحاء المغرب، وقدم إلى مصر أيام الملك الكامل، فدخل طبيباً فى خدمته، ثم خدم ابنه الملك الصالح من بعده، وعنى بدراسة النبات والأعشاب فى مصر والشام وآسيا الصغرى وبلاد اليونان، وألف فى ذلك كتابين؛ "كتاب الجامع فى الأدوية المفردة" تناول فيه الأدوية النباتية المعروفة فى عصره، ورتبها على حروف المعجم، وكتاب "المغنى فى الأدوية المفردة"، وهو مرتب على مداواة الأعضاء، وله أيضا كتاب "الأفعال الغريبة والخواص العجيبة". ودرس عليه ابن أبى أصيبعة العالم المشهور، وصاحب معجم تراجم الأطباء، وقد أشاد ببراعته وغزارة علمه، ودقة فهمه لكتب الأقدمين. وتوفى ابن البيطار بدمشق سنة 646 هـ (1248 م)(1).

وظهر فى هذا العصر علماء آخرون فى الرياضيات والفلك، وكان منهم مطرّف الإشبيلى، وقد برع فى الفلك، واشتغل بالتصنيف فيه، وكان ينسب إلى الزندقة بسبب اعتكافه فى هذا الشأن، فكان يخفى تصانيفه ونتائج بحوثه عن أهل عصره (2).

- 2 -

وهكذا كانت الحركة الفكرية بالأندلس فى النصف الأول من القرن السابع الهجرى، تحاول رغم اضطرابها أن تعمل على وصل ماضيها بحاضرها. فلما نهضت مملكة غرناطة من غمر الفوضى، وبدأت الأندلس حياتها الجديدة فى ظل هذه المملكة الفتية الجديدة، أخذت الحركة الفكرية فى الاستقرار، وآنست جواً من الهدوء والطمأنينة. وكان ملوك غرناطة جرياً على سنن ملوك الأندلس السالفين، من حماة العلوم والآداب، وكان بلاط غرناطة يسطع بتقاليده الأدبية الزاهرة، كما سطعت من قبل قصور ملوك الطوائف، وكان أمراء بنى الأحمر أنفسهم فى طليعة العلماء والأدباء. واشتهر عميدهم ومؤسس دولتهم محمد بن الأحمر، بحمايته للعلم والأدب، وكانت له أيام خاصة يستقبل فيها الشعراء وينشدونه قصائدهم (3)،

(1) راجع فوات الوفيات ج 1 ص 204، ونفح الطيب ج 2 ص 44 و 45.

(2)

راجع نفح الطيب ج 2 ص 138.

(3)

اللمحة البدرية ص 31

ص: 460

وكان من خاصة شعرائه الأثيرين لديه صالح بن شريف الرندى حسبما قدمنا.

وكان ابنه محمد الفقيه عالماً ضليعاً، يعشق مجالس العلم ويؤثر العلماء بعطفه، ويقرض الشعر (1)، وكذا كان ولده أبو عبد الله محمد الملقب بالمخلوع، عالماً شاعراً ينظم الشعر المستظرف، وقد أورد لنا ابن الخطيب قصيدة من شعره يقول فيها:

واعدنى وعداً وقد أخلفا

أقل شىء فى الملاح الوفا

وحال عن عهدى ولم يرعه

ما ضره لو أنه أنصفا

ما بالها لم تتعطف على

صب لها ما زال مستعطفا

يستطلع الأنباء من نحوها

ويرقب البرق إذا ما هفا (2).

وبلغت الحركة الفكرية والأدبية ذروة ازدهارها، فى مملكة غرناطة، فى عصر السلطان أبى الحجاج يوسف بن اسماعيل النصرى (733 - 755 هـ)، وولده السلطان محمد الغنى بالله (755 - 793 هـ). وكان السلطان أبو الحجاج نفسه، عالماً أديباً يشغف بالفنون. واشتهر الأمير أبو الوليد اسماعيل بن السلطان يوسف الثانى بأدبه وبارع نثره، وهو صاحب كتاب "نثير الجمان فيمن ضمنى وإياهم الزمان" الذى يترجم فيه لأعلام عصره فى الشعر والأدب (3).

وكان من بين وزراء الدولة النصرية وكتابها، كثير من أعلام الشعر والأدب.

ويكفى أن نذكر فى هذا المقام ابن الحكيم الرندى، وابن الجياب، وابن الخطيب، وابن زمرك، والشريف العقيلى خاتمة أدباء الأندلس ووزرائها، وهم جميعاً من أقطاب الحركة الأدبية فى مملكة غرناطة، ومن أعلام وزرائها وسادتها، وسنعود إلى التحدث عنهم فيما بعد.

ومما تجدر ملاحظته، أن الحركة الفكرية الأندلسية فى ذلك العصر، تكاد تنحصر فى النواحى الأدبية، فقد ازدهر الأدب والشعر، وحفلت غرناطة بجمهرة من أكابر الأدباء والشعراء، ولكن العلوم العقلية أصابها الركود، وقلما نجد فى هذه الفترة أحداً من أقطاب الطب والفلسفة أو العلوم الرياضية، أو غيرها من العلوم المحضة، التى ازدهرت من قبل بالأندلس، ونبغ فيها ثبت حافل من أكابر

(1) اللمحة البدرية ص 38.

(2)

راجع هذه القصيدة فى اللمحة البدرية ص 49، وراجع الإحاطة ج 1 ص 553 و 554.

(3)

نفح الطيب ج 2 ص 404، وراجع أزهار الرياض ج 1 ص 186. وتوجد نسخة مخطوطة وحيدة من هذا الكتاب بدار الكتب المصرية

ص: 461

العلماء والفلاسفة، هذا بينما احتفظت الآداب فى مملكة غرناطة بروائها وازدهارها، حتى اللحظة الأخيرة من حياتها.

وقد تقلبت الحركة الفكرية الأندلسية فى المائتين وخمسين عاماً التى عاشتها مملكة غرناطة، فى أطوار ثلاثة: طور الفتوة، وطور النضج، وطور الإنحلال الأخير. وسوف نحاول أن نستعرض هذه الأطوار الثلاثة تباعاً، ذاكرين أقطاب التفكير والأدب فى كل مرحلة منها.

- 3 -

ويبدأ الطور الأول باستقرار مملكة غرناطة وتوطدها، فى أواخر القرن السابع الهجرى وأوائل القرن الثامن.

وقد حفلت هذه الفترة التى بزغت فيها شمس الأندلس من جديد، بجمهرة من الشعراء والأدباء والعلماء، وازدهر الأدب، واستعاد الشعر بنوع خاص، كثيراً من روعته وروائه القديم.

وكان فى طليعة شعراء هذه الفترة، الكاتب البليغ والأديب البارع، الوزير ابن الحكيم. وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن يحيى اللخمى الرندى وأصلهم من بيوتات إشبيلية، وكان جد والده يحيى طبيباً عرف بالحكيم، وأسبغ لقبه على الأسرة. ولما اضطرمت الفتنة بالأندلس أيام الطوائف، انتقلت الأسرة إلى رندة، وولد ابن الحكيم برندة سنة 660 هـ، ووفد على غرناطة فتى، أيام السلطان أبى عبد الله محمد المعروف بالفقيه، فولاّه كتابته فى ديوان الإنشاء. ثم تقلد بعد وفاته الوزارة لولده السلطان أبى عبد الله محمد المخلوع، إلى جانب وزيره أبى سلطان عزيز الدانى. فلما توفى أبو سلطان، انفرد ابن الحكيم بالوزارة، ولقب بذى الوزارتين لجمعه بين الكتابة والوزارة. واستبد بالحكم حيناً حتى نشبت الثورة فى غرناطة ضد السلطان أبى عبد الله المخلوع وحكومته الطاغية، وقتل فيها ابن الحكيم يوم عيد الفطر سنة 708 هـ (1308 م) حسبما أسلفنا فى موضعه. وكان ابن الحكيم شاعراً مجيداً وكاتباً بليغاً وخطيباً ذلقاً، وقد وصفه ابن الخطيب فى الإحاطة بقوله:"كان علماً فى الفضيلة والسراوة ومكارم الأخلاق، كريم النفس، واسع الإيثار، متين الحرمة، عالى الهمة، كاتباً بليغاً، أديباً، شاعراً"، وفى كتاب "عائد الصلة" بقوله: "كان فريد دهره سماحة وبشاشة ولوذعية وانطباعاً، رقيق الحاشية،

ص: 462

نافذ العزمة، مهتزاً للمديح، طلقاً للآمال، كهفاً للغريب" (1)، وزار ابن الحكيم المشرق، وحج ودرس وتلقى عن مشايخه. ومن شعر ابن الحكيم قوله:

ما أحسن العقل وآثاره

لو لازم الإنسان إيثاره

يصون بالعقل الفتى نفسه

كما يصون الحر أسراره

لاسيما إن كان فى غربة

يحتاج أن يعرف مقداره

ومن قوله فى الغزل:

هل إلى رد عشيات الوصال

سبب أم ذاك من ضرب المحال

وليال ما تبقى بعدها

غير أشواقى إلى تلك الليال

إذ مجال الوصل فيها مسرحى

ونعيمى آمر فيها ووال

ولحالات التراضى جولة

مزجت بين قبول واقتبال

وغزال قد بدا لى وجهه

فرأيت البدر فى حال الكمال

ما أمال التيه من أعطافه

لم يكن إلا على خصل اعتدال

خص بالحسن فا أنت ترى

بعده للناس حظاً فى الجمال

وقوله:

ألا واصل مواصلة العقار

ودع عنك التخلق بالوقار

وقم واخلع عذارك فى غزال

يحق لمثله خلع العذار

قضيب مائس من فوق دعص

تعمم بالدجى فوق النهار

ولاح بخده ألف ولام

فصار معرفا بين الدرارى (2).

وكان ولده أبو بكر محمد بن الحكيم أيضاً من أعلام الأدب والشعر فى تلك الفترة، وقد تولى مثله الوزارة فيما بعد، وكان من أساتذة ابن الخطيب، وقد ألف فى الأدب كتاباً سماه " بالموارد المستعذبة"(3).

ومن أكابر الشعراء فى تلك الفترة أبى عبد الله محمد بن خميس التلمسانى، أصله من تلمسان كما يدل عليه اسمه. ووفد على غرناطة واتصل بالوزير ابن الحكيم ومدحه، ونزل بألمرية سنة 706 هـ واتصل بحاكمها القائد أبى الحسن بن كماشة،

(1) راجع الإحاطة ج 2 ص 279.

(2)

راجع فى ترجمة ابن الحكيم وشعره: الإحاطة ج 2 ص 278 - 303، ونفح الطيب ج 2 ص 7 - 9، وج 2 ص 263 - 271.

(3)

راجع نفح الطيب ج 3 ص 263

ص: 463

ومدحه فأجزل صلته، ووصفه ابن خاتمة بأنه من فحول الشعراء وأعلام البلغاء، وقد جمع شعره فى ديوان سمى "الدر النفيس فى شعر ابن خميس". وكانت وفاته قتيلا بغرناطة يوم مقتل مخدومه الوزير ابن الحكيم وذلك فى يوم عيد الفطر سنة 708 هـ (1308 م)، ويمتاز شعره بالجودة والروعة، ومن نظمه قوله:

نظرت إليك بمثل عينى جؤذر

وتبسمت عن مثل سمطى جوهر

عن ناصع كالدر أو كالبرق أو

كالطلح أو كالاقحوان مؤشر

تجرى عليه من لماها نطفة

بل خمرة لكنها لم تعصر

لو لم يكن خمراً سلافاً ريقها

تزرى وتلعب بالنهى لم تخطر

وقوله:

عجباً لها أيذوق طعم وصالها

من ليس يأمل أن يمر ببالها

وأنا الفقير إلى تعلة ساعة

منها وتمنعنى زكاة جمالها

كم ذا وعن عينى الكرى متأنف

يبدو ويخفى فى خفى مطالها

يسمو لها بدر الدجى متضائلا

كتضاؤل الحسناء فى أسمالها

ومنه:

أتت ولكن بعد طول غياب

وفرط لجاج ضاع فيه شبابى

وما زلت والعليا تعنى غريمها

أعلل نفسى دائماً بمثاب

وهيهات من بعد الشباب وشرخه

يلذ طعامى أو يسوغ شرابى

خدعت بهذا العيش قبل بلائه

كما يخدع الصادى يلمع سراب

ومنه قوله فى الحنين إلى بلده تلمسان قصيدة من أبدع قصائده هذا مطلعها:

تلمسان لو أن الزمان بها يسخو

منى النفس لا دار السلام ولا الكرخ

ودارى بها الأولى التى حيل دونها

مثار الأسى لو أمكن الحنق اللبخ

وعهدى بها والعمر فى عنفوانه

ومنه شبابى لا أجين ولا مطخ (1).

ومنهم أبو حيان الغرناطى، محمد بن يوسف بن على، ولد بغرناطة سنة 654 هـ وطاف بالمشرق، وتوفى بمصر سنة 745 هـ (1344 م)، وكان فوق تضلعه فى الحديث والتفسير بارعاً فى اللغة والأدب، إماماً فى النثر، ونظم

(1) راجع فى أخبار ابن خميس شعره: نفح الطيب ج 3 ص 184 - 194، وأزهار الرياض ج 3 ص 303

ص: 464

الموشحات، وقد ترك مؤلفات كثيرة فى التفسير واللغة والأدب، وله شعر كثير ومن نظمه قوله فى موشحته:

إن كان ليل داج. وخاننا الإصباح. فنورها الوهاج. يغنى عن المصباح

سلافة تبدو

كالكوكب الأزهر

مزاجها شهد

وعرفها عنبر

يا حبذا الورد

منها وإن سكر (1).

وكان الرئيس أبو الحسن على بن الجياب، وزير السلطان يوسف أبى الحجاج وكاتبه، فى طليعة أقطاب النثر والنظم فى تلك الفترة، ولد بغرناطة سنة 673 هـ، وبرع فى الشعر والأدب، وتقلب فى مناصب الكتابة حتى غدا رئيساً لديوان الإنشاء، وكان من معاونيه فى الكتابة لسان الدين بن الخطيب وقد ورث منصبه عقب وفاته. وتوفى ابن الجياب ضمن ضحايا الوباء الكبير سنة 749 هـ (1348 م). ومن شعره قوله:

لله در الشباب عصرا

فتح للخير كل باب

حفظت ما شئت فيه حفظا

كنت أراه بلا ذهاب

حتى إذا ما المشيب وافى

نَدَّ ولكن بلا إياب

ومنه فى الوعظ:

يا أيها الممسك البخيل

إلهك المنفق الكفيل

أنفق وثق بالإله ترع

فإن إحسانه جزيل (2).

ومن شعراء ذلك العصر أبو عبد الله محمد بن جابر الأندلسى الهوارى الضرير، وقد رحل إلى المشرق، ومدح بعض أمرائه، وقصد إلى سلطان ماردين فأجزل صلته، وقد أشار ابن بطوطة الرحالة إلى ذلك عند ذكره فى رحلته لسلطان ماردين (3)؛ ولابن جابر موشحات كثيرة ومدائح جيدة فى الصحابة وآل البيت، ومن شعره فى الغزل قوله:

شغفت بها حيناً من الدهر لم يكن

سوى سكب دمعى فى محبتها كسبى

وما أصل هذا كله غير نظرة

إلى مقلة منها أصغت لها قلبى

(1) راجع ترجمته وشيئاً من شعره فى فوات الوفيات ج 2 ص 282 - 285.

(2)

راجع ترجمة ابن الجياب وشعره: نفح الطيب ج 3 ص 223 - 229.

(3)

نفح الطيب ج 4 ص 393؛ ورحلة ابن بطوطة ج 1 ص 150

ص: 465

ومنه:

تجنت فجن فى الهوى كل عاقل

رآها وأحوال المحب جنون

وما وعدت إلا غلت فى مطالها

كذلك وعد الغانيات يكون

ومنه فى الحكم:

مهلا فما شيم الوفا منقادة

لمن ابتغى من نيلها أوطارا

رتب المعالى لا تنال بحية

يوماً ولو جهد الفتى أوطارا

وقال يتشوق إلى حمراء غرناطة:

دامت على الحمراء حمر مدامعى

والقلب فيما بين ذلك ذائب

طال المدى بى عنهم ولربما

قد عاد من بعد الإطالة غائب

وظهر من أقطاب اللغة فى تلك الفترة عدة، منهم أبو بكر محمد بن إدريس الفرانى القضاعى المتوفى سنة 707 هـ (1307 م). وقد كتب فى علم العروض كتاب "الختام المفضوض عن خلاصة علم العروض" ومنه نسخة بمكتبة الإسكوريال (1).

ومنهم أبو جعفر أحمد بن ابراهيم بن الزبير الحافظ النحوى شيخ ابن الخطيب الأب، وقد ولد بجيان سنة 626 هـ وتوفى سنة 708 هـ (1308 م). قال ابن الخطيب فى حقه:"انتهت إليه رياسة العربية بالأندلس"؛ وكان عالماً بالقرآن والحديث، مجيداً للنثر والنظم، ولى القضاء بغرناطة، واتصل بسلطانها الأمير أبى عبد الله محمد بن محمد بن الأحمر فأكرم مثواه، وقد صنف كتباً عدة فى مختلف الفنون، ومن آثاره المنشورة كتاب "صلة الصلة" الذى ألفه ذيلا على كتاب الصلة لابن بشكوال (2).

ومنهم أبو الحسن على بن يحيى الفزارى المالقى المعروف بابن البرزى المتوفى سنة 750 هـ (1349 م)، وكان بارعاً فى اللغة، وله شعر يصفه ابن الخطيب بالضعف والهزال.

ومنهم أبو عبد الله محمد بن على الفخّار البيرى، كان شيخ النحاة بالأندلس فى عصره؛ درس عليه الكثيرون ومنهم ابن الخطيب وابن زمرك، وقد وصفه

(1) المستشرق بروكلمان فى تاريخ الأدب العربى Geschichte der Arabischen Litteratur 1943.B. II. p. 259.

(2)

راجع فى ترجمة ابن الزبير، كتاب "صلة الصلة" المنشور بعناية الأستاذ ليفى بروفنسال فى المقدمة ص: و - ج. وكذلك الإحاطة ج 1 ص 195 - 200

ص: 466

ابن الخطيب فى الإحاطة "بالإمام المجمع على إمامته فى العربية، المفتوح عليه من الله فيها حفظاً واطلاعاً، واضطلاعاً، ونقلا وتوجيها بما لا مطمع فيه لسواه"، وكانت وفاته بغرناطة سنة 754 هـ (1353 م)(1).

ونبغ من علماء الدين والفقه فى تلك الفترة، القاسم بن عبد الله بن الشط الأنصارى الإشبيلى، المتوفى سنة 725 هـ (1324 م) وله كتاب "البرنامج" عن قضاة الأندلس (2). وأبو القاسم بن جزى الكلبى (محمد بن أحمد بن محمد) وهو من أهل غرناطة، وأصل سلفه من ولبة بولاية الغرب، كان فقيها حافظا مشاركا فى فنون كثيرة، ولاسيما اللغة والفقه، والقراءات والأدب. اشتغل بالتدريس بغرناطة، وتولى منصب الخطابة بالجامع الأعظم، وله عدة مؤلفات منها كتاب "التسهيل لعلوم التنزيل" و "الأنوار السنية فى الألفاظ السنية" و "القوانين الفقهية فى تلخيص مذهب المالكية" وكتاب "تقريب الوصول إلى علم الأصول" وغيرها، وله فهرسة اشتملت على طائفة كبيرة من علماء المشرق والمغرب، ولد بغرناطة سنة 693 هـ وتوفى قتيلا فى موقعة طريف سنة 741 هـ (3).

وازدهر التصوف فى هذا العصر، وكان من أقطابه يومئذ أبو الحسن على ابن فرحون القرشى القرطبى، المتوفى سنة 751 هـ (1350 م)، وأبو اسحاق ابراهيم بن يحيى الأنصارى المرسى، وقد ولد فى سنة 687 هـ وتوفى بغرناطة سنة 751 هـ (1350 م)، وله كتاب "زهرة الأكمام" فى قصة يوسف؛ وأبو عبد الله محمد بن محمد الأنصارى المالقى المولود سنة 649 هـ، والمتوفى سنة 754 هـ (1353 م)، وله كتاب "بغية السالك فى أشرف المسالك" فى مراتب الصوفية وطرائق المريدين (4).

وظهر من المؤرخين، محمد بن يحيى بن أبى بكر بن سعيد الأنصارى المالكى.

وقد ولد سنة 674 هـ، وتولى الخطابة والقضاء بغرناطة، وتوفى قتيلا فى

(1) نفح الطيب ج 3 ص 182 و 196.

(2)

بروكلمان، المصدر السابق ج 2 ص 264.

(3)

نفح الطيب (عن الإحاطة) ج 3 ص 271، وبروكلمان المصدر السابق ج 2 ص 265.

(4)

بروكلمان، المصدر السابق ج 2 ص 265

ص: 467

سنة 741 هـ (1340 م) فى موقعة طريف. ومن آثاره كتاب "التمهيد والبيان فى مقتل الشهيد عثمان بن عفان"(1).

ومن الرحل والرواة، أبو البقاء خالد بن عيسى البلوى، وقد رحل إلى إفريقية والمشرق بين سنتى 746 و 740 هـ، وكتب عن رحلته كتاب "تاج المفرق فى تحلية علماء المشرق" وانتفع فى مؤلفاته بما كتبه ابن جبير عن المشرق (2).

وأما العلوم فلم تزدهر مثل إزدهارها فى الماضى، ولم تشغل فى الحركة الفكرية سوى مجال محدود. وكان من أشهر علماء ذلك العصر أبو زكريا يحيى بن هذيل حكيم غرناطة وفيلسوفها المتوفى سنة 753 هـ (1353 م)، وقد برع فى الطب والفلسفة والعلوم والرياضة، وكان من شيوخ ابن الخطيب (3) وقد وصفه ابن الخطيب فى الإحاطة بأنه "درة بين الناس معطلة، وخزانة على كل فائدة مقفلة" ونوه بروعة محاضراته وأدبه. وله شعر جمع فى ديوان سمى "بالسليمانيات". وقد نقل إلينا المقرى طائفة من نظمه (4). ونستطيع أن نضع فى العلماء المعاصرين أيضاً شيخ ابن الخطيب أبا عثمان سعد بن أحمد بن ليون التجيبى، وكان من أكابر الأئمة فى الفقه، واختصر عدة من أمهات الكتب مثل كتاب "بهجة المجالس" لابن عبد البر. وكتب كتباً فى الهندسة والفلاحة (5).

(1) بروكلمان، المصدر السابق ج 2 ص 260، وتوجد من هذا الكتاب نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية.

(2)

بروكلمان، المصدر السابق ج 2 ص 266، وتوجد من كتابه نسخة خطية بدار الكتب المصرية.

(3)

راجع نفح الطيب ج 3 ص 52. وص 258.

(4)

نفح الطيب ج 3 ص 258 - 263.

(5)

راجع نفح الطيب ج 3 ص 302

ص: 468