المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌524 - باب التيمم ضربة للوجه والكفين - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٥

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌أَبْوَابُ: صِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌524 - بَابُ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ

- ‌525 - بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ؛ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلكَفَّيْنِ

- ‌526 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌527 - بَابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلكَفَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌528 - بَابُ مَا رُويَ فِي المَسْحِ إِلَى الآبَاطِ وَالمَنَاكِبِ

- ‌529 - بَابُ نَفْخِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌530 - بَابُ نَفْضِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌531 - بَابُ تَقْدِيمِ اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي المَسْحِ

- ‌532 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ التَّيَمُّمِ

- ‌أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ

- ‌533 - بَابٌ جَامِعٌ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ

- ‌534 - بُابُ التَّيَمُّمِ عَلَى الجِدَارِ

- ‌535 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ ذِي الغُبَارِ

- ‌536 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ

- ‌537 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالأَرْضِ الطَيِّبَةِ

- ‌أبوابُ مُبطلاتِ التَّيممِ وما يتعلقُ بِهِ

- ‌538 - بَابُ التَّيَمُّمِ يُجْزِئُ المُسْلِمَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ المَاءَ

- ‌539 - بَابُ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِ المَاءِ

- ‌540 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ العَجْزَ عَنِ المَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ

- ‌541 - بَابُ التَّيَمُّمِ رَيْثَمَا يَصِلُ المَاءُ

- ‌542 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِعَادَةِ المُتَيَمِّمِ الصَّلَاةَ إِذَا وَجَدَ المَاءَ فِي الوَقْتِ

- ‌أَبْوَابُ الأَحْكَامِ العَامَّةِ فِي التَّيَمُّمِ

- ‌543 - بَابُ مَنْ لَمْ يَجَدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا

- ‌544 - بَابُ الجُنُبِ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ

- ‌545 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الجُنُبِ إِذَا كَسِلَ عَنِ الوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌546 - بَابُ الحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَتَيَمَّمَانِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إِذَا عَدِمَتَا المَاءَ

- ‌547 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌548 - بَابٌ فِي طَلَبِ المَاءِ وَحَدِّ الطَّلَبِ

- ‌549 - بَابُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌550 - بَابُ التَّيَمُّمِ خَشْيَةَ فَوَاتِ صَلَاةِ الجَنَازَةِ

- ‌551 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌552 - بَابُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ

- ‌553 - بَابُ التَّيَمُّمِ إِذَا كَانَ المَاءُ لَا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَةِ

- ‌554 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌555 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌556 - مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الرَّجُلِ يَمُوتُ مَعَ النِّسَاءِ، وَالمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْرَمٌ يُغَسِّلُهُ

الفصل: ‌524 - باب التيمم ضربة للوجه والكفين

‌524 - بَابُ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ

3091 -

حَدِيثُ ابنِ أَبْزَى عَنْ عَمَارٍ

◼ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا. فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)).

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[التخريج]:

[خ 338 (واللفظ له)، 342، 343 (مختصرًا) / م (368/ 113) / ن 323/ كن 375/ جه 564/ حم 18332/ خز 285/ حب 1262، 1301، 1304/ عه 935 - 937/ عل 1607/ بز 1385 - 1286/ طح (1/ 112) / ثعلب 1155/ طحق 108/ بغ 308/ قط 699 - 700/ هق 1019/ شا 1027 - 1029، 1035، 1039/ لي (رواية ابن يحيى البيع 241) / مهر 37/ حداد 336/ منذ 545/ طبر (7/ 86) / سرج 2380، 2552/ سراج 8 - 10، 12/ تمهيد (19/ 271) / مسن 813/ قاضي (رجب 2/ 244) / الأثرم (رجب 2/ 244) / بغت (2/ 228) /

ص: 5

تحقيق 271/ تذ (3/ 108) / نبلا (9/ 264 - 265)، (13/ 499 - 500) / غلق (2/ 186)].

[السند]:

قال البخاريُّ (338): حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، حدثنا الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه به.

وقال مسلمٌ: حدثني إسحاق بن منصور، حدثنا النضر بن شُمَيْل، أخبرنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعتُ ذَرًّا، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، قال: قال الحكم: وقد سمعتُه من ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن رجلًا أَتَى عُمرَ فقال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجدْ مَاءً

وساقَ الحديثَ، وزاد فيه: قال عمارٌ: ((يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنْ شِئْتَ -لِمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ حَقِّكَ- لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا)).

[تنبيه]:

وقعَ الحديثُ عند السراجِ في (حديثه 2552)، بلفظ:((فَضَرَبَ بَيَدَيْهِ الأَرْضَ ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذَقْنَهُ)).

قلنا: الذي يظهرُ لنا أن لفظ ((ذَقْنَهُ)) خطأ من الناسخ؛ لأن السراج نفسه أخرج الحديث بسنده ومتنه في (مسنده 12)، بلفظ:((وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)).

ص: 6

رِوَايَةُ قَالَ: ((تَفَلَ فِيهِمَا))، بَدَلَ ((نَفَخَ)).

◼ وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((تَفَلَ فِيهِمَا)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[الفوائد]:

قال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: "المراد بالتفل هنا: النفخ، كما في سائر الروايات"(فتح الباري 2/ 243).

[التخريج]:

[خ 340].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه به.

ص: 7

رِوَايَةُ يَكْفِيكَ الوَجْهُ والكَفَّيْنِ

◼ وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((يَكْفِيكَ الوَجْهُ والكَفَّيْنِ)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 341/ بغ (2/ 109) / بغت (2/ 228) / محلى (2/ 154)].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا محمد بن كَثيرٍ، أخبرنا شعبة، عن الحكم، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن عبد الرحمن به.

رِوَايَةُ زاد: ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا

◼ وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى التُّرَابِ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله:((ثُمَّ نَفَضَهُمَا)) فمنكرٌ من هذا الوجهِ، وأشارَ لذلك ابنُ خُزيمةَ.

[التخريج]:

[خز 286].

[السند]:

قال ابنُ خُزيمةَ: نا عبد الله بن سعيد الأشج، نا أبو يحيى -يعني التيميَّ-،

ص: 8

عن الأعمش، عن سَلَمة بن كُهَيْل، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنا نجنب، وليس معنا ماء -فذكر قصَّتَه مع عمار بن ياسر وقال- وقال: -يعني عمارًا- فأتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال:

فذكره.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: أبو يحيى التيميُّ، وهو إسماعيل بن إبراهيم الأحول، "مُجْمَع على ضَعْفِهِ"(ديوان الضعفاء 372)

قلنا: وقد خُولِفَ أبو يحيى من أصحاب الأعمش، حيث رواه جماعةٌ عنه فلم يذكروا زيادة النفض، إلا ما جاء عن ابنِ نُميرٍ من وجهٍ شَاذٍّ أيضًا سيأتي الكلام عليه قريبًا.

وممن رواه عن الأعمش بدونها:

وكيع كما عند ابن أبي شيبة في (المصنَّف 1690)، ولكنه أسقطَ سعيدًا من سندِهِ.

وعيسى بن يونس كما عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 112).

غير أن وكيعًا وعيسى جعلا الكيفية من فعل الأعمش.

ويعلى بن عبيد كما عند الدارقطني في (سننه 700)، والسراج في (مسنده 9)، وغيرهما.

وجرير بن عبد الحميد كما عند أبي داود في (سننه 323) معلقًا، ووصله البزارُ في (مسنده 1386)، والدارقطنيُّ في (السنن 700)، وغيرهم.

ص: 9

ومحاضر بن مورع عند الشاشي في (مسنده 1027).

وابنُ أبي غَنِيَّةَ كما عند السراج في (مسنده 9).

فرواه ستتهم عن الأعمش فلم يذكروا النفض.

ورواه عن سلمة مع اختلاف في إسناده: شعبة والثوري، وليس في حديثهما هذه اللفظة.

قال ابنُ خزيمة: "ورواه الثوريُّ، عن سلمةَ، عن أبي مالكٍ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن بن أبزى، إلا أنه ليس في خبر الثوري وشعبة: نفض اليدين منَ التُّرابِ"(الصحيح 1/ 135).

قلنا: وكذا رواه الحكم بن عتيبة، وعزرة عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن عمار، وليس في حديثهما النفض.

العلة الثانية: الاضطراب، فقد اختُلِفَ على سلمة بن كُهَيْل اختلافًا شديدًا في سندِهِ، حيثُ رواه الأعمشُ، واختُلِفَ عليه، فرواه مرَّةً عن سلمة بإسقاط سعيد بن عبد الرحمن كما عند أبي داود في (سننه 323)، ورواه مرَّةً أُخرَى بإثباتِهِ كما في روايتنا هذه، وتابعه عمار بن زريق كما عند السراج في (مسنده 11)، وخالفهما شعبةُ فأدخلَ بين سلمة وسعيد ذَرًّا كما عند البخاري (338)، ومسلم (368)، وغيرهما، بينما خالَفَ الجميعَ الثوريُّ فرواه عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، عن عمار كما عند النسائي في (المجتبى 316)، وغيره، وسيأتي الكلامُ علي ذلك مفصلًا إن شاء الله.

ص: 10

رِوَايَةُ التَّيَمُّمِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رجلًا أَتَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً! فَقَالَ: لَا تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ، وَكَفَّيْكَ))، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ، [فَقَالَ عُمَرُ: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ].

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م (368/ 112) (واللفظ له مع الزيادة) / د 326/ جا 125/ مساواة (صـ 54 - 55) / محلى (2/ 155)].

[السند]:

قال مسلم: حدثني عبد الله بن هاشم العبدي، حدثنا يحيى -يعني ابنَ سعيدٍ القطانَ-، عن شعبة، قال: حدثني الحكم، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، أن رجلًا أَتَى عُمرَ

فذكره.

وقال -عقبه-: قال الحكم: وحدَّثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، مثل حديث ذَرٍّ. قال: وحدَّثني سلمة، عن ذَرٍّ، في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم، فقال عمر: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

ص: 11

رِوَايَةُ زَادَ: لَمْ يُجَاوِزِ الكُوعَ

• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: ((

إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا. ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، لَمْ يُجَاوِزِ الكُوعَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله:((لَمْ يُجَاوِزِ الكُوعَ))، فشَاذٌّ.

[التخريج]:

[هق 1020/ متفق 910].

[السند]:

قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، أخبرنا شعبة، قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن ابن لعبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن -قال الحكم: ثم سمعتُه من ابن عبد الرحمن بن أبزى بخراسان- قال:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْنَبْتُ أَنَا وَأَنْتَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:

الحديث.

ورواه الخطيبُ في (المتفق) من طريقِ الأصمِّ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ جيدٌ؛ فإن عبد الرحمن بن زياد راويه عن شعبة هو الرَّصاصي، قال أبو حاتم:"صدوق"، وقال أبو زرعة:"لا بأس به" (الجرح والتعديل

ص: 12

5/ 235)، وقال أحمد:"كان إنسان بالبصرة يقال له الرصاصي، وكان قد سمعَ من شعبةَ حديثًا كثيرًا"(العلل رواية ابنه عبد الله 2387)، وقال ابنُ يونسَ:"يَروي عن شعبةَ وغيرِهِ، وحدَّثَ بمصرَ، وكان ثقةً"(الثقات لقطلوبغا)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 374) وزاد:"ربما أخطأ".

قلنا: ولكن انفردَ الرصاصيُّ بذكر: ((لَمْ يُجَاوِزِ الكُوعَ))، والحديثُ محفوظٌ عن شعبةَ كما في البخاري (338 - 343)، ومسلم (368/ 112، 113)، وغيرهما، وليس فيه هذه اللفظة.

وكلام أحمد المتقدم يشير إلى أن الرصاصيَّ لم يكن من أصحاب شعبة الأثبات، وقد بَيَّن ابنُ حِبَّانَ أنه ربما أخطأَ، فكيف وقد خالفه الأثباتُ كابنِ جَعْفرٍ وغيرِهِ؟ !

ص: 13

رِوَايَةُ: وَكَفَّيْكَ إِلَى الرُّسْغَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ أَجْنَبَ فِي سَفَرٍ لَهُ فَتَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ فَقَالَ:((يَا عَمَّارُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِكَفَّيْكَ فِي التُّرَابِ، ثُمَّ تَنْفُخَ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ إِلَى الرُّسْغَيْنِ (الرُّصْغَيْنِ))).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله:((إِلَى الرُّسْغَيْنِ)) فمنكرٌ.

وهذا إسنادٌ معلٌّ بالوقفِ من هذا الوجهِ، كما قال أبو حاتم، والدارقطنيُّ.

وأقرَّ أبا حَاتمٍ: ابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ رَجبٍ الحنبليُّ.

[التخريج]:

[قط 701 (واللفظ له) / علحا 85 (والرواية له) / الأثرم (مغلطاي 2/ 309)].

[السند]:

قال الدارقطنيُّ: حدثنا الحسن بن إبراهيم بن عبد المجيد المقرئ، نا محمد بن علي الوراق (ح) وحدثنا محمد بن مَخَلد، حدثنا أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد، قالا: نا داود بن شبيب، نا إبراهيم بن طهمان، عن حصين، عن أبي مالك، عن عمار بن ياسر به.

ورواه ابنُ أبي حاتمٍ من طريق خالد بن نزار، عن إبراهيم بن طهمان، به.

ومداره عندهم على إبراهيم به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ظاهرُهُ الصحةُ، إلا أنه معلولٌ بالوقفِ؛ لأن إبراهيمَ بنَ طهمانَ قد

ص: 14

انفردَ برفعه عن حصين بن عبد الرحمن، وخالفه جماعةٌ عن حُصينٍ فأوقفوه على عمَّارٍ، وهم:

1 -

زائدة بن قدامة، كما في (شرح معاني الآثار 1/ 112)، و (سنن الدارقطني 703)، وغيرهما.

2 -

شعبة، كما في (شرح معاني الآثار 1/ 112)، و (الأوسط لابن المنذر 544)، و (سنن الدارقطني 702)، و (المحلى 2/ 156).

3 -

عبد الله بن إدريس، كما في (مصنف ابن أبي شيبة 1697)، و (تفسير الطبري 9649).

4 -

أبو الأحوص سلام بن سليم، كما في (تفسير الطبري 9651)، و (الأوسط لابن المنذر 543).

5 -

شريك، كما في (الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين 154).

6 -

عباد بن العوام، كما في (مسائل حرب/ كتاب الطهارة 313).

فرووه -سِتَّتُهُم- عن حُصينٍ فأوقفوه، وروايتُهم أرجحُ بلا شَكٍّ.

ولذا قال أبو حاتم: "والصحيحُ عن عمَّارٍ موقوفًا من حديث حصين، عن أبي مالك"(العلل 85).

وأقرَّه ابنُ دَقيقِ العيدِ فقال -بعد ذكر كلامه-: "يعني موقوفًا من هذا الوجه الذي هو رواية حصين عن أبي مالك. وأما رفعه من وجه آخر فصحيح ثابت كما قدمنا"(الإمام 3/ 137).

وكذا أقرَّه ابنُ رجبٍ الحنبليُّ في (فتح الباري 2/ 248).

وقال الدارقطنيُّ: "لم يروه عن حصين مرفوعًا غير إبراهيم بن طهمان،

ص: 15

وَوَقَفه شعبة وزائدة وغيرهما" (السنن 1/ 338).

وأما الشيخُ الألبانيُّ فذهبَ إلى تصحيح الرواية المرفوعة، فقال:"إبراهيمُ بنُ طهمانَ ثقةٌ حجةٌ، وقد زادَ الرفعَ؛ فهو منه مقبولٌ؛ لا سيما وأصلُ الحديثِ مرفوعٌ"! (صحيح أبي داود 2/ 142).

قلنا: وفي الحديثِ علةٌ أُخْرَى ذكرها الدارقطنيُّ فقال: "أبو مالك في سماعه من عمَّارٍ نظر؛ فإن سلمة بن كهيل قال فيه: عن أبي مالك، عن ابن أبزى، عن عمار، قاله الثوريُّ عنه"(السنن 1/ 338).

ولكن قول الدارقطني: "في سماعه من عمار نظر" لا يُسلَّم له؛ لأمور:

منها: أنه في طريق شعبة صرَّح أبو مالك بسماعه من عمَّارٍ؛ ولذا قال يحيى بنُ مَعينٍ: "في حديث أبي مالك، قال: رأيتُ عمَّارًا. قال أبو الفضل الدوريُّ: قلتُ له: تُراه رآه؟ قال: هكذا قال شعبة"(سؤالات الدوري 2473).

وقال أبو حاتم: "ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار، ما كان شعبة يرويه"(العلل 1/ 451)

وجزم بسماع أبي مالك من عمار- أبو زرعة في (بيان خطأ البخاري 771).

ومنها: أن رواية سلمة بن كهيل التي احتجَّ بها الدارقطنيُّ لا يُعولُّ عليها كثيرًا؛ نظرًا لاضطراب سلمة في رواية هذا الحديث، كما سيأتي بيانُه قريبًا.

ولذا قال ابنُ رجبٍ: "قال أبو حاتم: "يحتمل أنه سمعَ منه" (فتح الباري 2/ 248).

ص: 16

قلنا: وكلام أبي حاتم الذي ذكره ابنُه في (العلل) مشكلٌ بعضَ الشيءِ؛ حيثُ قال ابنُ أبي حاتم: "قلتُ: فأبو مالك سمع من عمار شيئًا؟ قال: ما أدري ما أقول لك! قد روى شعبة، عن حصين، عن أبي مالك؛ سمعتُ عمارًا، ولو لم يعلم شعبة أنه سمع من عمار، ما كان شعبة يرويه، وسلمة أحفظ من حصين. قلت: ما تنكر أن يكون سمع من عمار، وقد سمع من ابن عباس؟ قال: "بين موت ابن عباس وبين موت عمار قريب من عشرين سنة" (العلل 1/ 451).

فكلامه المتأخر يرجِّحُ كون أبي مالك لم يسمعْ من عمَّارٍ، ويؤيدُ ما ذهبَ إليه الدارقطنيُّ من التوقفِ في إثباتِ سماعه، والله أعلم.

ولذا قال أبو زرعةَ العراقيُّ: "أشارَ أبو حاتم بقوله: وسلمة أحفظ من حصين، إلى ترجيحِ رواية سلمة بن كهيل عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزي عن عمار، فأثبتَ بين أبي مالك وعمار واسطة"(تحفة التحصيل صـ 373).

كأنه يرجِّحُ كون عدم السماع هو الأصح.

* * *

ص: 17

رِوَايَةُ: فَضَرَبَ عَمَّارٌ بِيَدَيْهِ وَنَفَخَ فِيهِمَا وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَذَا))، فَضَرَبَ عَمَّارٌ بِيَدَيْهِ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَظَهْرَ كَفَّيْهِ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[التخريج]:

[منذ 541/ قناع 11].

[السند]:

قال ابنُ المنذرِ: حدثنا محمد بن إسماعيل، ثنا عفان، ثنا شعبة، حدثني الحكم، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أنه شَهِدَ عُمَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ أَنَّهُ أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ فَقَالَ عَمَّارٌ

(1)

: إِنَّا كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ، وَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالتُّرَابِ

الحديث.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُهُ ثقاتٌ، وكون التيممِ فعل عمار لا يعارض ما تقدَّم؛ إذ قد يكون عنده من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأرادَ أن يزيدَ البيان بفعله، كما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يذكرُ لهم التيممَ بقوله، ثم يوضحهم له بفعله زيادة في البيان.

(1)

وقع في (الإقناع): (فضرب عفان)، قال المحقق:"في (الأوسط): عمار، ولعلَّه الصواب".

ص: 18

رِوَايَةُ وَصْفِ شُعْبَةَ لِلتَّيَمُّمِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: وَصَفَ شُعْبَةُ التَّيَمُّمَ المَذْكُور فِي الحَدِيثِ بِفِعْلِهِ، فَقَالَ:((أَخْبَرَنِي الحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ: قَالَ عَمَّارٌ: بِهَذَا، وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)).

[الحكم]:

صحيح (خ).

[الفوائد]:

قال الحافظُ: " ((أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ)): كناية عن النفخِ، وفيها إشارةٌ إلى أنه كان نفخًا خفيفًا"(فتح الباري 1/ 444).

قال ابنُ رجبٍ: "والظاهرُ أن شعبةَ كان أحيانًا يُحَدِّثُ بالحديثِ بلفظه، وأحيانًا يفسره بفعله"(فتح الباري 2/ 245).

[التخريج]:

[خ 339 (واللفظ له) / طح (1/ 112) / شا 1034، 1038].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا حجاج، قال: أخبرنا شعبة، أخبرني الحكم، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، قال عمار:((بهذا. وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)) وقال النضر: أخبرنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعتُ ذَرًّا، يقول: عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، قال الحكم: وقد سمعتُه من ابن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال عمَّارٌ.

ص: 19

[تنبيه]:

وقع في رواية الطحاويِّ (شرح معاني الآثار 1/ 112) وهم في إسناده، حيث جاء فيه:"عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه" فعلَّقَ الطحاويُّ قائلًا: "هكذا قال محمد بن خزيمة في إسناد هذا الحديث، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، وإنما هو عن ذر، عن ابن عبد الرحمن، عن أبيه"(شرح معاني الآثار 1/ 113).

رِوَايَةُ وَصْفِ شُعْبَةَ لِلتَّيَمُّمِ وَزَادَ: عَلَى رُكْبَتَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: ((

وَضَرَبَ شُعبَةُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَخَ فِي يَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[التخريج]:

[ن 322 (واللفظ له) / كن 373/ حم 18887/ معيل (إمام 3/ 135)].

[السند]:

أخرجه النسائيُّ في (الصغرى 322)، و (الكبرى 373) فقال: أخبرنا عمرو بن يزيد قال: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا الحكم، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، أن رجلًا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَنِ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَتَذْكُرُ حَيْثُ كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْتُ

ص: 20

فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَكَذَا

)). الحديث.

ورواه أحمدُ في (المسند) عن بهزٍ به.

ورواه الإسماعيليُّ في (مستخرجه) من طريق بهز، ووهب بن جرير، ويحيى بن السكن، عن شعبةَ به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ.

ولا يعارضُ وصف شعبة للتيمم ما نقله عن الحكم بسنده إلى عمَّارٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصفَ التيممَ بفعله، فالظاهرُ أن شعبةَ كان أحيانًا يحدثُ بالحديثِ بلفظه، وأحيانًا يفسره بفعله، كما قال ابنُ رجبٍ مسبقًا.

وقوله: "عَلَى رُكْبَتَيْهِ"، لا يقصدُ به حقيقةَ التيممِ، وإنما على سبيلِ التمثيلِ.

ص: 21

رِوَايَةُ وصف شعبة للتيمم فأخر مسح الوجه

• وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَسَحَ الوَجْهَ فَقَالَ الرَّاوِي: " وَضَرَبَ شُعبَةُ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً نَفَخَ فِيهَا، ثُمَّ دَلَكَ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ".

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[الفوائد]:

قال ابنُ رجبٍ: "وفي هذه الروايةِ تأخير مسح الوجه، لكنه من تفسير شعبة، والظاهرُ أن شعبة كان أحيانًا يحدث بالحديث بلفظه، وأحيانًا يفسره بفعله"(فتح الباري 2/ 245).

[التخريج]:

[ن 322 حاشية/ كن 374/ حداد 339/ غر 137].

[السند]:

قال النسائيُّ: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، سمعت ذرًا يحدث، عن ابن أبزى، عن أبيه -قال: وقد سمعه الحكم من ابن عبد الرحمن- قال: أجنب رجل فأتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء. قال: لا تصلِّ، قال له عمار: أما تذكر أنا كنا في سرية فأجنبنا، فأما أنت فلم تُصَلِّ، وأما أنا فإني تمعكتُ فصليتُ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ

)) الحديث.

ورواه أبو نعيم الحداد من طرق عن سليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق ومعاذ بن معاذ عن شعبة به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ.

ص: 22

ولا يعارضُ وصف شعبة للتيمم ما نقله عن الحكم بسنده إلى عمار أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصف التيمم بفعله، فالظاهرُ أن شعبةَ كان أحيانًا يحدثُ بالحديثِ بلفظه، وأحيانًا يفسره بفعله، كما قال ابنُ رجبٍ.

رِوَايَةُ وَصْفِ شَعْبَةَ لِلتَّيَمُّمِ إِلَى الزَّنْدَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

قال شُعْبَةُ بِيَدِهِ فِي التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ، ثُمَّ مَسَحَ فِي يَدَيْهِ إِلَى الزَّنْدَيْنِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ وَمَسَحَ وَجْهَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ عَمَّارٌ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَإِنْ شِئْتَ -لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ عَلَيَّ مِنَ الحَقِّ- لَا أُحَدِّثُ بِهِ)).

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا السياقِ، والمحفوظُ في التَّيَمُّمِ ضربةٌ واحدةٌ كما سبقَ.

[التخريج]:

[مسن 812].

[السند]:

قال أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ: حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا ابن أبي عدي قال، ثنا شُعْبةُ عن الحَكَمِ عن ذَرٍّ عن ابنِ عبد الرحمن بنِ أَبْزَى عن أبيه، أن رجلًا أَتَى عمر فقال: إنِّي أجنبتُ فلم أجدِ الماءَ. فقال عمرُ: لا تُصَلِّ.

فقال عمَّارٌ: يا أميرَ المؤمنينَ، أما تذكرُ أنَّا كنَّا في سَريَّةٍ فأجنبنا فلم نجِدِ الماءَ، فأما أنتَ فلم تُصَلِّ، وأما أنَا فتَمَرَّغْتُ في التُّرابِ ثم صَلَّيتُ، فلمَّا

ص: 23

أَتَينَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا)) وقال شعبة

الحديث.

وقال شعبة: قال سلمة بن كهيل في الحديث: قال: ((نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن ابنَ أبي عدِي وهو محمد بن إبراهيم، وإن كان ثقةً من رجال الشيخين إلا أنَّ الإمامَ أحمدَ قال فيه:"روى عن شعبةَ أحاديثَ أعرفها ننكرها عليه، أخافُ أن شعبةَ لم يكنْ يقومُ على الألفاظِ، هو ذا يختلف عليه"(سؤالات أبي داود 548).

وقد ذكر التيمم في هذا الحديث عن شعبة: "ضربتين"، والمحفوظُ عن شعبةَ في وصفه للتيممِ هو "ضربة واحدة"، هكذا رواه عنه حجاج بن المنهال عند البخاري (339)، وغيره.

وبهز، ووهب بن جرير، ويحيى بن السكن، كما عند الإسماعيليِّ في (مستخرجه) كما في (الإمام لابن دقيق العيد 3/ 135).

وروايةُ بَهْزٍ رواها النسائيُّ في (السنن 322)، و (الكبرى 373)، وأحمد في (المسند 18887).

وخالد بن الحارث أحد الأثبات في البصرة كما عند النسائي في (الكبرى 374)، وغيره.

فرواه جميعًا عن شعبة، وذكروا فيه "ضربة واحدة".

ص: 24

رِوَايَةُ وَصْفِ الأَعْمَشِ لِلتَّيَمُّمِ

• وَفِي رِوَايَةٍ:

((إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ الأَعْمَشُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ معلٌّ.

[التخريج]:

[طح (1/ 112) / طحق 110].

[السند]:

قال الطحاويُّ: حدثنا محمد بن الحجاج، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ؛ ولذا جَرَى على ظاهره بدرُ الدينِ العينيُّ فقال: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ"(نخب الأفكار 2/ 424).

وقال الألبانيُّ: "ورجالُهُ ثقاتٌ، غير محمد بن الحجاج؛ فلم أجدْ مَن وَثَّقَهُ أو جَرَّحه! "(صحيح أبي داود 2/ 139).

قلنا: محمد بن الحجاج شيخ الطحاوي هو الحضرمي المصري، قال ابنُ أبي حاتمٍ:"كتبتُ عنه بمصرَ، وهو صدوقٌ ثقةٌ"(الجرح والتعديل 7/ 235).

قلنا: ولكن في الحديث علةٌ أغفلها كلًّا من الشيخين الكريمين، وهي الاختلافُ الشديدُ على سلمة بن كهيل، حيثُ رواه الأعمشُ عنه باختلاف

ص: 25

عن الأعمش في إثبات سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى وإسقاطه، وتابعه على إثبات سعيد عمار بن زُرَيق، وخالفهما شعبة فأدخل بين سلمة وسعيد ذَرًّا، فتصير بهذا رواية سلمة عن سعيد منقطعة، بينما خالف الجميع الثوري فرواه عن سلمة عن أبي مالك وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عمار، وسيأتي تفصيل ذلك قريبًا.

رِوَايَةُ وَصْفِ الأَعْمَشِ، وَفِيهِ: فَتَمَعَّكْنَا بِالتَثْنِيَةِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: أَمَا تَذْكُرُ يَوْمَ كُنَّا فِي كَذَا وَكَذَا فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدِ المَاءَ، فَتَمَعَّكْنَا فِي التُّرَابِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:((إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَذَا))، ثُمَّ ضَرَبَ الأَعْمَشُ بِيَدَيْهِ ضَرْبَةً ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.

[الحكم]:

شَاذٌّ بهذا اللفظِ، والمحفوظُ أن عمارًا هو الذي تمعَّكَ بمفرده كما في (الصحيحين).

[التخريج]:

[ش 1690 (واللفظ له)، 37445].

[السند]:

قال ابنُ أبي شيبةَ: حدثنا وكيعٌ، عن الأعمشِ، عن سلمةَ بنِ كُهيلٍ، عنِ ابنِ أَبْزَى، عن أبيه، قال: قال عمَّارٌ لعُمَرَ:

فذكره.

ص: 26

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن وكيعًا -وإن كان من ثقات أصحاب الأعمش- قد وهم في متنه، حيث قال:((فَتَمَعَّكْنَا فِي التُّرَابِ)) هكذا بالتثنية، والمحفوظُ في الحديثِ أن عمارًا هو من تمعَّك بمفردِهِ، هكذا رواه جماعةٌ عن الأعمشِ على الصوابِ، وهم:

- جرير بن عبد الحميد كما عند البزار في (مسنده 1386)، وأبي عوانة في (المستخرج 935)، والسراج في (مسنده 8) وغيرهم.

- وعبد الله بن نمير كما عند أبي عوانة في (المستخرج 936)، والدارقطني في (السنن)، وغيرهما.

- ويعلى بن عبيد كما عند السراج في (مسنده 9).

- ومحاضر بن مورع كما عند الشاشي في (مسنده 1027).

- ويحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية كما عند السراج في (حديثه 2380، ومسنده 10).

وكذا جاءَ الحديثُ على الصوابِ في البخاري (338 - 343)، ومسلم (368/ 112 - 113).

قلنا: وفي الحديثِ علةٌ أُخْرَى، وهي الاختلافُ الشديدُ على سلمةَ بنِ كُهيلٍ في سنده كما سيأتي.

[تنبيه]:

وقع تحريفٌ في الموضع الثاني من (المصنَّف لابن أبي شيبة 37445) حيث وقع فيه: "قال عمر لعمار"، وهو خطأٌ واضحٌ، وجاء على الصواب في الموضع الأول.

ص: 27

رِوَايَةُ (فَتَمَرَّغْنَا) بَالتَثْنِيَةِ

• وَفِي رِوَايَةٍ:

، أَمَا تَذْكُرُ حِينَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَنْتَ فِي الإِبِلِ، فَأَصَابَتْنَا جَنَابَةٌ فَلَمْ نَجْدِ المَاءَ فَتَمَرَّغْنَا فِي التُّرَابِ، فَأَخْبَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكُمَا أَنْ تَقُولَا هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا فَمَسَحَ يَدَيْهِ. قَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ. قَالَ: إِنْ شئت سَكَتُّ.

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[شا 1028، 1030 (واللفظ له) / غحر (3/ 1063) / هق 1049].

[التحقيق]:

له طريقان:

الطريق الأول:

رواه البيهقيُّ في (السنن الكبير) فقال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، أخبرنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، قال: شهدتُ عمرَ بنَ الخطابِ، فقال له عمَّارُ بنُ ياسرٍ: تذكرُ إذ كُنَّا سَرِيَّةً فَأَجْنَبْنَا فَتَمَرَّغْنَا فِي التُّرَابِ فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا)) ووصف ذلك، يعني التَّيَمُّمَ.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن الإمامَ البخاريَّ قد رواه في (صحيحه

ص: 28

340) عن سليمانَ بنَ حَربٍ بسنده إلى ابنِ أَبْزَى: أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: ((كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ، فَأَجْنَبْنَا))، وقال:((تَفَلَ فِيهِمَا)).

فاختصرَهُ البخاريُّ هكذا ولم يذكرْ مَتْنَهُ، ومع ذلك قال البيهقيُّ -عقب الحديث المتقدم-:"رواه البخاريُّ في أكثر النسخ عن سليمان بن حرب"(السنن 2/ 162)، فلا ندْرِي ما المرادُ بعزوه إلى البخاريِّ، وهو خُلْوٌ من هذه اللفظةِ، فالراجحُ أن هذه اللفظةَ غيرُ ثابتةٍ في حديثِ شعبةَ؛ وذلك أن أصحابَهُ الثقات قد رووه عنه بلفظ:((فَتَمَرَّغْتُ))، وأحيانًا بلفظ:((فَتَمَعَّكْتُ)) بالإفراد.

هكذا رواه عنه آدمُ بنُ أبي إياسٍ، وحجَّاجٌ، ومسلمُ بنُ إبراهيمَ، وغندرٌ، ومحمدُ بنُ كَثيرٍ، وروايتُهم في (صحيح البخاري من رقم 238 - إلى رقم 243).

ورواه مسلمٌ في الصحيح (368) من حديث يحيى القطانُ والنضرُ بنُ شُميلٍ عن شعبةَ.

ورواه كثير غيرهم كبهزٍ، وشبابة، وأبي الوليد، وعبد الرحمن بن زياد، ووهب بن جرير، ويحيى بن السكن، وعمرو بن مرزوق، ويزيد بن زريع،

وغيرهم- بلفظ الإفراد مما يدلُّ على وهمِ ما في روايةِ البيهقيِّ، والله أعلم.

الطريق الثاني:

رواه الشاشيُّ في (مسنده) فقال: حدثنا عيسى بنُ أحمدَ العسقلانيُّ، نا ابنُ نُميرٍ، نا الأعمشُ، عن سلمةَ بنِ كُهيلٍ، عن سعيدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أَبْزَى، عن أبيه به.

ص: 29

ورواه إبراهيمُ الحربيُّ عن ابنِ نُميرٍ عن أبيه عن الأعمشِ به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن المحفوظَ عن الأعمشِ في متنه ((تَمَرَّغْتُ))، و ((يَكْفِيكَ)) بلفظِ الإفرادِ، هكذا رواه عنه غيرُ واحدٍ من أصحابِهِ، نذكرُ منهم:

- جرير بن عبد الحميد، كما عند البزار في (مسنده 1386)، وأبي عوانة في (المستخرج 880)، والسراج في (مسنده 8) وغيرهم.

- ويعلى بن عبيد، كما عند السراج في (مسنده 9).

- ومحاضر بن مورع، كما عند الشاشي في (مسنده 1027).

- ويحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، كما عند السراج في (حديثه 2380، ومسنده 10).

ورواه أيضًا ابنُ نُميرٍ على الصوابِ، كما عند أبي عوانة في (المستخرج 936)، والدارقطني في (السنن)، وغيرهما.

والحديثُ محفوظٌ في (الصحيحين) بلفظِ الإفرادِ كما تقدَّمَ.

ص: 30

رِوَايَةُ: فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً

• فِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّيَمُّمِ ((فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ والكَفَّيْنِ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ: عَنْ عَمَّارٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّيَمُّمِ فَأَمَرَ بِالوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: إسحاقُ بنُ راهويه، والترمذيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والخطابيُّ، وابنُ العربيِّ، والعينيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

تخريج السياقة الأولى: [د 327 (واللفظ له) / حب 1298، 1303/ عل 1638/ هقغ 234/ هق 1025/ هقع (2/ 21/ 1585، 1586) / تمهيد (19/ 286)].

تخريج السياقة الثانية: [ت 145 (واللفظ له) / كن 376/ عل 1608/ بز 1387 - 1388) / طح (1/ 112) / طحق 107/ طوسي 127، 128/ شا 1037/ قط 696/ طبر (7/ 86) / أسد (4/ 126) / حرب (طهارة 316) / أكابر 10، 11].

تخريج الرواية الثالثة: [سراج 13].

[السند]:

رواه أبو داود في (سننه 327) فقال: حدثنا محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زُريع، عن سعيد، عن قتادة، عن عَزْرة، عن سعيد بن عبد الرحمن

ص: 31

ابن أَبْزَى، عن أبيه، عن عمَّارِ بنِ ياسرٍ به، بلفظِ السياقةِ الأُولى.

ورواه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 1303، 1308) من طريق محمد بن المنهال به.

ورواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 112)، والبيهقيُّ في (الكبير 1025) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عَروبة به.

ورواه الترمذيُّ في (جامعه 144)، والنسائيُّ في (الكبرى 376) عن عمرو بن علي الفلَّاس عن يزيد بن زُريع بسنده، بلفظ السياقة الثانية.

ورواه السرَّاجُ في (مسنده 13) من طريق محمد بن بكر البُرْساني عن سعيد بن أبي عَروبة بسنده، بلفظ السياقة الثالثة.

[التحقيق]:

هذا سندٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ، رجالُ الشيخينِ، غير عَزْرةَ، فمن رجالِ مسلمٍ، وهو عزرة بن عبد الرحمن الأعور على الراجحِ، انظر (التاريخ الكبير 7/ 65)، و (الجرح والتعديل 7/ 21)، و (الثقات لابنِ حِبَّانَ 7/ 300)، و (المؤتلف والمختلف للدارقطنيِّ 3/ 1686)، و (الإكمال لابن ماكولا 6/ 201)، و (تقييد المهمل لأبي عليٍّ الغسَّانيِّ 2/ 355)، و (رجال مسلم لابن منجويه 2/ 119)، و (تهذيب الكمال للمزي 20/ 51)، و (التحفة له 4/ 429).

وذَهَبَ أحمدُ رحمه الله إلى أنه عزرة بن دينار الأعور (العلل ومعرفة الرجال 3/ 295)، وكذا ترجم له ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 299).

قال البخاريُّ -بعد نقل أحمد-: "ولا أحسبه يصح ابن دينار"(التاريخ الأوسط 3/ 35)، وانظر (المؤتلف والمختلف للدارقطني 3/ 1686)،

ص: 32

و (تقييد المهمل 2/ 355)، وغيرهما.

قلنا: وعزرة بن عبد الرحمن -على الراجح- "ثقة" احتجَّ به مسلمٌ في (صحيحه)، وقال يحيى بنُ مَعينٍ:"عزرةُ الذي يروي عنه قتادةُ ثقة"(تاريخ ابن معين رواية الدوري 3696).

ووَثَّقَهُ عليُّ بنُ المدينيِّ -كما في (الجرح والتعديل 7/ 21)، و (الأباطيل والمناكير 2/ 137)، و (تهذيب الكمال 20/ 51) -، والعجليُّ في كتابه (معرفة الثقات 2/ 134)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 300).

وقال البزارُ: "رجلٌ مشهورٌ من أهلِ الكوفةِ روى عنه داودُ بنُ أبي هِنْدٍ وقتادةُ، وهو عزرةُ بنُ عبدِ الرحمنِ"(المسند 11/ 229).

بينما قال ابنُ أبي خيثمةَ: "رأيتُ في كتابِ عليٍّ: قلتُ ليحيى -هو القطان-: ومن يعرف عزرة صاحب قتادة؟ قال: بلى، والله إني لأعرفه وأكره أن أقول"(التاريخ الكبير - السفر الثالث (3/ 103)، وانظر (الجرح والتعديل 7/ 21).

وقال النسائيُّ في (التمييز): "عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي" نقلًا من: (تهذيب التهذيب 7/ 192)، و (تنقيح التحقيق لابنِ عبدِ الهادِي 3/ 398)، و (البدر المنير 6/ 48).

وقال ابنُ حزمٍ: "وعزرةُ ليسَ بالقويِّ"(المحلى 4/ 146).

وأخطأ ابنُ الجوزيِّ فنقلَ عن ابنِ مَعينٍ قوله: "عزرة لا شيء"(التحقيق في مسائل الخلاف 2/ 116 - ط. العلمية).

فتعقبه ابنُ عبدِ الهادِي فقال: "وهمٌ فاحشٌ، فإن قولَ يحيى هذا إنما هو في عزرة بن قيس اليَحْمَدي البصري، الذي روى عنه مسلم بن إبراهيم

ص: 33

وأحمد بن إسحاق الحضرمي؛ وأما راوي هذا الحديث فإن يحيى وَثَّقَهُ كما ذكر" (تنقيح التحقيق 3/ 398)، وكذا غَلَّطه ابنُ الملقنِ في (البدر المنير 6/ 48)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 2/ 427).

قلنا: وفي الرواةِ جماعةٌ يتسمون بعزرة غير هذا ويروي عنهم قتادة، وهم:

الأول: عزرة بن ثابت، وقع نسبته خطأ في حديثنا هذا عند الدارقطني في (سننه - ط. المعرفة 1/ 182)، وكذا وقع نسبه في (إتحاف المهرة 7/ 107 و 10/ 586)، و (إطراف المسند 4/ 251)، و (التلخيص الحبير - ط. قرطبة 2/ 426).

وقال ابنُ شاهينَ: "قال يحيى: عزرةُ الذي يحدِّثُ عنه قتادة ثقة، وقال فيه ابنُ عمار: عزرة بن ثابت لا أعلم أحدًا قال فيه إلا خيرًا يعني صاحب قتادة"(تاريخ أسماء الثقات صـ 175).

وهذا خطأٌ واضحٌ، فليس لقتادة رواية عن عزرة بن ثابت، فإن عزرةَ هذا متأخرٌ عن قتادةَ، بل ذكر المزيُّ في (تهذيب الكمال) في مشايخ عزرة بن ثابت قتادة، فقال:"روى عن قتادة".

الثاني: عزرة بن يحيى، رجَّحَهُ البيهقيُّ ونقله عن شيخه الحاكم، قال:"سمعتُ أبا علي الحافظ يقول ذلك، قال: وقد روى قتادة أيضًا عن عزرة بن تميم، وعن عزرة بن عبد الرحمن"(السنن الكبير 9/ 234)، وانظر (شعب الإيمان 12/ 257).

وكلام الحاكم ذكره في (المستدرك 8/ 174) قال: "سألتُ أبا عليٍّ الحافظَ عن عزرةَ هذا فقال: عزرة بن يحيى؛ وقد روى شعبة، عن قتادة، عن عزرة بن تميم"، وانظر (معرفة علوم الحديث صـ 231).

ص: 34

ومالَ ابنُ حَجرٍ إلى ذلك، فأفردَ لعزرةَ هذا ترجمةً من (التقريب، صـ 390) فقال: "عزرة بن يحيى عن سعيد بن جبير في قصة شبرمة، وعنه قتادة أيضًا نُسِبَ في روايةِ البيهقيِّ، وبذلك جزم أبو علي النيسابوري، وهو مقبول".

قلنا: ابنُ يحيى هذا ليس له وجود إلا عند أبي علي النيسابوري، وتبعه عليه الحاكمُ والبيهقيُّ، ولم نقفْ له على رواية لا في الكتبِ الستةِ ولا غيرها.

ولذا تعقب ابنُ التركماني البيهقيَّ، فقال: "وليس في كتاب أبي داود أحدٌ يقالُ له: عزرة بن يحيى، بل ولا في بقية الكتب الستة، وترجم المزيُّ في (أطرافه) لهذا الحديث فقال: عزرة بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي (تقييد المهمل) للغساني: وروى مسلم عن قتادة عن عزرة، وهو عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي عن سعيد بن جبير في كتاب اللباس

إلى آخر كلامه" (الجوهر النقي 4/ 336).

وقال ابنُ عبدِ الهادِي: "وعزرة راوي هذا الحديث ليس هو عزرة بن يحيى، ولا يُعرف في الرواة عزرة بن يحيى، وإنما هو عزرة بن عبد الرحمن الخزاعي"(تنقيح التحقيق 3/ 398).

وخالفَ ابنُ حَجرٍ ما ذهبَ إليه في (التقريب)، فقال في (تهذيب التهذيب 7/ 192):"وعزرة بن يحيى لم أرَ له ذكرًا في (تاريخ البخاري) ".

الثالث: عزرة بن تميم، يروي عن أبي هريرة، ويروي عنه قتادة، وهذا الراوي متقدم السماع، ولا تُعرفُ له رواية إلا عن أبي هريرة.

قال عبد الله بن أحمد: "قلتُ لأبي في حديث قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ

)) مَن عزرةُ هذا؟ قال أبي: ليس هذا عزرة الذي روى عن الشعبي وسعيد بن جبير،

ص: 35

هذا عزرة بن تميم. يعني رجلًا آخر" (العلل ومعرفة الرجال 2031).

وقال -أيضًا-: "قال أبي: وعزرة بن تميم روى عنه قتادة عن أبي هريرة، ما روى عنه غير قتادة أعلمه. قال عبد الله: وهو القديم، وما سمعته من حديث قتادة إلا عن هشام، رواه ابنه معاذ بن هشام"(العلل 5311).

قلنا: " وعزرة بن تميم هذا لا يُعرفُ له إلا حديث واحد عن أبي هريرة، ولا يُعرف عنه راوٍ إلا قتادة، وزاد أحمد في رواية الميموني: "خالد الحذاء" فقال: " عزرة بن تميم، وعزرة الأعور، قد روى عنهما قتادة وخالد" (تهذيب الكمال 20/ 48).

قال ابنُ حَجرٍ: "لم أرَ من صرَّح بأن خالدًا روى عن عزرة بن تميم، والحكايةُ التي عن أحمدَ ليستْ صريحة في ذلك، والله أعلم"(تهذيب التهذيب 7/ 191).

وقال الحافظُ أبو بكر الخطيبُ: "تفرَّد بالرواية عن عزرة بن تميم قتادة، ولا يُحفظُ له عن أبي هريرة سوى هذا الحديث"(تهذيب الكمال 20/ 48).

وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 279)، على عادته.

ونقل المزيُّ قولَ النسائيِّ المتقدم، فقال: قال النسائي: "عزرة الذي يروي عنه قتادة ليس بذاك القوي"(التهذيب 20/ 48).

فتعقبه الحافظُ فقال: "فقتادة قد روى عن ثلاثة كل منهم اسمه عزرة، فقول النسائي في التمييز: (عزرة الذي روى عنه قتادة ليس بذاك القوي) لم يتعين في عزرة بن تميم كما ساقه فيه المؤلف فليتفطن لذلك"(تهذيب التهذيب 7/ 192).

الرابع: عزرة بن دينار، وتقدَّمَ تحريرُ القولِ فيه في عزرة بن عبد الرحمن.

ص: 36

قلنا: فيتلخص مما سبقَ: أن قتادةَ إذا روى عن عزرة غير منسوب فهو ابن عبد الرحمن الثقة، وأن مَن نَسَبَهُ بابنِ دينارٍ أو ابنِ يحيى فقد وهمَ، والله أعلم.

وكذا ما وقعَ في بعضِ النسخِ من (سنن الدارقطني) بأنه عزرة بن ثابت، فهو خطأٌ من النَّاسخِ، والله أعلم.

وقد صَحَّحَ حديثنا هذا جماعةٌ مِن أهلِ العلمِ:

فقال الترمذيُّ: "حديثُ عمَّارٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُوي عن عمَّارٍ مِن غيرِ وجهٍ".

ونَقَلَ عن إسحاقَ بنِ راهويه قوله: "حديثُ عمَّارٍ في التيممِ للوجه والكفين هو حديثٌ صحيحٌ"(جامع الترمذي 1/ 270).

وقال الخطابيُّ: "وذكر أبو داود في هذا الباب حديث ابن أبزى من طريق قتادة، وهو أصحُّ الأحاديث وأوضحها"(معالم السنن 1/ 100).

وقال ابنُ العربي: "إسنادُهُ من العجب في العلم، والغريب في الحديث اتفاق أئمة الصحيح على حديث عمار مع ما فيه من الاضطراب والاختلاف والزيادة والنقصان"(عارضة الأحوذي (1/ 239).

وقال العينيُّ: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ"(نخب الأفكار 2/ 417).

وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ"(صحيح أبي داود - الأم 2/ 143)، وانظر (الإرواء 1/ 185).

ص: 37

رِوَايَةُ: كَانَ يَقُولُ فِي التَّيَمُّمِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي التَّيَمُّمِ: ((ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ)).

[الحكم]:

صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: أحمدُ، والدارميُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ الجارودِ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[حم 18319/ مي 763 (واللفظ له) / خز 283، 284/ ش 1698، 37443/ مش 435/ بز 1389/ طس 542/ جا 127/ منذ 542/ قط 697، 698/ شا 1031، 1033، 1036/ قا (2/ 250) / ثعلب 1154/ تمهيد (19/ 286) / عف (ضياء 326) / مكرم 61، 180، 181/ سراج 14/ تحقيق 272/ دبيثي (4/ 574) / غر 138/ مخلق 268/ حرب (طهارة 312) / خط (10/ 133)].

[التحقيق]:

له طريقان:

الأول: رواه أحمدُ عن عفانَ ويونسَ، قالا: ثنا أبان، ثنا قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار به.

ورواه الدارميُّ في (مسنده 763)، والبزارُ في (مسنده 1389)، وغيرهما من طريق عفان ويونس عن أبان به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ، رجالُ الشيخينِ، غير عزرة -وهو ابنُ عبدِ الرحمنِ الخزاعيُّ-، فمن رجالِ مسلمٍ، وهو ثقةٌ كما في (التقريب

ص: 38

(4576)

، وقد تقدَّمَ تحريرُ القولِ فيه في الروايةِ السابقةِ.

ولذا صَحَّحَهُ ابنُ خزيمة، وقال الدارميُّ:"صَحَّ إسنادُهُ"(المسند 1/ 577).

وقال ابن دقيق العيد: "ورواه أبو محمد ابنُ الجارودِ -بإسناد أجود- عن محمد بن يحيى، عن عفان بن مسلم"(الإمام 3/ 138).

وقال الألبانيُّ: "هذا سندٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخيِن، ومعناه في (الصحيحين) "(الصحيحة 694).

الطريق الثاني:

رواه ابنُ خُزيمةَ في (صحيحه 283)، والدارقطنيُّ في (السنن 698)، وغيرهما، من طرقٍ عن يزيد بن هارون عن شعبة عن الحكم، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار بن ياسر، به.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين؛ ولذا أورده ابنُ خُزيمةَ في (الصحيح).

والحديث صَحَّحَهُ الإمامُ أحمدُ، فقال حربٌ الكرمانيُّ:"سمعتُ أبا عبد الله أحمدَ بنَ حَنبلٍ يقول: والتيممُ ضربةٌ واحدةٌ للوجهِ والكفَّينِ، يبدأ بوجهه ثم يمسح كفيه إحداهما بالأخرى. قيل له: صَحَّ حديثُ عمارٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ قال: نعم، قد صَحَّ"(مسائل حرب الكرماني/ الطهارة والصلاة، صـ 187).

* * *

ص: 39

رِوَايَةُ: وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المَفْصَلِ

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عُمَرَ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَجْنَبَ وَلَمْ يَجِدِ المَاءَ، فَقَالَ: لَا يُصَلِّي. فَقَالَ عَمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِذْ كُنْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجْدِ المَاءَ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَكَ:((أَمَّا أَنْتَ فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمَّارُ فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَتَمَعَّكَ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّةُ، إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ))، وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الأَرْضَ إِلَى التُّرَابِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا، فَنَفَخَ فِيهَا، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المَفْصَلِ))، وَلَيْسَ فِيهِ الذِّرَاعَانِ.

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دون قوله: ((وَيَدَيْهِ إِلَى المَفْصَلِ)) فشاذٌّ.

[التخريج]:

[طي 673/ هق 1041/ هقع (2/ 19/ 1578) / عتب 60].

[السند]:

رواه الطيالسيُّ في (مسنده) -ومن طريقه البيهقيُّ، والحازميُّ- قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، سمع ذَرَّ بنَ عبدِ اللهِ يحدثُ عن ابن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن الحديثَ محفوظٌ عن شعبةَ مقتصرًا على الوجهِ والكفَّينِ دون تحديدٍ، هكذا رواه عن شعبةَ جماعةٌ من أصحابه مثل غندر، ويحيى القطان، وآدم، وحجاج، ومسلم بن إبراهيم، وغيرهم

ص: 40

الكثير.

وانظر على سبيل المثال البخاري (338 - 343)، ومسلم (368/ 112، 113)، وقد تقدَّمتْ روايتُهم قريبًا.

قلنا: وأبو داود الطيالسيُّ، وإن كان ثقةً حافظًا، فقد ذكر غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ أنه غلطَ في أحاديثَ، قال أبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي:"سألتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ عن أبي داود، فقال: ثقةٌ صدوقٌ، فقيل: إنه يخطئُ. فقال: يحتمل له"(تهذيب الكمال 11/ 406).

وقال ابنُ سعدٍ: "كان كثير الحديث، ثقة، وربما غلط"(الطبقات الكبرى 9/ 299).

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "وأبو داود الطيالسيُّ له حديث كثير عن شعبة وعن غيره من شيوخه، وكان في أيامه أحفظ مَن بالبصرة، مقدَّمًا على أقرانه لحفظه ومعرفته

وقد حَدَّثَ بأصبهانَ كما حكى عنه بُنْدَار أحدًا وأربعين ألف حديث ابتداء، وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب مَن يحدثُ بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئَ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من حفظه، وما أبو داود عندي وعند غيري إلا متيقظ ثبت" (الكامل 5/ 266).

وقال الخطيبُ: "كان أبو داود يُحَدِّثُ من حفظه، والحفظُ خَوَّان، فكان يغلط، مع أن غلطه يسيرٌ في جنب ما روى على الصحة والسلامة"(تاريخ بغداد 10/ 34).

وقال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: "حَدَّثَ مِن حفظه فوهم، وكان حفظه كثيرًا جدًّا"(شرح علل الترمذي 3/ 764).

ص: 41

وقال الذهبيُّ: "أبو داود أمين صادق، وقد أخطأ في عدة أحاديث؛ لكونه كان يتَّكِلُ على حفظه ولا يَروي من أصله"(سير أعلام النبلاء 9/ 383).

ولخَّصَ ذلك ابنُ حَجرٍ فقال: "ثقةٌ حافظٌ، غَلِطَ في أحاديثَ"(التقريب 2550).

* * *

ص: 42

3092 -

حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَابْنِ مَسْعُودٍ

◼ عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ جالسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: لَوْ أَنَّ رجلًا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ)).

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 347 (واللفظ له) / مسن 811].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا محمدُ بنُ سَلام، قال: أخبرنا أبو معاوية، عن الأعمشِ، عن شَقيقٍ به.

[تنبيهان]:

الأول: أُنكر على أبي معاويةَ لفظ هذا الحديث، في أربعة أمور:

ص: 43

الأمر الأول: في ذكر مسح الوجه، وعطفه: هل هو بالواو، أو بلفظ:"ثم"؟

قال الحافظُ: "قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: اختُلِفَ في لفظ هذا الحديث، فوقع عند البخاري بلفظ (ثم) وفي سياقه اختصار، ولمسلم بالواو ولفظه:((ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ))، وللإسماعيليِّ ما هو أصرحُ من ذلك. قلتُ: ولفظه من طريق هارون الحمال عن أبي معاوية: ((إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُضَهُمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِينِكَ عَلَى شِمَالِكَ، وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِينِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِكَ)) (فتح الباري 1/ 457).

قلنا: رواه عن أبي معاوية، جماعةٌ، فقالوا:((ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ))، وهم:

- محمد بن سلام، عند البخاري (347)، وغيره.

- وأحمد، في (مسنده 18328)، وغيره.

- ومحمد بن سليمان الأنباري، عند أبي داود (321)، وغيره.

- وأحمد بن سنان، عند الدارقطني (684).

- وسهل بن عثمان، عند أبي نعيم في (المستخرج 811).

- وعبد الله بن هاشم بن حيان، في (الأربعون حديثًا من المساواة ص: 47).

- وهارون الحمال، عند الإسماعيليِّ في (المستخرج) كما في (فتح الباري لابنِ حَجرٍ 1/ 457).

وخالفهم آخرون، فقالوا:((وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً))، مع اختلافٍ يسيرٍ في ألفاظهم، وهم:

ص: 44

- أبو كريب محمد بن العلاء، عند (النسائي 324)، وغيره.

- ويحيى بن يحيى التميمي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير. ثلاثتهم عند مسلم (368).

- وأبو السائب سَلْم بن جُنادة، عند الطبري (7/ 92).

- ويوسف بن موسى، عند ابن خزيمة (287).

- وعلي بن حرب، عند أبي عوانة (934 معلقًا).

فنظرنا في هذا الاختلافِ على أبي معاويةَ، هل أحد الوجوه أقوى مِن الآخرِ فنقدمه، فرأينا كلا الوجهين متساويين، وذلك أن كلًّا من الوجهين قد رواه أئمةٌ ثقاتٌ، فلم يَبْقَ إلا أن يكون الخطأ من أبي معاوية نفسه أو من الأعمش، فرأينا أن أبا معاوية وإن كان من أثبت الناس في الأعمش، إلا أنه لا يمنع أن يخطئ.

وقد قال أحمد عن أبي معاوية: "يخطئُ على الأعمشِ خطأ"(العلل ومعرفة الرجال، رواية عبد الله 2680).

وقال أيضًا: "يُخطئُ في أحاديثَ من أحاديثِ الأعمشِ"(العلل ومعرفة الرجال، رواية عبد الله 1281).

وقال أيضًا: "أبو معاوية عنده أحاديث يقلبها عن الأعمش"(شرح علل الترمذي 2/ 718).

"وسُئِلَ عبدُ الرحمنِ: مَن أثبت في الأعمش بعد الثوري؟ قال: ما أعدل بوكيعٍ أحدًا.

قال له رجلٌ: يقولون أبو معاوية. فنفرَ مِن ذلك، وقال: أبو معاوية عنده

ص: 45

كذا وكذا وهمًا" (شرح علل الترمذي 1/ 472).

قلنا: ولعلَّ هذا الحديث منَ الأحاديثِ التي أخطأَ فيها أبو معاويةَ على الأعمشِ.

فلمَّا وقفنا على نُصوصٍ لأهلِ العلمِ في تخطئة أبي معاوية في بعض مروياته على الأعمش، ألحقنا به هذا الخطأ.

وقد نَصَّ أحمدُ رحمه الله على ذلك، فقال:"روايةُ أبي معاويةَ، عن الأعمشِ في تقديمِ مسح الكفَّين على الوجهِ غلطٌ"(فتح الباري لابن رجب 2/ 292).

وأشارَ البيهقيُّ لذلك فقال: "أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ من أوجهٍ عن الأعمشِ، وأشارَ البخاريُّ إلى رواية يعلى بن عبيد وهو أثبتهم سياقة للحديث"(السنن الكبير 2/ 148).

قلنا: وثَمَّ قرينتان أخريتان تؤكدان خطأه فيها:

الأُولى: اختلافُ الرواةِ عنه في لفظِ الحديثِ كما سبقَ.

الثانيةُ: أن ستةً مِنَ الرواةِ الثقاتِ قد رووا الحديثَ عن الأعمشِ ولم يذكروا ما ذكره أبو معاويةَ، من تقديم مسح اليدين على الوجه.

فرواه عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ كما عند (مسلم 368)، بلفظ:((وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)).

ورواه يعلى بنُ عُبيدٍ كما عند أحمد (18334)، وغيره، بلفظ:((وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً))، وعلَّقه البخاريُّ في (صحيحه عقب حديث رقم 347).

ورواه الوليدُ بنُ القاسمِ الهمدانيُّ، كما عند أبي عوانة (932)، بلفظ:

ص: 46

((ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، ثُمَّ مَسَحَ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى)).

ورواه شعبةُ بنُ الحجاجِ كما عند البخاري (345).

وحفصُ بنُ غِياثٍ كما عند البخاري (346).

وعيسى بنُ يونسَ كما في (مسند السراج 7)، ولم يذكروا صفةَ المسحِ أصلًا.

قال ابنُ رجبٍ: "وفي حديث أبي معاوية الذي خرَّجه البخاريُّ هاهنا شيئان أُنكرا على أبي معاوية: أحدهما: ذِكره مسح الوجه بعد مسح الكفَّين، فإنه قال:((ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ))، وقد اختلف في هذه اللفظة على أبي معاوية، وليستْ هي في رواية مسلم كما ذكرناه.

وكذلك خرَّجه النسائيُّ عن أبي كريبٍ، عن أبي معاوية، ولفظ حديثه:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ضَرْبَةً فَمَسَحَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمينِهِ وَبِيَمينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ.

وخرَّجه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباريِّ، عن أبي معاوية، ولفظه:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا))، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ

فاختلف على أبي معاوية في ذِكر مسح الوجه، وعطفه: هل هو بالواو، أو بلفظ:((ثم)

وقد قالَ الإمامُ أحمدُ: رواية أبي معاوية، عن الأعمش في تقديم مسح الكفين على الوجه- غلط" (فتح الباري 2/ 291 - 292).

ص: 47

الأمر الثاني: وَرَدَ في لفظِ البخاريِّ في الرواية الأولى -ضمن سياق الحوار بين أبي موسى وابن مسعود- هذه العبارة: ((قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ: نَعَمْ))، هكذا جاءتْ هذه العبارة، وظاهرها أن القائلَ هو أبو موسى، والمجيبُ هو ابنُ مسعود، وجاءَ ذلك صريحًا في رواية أبي داود وغيره من طريق أبي معاوية، ولفظه:((فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ))، فجعل القول لأبي موسى، والجواب لابن مسعود، وهذا يتعارض مع هذه الرواية الأخيرة التي فيها:((فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ)).

ففي هذه الرواية أن القائلَ هو الأعمشُ، والمجيبُ شَقيقٌ، وهو ما رجَّحهُ الحافظُ ابنُ رَجبٍ وابنُ حَجرٍ.

فقال ابنُ رجبٍ -بعد ذكر الوجه الأول المتقدم-: "والثاني: أنه ذكر أن أبا موسى هو القائل لابن مسعود: إنما كرهتم هذا لهذا؟ ، فقال ابن مسعود: نعم. وقد صرّح بهذا في رواية أبي داود

وإنما روى أصحابُ الأعمشِ، منهم: حفص بن غياث، ويعلى بن عبيد، وعبد الواحد بن زياد- أن السائلَ هو الأعمشُ، والمسئولُ هو شقيق أبو وائل" (الفتح لابن رجب 2/ 291 - 291).

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "قوله: ((قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ ))، قائلُ ذلك هو شَقيقٌ، قاله الكرمانيُّ، وليس كما قالَ، بل هو الأعمشُ، والمقولُ له شقيق كما صرّح بذلك في رواية حفص التي قبل هذه"(فتح الباري 1/ 456).

الأمر الثالث: وهو: أنه جعل ذكر أبي موسى لقصةِ عمَّارٍ متأخِّرًا عن احتجاجه بالآية، وفي رواية حفص بن غياث جعل احتجاجه بالآية متأخرًا

ص: 48

عن احتجاجه بحديث عمار.

قال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "وروايةُ حفصٍ أرجحُ؛ لأن فيها زيادةً تدلُّ على ضبطِ ذلك، وهي قوله: ((فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟ )) "(فتح الباري 1/ 456).

الأمر الرابع: ذِكْره لصفة التيمم، فقد خالفه جماعة فلم يذكروها.

فقد رواه شعبة كما عند البخاري (345)، وغيره.

وحفص بن غياث عند البخاري (346)، وغيره.

وعيسي بن يونس عند السراج في (مسنده 7).

وزاد ابنُ رجبٍ سفيانَ بنَ عيينةَ كما في (فتح الباري 2/ 290).

فرواه أربعتُهُم عن الأعمشِ فلم يذكروا فيه صفة التيمم.

كما أن للأعمشِ حديثًا آخرَ يرويه عن سلمة بن كهيل، ذكر فيه صفة التيمم، وسيأتي تخريجه قريبًا؛ مما يجعل في القلب ريبة من أن يكون الأعمشُ دَخَلَ عليه لفظ حديث سلمة بن كهيل في حديث أبي وائل، فحَدَّثَ أبو معاوية به فلم يميزْ؛ ولذا قال عفانُ:"أنكره يحيى بن سعيد فسألتُ حفصَ بنَ غياثٍ فقال: كان الأعمشُ يحدثناه عن سلمة بن كهيل، وذكر أبا وائل"(العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله 5627).

قلنا: ولكن أبا معاوية لم ينفردْ بذكر الصفة، بل تابعه غيره.

فتابعه عبد الواحد بن زياد، عند مسلم (368)، وغيره، وهي الرواية التي أنكرها يحيى بن سعيد فيما حكاه عنه عفان.

وكذا تابعه يعلى بن عبيد كما عند البخاري (عقب ح رقم 347 معلقًا)،

ص: 49

ووصله الإمامُ أحمدُ في (مسنده 18334)، وغيره.

والوليد بن القاسم كما عند أبي عوانة في (المستخرج 932).

فلما رأينا أبا معاوية تابعه غيره في ذكر الصفة، علمنا أن لها أصلًا من حديث الأعمش عن أبي وائل.

قال الإمامُ أحمدُ في رواية الأثرم: "إن كان ما روى أبو معاوية حقًّا: روى عن الأعمش، عن شقيق القصة. فقال -أيضًا-: ضربة للوجه والكفين. وتابعه عبد الواحد.

قال أبو عبد الله -يعني: أحمد-: فهذان جميعًا قد اتفقا عليه، يقولان: ضربة للوجه والكفين" (فتح الباري لابن رجب 2/ 290).

وقال ابنُ رجبٍ: "وإنما أنكر يحيى بن سعيد هذه اللفظة، وتوقفَ فيها الإمامُ أحمدُ لأن شعبةَ، وحفصَ بنَ غِياثٍ، وابنَ عيينةَ، وغيرَهم، رووه عن الأعمشِ، ولم يذكروا الضربةَ الواحدةَ، ولا صفةَ التيممِ في حديثِهِ عن شقيقٍ، عن أبي موسى، كما ساقَ ذلك البخاريُّ في الباب الماضي.

ثم ذكر أحمدُ أن أبا معاويةَ وعبدَ الواحدِ قدِ اتَّفقَا على هذه اللفظةِ، فزالتْ نكارةُ التفردِ، وقد تبينَ أن يعلى تابعهما أيضًا.

وقد كان الأعمشُ يروي هذا الحديث عن سلمة بن كهيل، عن ابنِ أَبْزَى، عن عمَّارٍ، على اختلافٍ عليه في إسنادِهِ، وذكر فيه صفة التيمم بضربة واحدة، ولكنه ذكر أنه زادَ على مسح الكفين بعض الذراعين، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم في:(باب التيمم للوجه والكفين)، وذكرنا أن سلمة بن كهيل شَكَّ في الزيادة على الكفَّين، وأنه رواه عنه سفيانُ، وشعبةُ، والأعمشُ، مع اختلافٍ عليهم في بعضِ الإسنادِ والمتنِ، فربما علل ذكر الضربة الواحدة

ص: 50

بأنه كان عند الأعمش عن سلمة بن كهيل، وحمل عليه حديث أبي وائل، كما قد يُفْهَمُ ذلك من قولِ حفصِ بنِ غياثٍ الذي ذكره عنه عفانُ، إلا أن الأئمةَ اعتمدوا على روايةِ أبي معاوية، وعبد الواحد، ويعلى، عن الأعمش، عن شقيقٍ وحده للضربة الواحدة، وأبو معاوية مقدَّمٌ في حديثِ الأعمشِ، يُرجعُ إليه فيه عند اختلافِ أصحابِهِ" (فتح الباري 2/ 290 - 291).

قلنا: ولكن في رواية أبي معاوية زيادتان شاذَّتان انفردَ بهما، وهما:

اللفظة الأولى: "النفض"، ولم يذكرها أحدٌ ممن روى الحديثَ غيره إلا رواية شاذة عن عبد الواحد بن زياد عند مسلم، وسيأتي تخريجها قريبًا والكلام عليها.

اللفظة الثانية: تقديم اليمين على الشمال في مسح اليدين، وكان يضطربُ فيها، ففي رواية محمد بن سَلام عنه عند البخاري قال:((ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ)) هكذا بالشك أو التنويع.

وفي رواية محمد بن سليمان الأنباري عنه عند أبي داود (321) قال: ((ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الكَفَّيْنِ)).

وهذه فيها التصريحُ بتقديم اليمين على الشمال، وهكذا قال محمد بن العلاء عنه عند النسائي (الصغرى 324).

بينما رواه الإمامُ أحمدُ عنه في (مسنده 18328، 19542) فقال: ((ثُمَّ مَسَحَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبَتِهَا)). ففي هذه لم يبينْ أيهما يقدمُ في المسحِ.

قال الإمامُ أحمدُ -عقبه-: "وقال أبو معاوية مرة: قال: فضرب بيديه على الأرض، ثم نفضهما، ثم ضرب بشماله على يمينه، ويمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه".

ص: 51

كأنه يشيرُ إلى عدمِ ضبطِ أبي معاويةَ لها.

قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "اختُلِفَ في لفظِ هذا الحديثِ، فوقع عند البخاري بلفظ (ثم) وفي سياقه اختصار، ولمسلم بالواو، ولفظه:((ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ))، وللإسماعيليِّ ما هو أصرح من ذلك. قلت: ولفظه من طريق هارون الحمال عن أبي معاوية: ((إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ تَنْفُضَهُمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِيَمِينِكَ عَلَى شِمَالِكَ وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِينِكَ، ثُمَّ تَمْسَحَ عَلَى وَجْهِكَ)) (فتح الباري 1/ 457).

قلنا: وروايةُ الجماعةِ عن الأعمشِ -شعبة، وحفص، ويعلى بن عبيد، وغيرهم- خالية من ذكر تقديم اليمين على الشمال.

التبيه الثاني:

جاء الحديثُ عند أبي نعيم في (المستخرج): (عن شقيق قال: كنتُ جالسًا مع أبي ومع عبد الله بن مسعود)، فسقطَ من عنده كلمة (موسى) بعد أبي.

وجاء عنده أيضًا: (لم يجد الماء شهمًا) وهو تحريفٌ، والصوابُ:(لم يجدِ الماءَ شهرًا).

وجاء عنده أيضًا: (لو خلص لهم في هذا لا، وشكوا)، وفيه تحريف في موضعين، الأول:(لو خلص لهم)، والصواب (لو رخص لهم)، الثاني:(لا، وشكوا)، وهو تحريف، والصواب:(لأوشكوا).

وجاء عنده أيضًا: (فبدأ بكفيه ثم وجهه ضربة واحد)، وهو خطأ أيضًا، والصواب:(ضربة واحدة).

ص: 52

رِوَايَةُ تَقْدِيمِ اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي المَسْحِ

• وَفِي رِوَايَةٍ:

فَقَالَ: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا؛ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ فَنَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى الكَفَّيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ))، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.

[الحكم]:

خطأٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[د 321/ همذ 36].

[السند]:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنتُ جالسًا بين عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أن رجلًا أجنبَ فلم يجدِ الماءَ شَهْرًا، أما كان يتيممُ؟ فقال: لا، وإن لم يجدِ الماءَ شهرًا. فقال أبو موسى: فكيفَ تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ؟ فقال عبدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا بِالصَّعِيدِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَر: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدَ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:

الحديث.

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 53

رِوَايَةُ مَسْحِ اليَدَيْنِ بِغَيْرِ تَحْدِيدٍ

• وَفِي رِوَايَةٍ:

فَقَالَ: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ))، وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ مَسَحَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبَتِهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ، لَمْ يُجِزِ الأَعْمَشُ الكَفَّيْنِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.

[الحكم]:

خطأٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[حم 18328 (واللفظ له)، 19542/ علحم 5623/ مشب 78].

[السند]:

قال أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: كنتُ جَالسًا مع أبي موسى وعبد الله. قال: فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أن رجلًا لم يجدِ الماءَ، وقد أجنبَ شهرًا، ما كان يتيمم؟ قال: لا، ولو لم يجدِ الماءَ شهرًا، قال: فقال له أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ؟ قال: فقال عبد الله: لو رُخص لهم في هذا، لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد، ثم يصلوا. قال: فقال له أبو موسى: إنما كرهتم ذا لهذا؟ قال: نعم. قال له أبو موسى: ألم تسمع لقول عمار: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدَ المَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:

فذكره.

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 54

رِوَايَةُ صِفَةِ التَّيَمُّمِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

• وَفِي رِوَايَةٍ:

، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ تَمْسَحَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، (ثُمَّ تَنْفُضْهُمَا)(ثُمَّ تَمْسَحَ يَمِينَكَ عَلَى شِمَالِكَ وَشِمَالِكَ عَلَى يَمِينِكَ)، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ)).

[الحكم]:

خطأٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[قط 684 (واللفظ له) / قاضي (رجب 2/ 289) (والروايتان له) / معيل (نصب 1/ 35، فتح 1/ 457) / عساكر (مساواة صـ 47 - 48)].

[السند]:

قال الدارقطنيُّ: حدثنا علي بن عبد الله بن مُبَشِّر، نا أحمد بن سنان، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن شقيق، قال: كنتُ جالسًا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أن رجلًا أجنبَ فلم يجدِ الماءَ شهرًا أكان يتيمم؟

فذكره.

ورواه إسماعيلُ القاضي كما في (فتح الباري لابن رجب)، وابنُ عساكر في (المساواة) من طريق أبي معاوية به.

[التحقيق]:

مدارُ الرواياتِ الثلاثِ على أبي معاوية محمد بن خازم، وإن كان من أثبت الناس في الأعمش فقد أخطأَ في لفظِ الحديثِ، كما سبقَ، وذكرنا الكلامَ على ذلك عند ذكر التنبيه الأول من الرواية الأولى.

قلنا: والحديثُ في (الصحيحين) من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس من قولِهِ.

ص: 55

رِوَايَةٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَ الوَجْهَ وَالكَفَّ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِكَفَّيْكَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَمْسَحَهُمَا (ثُمَّ تَمْسَحَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى)، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ)).

[الحكم]:

خطأٌ بهذا السياقِ، والحديثُ في (الصحيحين) من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وليس من قولِهِ.

[الفوائد]:

قال ابنُ خُزيمةَ: " ((ثُمَّ تَمْسَحَهُمَا)) هو النفضُ بعينه، وهو مسح إحدى الراحتين بالأخرى، لينفض ما عليهما من التراب"(صحيح ابن خُزيمةَ 1/ 252).

[التخريج]:

[خز 287 (واللفظ له) / قط 684 (والرواية له)].

[السند]:

قال ابنُ خُزيمةَ: نا يوسف بن موسى، حدثنا أبو معاوية، نا الأعمش، عن شقيق قال: كنتُ جالسًا مع عبد الله وأبي موسى

فذكره.

ورواه الدارقطنيُّ في (سننه) فقال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا يوسف بن موسى به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن أبا معاوية محمد بن خازم وإن كان من أثبت الناس في الأعمش، فقد أخطأ في لفظ الحديث، كما سبق، وذكرنا الكلامَ

ص: 56

على ذلك عند ذكر التنبيه الأول من الرواية السابقة.

قلنا: والحديثُ في (الصحيحين) من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس من قولِهِ.

رِوَايَةُ جَمَعَ بَيْنَ الكَفَّيْنِ وَالوَجْهِ، بِوَاوِ العَطْفِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا))، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ.

فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَوَ لَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ؟

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م (368/ 110) / ش 1683 (لم يذكر الكيفية)، 1689].

[السند]:

قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نمير، جميعًا عن أبي معاوية. قال أبو بكر: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال:

كنتُ جالسًا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أنَّ رجلًا أجنبَ فلم يجدِ الماءَ شهرًا كيف يصنعُ بالصلاةِ؟ فقال عبد الله: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ؟ فقال عبد الله: لو رُخص لهم في هذه الآية لأوشك إذا بَرَدَ عليهم الماءُ أن

ص: 57

يتيمموا بالصعيد. فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَاجةٍ فأجنبتُ فلم أجدِ الماءَ، فتمرَّغتُ في الصعيدِ كما تمرَّغُ الدابةُ ثم أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له فقال:

فذكره.

[تنبيه]:

زيادة: ((ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى اليَمِينِ))، من زيادات أبي معاوية في حديث الأعمش، وتقدَّم الكلامُ علي أخطائه في هذا الحديث عند ذكر التنبيه الأول في الرواية الأولى؛ ولذا فهي زيادةٌ شاذَّةٌ.

رِوَايَةُ زَادَ: النَّفْضَ

• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ النَّفْضُ، فَقَالَ: ((

ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الأَرْضِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَمَسَحَ كَفَّهُ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عَلَى كَفَّيْهِ وَوَجْهِهِ)).

[الحكم]:

خطأٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[ن 324 (واللفظ له) / كن 378].

[السند]:

قال النسائيُّ: أخبرنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق قال: كنتُ جالسًا مع عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: أو لم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حَاجةٍ،

ص: 58

فأجنبتُ فلم أجدِ الماءَ فتمرَّغتُ بالصعيدِ، ثم أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له، فقال:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ

فذكرَ الحديثَ.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، غير أن قوله:((ثُمَّ نَفَضَهَا)) وكذا قوله: ((ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَبِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ))، شَاذٌّ، وهما من أغلاط أبي معاوية في هذا الحديث كما سبقَ، وبَيَّنَّا ذلك عند ذكر التنبيه الأول في أول رواية.

رِوَايَةُ قَدَّمَ الوَجْهَ

• وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّمَ الوَجْهَ: ((

، وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَمَسَحَ كَفَّيْهِ

)).

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[التخريج]:

[طبر (7/ 92)].

[السند]:

قال الطبريُّ: حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: كنتُ مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ رجلًا أجنبَ فلم

ص: 59

يجدِ الماءَ شهرًا أيتيمم؟ فقال عبد الله: لا يتيمم، وإن لم يجدِ الماءَ شهرًا. فقال أبو موسى: فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة: {فتيمموا صعيدا طيبا} ؟ فقال عبد الله: إِنْ رُخص لهم في هذا لأوشكوا إذا بَرَدَ عليهم الماءُ أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: إنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم. قال أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فأجنبتُ، فلم أجدِ الماءَ، فتمرَّغتُ في الصعيد كما تمرَّغُ الدَّابةُ. قال: فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال

الحديث.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على أخطاء أبي معاوية في هذا الحديث عند ذكر التنبيه الأول من الرواية الأولى.

ص: 60

رِوَايَةُ قَدَّمَ الاحْتِجَاجَ بِالقِصَّةِ

• وَفِي رِوَايَةٍ قَدَّمَ الاحْتِجَاجَ بِالقِصَّةِ، فَقَالَ شَقِيقٌ: كُنْتُ جالسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الرَّجُلُ يُجْنِبُ وَلَا يَجِدُ المَاءَ، أَيُصَلِّي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا)[وَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ]، وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنَعَ بِذَلِكَ، قَالَ: فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ؟

قَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا، كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا وَجَدَ المَاءَ البَارِدَ، تَمَسَّحَ بِالصَّعِيدِ.

قَالَ الأَعْمَشُ: فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَمَا كَرِهَهُ إِلَّا لِهَذَا.

[الحكم]:

صحيح (خ) معلقًا بصيغةِ الجزمِ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقال البيهقيُّ:"أشارَ البخاريُّ إلى رواية يعلى بن عبيد وهو أثبتهم سياقة للحديث".

[التخريج]:

[خ عقب رقم 347 (معلقًا) / حم 18329، 18334 (واللفظ له) / حب 1304 (والزيادة له ولغيرِهِ)، 1305، 1307/ عه 934/ سرج 2573، 2574/ سراج 6/ شا 1025، 1026/ ثعلب 1157 - 1159/ هق 1028، 1086/ هقغ 233/ هقع 1575 - 1576/ علحم 5624، 5626/ حداد 337 (مختصرًا) / عساكر (مساواة صـ 46 - 47) / غلق (2/ 192) / معيل (غلق 2/ 192)].

ص: 61

[السند]:

علَّقَهُ البخاريُّ (عقب رواية أبي معاوية عن الأعمش) فقال: "وزاد يعلى عن الأعمش عن شقيق: كنتُ مع عبد الله وأبي موسى

فذكره".

ووصله أحمدُ فقال: حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: كنتُ جالسًا مع عبد الله وأبي موسى

فذكره.

ورواه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 1307) من طريق أبي يعلى به، وفي (1304) قَرَنَ به أبا معاوية.

ورواه أحمدُ في (المسند 18329) قال: حدثنا عفَّان، حدثنا عبد الواحد، حدثنا سليمان الأعمش به.

ورواه ابنُ حِبَّانَ (1305)، وغيرُهُ من طريقِ عبدِ الواحدِ به.

ومداره عند الجميع على الأعمش به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، وهو عند البخاريِّ معلقًا بصيغةِ الجزمِ.

ولذا صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وقال البيهقيُّ:"أشار البخاريُّ إلى روايةِ يعلى بن عبيد وهو أثبتهم سياقة للحديث"(السنن الكبير 2/ 148).

قال الإمامُ أحمدُ في روايةِ الأثرمِ: "إن كان ما روى أبو معاوية حقًّا: روى عن الأعمش، عن شقيق القصة. فقال -أيضًا-: ضربة للوجه والكفين. وتابعه عبد الواحد.

قال أبو عبد الله -يعني: أحمد-: فهذان جميعًا قد اتَّفَقَا عليه، يقولان: ضربة للوجه والكفين" (فتح الباري لابن رجب 2/ 290).

ص: 62

رِوَايَةُ زَادَ: النَّفْضَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ فَنَفَضَ يَدَيْهِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.

[الحكم]:

صحيح (م).

[التخريج]:

[م (368/ 111) (واللفظ له) / محلى (2/ 154)].

[السند]:

قال مسلم: حدثنا أبو كامل الجَحْدري، حدثنا عبد الواحد، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: قال أبو موسى لعبد الله

وساقَ الحديثَ بقصته نحو حديث أبي معاوية غير أنه قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وساقَ الحديثَ.

[تنبيه]:

روى الإمامُ مسلمٌ هذا الحديث من طريق أبي كامل الجحدري عن عبد الواحد بن زياد بسنده، وزاد فيه:((فَنَفَضَ يَدَيْهِ)).

وقد روى الحديثَ جماعةٌ عن عبدِ الواحدِ فلم يذكروا النَّفْضَ، وهم:

- عفان بن مسلم، عند أحمدَ في (المسند 18329).

- محمد بن أبي بكر عند أبي نُعيمٍ في (المستخرج 811).

- وبشر بن معاذ عند ابنِ حِبَّانَ في (صحيحه 1305).

- والعلاء بن عبد الجبار عند أبي عَوانةَ في (المستخرج 876) ولكن جعل صفة التيمم من قول عبد الواحد، وقَرَنَ به أبا كامل الجحدري.

ص: 63

- وعارم محمد بن الفضل كما عند الشَّاشيِّ في (مسنده 1026).

فرواه خمستُهُم عن عبد الواحد بن زياد، وليس في حديثهم النَّفْضُ.

وتابع عبد الواحد -بدون ذكرها- يعلى بن عبيد كما عند البخاري (عقب ح رقم 347 وعلَّقه بصيغة الجزم)، ووصله أحمدُ في (المسند 18334)، وغيره.

وكذا تابعه الوليد بن القاسم المدني كما عند أبي عوانة في (مستخرجه 932).

ورواه شعبة، وحفص بن غياث، وعيسى بن يونس، فلم يذكروا فيه الكيفية.

ص: 64

رِوَايَةٌ لَمْ تَذْكُرِ الكَيْفِيَّةَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَا يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ المَاءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ يَكْفِيكَ)) قَالَ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ: إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ المَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ.

فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ: فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.

• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ 2: قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ: إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ لَا يُصَلِّي؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ البَرْدَ قَالَ: هَكَذَا -يَعْنِي تَيَمَّمَ- وَصَلَّى، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.

[الحكم]:

صحيح (خ).

[التخريج]:

[خ 345 (بلفظ السياقة الثانية)، 346 (بلفظ السياقة الأولى) / حم 18330/ سراج 7/ علحم 5625/ طحق 90/ تمهيد (19/ 272) / حداد 337].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا بشر بن خالد، قال: حدثنا محمد -هو غندر-

ص: 65

أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، قال: قال أبو موسى لعبد الله بن مسعود. بلفظ السياقة الثانية.

وقال -أيضًا-: حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعتُ شقيق بن سلمة. بلفظ السياقة الأولى.

وجاء عقبها: "فقلتُ لشقيقٍ: فإنما كره عبد الله لهذا؟ قال: نعم".

قلنا: القائلُ هو الأعمشُ، فإنه الذي يروي عن أبي وائل شقيق.

ص: 66

رِوَايَةُ قَدَّمَ مَسْحَ الوَجْهِ عَلَى اليَدِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ شَقِيقِ بنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ، فَسَأَلَ أَبُو مُوسَى عَبْدَ اللَّهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُجْنِبُ وَلَا يَجِدُ المَاءَ، أَيَتَيَمَّمُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَلَمْ تَرَ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ المَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ، فَلَمَّا أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ))، قَالَ: ثُمَّ ضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ، ثُمَّ مَسَحَ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ؟ قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ بَرْدَ المَاءِ تَيَمَّمَ.

[الحكم]:

شاذٌّ بهذا اللفظِ.

[التخريج]:

[عه 932].

[السند]:

قال أبو عَوانةَ: حدثنا حمدان بن الجُنيد قال: ثنا الوليد بن القاسم الهمداني قال: سمعتُ الأعمشَ يذكر عن شقيق بن سلمة

فذكره وفي آخره: قال: قُلْتُ لِشَقِيقٍ: إِنَّمَا كَانَ يَمْنَعُهُمْ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْنَعُهُمْ ذَلِكَ.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ، فيه الوليد بن القاسم الهمدانيُّ، وهو مختلفٌ فيه:

ص: 67

قال أحمد: "ثقة، قد كتبنا عنه بالكوفة، وكان جارًا لمعلَّى بنِ عُبيدٍ الطنافسيِّ وقد سألتُ عنه المعلَّى فقال: نِعم الرجل، وهو جارنا منذ خمسين سنة، ما رأينا منه إلا خيرًا! قال أحمد: وقد كتبنا عنه أحاديث حسانًا عن يزيد بن كيسان، فاكتبوا عنه"(الكامل لابنِ عَدِيٍّ 10/ 281).

وقال ابنُ عَدِيٍّ: "إذا روى عن ثقةٍ، ويروى عنه ثقةٌ فإنه لا بأس به"(الكامل لابنِ عَدِيٍّ 10/ 283).

وقال ابنُ قانعٍ: "كوفي صالح" كما في (إكمال تهذيب الكمال 12/ 246).

ووَثَّقَهُ الذهبيُّ في (العبر 1/ 268)، إلا أنه قال في (الميزان 3/ 226):"فيه لين".

وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 224)، وذكره في (المجروحين 2/ 422) أيضًا فقال:"كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فخرجَ عن حَدِّ الاحتجاجِ به إذا انفردَ، وأرجو أن مَن اعتبرَ به فيما وافق الثقات لم يجرح في فعله ذلك".

وقال ابنُ مَعينٍ: "ضعيف الحديث"(الجرح والتعديل 9/ 13)، وكذلك قال ابنُ شاهينَ في (تاريخ أسماء الضعفاء 664).

ولخَّصَ حالَهُ ابنُ حَجرٍ فقال: "صدوق يُخطئُ"(تقريب التهذيب 7447).

قلنا: وقد أخطأَ في هذا الحديث حيث جعل عطف مسح اليدين على الوجه بـ"ثم"، والصحيح ما جاء في رواية يعلى بن عبيد وغيره بلفظ:"ومسح وجهه وكفيه" كما سبق في الروايات المتقدمة؛ ولذا قال البيهقيُّ: "وأشار البخاري إلى رواية أبي يعلى وهو أثبتهم سياقة للحديث".

ص: 68

رِوَايَةُ وَصْفِ عَبْدِ الوَاحِدِ لِلتَّيَمُّمِ

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الوَاحِدِ قَالَ: ثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: ثَنَا شَقِيقٌ، بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا. وَضَرَبَ عَبْدُ الوَاحِدِ بِيَدِهِ الحَائِطَ مَرَّةً وَاحِدَةً -فَحَكَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَسَحَ عَبْدُ الوَاحِدِ يَدَيْهِ جَمِيعًا وَوَجْهَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً الكَفَّيْنِ وَالوَجْهَ.

[الحكم]:

إسنادُهُ صحيحٌ.

[التخريج]:

[عه 933].

[السند]:

قال أبو عوانة: حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا أبو كامل قال: ثنا عبد الواحد ح، وحدثنا ابن الجنيد قال: ثنا العلاء بن عبد الجبار قال: ثنا عبد الواحد به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، وحكايةُ عبدِ الواحدِ صفة التيمم لأصحابه لا تضرُّ، فقد يكون حدَّثهم بما أخبره به الأعمش من صفه التيمم من فِعْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم عَلَّمهم عبد الواحد ذلك بفعله ليكون أبلغ لهم في التعليم، وقد صَحَّ عند مسلم (368/ 111) أن عبدَ الواحدِ حدَّثَ بالحديثِ عن الأعمشِ بغيرِ أن يفعله هو، كما سبقَ قريبًا.

ص: 69

3093 -

حَدِيثُ نَاجِيَةَ عَنْ عَمَّارٍ

• عَنْ نَاجِيَةَ بنِ كَعْبٍ، عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ قَالَ: أَجْنَبْتُ وَأَنَا فِي الإِبِلِ فَتَمَعَّكْتُ فِي الرَّمْلِ كَمَا تَتَمَعَّكُ الدَّابَّةُ، ثمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ عليه السلام وَقَدْ دَخَلَ الرَّمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ التَّيَمُّمُ)). ثُمَّ ضَرَبَ النَّبِيُّ عليه السلام بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا التُّرَابَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ثُمَّ قَالَ:((كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله: ((وَقَدْ دَخَلَ الرَّمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي

إلى آخره))، فمنكرٌ.

[التخريج]:

[يحيى (زمنين - تفسير 1/ 375)].

[السند]:

رواه يحيى بنُ سَلَّام، عن المعلى، عن أبي إسحاق الهمداني، عن ناجية بن كعب، عن عمار بن ياسر به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ تالفٌ؛ فيه المعلى بن هلال "اتَّفقَ النقادُ على تكذيبه" كما في (التقريب 6807).

وقد انفردَ المعلَّى بن هلال بقوله: ((وَقَدْ دَخَلَ الرَّمْلُ فِي رَأْسِي وَلِحْيَتِي))، وصفة التيمم من حديث ناجية.

فقد رواه جماعةٌ غيره عن أبي إسحاق لم يذكروا شيئًا من ذلك، منهم:

- أبو الأحوص كما عند النسائي في (سننه 318)، و (الكبرى 379)،

ص: 70

وابن أبي شيبة في (مصنفه 1671)، وغيرهما.

- إسرائيل بن يونس كما عند ابن المنذر في (الأوسط 505)، والبيهقيُّ في (السنن الكبير 1062)، وغيرهما.

- ابن عيينة، ومعمر، كما عند عبد الرزاق في (المصنف 923)، وغيره.

ورواه غيرهم منهم أبو بكر بن عياش، ورَقَبة بن مَصْقَلة، وزائدة، وليس في حديثهم هذه الزيادة.

وكذا تابع أبا إسحاق يونس ابنه كما عند أبي نعيم الفضل بن دُكَيْن في (الصلاة 141)، وغيره، فلم يذكرها.

وعليه فهي روايةٌ منكرةٌ بل تكادُ تكونُ مِن وضعِ المعلَّى هذا، وقد رُمِيَ بالكذبِ كما قال ابنُ حَجرٍ في (التقريب).

ص: 71

3094 -

حَدِيثُ ابنِ أَبِي أَوْفَى

◼ عَنِ الحَكَمِ وسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، أَنَّهُمَا سَأَلَا عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ:((أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّارًا أَنْ يَفْعَلَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ)). قَالَ الحَكَمُ: ((وَيَدَيْهِ)). وَقَالَ سَلَمَةُ: ((وَمِرْفَقَيْهِ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله:((وَمِرْفَقَيْهِ)) فمنكرٌ، كما قال السنديُّ، والألبانيُّ، وإسناده منكرٌ، خطأه أبو زرعة الرازي، وأقرَّه ابنُ حَجرٍ.

[التخريج]:

[جه 564/ بغج 3/ مخلص 1178/ فقط (أطراف 4051)].

[السند]:

قال ابن ماجه وأبو القاسم البغوي: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم وسلمة بن كهيل، أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى عن التيمم

فذكره.

ومداره عندهم على عثمان بن أبي شيبة به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ منكرٌ؛ فيه علتان:

الأولى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، "سيئ الحفظ جدًّا"، كما في (التقريب 6081).

العلة الثانية: أن ابن أبي ليلى وهم في قوله: "إن الحكم وسلمة بن كهيل سألا عبد الله بن أبي أوفى" فقد نفى ابنُ المديني سماعَ سلمة بن كُهَيْل من

ص: 72

أحدٍ من الصحابة غير جندب وأبي جحيفة. (تهذيب التهذيب 4/ 157).

وأما الحكم بن عتيبة؛ فقد قال أبو داود: "قد رأى زيد بن أرقم وابن أبي أوفي، وليس له عنهما رواية"(سؤالات الآجري 151).

والذي يظهرُ أن ابنَ أبي ليلى لسوء حفظه أخطأ فيه، فرواه عن الحكم وسلمة عن ابن أبي أوفى، والمحفوظ عن ابن أبي أبزى.

قال ابنُ أبي حاتم: "وسألتُ أبا زرعة عن حديث رواه ابنُ أبي ليلى، عن سلمة والحكم، عن ذَرٍّ، عن ابنِ أبي أَوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم. قال أبو زرعة: هذا خطأ، وإنما الصحيح سلمة، والحكم، عن ذَرٍّ، عن ابن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم"(العلل لابن أبي حاتم 4).

وأقرَّ ابنُ حَجرٍ أبا زرعةَ على ذلك في (النكت الظراف 4/ 280).

ولذا قال الدارقطنيُّ: "غريبٌ من حديثهما عنه، تفرَّدَ به: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنهما، ولم يروه عنه هكذا غير حميد الرؤاسي"(أطراف الغرائب 4051).

وليس هذا بأول أوهام ابن أبي ليلى، فقد قال شعبة: "أتيتُ محمدًا -يعني ابنَ أبي ليلى- فقلتُ: أقرئني عن سلمة حديثًا مسندًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فحَدَّثَ عن ابن أبي أوفى قال إذا أصبح: أصبحنا على الفطرة

فذكر الدعاء، قال شعبة: فأتيتُ سلمةَ فذكرتُ ذلك له، فقال: لم أسمع من ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيئًا. قلت: ولا من قول ابن أبي أوفى؟ قال: لا. قلت: ولا حدّثت عنه؟ قال: لا، ولكني سمعتُ ذرًّا يحدثُ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا أصبح قال ذلك. فرجعتُ إلى محمدٍ -وفي موضع آخر من كتابي: فدخلتُ على

ص: 73

محمدٍ- فقلتُ: أين ابن أبي أوفى من ذَرٍّ؟ وفي موضع آخر: أين ذَرٍّ من ابنِ أبي أوفى؟ قال: هكذا ظننتُ. قلتُ: هكذا تعامل بالظن؟ " (السنن الكبرى للنسائي 10285).

فكان ابنُ أبي ليلى -لسوء حفظه- يقلبُ ابنَ أبي أبزي إلى ابنِ أبي أَوفى، ويقول: هكذا ظننتُ.

ولذا قال النسائيُّ عقبه: "محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد العلماء، إلا أنه سيئ الحفظ كثير الخطأ".

ومع ذلك قال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ فيه ابن أبي ليلى، واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. وقد ضُعِّفَ من قِبل حفظه، وأصلُ كيفية التيمم في (الصحيحين) من حديثِ عمَّارٍ، لكن لم ينفردْ به ابنُ أبي ليلى فقد رواه ابنُ أبي شيبة في (مصنفه) عن وكيعٍ عن الأعمشِ عن سلمةَ بنِ كُهيلٍ عن ابنِ أبي أوفى عن أبيه

فذكره" (مصباح الزجاجة 233).

قلنا: وهذا وهم من البوصيريِّ رحمه الله، فإن الحديثَ أخرجه ابنُ أبي شيبةَ عن وكيعٍ، عن الأعمشِ، عن سلمةَ بنِ كُهيلٍ، عن ابنِ أبزى، عن أبيه به. (1690).

فليس فيه ذكرٌ لابن أبي أوفى.

والحديث ضَعَّفه السنديُّ فقال في (الزوائد): "إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه ابن أبي ليلى، واسمه محمد بن عبد الرحمن، فضَعْفُه من قبيل حفظه

، وقال سلمة:"ومرفقيه" هذه الرواية في حديث عمار شاذة مخالفة لرواية الأكثر" (حاشيته على سنن ابن ماجه 1/ 201).

وقال الألبانيُّ: "وهذا متنٌ منكرٌ، وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ علته ابن أبي ليلى

ص: 74

وحديث التيمم في (الصحيحين) وغيرهما من حديث عمار ليس فيه ذكر المرفقين، وهو مخرج في (الصحيحة)، و (صحيح أبي داود) " (الضعيفة 5484).

قلنا: وحديثُ عمَّارٍ عند الشيخين بذكر: ((الوجه والكفين))، لا ((المرفقين))، وهو الصواب عنه، كما قدَّمناه.

ورواية ((مرفقيه)) شَذَّ بها سلمة بن كهيل، كما سبقَ، وبيَّنَّاهُ في موضعه.

ص: 75

رِوَايَةُ ثُمَّ نَفَضَهُمَا وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ الحَكَمِ وسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، أَنَّهُمَا: سَأَلَا عَبْدَ اللَّهِ بنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: ((أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفْعَلَ هَكَذَا. وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ نَفَضَهُمَا وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ)).

[الحكم]:

صحيحُ لغيرِهِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.

[التخريج]:

[طس 5632].

[السند]:

قال الطبرانيُّ: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم وسلمة بن كهيل به.

قال -عقبه-: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحكم وسلمة بن كهيل إلا ابن أبي ليلى، ولا عن ابن أبي ليلى إلا حميد بن عبد الرحمن، تفرَّدَ به: عثمان بن أبي شيبة".

[التحقيق]:

انظر الرواية السابقة.

ص: 76

3095 -

حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمِ بنِ الحَارِثِ

◼ عَنْ أَبِي جُهَيْمِ بنِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ رضي الله عنه قَالَ: ((أَقْبَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السلام).

[الحكم]:

صحيح (خ)، ومسلم تعليقًا.

[الفوائد]:

((بِئْرُ جَمَلٍ)): "اسم موضع"(كشف المشكل لابن الجوزي 2/ 158)،

وقال ابنُ حَجرٍ: "موضعٌ معروفٌ بالمدينةِ"(فتح الباري 1/ 91)،

وقال النوويُّ: "بقربِ المدينةِ"(شرح مسلم 4/ 64)،

وقال ابنُ رجبٍ: "هي خارج المدينة"(فتح الباري 2/ 234).

[التخريج]:

[خ 337 (واللفظ له) / م 369 (معلقًا) / د 329/ ن 316/ كن 377/ حم 17541/ خز 291/ حب 798/ عه 941/ مث 2175/ جا 128/ مسن 814/ طح (1/ 85 - 86/ 547) / طحق 111/ صحا 6717/ ثعلب 1149/ هق 1005/ هقع 1533/ هقخ 850/ سعد (5/ 320) / غسان (3/ 798) / معيل (تعليقه صـ 168)، (الفتح 1/ 442) / محلى (2/ 121، 155 - 156) / لا 151/ تحقيق 280/ أسد (6/ 58) / كما (22/ 382) / غرر (1/ 119 - 121) / كك (3/ 186) / مغلطاي (2/ 346 - 347) / حداد 340].

[السند]:

قال البخاريُّ: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن جعفر بن

ص: 77

ربيعة، عن الأعرج، قال: سمعتُ عميرًا مولى ابن عباس، قال: أقبلتُ أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم الأنصاري:

فذكره.

ورواه أبو داودَ، والنسائيُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، وغيرُهُم- من طريق شعيب بن الليث، عن أبيه، به.

ورواه ابنُ الجارودِ في (المنتقى 128): عن محمد بن يحيى الذهلي. وابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 2175): عن محمد بن عوف الطائي. وأبو أحمد الحاكم في (الأسامي والكنى 3/ 186): من طريق الفضل بن محمد (الشعراني).

ثلاثتهم: عن أبي صالح (كاتب الليث)، عن الليث، به.

[تنبيه]:

علَّقَهُ مسلمٌ (369) عن الليث بن سعد، به، إلا وقع عنده (عبد الرحمن بن يسار)، بدل (عبد الله بن يسار)، و (أبو الجهم) بدل (أبو الجهيم).

قال أبو عليٍّ الغسانيُّ: "قال مسلم: روى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس سمعه يقول: أقبلتُ أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي الجهم بن الحارث بن الصمة.

هكذا وقع في النسخ عن أبي أحمد الجُلُودي، والكسائي، وعند ابن ماهان:(أقبلتُ أنا وعبد الرحمن بن يسار)، وهو خطأٌ، والمحفوظ:(أقبلتُ أنا وعبد الله بن يسار)، وكذلك رواه البخاري عن ابن بكير عن

ص: 78

الليث، (أقبلت أنا وعبد الله بن يسار). (تقييد المهمل وتمييز المشكل، ط. الفوائد 3/ 797).

وقال النوويُّ: "قوله: (أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار)، هكذا هو في أصولِ صحيحِ مسلمٍ، قال أبو عليٍّ الغسانيُّ وجميعُ المتكلمينَ على أسانيد مسلم: قوله: (عبد الرحمن) خطأٌ صريحٌ، وصوابه:(عبد الله بن يسار)، وهكذا رواه البخاريُّ، وأبو داود، والنسائيُّ، وغيرُهُم على الصواب، فقالوا: عبد الله بن يسار. قال القاضي عياض: ووقع في روايتنا صحيح مسلم من طريق السمرقندي عن الفارسي عن الجلودي عن عبد الله بن يسار على الصواب.

وأما أبو الجهم -فبفتح الجيم وبعدها هاء ساكنة- هكذا هو في مسلم، وهو غلطٌ، وصوابه ما وقع في (صحيح البخاري)، وغيره:(أبو الجهيم) بضم الجيم وفتح الهاء وزيادة ياء، هذا هو المشهورُ في كتبِ الأسماءِ، وكذا ذكره مسلمٌ في كتابه في أسماء الرجال، والبخاري في (تاريخه)، وأبو داود، والنسائيُّ، وغيرُهُم، وكلُّ مَن ذكره من المصنفين في الأسماء والكنى وغيرهما" (شرح مسلم 4/ 63 - 64).

وبنحوه قال الرشيدُ العطَّارُ في (غرر الفوائد صـ 121 - 122)، ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 347)، والكرمانيُّ (الكواكب الدراري 3/ 217)، وابنُ الملقنِ في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 172)، وابنُ حَجرٍ في (فتح الباري 1/ 442)، وغيرُهُم.

وتصحَّفَ (عبد الله بن يسار) في مطبوع (الكنى) للدولابي إلى "عبد الله بن بشار".

* * *

ص: 79

رِوَايَةُ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ

• وَفِي رِوَايَةٍ، عَنْ أَبِي جُهَيْمِ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِ حَاجَتِهِ (لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ) نَحْوَ بِئْرِ جَمَلٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الجِدَارِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:((وَعَلَيْكَ السَّلَامُ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ بما تقدَّمَ، وإسنادُهُ حسنٌ، وصَحَّحَهُ العينيُّ.

[التخريج]:

[حم (ط. المكنز 24404) (واللفظ له) / طح (1/ 85 - 86/ 548) / طحق 112/ قط 672، 673 (والرواية له ولغيرِهِ) / مث 768/ قا (2/ 187)، (3/ 130) / كك (3/ 187)].

[السند]:

رواه أحمدُ في (المسند) -كما في (طبعة المكنز 24404)، و (إتحاف المهرة 17436)، ومن طريقه ابن قانع في (الصحابة 2/ 187) -.

والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 85)، والدارقطنيُّ في (السنن 673) من طريقِ عمرٍو الناقدِ.

وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 768)، وابنُ قانعٍ في (الصحابة 3/ 130)، والدارقطنيُّ في (السنن 672): من طريق عبيد الله بن سعد.

وأبو أحمدَ الحاكمُ في (الكنى (3/ 187): من طريق أبي الأزهر أحمد بن الأزهر.

أربعتهم: (أحمد، وعمرو، وعبيد الله، وأبو الأزهر): عن يعقوب بن

ص: 80

إبراهيم بن سعد -والسياق لأحمدَ-، قال: حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عمير مولى عبد الله بن عباس -وكان عمير مولى عبد الله بن عباس ثقة فيما بلغني-، عن أبي جهيم، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ حسنٌ، رجالُهُ ثقاتٌ، عدا ابن إسحاق فصدوقٌ يدلسُ، وقد صرَّحَ بالتحديثِ فزالتْ شبهةُ تدليسِهِ.

وصَحَّحَهُ العينيُّ في (نخب الأفكار 2/ 199).

وقد تقدَّمَ الحديثُ بنحوه، عند البخاري وغيره، من طريق الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، به.

إلا أن ابنَ إسحاقَ بَيَّنَ في روايته سبب ذَهاب النبي صلى الله عليه وسلم لبئر جمل.

ص: 81

وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: "أُرَاهُ قَالَ: فَبَالَ"

• روَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: ((أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ بِئْرِ جَمَلٍ -، أُرَاهُ قَالَ: فَبَالَ-، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ دونَ قولِهِ: ((أُرَاهُ قَالَ: فَبَالَ)) فمنكرٌ.

[التخريج]:

[طهور 61].

[السند]:

قال القاسمُ بنُ سَلَّام: ثنا حسان بن عبد الله المصري، عن ابن لهيعة، عن عبد الرحمن الأعرج، قال: سمعتُ عميرَ بنَ عبدِ اللهِ، يحدثُ عن عبد الله بن يسار، مولى ميمونة، عن أبي الجهيم الأنصاري، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه عبد الله بن لهيعة، وهو ضعيفٌ لسوءِ حفظه، وقد تقدَّمَ مِرارًا.

قلنا: وقد وهم في أمرين:

الأول: في السندِ، حيثُ قال:"عن عمير بن عبد الله عن عبد الله بن يسار" وهذا خطأٌ بلا شَكٍّ؛ فإن عبد الله بن يسار ليس له في الحديث رواية، وإنما ذُكر مقرونًا مع عمير في ذهابه إلى أبي الجهيم، كما سبق في (الصحيحين).

الثاني: في المتن، حيث زاد فيه:"أراه فبال" والحديثُ محفوظٌ عن الليث

ص: 82

ابن سعد عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج بدونها، هكذا رواه البخاري (337)، ومسلم (369)، وغيرهما.

ورواه ابنُ لهيعةَ على الصوابِ بدونها، كما عند الإمامِ أحمدَ في (مسنده 17541)، وابنُ سعدٍ في (الطبقات 5/ 320).

ص: 83

3096 -

حَدِيثُ ابنِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ

◼ عَنِ ابنِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ عَنْ أَبيهِ قَالَ: ((لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عليَّ حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جِدَارٍ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيَّ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، والصحيحُ ما سبقَ عند الشيخين من حديث أبي الجهيم بن الحارث: أن رجلًا

فذكره بنحوه، ليس فيه ذِكْر أبيه.

[التخريج]:

[طس 222].

[السند]:

قال الطبرانيُّ: حدثنا أحمد بن رشدين، عن رَوْح بن صلاح، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن الحارث بن الصمة، عن أبيه، به.

لم يَرْوِ هذا الحديث عن عبيد الله بن أبي جعفر إلا سعيد بن أبي أيوب، تفرَّدَ به: رَوْح بن صلاح.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: أحمد بن رشدين؛ ضعيفٌ، وتقدَّم مِرارًا، وانظر (لسان الميزان 1/ 594 - 596).

الثانية: روح بن صلاح؛ وهو ابنُ سَيَابة مصري، ضَعَّفه ابنُ عَدِيٍّ، وقال:

ص: 84

"في بعض حديثه نكرة"(الكامل 4/ 553 - 554).

وقال الدارقطنيُّ: "كان ضعيفًا في الحديثِ، سكن مصر"(المؤتلف والمختلف 3/ 1377).

وقال ابنُ يونسَ: "من أهل الموصل، قدم مصر وحَدَّثَ بها، رُويتْ عنه مناكير"(لسان الميزان 3/ 481).

وقال ابنُ منده: "صاحبُ مناكير"(فتح الباب في الكنى والألقاب، صـ 251).

وقال ابنُ ماكولا: " ضعَّفوه في الحديثِ، سكن مصر"(الإكمال 5/ 15).

وقال أحمد بن محمد بن زكريا أبو بكر البغدادي: "اتَّفقنا على أن لا نكتبَ بمصر حديث ثلاثة: عليّ بن الحسن السامي، وَرَوْح بن صلاح، وعبد المنعم بن بَشِيْر"(سؤالات البرقاني للدارقطني 649).

ومع ذلك ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 244)، وقال الحاكم:"ثقةٌ مأمونٌ، من أهلِ الشامِ"(سؤالات السجزي 68).

والحملُ في هذه الروايةِ على روح بن صلاح، فإن الحديثَ عند الشيخين من حديثِ أبي الجهيم بن الحارث: أن رجلًا

فذكره بنحوه، ليس فيه ذِكْرُ أبيه.

ص: 85

3097 -

حَدِيثُ ابنِ عَمَرَ

◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الغَائِطِ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ عِنْدَ بِئْرِ جَمَلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الحَائِطِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى الحَائِطِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ لشواهدِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ، وصَحَّحَهُ: ابنُ حِبَّانَ، والألبانيُّ. وحَسَّنَهُ: المنذريُّ.

[التخريج]:

[د 331 (واللفظ له) / حب 1311/ قط 677/ هق 1009].

[السند]:

قال أبو داود -ومن طريقه البيهقيُّ-: حدثنا جعفر بن مسافر ثنا عبد الله بن يحيى البرلسي ثنا حيوة بن شريح عن ابن الهاد أن نافعًا حدَّثه عن ابن عمر به.

وقال ابنُ حِبَّانَ: أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى به.

ومداره -عند الجميع- على عبد الله بن يحيى، عن حيوة .. به.

[التحقيق]:

هذا إسنادُهُ حسنٌ، رجاله رجال البخاري سوى جعفر بن مسافر، وهو "صدوق ربما أخطأ" كما في (التقريب 957)، وقد توبع، تابعه عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو القرشى -كما عند ابن حِبَّانَ-، والحسن بن

ص: 86

عبد العزيز الجَرَوي -كما عند الدارقطنيُّ- فروياه عن البرلسي به.

وعبد الله بن يحيى المعافري البرلسي؛ قال أبو حاتم وأبو زرعة: "لا بأس به"(التهذيب 16/ 300)، وقال الذهبيُّ:"ثقة"(الكاشف 1/ 607). وقال ابنُ حَجرٍ: "لا بأس به"(التقريب 3703).

والحديث صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، والشيخُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 357).

ونقلَ صاحبُ عون المعبود عن المنذريِّ أنه قال: "حسن"(العون 1/ 523)، والذي وقفنا عليه في المطبوع من (مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/ 205) هو قوله عقب الحديث:"مرسل". وهذا القولُ خطأٌ، فلا وجهَ لإرسالِهِ؛ ولذا قال الألبانيُّ:"وهو خطأٌ"(صحيح أبي داود 2/ 147).

قلنا: والحديثُ يشهدُ له ما في (الصحيحين) من حديث أبي الجهيم بن الحارث بنحوه، وقد سبق.

ص: 87

3098 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ((لمَّا نَزَلَتْ (أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى) آيَة التَّيَمُّمِ لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أصْنَعُ، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم [فِي مَنْزِلِهِ] 1 [أَسْأَلُهُ، ] 2 فَلَمْ أَجِدْهُ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَ الَّذِي جِئْتُ لَهُ، فَبَالَ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، [لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ] 3)).

[الحكم]:

ضعيفٌ؛ لانقطاعه، وكذا قال ابنُ حَجرٍ.

[التخريج]:

[ش 1701 (واللفظ له)، 37444 (مختصرًا) / مش (مط 155، خيرة 725) (والزيادة الثانية له) / سحق 330 (والرواية الأولى له، والزيادة الأولى والثالثة له)].

[التحقيق]:

سبقَ تحقيقه تحت باب "ابتداء التيمم وفضله".

ص: 88

3099 -

حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ

◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ حِينَ ذَكَرَ الوُضُوءَ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ}، وقال: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}، وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}، فَكَانَتِ السَّنَةُ فِي القَطْعِ الكَفَّينِ. إِنَّمَا هُوَ الوَجْهُ وَالكَفَّانِ؛ يَعْنِي: التَّيَمُّمَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ الألبانيُّ.

[التخريج]:

[ت 146/ ضيا (11/ 360/ 369)].

[السند]:

رواه الترمذيُّ -ومن طريقه الضياءُ-: عن يحيى بن موسى، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا هشيم، عن محمد بن خالد القرشي، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه داود بن الحصين القرشي، ثقةٌ إلا في عكرمةَ كما في (التقريب 1779)؛ فما رواه عن عكرمةَ فمنكر الحديث، كما قال علي بن المديني كما في (الجرح والتعديل 3/ 409)، وقال -أيضًا-:"مرسلُ الشعبيِّ وسعيدِ بنِ المسيبِ أحبّ إليّ من داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس" كما في (الضعفاء للعقيلي 2/ 8).

وقال الآجريُّ: "سألتُ أبا داود عنه فقال: "أحاديثُه عن عكرمةَ مناكيرُ"

ص: 89

(شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 180).

والراوي عنه: محمد بن خالد القرشي؛ "مجهولٌ" كما في (التقريب 5852).

وفيه -أيضًا-: عنعنة هشيم؛ فهو مدلس.

والحديث ضَعَّفه الألبانيُّ في (ضعيف الترمذي، صـ 14 رقم 21) فقال: "ضعيفُ الإسنادِ".

ومع ذلك، قال الترمذيُّ -عقبه-:"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ".

ص: 90

3100 -

حَدِيثُ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ

◼ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَصَابَ أَهْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ، فَذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مِنْهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوُا الصُّبْحَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ تَبَرَّزَ لِلْخَلَاءِ، فَاتَّبَعَهُ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَرَآهُ، فَأَهْوَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ فَوَضَعَهُمَا قَالَ: -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ نَفَضَهِمَا-، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ كَيْفَ مَسَحَ".

[الحكم]:

ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ ابنُ حزمٍ.

[التخريج]:

[عب 925].

[السند]:

قال عبد الرزاق: عن ابن جريج، عن عطاء به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير شيخ عطاء فلا يُدرى هل هو صحابي أم لا؟ حيث أبهمه عطاء، والظاهر عدم صحبته، فلو كان صحابيًّا لصرَّحَ عطاءٌ به.

ولذا قال ابنُ حزمٍ: "وهذا كما ترى، لا ندرى مَن ذلك الرجل، فسقط هذا الخبر أيضًا"(المحلى 2/ 150).

ص: 91

3101 -

حَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلًا

◼ عَنْ عَطَاءٍ؛ قَالَ: ((أَجْنَبَ أَبُو ذَرٍّ، وَهُوَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ، فَجَاءَه وَقَدِ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَتَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي التُّرَابِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ؛ لإرسالِهِ.

[التخريج]:

[ش 1684].

[السند]:

قال ابنُ أبي شيبة: حدثنا ابنُ عُليةَ، عن ابنِ جُريجٍ به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير أنه مرسلٌ، عطاء بن أبي رباح منَ الوسطى من التابعين، ومراسيله من أوهي المراسيل؛

قال يحيى بن سعيد: "مرسلاتُ مجاهدٍ أحب إليَّ من مرسلاتِ عطاء بن أبي رباح بكثير، كان عطاء يأخذ عن كلِّ ضَرْبٍ" نقله عنه الترمذيُّ بسنده في (العلل الصغير 5/ 166).

وقال أحمدُ بنُ حنبلٍ: "مرسلاتُ سعيد بن المسيب صِحاحٌ، لا نرى أصحَّ من مرسلاته، وأما الحسنُ وعطاءٌ فليسَ هي بذاك، هي أضعفُ المرسلات؛ لأنهما كانا يأخذان عن كلٍّ" نقله عنه البيهقيُّ بسنده في (السنن الكبير 11/ 453).

وقال الآجريُّ: "قلتُ لأبي داود: مراسيل عطاء، أو مراسيل مجاهد؟

ص: 92

قال: مراسيل مجاهد، عطاء كان يحمل عن كلِّ ضرب" (سؤالات الآجري 237).

* * *

ص: 93