المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌526 - باب التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين إلى المرفقين - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٥

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌أَبْوَابُ: صِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌524 - بَابُ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ

- ‌525 - بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ؛ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلكَفَّيْنِ

- ‌526 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌527 - بَابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلكَفَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌528 - بَابُ مَا رُويَ فِي المَسْحِ إِلَى الآبَاطِ وَالمَنَاكِبِ

- ‌529 - بَابُ نَفْخِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌530 - بَابُ نَفْضِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌531 - بَابُ تَقْدِيمِ اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي المَسْحِ

- ‌532 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ التَّيَمُّمِ

- ‌أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ

- ‌533 - بَابٌ جَامِعٌ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ

- ‌534 - بُابُ التَّيَمُّمِ عَلَى الجِدَارِ

- ‌535 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ ذِي الغُبَارِ

- ‌536 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ

- ‌537 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالأَرْضِ الطَيِّبَةِ

- ‌أبوابُ مُبطلاتِ التَّيممِ وما يتعلقُ بِهِ

- ‌538 - بَابُ التَّيَمُّمِ يُجْزِئُ المُسْلِمَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ المَاءَ

- ‌539 - بَابُ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِ المَاءِ

- ‌540 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ العَجْزَ عَنِ المَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ

- ‌541 - بَابُ التَّيَمُّمِ رَيْثَمَا يَصِلُ المَاءُ

- ‌542 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِعَادَةِ المُتَيَمِّمِ الصَّلَاةَ إِذَا وَجَدَ المَاءَ فِي الوَقْتِ

- ‌أَبْوَابُ الأَحْكَامِ العَامَّةِ فِي التَّيَمُّمِ

- ‌543 - بَابُ مَنْ لَمْ يَجَدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا

- ‌544 - بَابُ الجُنُبِ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ

- ‌545 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الجُنُبِ إِذَا كَسِلَ عَنِ الوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌546 - بَابُ الحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَتَيَمَّمَانِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إِذَا عَدِمَتَا المَاءَ

- ‌547 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌548 - بَابٌ فِي طَلَبِ المَاءِ وَحَدِّ الطَّلَبِ

- ‌549 - بَابُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌550 - بَابُ التَّيَمُّمِ خَشْيَةَ فَوَاتِ صَلَاةِ الجَنَازَةِ

- ‌551 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌552 - بَابُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ

- ‌553 - بَابُ التَّيَمُّمِ إِذَا كَانَ المَاءُ لَا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَةِ

- ‌554 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌555 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌556 - مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الرَّجُلِ يَمُوتُ مَعَ النِّسَاءِ، وَالمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْرَمٌ يُغَسِّلُهُ

الفصل: ‌526 - باب التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين إلى المرفقين

‌526 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

3105 -

حَدِيثُ ابنِ أَبْزَى عَنْ عَمَّارٍ

◼ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى، عَنْ عَمَّارٍ بِحَدِيثِ التَّيَمُّمِ، وَفِيهِ:((ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، أَوْ إِلَى الذِّرَاعَيْنِ)).

قَالَ شُعْبَةُ: ((كَانَ سَلَمَةُ يَقُولُ الكَفَّيْنِ وَالوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ. فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذَاتَ يَوْمٍ: انْظُرْ مَا تَقُولُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ)).

[الحكم]:

شاذٌّ بذكرِ ((المِرْفَقَيْنِ أَوِ الذِّرَاعَيْنِ))، أنكرهُ منصورُ بنُ المعتمرِ، وأشارَ الإمامُ أحمدُ لذلك، وأقرَّه ابنُ القيمِ.

وأعلَّهُ: البيهقيُّ، وابنُ حزمٍ، وعبدُ الحقِّ، والخطابيُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ التركماني، وابنُ رجبٍ، والألبانيُّ.

واستنكره: القرافيُّ. وضَعَّفَهُ: ابنُ حَجرٍ. وأقرَّهُ: القسطلانيُّ، والزرقانيُّ، والصنعانيُّ، والشوكانيُّ، والعظيم آبادي، والمباركفوريُّ.

[التخريج]:

[د 325/ هق 1023].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 104

رِوَايَةُ إِلَى المِرْفَقَيْنِ أَوِ الكَفَّيْنِ

◼ وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((

إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ. وَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ -شَكَّ سَلَمَةُ وَقَالَ: لَا أَدْرِي فِيهِ: ((إِلَى المرفقينِ)) -؛ يعني: أو: ((إِلَى الكَفَّيْنِ (الكُوعَيْنِ))) [قَالَ شُعبَةُ: كَانَ يَقُولُ: الكَفَّيْنِ وَالوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَنصُورٌ: مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّهُ لا يَذْكُرُ أَحَدٌ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ. فَشَكَّ سَلَمَةُ، وَقَالَ: لا أَدْرِي ذَكَرَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا].

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[د 324 (واللفظ له) / ن 317، 323 (والزيادة له ولغيرِهِ) / كن 372، 375/ حم 18333/ طي 674 (والرواية له) / هق 1022/ هقع (2/ 20)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 105

رِوَايَةُ لَا أَدْرِي بَلَغَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا

• وَفِي رِوَايَةٍ: ((

إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، -قَالَ سَلَمَةُ: لَا أَدْرِي بَلَغَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا- فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ -لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ عَلَيَّ مِنَ الحَقِّ- أَلَّا أُحَدِّثَ بِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[طح (1/ 112) / طحق 109/ شا 1032 (واللفظ له) / هق 1021].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 106

رِوَايَةُ إِلَى نِصْفِ السَّاعِدَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((يَا عَمَّارُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا. ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ ضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى نِصْفِ السَّاعِدَيْنِ، وَلَمْ يَبْلُغِ المِرْفَقَيْنِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً)).

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[د 323].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 107

رِوَايَةُ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ))، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَمَّارُ، اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ شئت وَاللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا. فَقَالَ عُمَرُ: كَلَّا، وَاللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[د 322 (واللفظ له) / طح (1/ 112) / هق 1024/ تمهيد (19/ 273)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 108

رِوَايَةُ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ الذِّرِاعِ

• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: ((إِنْ كَانَ لَيَكْفِيكَ مِنْ ذَلِكَ الصَّعِيدِ؛ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ نَفَخَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ الذِّرِاعِ،

.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[عب 924/ منذ 511 (مختصرًا)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 109

رِوَايَةُ وَبَعْضَ ذِرَاعَيْهِ

• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: فَأَتَيْنَا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَضَحِكَ فَقَالَ: ((إِنْ كَانَ الصَّعِيدُ [الطَّيِّبُ] لَكَافِيكَ))، وَضَرَبَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَبَعْضَ ذِرَاعَيْهِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ يَا عَمَّارُ. فَقَالَ: يَا أَميرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ لَمْ أَذْكُرْهُ. قَالَ: لَا، وَلَكِنْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[ن 321 (واللفظ له) / كن 371/ حم 18882 (والزيادة له) / عل 1606/ طبر (7/ 93)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 110

رِوَايَة: وَصَفَ عَمَّارٌ التَّيَمُّمَ، وَجَازَ الكَفَّيْنِ شَيْءٌ مِنَ الذِّرَاعَيْنِ يَسِيرٌ

• وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ:

فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ.

قَالَ: فَضَحِكَ، وَقَالَ:((كَانَ يُجْزِيكَ هَكَذَا))، وَبَسَطَ عَمَّارٌ كَفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى مِنَ التُّرَابِ، فَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، وَجَازَ الكَفَّيْنِ شَيْءٌ مِنَ الذِّرَاعَيْنِ يَسِيرٌ.

فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنْ شِئْتَ لَمْ أَتَفَوَّهْ بِهِ أَبَدًا. قَالَ: لَا، بَلْ نُوَلِّيكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[سراج 11/ ثعلب 1156].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 111

رِوَايَةُ مُطَوَّلةٌ، وزَادَ: كَمَا يَتَمَرَّغُ الحِّمَارُ

• وَفِي رِوَايَةٍ: كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، قَالَ: إِنِّي أَكُونُ فِي الفَلَاةِ فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ وَلَيْسَ مَعِي مَاءٌ، أَفَأُصَلِّي؟ قَالَ عُمَرُ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُصَلِّ حَتَّى أُصَيبَ المَاءَ. فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَمَا تَذْكُرُ حِينَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَإِيَّاكَ فِي إِبِلٍ، فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فَتَمَرَّغْتُ كَمَا يَتَمَرَّغُ الحِمَارُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ حَتَّى بَدَا نَاجِذَهُ

(1)

، وَقَالَ:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ هَكَذَا))، وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَفَخَهُمَا وَمَسَحَهُمَا بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ إِلَى نِصْفِهِمَا.

[الحكم]:

مضطربٌ.

[التخريج]:

[طحق 113].

[التحقيق]:

مداره على سلمة بن كهيل، واضطربَ في سندِهِ، ومتنِهِ، على النحوِ التالي:

أما السندُ: فقدِ اضطربَ فيه على أربعةِ أوجهٍ:

الوجه الأول: عن الأعمش عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى، عن عمَّارٍ، به.

رواه أبو داود في (سننه 323) فقال: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا حفص، حدثنا الأعمش به ولفظه:((يَا عَمَّارُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا))، ثم ضربَ بيديه الأرضَ، ثم ضربَ إحداهما على الأُخرَى، ثم مسحَ وجهَه

(1)

كذا في المطبوع.

ص: 112

والذِّراعين إلى نصفِ السَّاعدين، ولم يبلغِ المرفقين، ضربة واحدة.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن فيه انقطاعًا بين سلمة بن كهيل وعبد الرحمن بن أبزي، بينهما سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، هكذا رواه الجماعةُ عن الأعمشِ، وهو

الوجه الثاني: عن الأعمش عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار.

رواه:

- وكيعٌ كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 1690).

- وعبد الله بن نمير كما عند إبراهيم الحربي في (غريب الحديث 3/ 1063)، والشاشي في (مسنده 1028، 1035). والدارقطني في (سننه 700).

- وجرير بن عبد الحميد كما عند البزار في (مسنده 1386)، والسراج في (مسنده 8)، والدارقطني في (السنن 700)، وغيرهم.

- ويعلى بن عبيد عند السراج في (مسنده 9)، والدارقطني في (السنن 700)، وغيرهما.

- وابن أبي غنية كما عند السراج في (حديثه 2380)، و (مسنده 10).

- وأبو يحيى التيمي كما عند ابن خُزيمةَ في (صحيحه 286).

- ومُحاضِر بن مُورِّع كما عند الشاشي في (مسنده 1027).

- وعيسى بن يونس كما عند الطحاوي في (شرح معاني الآثار 1/ 112).

ثمانيتهم: (وكيع، وابن نمير، ويعلى، وجرير، وابن أبي غنية، والتيمي،

ص: 113

ومحاضر، وعيسي) رووه عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه عن عمار به، وليس في حديثهم ذكر "الساعدين".

وقد أشارَ أبو داود لعلةِ الانقطاعِ هذه فقال: "ورواه وكيع، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن بن أبزى، ورواه جرير، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى. يعني عن أبيه"(السنن عقب ح رقم 323).

وقال ابنُ عساكر: "ورواه حفص بن غياث النخعي، ووكيع بن الجراح الرواسي، عن الأعمش سليمان بن مِهران الكاهلي، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار. إلا أن حفصًا لم يُسَمِّ ابن أبزى وأسقط منه ذرًّا أو ابن عبد الرحمن.

ورواه جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن سلمة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه. وأسقط منه ذرًّا" (الأربعون حديثًا في المساواة صـ 51).

وقال ابنُ القطانِ: "فإنها على ما نبين- منقطعةٌ؛ وذلك أن الحديثَ الذي فيه نصف الساعد هو عند أبي داود، من رواية الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى، عن عمار. والانقطاع فيه هو فيما بين سلمة بن كهيل وابن أبزى، فإن سلمة لم يسمعه من عبد الرحمن بن أبزى، إنما سمعه من سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه -في قول جرير- عن الأعمش،

" (بيان الوهم 2/ 431)، وأقرَّه ابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 3/ 135).

قلنا: وقد تابع الأعمش على إثبات سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى- عمار بن

ص: 114

زريق، كما عند السراج في (مسنده 11) فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا يحيى بن آدم، ثنا عمار بن رزيق، ثنا سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: كنت عند عمر بن الخطاب

الحديث، وفيه: "وبسط عمار كفيه فوضعهما على الأرض ثم نفض إحداهما بالأخرى من التراب، فمسح بهما وجهه وكفيه، وجاز الكفَّين شيء من الذراعين يسير، فقال عمر: اتق الله يا عمار. فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت لم أتفوه به أبدًا. قال: لا، بل نوليك من ذلك ما توليت.

وهذه متابعةٌ جيدةٌ للأعمشِ على الوجه الثاني، فإن عمارَ بنَ زريق كان من الأكياس الأثبات كما قال الإمامُ أحمدُ (إكمال تهذيب الكمال 9/ 392).

قلنا: ولكن خالفهما شعبةُ بنُ الحجاجِ، فأدخلَ بين سلمة وسعيد بن عبد الرحمن: ذَرَّ بنَ عبدِ اللهِ الهمدانيَّ، وهو

الوجه الثالث: عن شعبة عن سلمة عن ذَرٍّ عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار به.

ولكن اختلف أصحاب شعبة -عنه- في متنه.

فرواه يحيى بنُ سعيد القطانُ، عن شعبةَ عن سلمةَ به، كما عند مسلم (368/ 112)، وابنِ الجارودِ في (منتقاه 125)، وقَرَنَا روايتَه بروايةِ الحكمِ بنِ عُتيبةَ، فقال شعبة: "حدَّثني الحكمُ، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أَبْزَى، عن أبيه، أن رجلًا أَتَى عمرَ فقال: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً؟ فَقَالَ: لا تُصَلِّ. فقال عمَّارٌ: أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ

ص: 115

وَصَلَّيْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ، وَكَفَّيْكَ))، فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ. قَالَ: إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ.

قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، مثل حديث ذَرٍّ، قال: وحدَّثني سلمة، عن ذَرٍّ، في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم، فقال عمر: نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.

فلم يَسُقْ مسلم -وكذا ابن الجارود- لفظُ سلمةَ عن ذَرٍّ، ولعلَّه للاختلافِ الشديدِ من سلمةَ في لفظهِ، وكذا الاختلاف في سنده.

قال ابنُ رجبٍ: "وقد كان عند شعبة لهذا الحديث إسناد آخر، رواه عن سلمة بن كهيل، عن ذَرٍّ. كما خرَّجه مسلم من رواية القطان، عن شعبة، ولكن البخاري لم يخرجه عن شعبة من هذا الوجه لأمرين:

أحدهما: أن سفيانَ الثوريَّ والأعمشَ روياه عن سلمة بن كهيل؛ فخالفا شعبةَ في إسنادِهِ، على اختلافٍ عليهما فيه.

والثاني: أن سلمة شَكَّ: هل ذكر في الحديث مسح الكفَّين، أو الذِّراعين؟ وكان -أحيانًا- يحدث سلمة به، ويقول:((إلى المرفقين))، فأنكر ذلك عليه منصور بن المعتمر، فقال سلمة: لا أدري، أذكر الذِّراعين، أم لا؟

خَرَّج ذلك أبو داود، والنسائي، وغيرهما.

ولهذا المعنى أشارَ مسلمٌ إلى اتِّحادِ الإسنادِ من رواية الحكم وسلمة، وسَكَتَ عن اللفظِ؛ فإنه مختلف" (فتح الباري 2/ 243).

قلنا: ففي رواية يحيى القطان هذه خلو من الزيادة على الكفَّين، ولكن رواه عن شعبةَ غير يحيى، فزادوا فيه أشياء.

ص: 116

فرواه حجاجُ بنُ محمدٍ الأعورُ عن شعبةَ عن سلمةَ عن ذَرٍّ بسنده، وقال فيه:((ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ)) -أَوِ الذِّرَاعَيْنِ- قال شعبةُ: كان سلمةُ يقولُ: الكَفَّيْنِ وَالوَجْهَ وَالذِّرَاعَيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَنْصُورٌ ذَاتَ يَوْمٍ: انْظُرْ مَا تَقُولَ! فَإِنَّهُ لا يَذْكُرُ الذِّرَاعَيْنِ غَيْرُكَ.

أخرجه أبو داود في (السنن 325) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير 1023) - عن علي بن سهل.

ورواه النسائيُّ في (الصغرى 323)، و (الكبرى 375) عن عبد الله بن محمد بن تميم.

كلاهما (علي، وابن تميم) عن حجاج عن شعبة به.

وقد أبانت هذه الرواية أن سلمةَ كان يزيدُ فيه المِرْفَقَيْنِ، وأحيانًا يقول الذِّرَاعَيْنِ، فأنكر عليه منصور ذلك، فشَكَّ سلمةُ بعدُ في ذكر المِرْفَقَيْنِ أَوِ الذِّرَاعَيْنِ، فكان إذا حدَّثَ شعبةُ بهذا الحديث، قال: شَكَّ سلمةُ.

كما رواه محمد بن جعفر غندر -عنه- عن سلمة، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار بهذه القصة، فقال:((إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ))، وضَرَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيده إلى الأرضِ، ثم نَفَخَ فيها، ومَسَحَ بها وجهه وكفَّيه -شَكَّ سلمةُ وقال: لا أدري فيه إلى المِرْفَقَيْنِ، يعني أوِ إلى الكَفَّيْنِ-.

أخرجه أبو داود في (السنن 324)، والنسائيُّ في (الصغرى 317)، و (الكبرى 372)، وأحمدُ في (مسنده 18333)، وغيرهما.

وكذا -رواه أبو داود الطيالسيُّ-، كما في (مسنده 674)، ومن طريقه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 112)، والبيهقيُّ في (الكبير 1022) -، فكان يقول فيه:((ثُمَّ شَكَّ سَلَمَةُ فَلَمْ يَدْرِ إِلَى الكُوعَيْنِ أَوْ إِلَى المِرْفَقَيْنِ))، وعند

ص: 117

الطحاوي زاد: ((قَالَ سَلَمَةُ: لَا أَدْرِي، بَلَغَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا)).

والزيادةُ المذكورةُ عند الطحاويِّ ذكرها عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده، قال:((قَالَ سَلَمَةُ: لَا أَدْرِي، بَلَغَ الذِّرَاعَيْنِ أَمْ لَا)).

أخرجه البيهقيُّ في (السنن الكبير 1021) من طريق عمرو بن مرزوق به.

قلنا: ومدارُ هذه الرواياتِ على شعبةَ، فأَدَخَلَ بين سلمة وسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ذرًّا، مخالفًا رواية الأعمش وابن رزيق المتقدمة.

قال ابنُ خُزيمةَ -بعد ذكر طريق الأعمش بالسند المتقدم-: "أَدَخَلَ شعبة بين سلمة بن كهيل، وبين سعيد بن عبد الرحمن في هذا الخبر- ذَرًّا"(الصحيح 1/ 252).

وقال ابنُ القطانِ -بعد ذكر الوجه الأول عن الأعمش-: "وهذه الروايةُ هكذا قيل: إنها منقطعةٌ فيما بين سلمة بن كهيل وابن أبزى، فإن سلمةَ لم يسمعْه من عبد الرحمن بن أبزى، إنما سمعه من سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه -في قول الثوري، عن سلمة-، أو: عن ذَرٍّ عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، في قول شعبة، عن سلمة"(بيان الوهم 3/ 135).

قلنا: وخالفَ الجميعَ، سفيانُ الثوريُّ، فرواه عن سلمة عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار به، وهو

الوجه الرابع: عن سفيان عن سلمة عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار.

واختلف فيه -أيضًا- أصحاب سفيان في متنه.

فرواه محمد بنُ كَثيرٍ العبدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل، عن أبي مالك،

ص: 118

عن عبد الرحمن بن أبزى به، وفيه:((وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ)).

أخرجه أبو داود في (السنن 322)، -ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد-، والبيهقيُّ في (الكبير 1024)، وغيرهما.

بينما رواه عبد الرزاق في (المصنف 924)، عن سفيان بسنده، وقال فيه:((ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ، إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ الذَّرِاعِ)).

وقال مؤمل بن إسماعيل في روايته عن سفيان: ((وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَفَخَهُمَا وَمَسَحَهُمَا بِوَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ إِلَى نِصْفِهِمَا)).

أخرجه الطحاويُّ في (أحكام القرآن 113)، و (شرح معاني الآثار 1/ 112 ولم يسق متنه).

ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن عبد الرحمن بن أبزى به وقال في متنه:((ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَبَعْضَ ذِرَاعَيْهِ)).

أخرجه النسائيُّ في (الصغرى 321)، و (الكبرى 371)، وأحمد في (المسند 18882)، وغيرهما من طرق عن عبد الرحمن به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، قال أحمدُ بنُ حنبلٍ:"حسن الحديث"(سؤالات الأثرم 14).

وذكره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 132)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 94)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 9)، وابنُ خلفون في كتاب (الثقات)،

ص: 119

وقال: "ليس به بأس" كما في (إكمال تهذيب الكمال 8/ 30).

ومع ذلك قال ابنُ حَجرٍ في (التقريب 3423): "مقبول"، وذكر له حديثًا في (النتائج 2/ 401) فقال:"هذا حديثٌ حسنٌ".

وعلى كلٍّ فقد توبع عبد الله من أبي مالك، ولكن اختلف في تعيينة:

فذكر البيهقيُّ أنه حبيب بن صهبان الكاهلي، في (السنن الكبير 2/ 145).

وقال العينيُّ: "وأبو مالك اسمه: حبيب بن صهبان، روى عن عمار بن ياسر. روى عنه: حصين، والأعمش، وغيرهما. وهو المراد هاهنا لأن ثمةَ أبا مالك آخر اسمه غزوان الغِفَاري الكوفي. روى عن: عمار بن ياسر، وابن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الرحمن بن أبزى. روى عنه: السُّدي، وسلمة بن كهيل، وحصن بن عبد الرحمن. قال ابن معين: كوفي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي"(شرح أبي داود للعيني 2/ 127).

ولكن خالفهما أبو زرعة؛ فقد قال ابنُ أبي حاتم: قلتُ لأبي زرعة: ما اسم أبي مالك؟ قال: "لا يسمَّى، وهو الغِفَاري"(العلل 1/ 394).

وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "أبو مالك اسمه غزوان، وهو كوفي ثقة. قاله يحيى بن معين، ذكره عنه ابن أبي حاتم"(الأحكام الكبرى 1/ 542).

ولذا تعقب البيهقيَّ، ابنُ رجبٍ فقال:"وفيما قاله نظر؛ فإن حبيبَ بنَ صهبانَ هو: أبو مالك الكاهلي الأسدي، وأما الغفاري فاسمه غزوان، قاله ابن معين. وقد فرَّق بينهما ابنُ أبي حاتم، ووقع في بعض نسخ البخاري، غير أن البخاريَّ متوقف غير جازم لأن حبيبَ بنَ صهبانَ يكنى أبا حاتم، ولأن أبا مالك الغفاري اسمه غزوان"(فتح الباري 2/ 249).

وقال الألبانيُّ: "كذا قال البيهقيُّ: (أبي مالك حبيب بن صهبان)! وهو من

ص: 120

طبقة أبي مالك غزوان الغفاري، كلاهما من التابعين، وهما -وإن كانا اشتركا في الرواية عن عمار بن ياسر- فإني أرى أن الراوي لهذا الحديث إنما هو غزوان الغفاري كما ذكرت آنفًا؛ وذلك لأمور:

أولًا: أنهم ذكروا في ترجمته في الرواة عنه: سلمة بن كهيل وحصين بن عبد الرحمن، وهما من رواة هذا الحديث عنه؛ بخلاف حبيب بن صهبان، فلم يذكروا ذلك في ترجمته.

ثانيًا: أنهم ذكروا أنه من رجال (السنن الثلاثة). وأما حبيب فمن رجال البخاري في (الأدب المفرد) وحده" (صحيح أبي داود 2/ 134 - 135).

قلنا: كلا الراويين قد وُثق في (التقريب).

ولذا صَحَّحَ ابنُ القطانِ روايةَ الثوريِّ هذه فقال: "ذكره أبو داود وهو صحيحٌ متصلٌ"(بيان الوهم 2/ 431).

أما الاضطرابُ في المتنِ: فقد تقدَّم في عرضِ الأسانيدِ الاختلافُ في ذلك.

قلنا: وهذه الأوجه الأربعة كما تقدم متساوية في القوة، فإن الأعمشَ وشعبةَ، والثوريَّ، وعمَّارَ بنَ زريق- جميعهم ثقات أثبات متفق على جلالتهم، فلا مسوغ لتقديم رواية أحدهم على الآخر؛ ولذا قال البيهقيُّ:"ورواه سلمة بن كهيل، عن ذَرٍّ بن عبد الله المرهبي، إلا أنه شك في متنه واضطرب فيه".

وقال ابنُ التركماني: "اضطرب إسناده"(الجوهر النقي 1/ 213).

وقال ابنُ رجبٍ: "وقد رواه عن سلمة بن كهيل: شعبة، وسفيان، والأعمش، واختُلف عنهم في إسناده"(فتح الباري 2/ 250).

ص: 121

وقد حاولَ بعض أهل العلم الترجيح بين ما تقدم:

فذهبَ أبو زرعة الرازيُّ إلى تقديم رواية شعبة، قال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أبا زرعة عن حديث رواه شعبة والأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: أن رجلًا أَتَى عمر فقال: إني أجنبت ولم أجد الماء؟

فذكر عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم.

ورواه الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزى، قال: كنت عند عمر؛ إذ جاءه رجل

قال أبو زرعة: حديث شعبة أشبه" (العلل لابن أبي حاتم 2).

قلنا: روايةُ الأعمشِ المذكورة تخالف رواية شعبة في سندها ومتنها كما تقدَّم، فليس رواية أحدهما بأولى أن تُقَدَّم على الأخرى.

ولذا خالف أبو حاتم أبا زرعة في الترجيح، فقَدَّم رواية الثوري على شعبة، قال ابنُ أبي حاتم: "وسألتُ أبي عن اختلاف حديث عمار بن ياسر في التيمم وما الصحيح منها، فقال: رواه الثوري، عن سلمة، عن أبي مالك الغِفَاري، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في التيمم.

ورواه شعبة، عن الحكم، عن ذَرٍّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه شعبة، عن سلمة، عن ذَرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: الثوري أحفظ من شعبة" (العلل 34).

قلنا: الذي يترجح لدينا هو ما ذهب إليه البيهقيُّ وابن التركماني؛ من

ص: 122

اضطراب سلمة فيه، يُرجح ذلك مخالفة الحكم بن عتيبة وعَزْرة بن عبد الرحمن له في متنه، فروياه عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه به، واقتصرا فيه على الوجهِ والكفَّين؛ مما يرجح كون سلمة لم يُتقنْ لفظه؛ ولذا أَنْكره عليه منصورٌ، كما تقدَّم.

وقال البيهقيُّ: "هذا الاختلاف في متن حديث ابن أبزى عن عمار- إنما وقع أكثره من سلمة بن كهيل؛ لشك وقع له، والحكم بن عتيبة فقيهٌ حافظٌ قد رواه عن ذَرٍّ بن عبد الله، عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن، فسَاقَ الحديثَ على الإثبات من غير شَكٍّ، فيه وحديث قتادة عن عزرةَ يوافقه"(السنن الكبير 2/ 147).

وقال في (معرفة السنن 2/ 21): "والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة؛ فهو فقيهٌ حافظٌ، لم يشك في الحديث، وساقه أحسن سياقه، كما رواه شقيق بن سلمة، عن أبي موسى، عن عمار".

قلنا: ورواية شقيق عن أبي موسى عن عمار تقدَّمتْ، وقد أخرجها الشيخان.

ولم يخرجِ الشيخان البخاري ومسلم في (صحيحيهما) شيئًا من هذا الاختلاف، وإنما اعتمدا على رواية شقيق المتقدمة ورواية الحكم بن عتيبة، ولعلَّه لِمَ تقدَّم في رواية سلمة بن كهيل، وعدم إخراجهما له دليلٌ على عدم حجيتها عندهما.

قال ابنُ رجبٍ: "وقد كان عند شعبة لهذا الحديث إسناد آخر، رواه عن سلمة بن كهيل، عن ذَرٍّ. كما خرَّجه مسلم من رواية القطان، عن شعبة، ولكن البخاري لم يخرجه عن شعبة من هذا الوجه لأمرين:

ص: 123

أحدهما: أن سفيانَ الثوريَّ والأعمشَ روياه عن سلمة بن كهيل؛ فخالفا شعبةَ في إسنادِهِ، على اختلافٍ عليهما فيه.

والثاني: أن سلمةَ شَكَّ: هل ذكر في الحديث مسح الكفَّين أو الذِّراعينِ؟ وكان -أحيانًا- يُحَدِّثُ سلمة به، ويقول:((إلى المرفقين))، فأنكر ذلك عليه منصور بن المعتمر، فقال سلمة: لا أدري، أذكر الذِّراعين، أم لا؟

خَرَّج ذلك أبو داود، والنسائيُّ، وغيرُهما" (فتح الباري 2/ 243).

وقال -أيضًا-: "وقد رواه عن سلمة بن كهيل: شعبة، وسفيان، والأعمش، واختُلف عنهم في إسناده"(فتح الباري 2/ 250).

وقال الألبانيُّ: "واضطرب فيه سلمة بن كهيل. فكان تارة يقول: ويديه إلى نصفِ الذِّراع. وتارة يزيد: ولم يبلغِ المرفقين. وتارة: الكفَّين والذِّراعين، وأخرى لا يذكر إلا الكفَّين، وهو الصواب"(ضعيف أبي داود 1/ 135).

وقال-أيضًا-: "فشَك سلمة فقال: لا أدري؛ ذكر الذِّراعين أم لا! قلتُ: وهذا هو السببُ في اضطرابِ سلمةَ في هذه الزيادةِ؛ حيثُ كان مرة يثبتها، ومرة ينفيها، كما سبقَ بيانُه (رقم 345)، وتارة يشك، كما في هذه الرواية وغيرها"(صحيح أبي داود 2/ 139)

وفي موضعٍ آخرَ قال: "قوله في الحديث: إلى نصفِ الذِّراع

شاذ؛ تفرَّد به: سلمة بن كهيل، وكان يَشُكُّ في هذه الزيادةِ، فمرة يثبتها كما في هذه الرواية والرواية الآتية، ومرة يَشُكُّ فيها كما في الرواية الآتية (رقم 347) من طريقٍ أُخرى، وبإسنادٍ آخرَ له عن عبد الرحمن بن أبزى، ومرة ينفيها فلا يذكرها، كما سنذكره (رقم 348).

وقد تابعه على ذلك: الحكم بن عتيبة وغيره، كما يأتي، فانظر (رقم

ص: 124

351).

فهذا هو الصحيحُ في هذا الحديثِ: الاقتصارُ على ذِكر الكفَّين فقط، وهو الذي ثبتَ من طريق شقيق المتقدمة (رقم 344)، وهو الذي رجَّحَه البيهقيُّ (صحيح أبي داود 2/ 134).

قلنا: وممن تكلَّم فيما زاد على الوجهِ والكفَّين منَ الكيفيةِ غير مَن تقدَّم:

الإمامُ أحمدُ، فقال ابنُ القيم:"كان صلى الله عليه وسلم يَتَيَمَّمُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ، ولم يصحَّ عنه أنه تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ ولا إِلَى المِرْفَقَيْنِ، قَالَ الإمامُ أحمدُ: مَن قَالَ: (إِنَّ التَّيَمُّمَ إِلَى المِرْفَقَيْنِ) فإنما هو شيءٌ زاده مَن عندِهِ"(إغاثة اللهفان 1/ 193).

وقال حربٌ الكرمانيُّ: "سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول -في التيمم-: ((ضربة واحدة للوجه والكفين، يبدأ بوجهه، ثم يمسح كفيه إحداهما بالأخرى)). قيل له: صَحَّ حديث عمار، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ قال: نعم، قد صَحَّ"(مسائل حرب كتاب الطهارة والصلاة صـ 187).

وقال ابنُ حزم -بعد ذكر الأحاديث الواردة في المرفقين وغيرها-: "أما الأخبارُ فكلُّها ساقطةٌ، لا يجوزُ الاحتجاجُ بشيءٍ منها

، والأخبارُ الثابتةُ كلُّها عن عمَّارٍ بخلافِ هذا" (2/ 148).

وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "والصحيحُ المشهورُ في صفة التيمم من تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنما هو للوجهِ والكفَّينِ، وهذه الأحاديثُ التي لا تزيدُ على ما في المشهورِ ذَكَرَها أبو داود، والنسائيُّ، وغيرهما"(الأحكام الوسطى 1/ 221).

يقصدُ بذلك رواية سلمة بن كهيل عند أبي داود والنسائي.

ص: 125

قال ابنُ القطانِ موضحًا مراده: " ففيه القضاء لأحاديثِ الوجهِ والكفَّينِ بالصحةِ والشهرةِ -وصَدَقَ- ولأحاديث نصف الساعد أو المرفقين بنقيض ذلك

" (بيان الوهم 2/ 430).

وقال الخطابيُّ: "ذَكَر أبو داود في هذا الباب حديث ابن أبزى من طريق قتادة، وهو أصح الأحاديث وأوضحها"(معالم السنن 1/ 100).

يقصدُ بذلك حديثَ قتادةَ عن عَزْرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه به، وهذا منه إشارة لضعف رواية سلمة بن كهيل.

وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "وهذه الروايةُ ذكر فيها الشك من سلمة، وقد تقدَّمت من غير شَكٍّ من جهة الحكم عن ذَرٍّ أنه "الكفَّينِ" (الإمام 3/ 143).

وقال ابنُ قدامةَ: " أما حديثُه إلى المرفقينِ، فلا يعول عليه، إنما رواه سلمة، وشَكَّ فيه، فقال له منصورٌ: ما تقولُ فيه، فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك؟ فشَكَّ، وقال: لا أدري، أذكر الذِّراعين، أم لا؟ قال ذلك النسائي.

فلا يثبتُ مع الشَّكِّ، وقد أنكر عليه، وخالف به سائر الرواة الثقات، فكيف يلتفت إلى مثل هذا، وهو لو انفردَ لم يعول عليه، ولم يحتج به؟ ! " (المغني 1/ 323).

وقال القرافيُّ: "وروايةُ المرفقين منكرةٌ عند أهل الحديث"(الذخيرة 1/ 354).

وقال ابنُ حَجرٍ: "الأحاديثُ الواردةُ في صفةِ التيممِ لم يصحَّ منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيفٌ أو مختلفٌ في رفعه ووقفه، والراجحُ عدم رفعه.

فأما حديث أبي جُهَيْم فورد بذكر اليدين مجملًا. وأما حديث عمار فورد

ص: 126

بذكر الكفَّين في (الصحيحين) وبذكر المرفقين في (السنن)، وفي روايةٍ: إلى نصفِ الذِّراعِ، وفي روايةٍ: إلى الآباطِ. فأما روايةُ المرفقينِ وكذا نصف الذِّراعِ ففيهما مقالٌ، وأما روايةُ الآباطِ فقال الشافعيُّ وغيره: إن كان ذلك وقعَ بأمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكلُّ تيممٍ صَحَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخٌ له، وإن كان وقعَ بغيرِ أمره فالحجةُ فيما أمر به، ومما يقوي رواية (الصحيحين) في الاقتصارِ على الوجهِ والكفَّينِ كون عمار كان يُفْتي -بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلكَ، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد" (فتح الباري 1/ 444 - 445).

وأقرَّه القسطلانيُّ في (إرشاد الساري 1/ 372 - 373)، والزرقانيُّ في (شرح موطأ مالك 1/ 122)، والصنعانيُّ في (التنوير شرح الجامع الصغير 5/ 131)، و (سبل السلام 1/ 142)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار/ 1/ 330)، والعظيم آبادي في (عون المعبود 1/ 520)، والمباركفوريُّ في (تحفة الأحوذي 1/ 375).

[تنبيه]:

حديثُ عمَّارٍ في التيممِ رواه عنه جماعةٌ:

الأول: أبو موسى الأشعري في قصة احتجاجه على ابن مسعود في تيمم الجنب إذا لم يجد الماء، وقد تقدَّمتْ هذه الرواية.

وقد رواه عن أبي موسى شقيق بن سلمة، ورواه عن شقيقٍ الأعمشُ وانفردَ به، ثم رواه عنه جماعةٌ، ولم يختلفوا فيما بينهم في أصلِ التيممِ، وانما اختلفوا في الكيفية هل هي ثابتةٌ في حديث شقيق أم لا؟ وقد تقدَّم بيانُ ذلك، وبينا اتفاق رواية أبي معاوية وعبد الواحد ويعلى بن عبيد، والوليد بن

ص: 127

القاسم- على ذِكْرها. بينما رواه شعبةُ، وحفصُ بنُ غِياثٍ، وعيسى بن يونس عن الأعمش فلم يذكروا الكيفية؛ ولذا أنكر يحيى القطان ذكر الكيفية من حديث الأعمش عن أبي وائل، فقال حفص بن غياث:" كان الأعمشُ يحدثناه عن سلمة بن كهيل وذكر أبا وائل"، وقد فصَّلنا القولَ في ذلك.

الثاني: ناجية العَنَزي: رواه عنه أبو إسحاق السَّبيعيُّ، وتابعه ابنه يونس، ولم يذكر ناجية فيه شيئًا من الكيفية، وإنما اقتصر على أصل التيمم إلا في رواية منكرة، وحديث ناجية عن عمار منقطع كما قدمنا.

الثالث: عبد الرحمن بن أبزى، ورواه عنه ثلاثة:

الأول: سعيد ابنه، وقد اختلف عليه في متنه، فرواه الحكم بن عتيبة عن ذَرٍّ عنه ثم سمعه الحكم منه مباشرة عن أبيه، واقتصر فيه على ذكر الوجه والكفَّين، لم يزد على ذلك.

وكذا رواه عَزْرة بن عبد الرحمن عن سعيد بنحو رواية ذر والحَكَم المتقدمة، ليس فيه سوى الوجه والكفَّين، وكذا الضربة الواحدة.

بينما خالفهم سلمة بن كهيل، وزاد فيه "المرفقين أو الذراعين"، وأحيانًا كان يشك فيه فيقول:"لا أدري ذكر الذراعين أم لا"، وقد تقدم.

الثاني: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، رواه عنه سلمة بن كهيل، وزاد فيه:"وبعض الذراعين"

الثالث: أبو مالك الغِفَاري، رواه عنه سلمة بن كهيل بنحو رواية عبد الله بن عبد الرحمن المتقدمة، وكان أحيانًا يقول:"إلى نصف الذراع".

ولكن خالف سلمة حصين بن عبد الرحمن فرواه عن أبي مالك سمع عمارًا به موقوفًا، مقتصرًا على الوجه والكفين.

ص: 128

وقد تكلَّم الدارقطنيُّ في ذِكرِ سماعِ أبي مالك من عمار، وأشار إلى ذلك أبو حاتم، وفَصَّلنا ذلك قريبًا.

وقد تقدَّمتْ هذه الروايات جميعها.

قلنا: ولعمارٍ حديثٌ آخرُ في التيممِ، وزاد في الصفة:"المناكب والآباط".

رواه الزهريُّ، واضطربَ فيه:

فمرة قال: "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عمار".

ومرة قال: "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار".

ومرة قال: "عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عمار".

فاضطربَ فيه الزهريُّ، وأنكره عليه جماعةٌ، وسيأتي بيانُ ذلك قريبًا.

قلنا: فنظرًا لهذا الاختلاف في كيفية الصفة من حديثِ عمَّارٍ، تكلَّم بعضُ أهلِ العلمِ فيه لذلك.

قال الترمذيُّ: "وقد رُوِيَ عن عمَّارٍ أنه قال: تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ وَالآبَاطِ". فضَعَّفَ بعضُ أهلِ العلمِ حديثَ عمارٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ لما روى عنه حديث المناكب والآباط" (الجامع 1/ 268).

والمشارُ إليه في كلام الترمذي ممن ضَعَّفَ الحديثَ هو الإمامُ الشافعيُّ رحمه الله، وكلامه، كما نقله عنه البيهقيُّ، فقال: "وروى الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، عن الشافعي- حديث ابن عمر في التيمم: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، ثم قال: قال أبو عبد الله -يعني الشافعيَّ-: وبهذا رأيتُ أصحابنا يأخذون، وقد رُوي فيه شيءٌ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولو

ص: 129

أعلمه ثابتًا لم أَعْدُهُ ولم أشك فيه، وقد قال عمَّار: تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ. ورُوي عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، الوجه والكفَّين، وكأنَّ قولَهُ:(تَيَمَّمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَنَاكِبِ) لم يكن عن أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإن ثبتَ عن عمَّارٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم الوجهَ والكفَّانِ، ولم يثبتْ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المرفقين، فما ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى وبهذا كان يفتي سعيد بن سالم، فكأنه في القديم شَكَّ في ثبوت الحديثين لما ذكرنا في كلِّ واحدٍ منهما، ومَسْح الوجه والكفَّين في حديثِ عمارٍ ثابتٌ، وهو أثبتُ من حديثِ مسحِ الذِّراعينِ، إلا أن حديثَ مسحِ الذِّراعينِ -أيضًا- جيدٌ بالشواهدِ التي ذَكرنَاها، وهو في قصةٍ أُخرى، فإن كان حديثُ عمارٍ في ابتداءِ التيممِ حيث نزلتِ الآيةُ ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أنه يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا، فحديثُ مسحِ الذِّراعينِ بعده فهو أولى بأن يُتبع، وهو أشبه بالكتاب والقياس، وهو فعلُ ابنِ عمرَ صحيحٌ عنه، وقد رُوي عن عليٍّ، وابنِ عباسٍ مسحُ الوجهِ والكفَّينِ، ورُوي عن عليٍّ بخلافه" (السنن الكبرى للبيهقي 2/ 148)، وانظر (اختلاف الحديث للشافعي صـ 75)، و (السنن الصغير للبيهقي 1/ 318).

وقال الطحاويُّ -بعد ذكر اختلاف حديث عمار-: " فقدِ اضطربَ علينا حديثُ عمَّارٍ هذا"(شرح معاني الآثار 1/ 113).

وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "وكلُّ ما يُروى في هذا الباب عن عمَّارٍ فمضطربٌ مختَلفٌ فيه"(التمهيد 19/ 287).

وقال في (الاستذكار 3/ 165): "أحاديثُ عمَّارٍ في التيممِ كثيرةُ الاضطرابِ، وإن كان رواتها ثقات".

وقال ابنُ العربي: "إسنادُهُ من العجبِ في العلم، والغريب في الحديث

ص: 130

اتفاق أئمة الصحيح على حديث عمار مع ما فيه من الاضطراب والاختلاف والزيادة والنقصان" (عارضة الأحوذي 1/ 239).

وقال الكاسانيُّ: "وأما حديثُ عمَّارٍ ففيه تعارض؛ لأنه رُوي في روايةٍ أُخرَى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يَكْفِيكَ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِليَدَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ))، والمتعارض لا يصلح حجة"(بدائع الصنائع 1/ 46).

وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: "قال الطحاويُّ وغيرُهُ. إن حديثَ عمَّارٍ لا يصلحُ حجة في كون التيمم إلى الكفَّينِ أو الكوعين أو المرفقين أو المنكبين أو الإبطين، كما ذهبتْ إلى كلِّ واحدٍ طائفةٌ من أهلِ العلمِ؛ وذلك لاضطرابه كما قد رأيتَ؛ فلذلك قال الترمذيُّ: وقد ضَعَّفَ بعضُ أهلِ العلمِ حديثَ عمَّارٍ في التيممِ للوجهِ والكفَّينِ لما رُوِي عنه حديثُ المناكبِ والآباطِ"(عمدة القاري 4/ 23).

وقال القسطلانيُّ: "إن حديثَ عمَّارٍ هذا لا يصلحُ الاحتجاجُ به لاضطرابه حيثُ روى "والكفَّين"، وفي رواية أخرى "والكوعين"، وفي أخرى لأبي داود "ويديه إلى نصفِ الذِّراعِ"، وفي أخرى له "والذِّراعين إلى نصفِ الساعدِ ولم يبلغِ المرفقين"، وفي أخرى له "إلى المرفقين"، وفي أُخْرَى له أيضًا والنسائيّ "وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط" (شرح صحيح البخاري 1/ 372)، وأقرَّه الفتني في (مجمع بحار الأنوار 4/ 574).

قلنا: يجاب عما تقدَّم بأن حديثَ الزهريِّ -في ذكر المناكبِ والآباطِ- ليس هو حديث الوجه والكفَّين، وإنما هما قصتان متغايرتان، قال البيهقيُّ: "إلا أن سياقَ روايتي حديث عمار يدل على قصتين، ويحتمل أن تكون القصة الأخيرة بعد قصة السلام في حديث ابن الصِّمة وابن عمر، ويحتمل

ص: 131

أن تكون قبلها، فلا وجه فيها إلا الترجيح" (معرفة السنن والآثار 2/ 22).

كما أن حديثَ الزهريَّ هذا أنكره عليه غير واحد، واضطربَ فيه كما سيأتي تحرير ذلك قريبًا.

وكذا حديث سلمة بن كهيل قد اضطرب فيه، والصحيح في حديث ابن أبزى ما رواه الحكم بن عتيبة وعزرة؛ ولذا اقتصر الشيخان على إخراج حديث الحكم.

قال البيهقيُّ: "هذا الاختلافُ في متن حديث ابن أبزى عن عمَّارٍ- إنما وقعَ أكثره من سلمة بن كهيل لشكٍّ وقعَ له، والحَكَمُ بنُ عُتيبةَ فقيهٌ حافظٌ قد رواه عن ذَرِّ بنِ عبدِ اللهِ عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن، فسَاقَ الحديثَ على الإثباتِ من غير شَكٍّ فيه، وحديث قتادة عن عزرة يوافقه"(السنن الكبير 2/ 147).

وقال -أيضًا-: "والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة، فهو فقيهٌ حافظٌ، لم يشك في الحديث، وساقه أحسن سياقة كما رواه شقيق بن سلمة، عن أبي موسى، عن عمار"(معرفة السنن والآثار 2/ 21).

ولما سُئِلَ الإمامُ أحمدُ عن كيفية التيمم قال: "ضربةٌ واحدةٌ للوجهِ والكفَّينِ، يبدأُ بوجههِ، ثم يمسحُ كفَّيه إحداهما بالأُخرى. قيلَ لَهُ: صَحَّ حديث عمَّارٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك؟ قال: نعم، قد صَحَّ"(مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني (الطهارة والصلاة)(صـ 187). كأنه لم يلتفتْ إلى خلافِ ذلك.

وقال إسحاقُ بنُ راهوية: "الصحيحُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم المعروفُ المشهورُ؛ الذي يرويه الثقةُ عن الثقةِ بالأخبارِ الصحيحةِ- أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمَ عمارَ بنَ ياسرٍ التيمم للوجهِ والكفَّينِ"(مسائل حرب الكرماني- كتاب الطهارة 313).

ص: 132

وقال ابنُ عبدِ البرِّ -مائلًا لمذهب أحمد-: "وقد رُوي عن الأوزاعيِّ -وهو أشهر عنه- أن التيممَ ضربةُ واحدةٌ، يمسحُ بها وجهه ويديه إلى الكوعين. وهو قول عطاء، والشعبي في رواية.

وبه قال أحمدُ بنُ حنبلٍ وإسحاقُ بنُ راهويه، وداودُ بنُ عليٍّ، والطبريُّ.

وهذا أثبتُ ما يُروى في حديثِ عمَّارٍ.

ورواه أبو وائل شقيق بن سلمة، عن أبي موسى، عن عمار، فقال فيه: ضربة واحدة لوجهه وكفَّيه، ولم يختلفْ في حديثِ أبي وائلٍ هذا.

ورواه سفيانُ الثوريُّ، وأبو معاويةَ، وجماعةٌ، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، ولم يختلفوا فيه، وسائر أسانيد حديث عمار مختلفٌ فيها" (الاستذكار 3/ 163).

وهذا ترجيح منه لرواية أبي موسى، والراجحُ في حديثِ ابنِ أَبزى خِلافًا لما رواه سلمةُ.

وقال الخطابيُّ: "ذَهَبَ جماعةٌ من أهلِ العلمِ إلى أن التيممَ ضربةٌ واحدةٌ للوجهِ والكفَّينِ، وهو قولُ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ ومكحولٍ، وبه قال الأوزاعيُّ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحاقُ، وعامةُ أصحابِ الحديثِ، وذكر أبو داود في هذا الباب حديث ابن أبزى من طريق قتادة وهو أصح الأحاديث وأوضحها"(معالم السنن 1/ 100).

يقصدُ بذلك حديث قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه به، وهذا منه إشارة لضعف رواية سلمة بن كهيل.

وقال -أيضًا-: "وهذا المذهبُ أصحُّ في الروايةِ"(معالم السنن 1/ 101).

ص: 133

وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "والصحيحُ المشهورُ في صفة التيمم من تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إنما هو للوجهِ والكفَّينِ، وهذه الأحاديثُ التي لا تزيدُ على ما في المشهورِ، ذكرها أبو داود، والنسائي، وغيرهما"(الأحكام الوسطى 1/ 221).

يقصدُ بذلك رواية سلمة بن كهيل عند أبي داود، والنسائي.

قال ابنُ القطانِ موضحا مراده: "ففيه القضاء لأحاديث الوجه والكفين بالصحة والشهرة -وصَدَقَ- ولأحاديث نصف الساعد أو المرفقين بنقيض ذلك

" (بيان الوهم 2/ 430).

وقال ابنُ قدامةَ في (المغني 1/ 323): "قلنا: أما حديثه إلى المرفقين، فلا يعول عليه، إنما رواه سلمة وشك فيه، فقال له منصور: ما تقول فيه فإنه لا يذكر الذراعين أحد غيرك؟ فشك، وقال: لا أدري، أذكر الذراعين أم لا؟ قال ذلك النسائيُّ.

فلا يثبتُ مع الشَّكِّ، وقد أُنكرَ عليه، وخالفَ به سائر الرواة الثقات، فكيف يَلتفت إلى مثل هذا؟ وهو لوِ انفردَ لم يُعَوَّل عليه، ولم يحتج به؟ ! ".

وقال ابنُ حَجرٍ: "الأحاديثُ الواردةُ في صفةِ التيممِ لم يصحَّ منها سوى حديث أبي جُهَيْم وعمار، وما عداهما فضعيفٌ أو مختلفٌ في رفعه ووقفه، والراجحُ عدم رفعه، فأما حديثُ أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملًا، وأما حديثُ عمَّارٍ فوردَ بذكرِ الكفَّين في (الصحيحين) وبذكر المرفقين في (السنن)، وفي رواية: إلى نصف الذراع، وفي رواية: إلى الآباط، أما رواية المرفقين، وكذا نصف الذراع ففيهما مقالٌ، وأما روايةُ الآباطِ فقال الشافعيُّ وغيرُهُ: إن كان ذلك وقعَ بأمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكلُّ تيممٍ صَحَّ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم

ص: 134

بعده فهو ناسخٌ له، وإن كان وقعَ بغيرِ أمرهِ فالحجةُ فيما أَمَر به، ومما يُقوي رواية (الصحيحين) في الاقتصار على الوجهِ والكفَّينِ كون عمَّار كان يفتي بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد" (فتح الباري 1/ 444 - 445).

قال اللكنويُّ: "إن الاضطرابَ في هذا المقام غير مضر؛ لكون روايات المرفقين والمنكبين مرجوحة ضعيفة بالنسبة إلى غيرها، فسقط الاعتبار بها، وروايات الآباط قصتها مقدمة على قصة روايات الكفين فلا تعارضها، فبقيت روايات الكفين سالمة عن القدح والمعارِضَة. وبالجملة الاضطراب في الرواية كما حُقق في موضعه إنما يضر بالاحتجاج إذا لم يوجد فيه ترجيح، وأما إذا وجد مرجح يرجح البعض، يوخذ به ويهجر ما عداه"(السعاية صـ 512 ط. لاهور).

ص: 135

رِوَايَةٌ مُخْتَصَرةٌ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِلَى المِرْفَقَيْنِ)).

[الحكم]:

منكر بذكر ((المِرْفَقَيْنِ))، والصواب فيه بلفظ:((الكَفَّيْنِ)) كما في (الصحيحين).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ وضَعَّفَهُ: البيهقيُّ، وابنُ حزمٍ، وابنُ الجوزي، وابنُ القطانِ، والمنذريُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ رجبٍ، وابنُ كَثيرٍ، والعينيُّ، والألبانيُّ.

[التخريج]:

[د 328/ بز 1391/ قط (1/ 335) / هق 1026، 1027/ هقع (2/ 21/ 1587، 1588) / استذ (3/ 164 - 165) / تمهيد (19/ 286)].

[السند]:

رواه أبو داود -ومن طريقه البيهقيُّ-: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبان، قال: سُئِلَ قتادةُ عن التيممِ في السفرِ، فقال: حدَّثني محدثٌ، عن الشعبيِّ، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار به.

ومداره عندهم على موسى بن إسماعيل به.

[التحقيق]:

هذا إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لإبهام شيخ قتادة، قال ابنُ رجبٍ: "وقد رُوي عن قتادةَ، قال: حدَّثني محدثٌ عن الشعبيِّ، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إلى المرفقين))، خَرَّجه أبو داود، وهذا الإسنادُ مجهولٌ لا يَثبتُ، والصحيح: عن قتادة، عن عَزْرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمار:((أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بالتيممِ للوجهِ والكفَّينِ)

ص: 136

خرَّجه الترمذيُّ، وصَحَّحَهُ" (فتح الباري لابن رجب 2/ 250 - 251).

وقال البيهقيُّ: "وأما حديثُ قتادةَ عن محدثٍ عن الشعبيِّ فهو منقطعٌ، لا يُعلمُ مَن الذي حدَّثَه فينظر فيه".

وقال ابنُ حزمٍ: "لم يُسَمِّ قتادةُ مَن حَدَّثه، والأخبارُ الثابتةُ كلُّها عن عمَّارٍ بخلافِ هذا، فسقطَ هذا الخبرُ"(المحلى 2/ 149).

وقال ابنُ الجوزي: "إن قيل: فقد روى أبو داود من حديث عمار أنه قال: إلى المرفقين. قلنا: تلك الطريق يقول فيها قتادة: حدثني محدثٌ عن الشعبي عن ابن أبزى عن أبيه عن عمار. ومثل هذا لا يُقَدَّم على روايتنا الصحيحة"(التحقيق 1/ 234).

وقال ابنُ القطانِ: "وهذه الروايةُ إنما هي عند أبي داود منقطعةُ الإسنادِ"(بيان الوهم والإيهام 2/ 545).

وقال المنذريُّ: "في إسنادِ هذه الروايةِ رجلٌ مجهولٌ"(مختصر سنن أبي داود 1/ 204)

وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "وهذا كالمنقطعِ لجهالةِ المحدثِ عن الشعبيِّ، وقد تقدَّمَ في الصحيح رواية عبد الرحمن بن أبزى، عن عمار: "إلى الكفين" (الإمام 3/ 142).

وقال ابنُ كَثيرٍ: "فيه رجلٌ مبهمٌ"(إرشاد الفقيه 1/ 72).

وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: "وفي هذه الرواية رجلٌ مجهولٌ"(شرح أبي داود للعيني 2/ 132).

وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير

ص: 137

محدث قتادة؛ فإنه لم يُسَمَّ؛ فهو مجهول. وقد رواه قتادة وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن أبزى؛ بلفظ: الكفين" (ضعيف أبي داود 1/ 135).

وقال أيضًا: "واعلم أنه قد رُوي هذا الحديث عن عمار بلفظ: ((ضَرْبَتَيْنِ)) كما وقع في بعض طرقه: ((إِلَى المِرْفَقَيْنِ))، وكلُّ ذلك معلولٌ لا يصحُّ"(الإرواء 1/ 185، 186).

ص: 138

3106 -

حَدِيثُ ابنِ أَبْزَى مُرْسَلًا

◼ عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبْزَى قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ فِي غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، فَاحْتَلَمَ عَمَّارٌ، فَجَعَلَ يَتَمَرَّغُ فِي التُّرَابِ، فَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِعَمَّارٍ:((تَمَرَّغْتَ كَتَمَرُّغِ الحِمَارِ؟ ! إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ -وَأَهْوَى بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ- أنْ تَضَعَهُمَا هَكَذَا -قال سلمةُ-: أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الصَّعِيدَ، ثُمَّ تَمْسَحَ وَجْهَكَ وَذِرَاعَيْكَ، وَتُصِلِّيَ)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا اللفظِ.

[التخريج]:

[طس 1504].

[السند]:

رواه الطبرانيُّ عن أحمد بن محمد بن صدقة، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني جدي محمد بن سليمان، عن أبيه سليمان بن أبي داود، قال: حدثني الحكم بن عتيبة، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى به.

قال الطبرانيُّ: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن الحكم إلا سليمان، تفرَّدَ به: محمد بن سليمان".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه سليمان بن أبي داود، وهو الحراني؛ ضَعَّفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة:"لَيِّن الحديث"، وقال البخاريُّ:"منكر الحديث"،

ص: 139

وقال أحمد: "ليس بشيء"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"لا يحتج به"، وقال أبو أحمد الحاكم:"في حديثه بعض المناكير"، وذكره الساجي في الضعفاء، وقال الأزدي:"منكر الحديث"(لسان الميزان 3608). وقال النسائيُّ: "ليس بثقةٍ ولا مأمونٍ"(تهذيب التهذيب 9/ 200/ ترجمة ابنه محمد).

قلنا: وقد وهم سليمان في موضعين من سنده:

الأول: أنه جعل الحديث من رواية الحكم عن سلمة، والصحيح أن الحكمَ متابِع لسلمة على إسناده، هكذا رواه شعبة عنهما كما عند مسلم (368)، والنسائي (الصغرى 323)، وغيرهما.

الثاني: أنه أرسل الحديث، فسعيد بن عبد الرحمن بن أبزى تابعي، فحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، والحديث في (الصحيحين) وغيرهما من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عبد الرحمن بن أبزى، شهدَ عمرَ وعمارًا

الحديث، وقد سبقَ مِرارًا، إلا أنْ يكون سقط ذكر أبيه من سنده، كما يميل إليه عمل محقق الأوسط، حيث قال:"رواه أصحاب الكتب الستة عنه عن أبيه، فهل سقط من الأصل أم الرواية مرسلة؟ الله أعلم"(2/ 139 حاشية رقم 1).

وأصل القصة صحيح بغير هذا اللفظ كما سبق، ليس فيه ذكر "الذراعين".

ص: 140

3107 -

حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى

• عَنِ الحَكَمِ وسَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ، أَنَّهُمَا سَأَلَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى عَنِ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ:((أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَمَّارًا أَنْ يَفْعَلَ هَكَذَا. وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ الحَكَمُ: وَيَدَيْهِ. وَقَالَ سَلَمَةُ: وَمِرْفَقَيْهِ)).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دون قوله:((وَمِرْفَقَيْهِ)) فمنكرٌ، كما قال السنديُّ والألبانيُّ، وإسناده منكرٌ، خطَّأه أبو زرعة الرازيُّ، وأقرَّه ابنُ حَجرٍ.

[التخريج]:

[جه 564/ بغج 3/ مخلص 1178/ فقط (أطراف 4051)].

سبق تحقيقه تحت "باب التيمم ضربة للوجه والكفين".

ص: 141

3108 -

حَدِيثُ أَبِي الجُهَيْمِ:

◼ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي الجُهَيْمِ بنِ الحَارِثِ بنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو الجُهَيْمِ:((أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السلام).

[الحكم]:

صحيحُ المتنِ، دونَ قولِهِ:((وَذِرَاعَيْهِ)) فمنكرٌ، والصوابُ:((وَيَدَيْهِ))، وكذا قال ابنُ قدامةَ.

وضَعَّفَهُ: الخطابيُّ، وابنُ الجوزيِّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ رَجبٍ، وابنُ حَجرٍ.

[التخريج]:

[قط 671 (واللفظ له) / هق 1006/ هقع (2/ 7)].

[السند]:

أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 671) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبرى)، و (المعرفة) - قال: حدثنا أبو عمر محمد بن يوسف، نا محمد بن إسحاق، نا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس، أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو الجهيم

فذكره.

ص: 142

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عدا أبا صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث؛ فالجمهورُ على تليينه، انظر (تهذيب الكمال 15/ 101 - 107).

وقال الحافظُ: "صدوقٌ كثيرُ الغلطِ، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غفلة"(التقريب 3388).

قلنا: وقول الحافظُ: "ثَبْتٌ في كتابه" فيه نظر؛ فقد قال ابنُ حِبَّانَ: "سمعتُ ابنَ خُزيمةَ يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة، فكان يضعُ الحديثَ على شيخ عبد الله بن صالح، ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله بن صالح، ويطرح في داره في وسط كتبه، فيجده عبد الله فيحدث به، فيتوهم أنه خطه وسماعه، فمن ناحيته وقع المناكير في أخباره"(المجروحين 1/ 534). فهذا يدلُّ على أن كُتُبَهُ -أيضًا- دخلها الخللُ، والله أعلم.

وقد اختلف عليه في لفظه:

فرواه محمد بن إسحاق الصاغاني الحافظ عنه به بلفظ: ((فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ))، كما في هذه الرواية.

ورواه ابنُ الجارودِ في (المنتقى 128): عن محمد بن يحيى الذهلي. وابنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني 2175): عن محمد بن عوف الطائي. وأبو أحمدَ الحاكمُ في (الأسامي والكنى 3/ 186): من طريق الفضل بن محمد (الشعراني).

ثلاثتهم: عن أبي صالح، به بلفظ:((فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ)). وكذا رواه يحيى بن بكير وشعيب بن الليث عن الليث به. وقد تقدَّمَ تحت باب "التيمم ضربة

ص: 143

للوجه والكفين".

وأعلَّه ابنُ الجوزي بأبي صالح، فقال:"وقد رُوي -أي: مسح الذراعين- من حديثِ كاتبِ الليثِ، وهو مطعونٌ فيه"(التحقيق 1/ 236).

وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "وقد وردَ في بعضِ روايات حديث أبي الجهيم: ((أنه صلى الله عليه وسلم مسح وجهه وذراعيه)) والذي في الصحيح: ((ويديه)) "(إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام صـ 80).

وقال ابنُ عبدِ الهادِي: "وحديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة- ذِكرُ الذِّراعينِ فيه غيرُ صحيحٍ، وإنما لفظه الصحيح:((فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ)). كذلك رواه البخاريُّ في (صحيحه) عن يحيى بن بكير عن الليث، وكذلك رواه مسلمٌ تعليقًا عن الليثِ، وكذلك رواه أبو داود في (سننه) عن عبد الملك بن شعيب بن الليث، عن أبيه، عن جده، والنسائيُّ عن الربيع بن سليمان، عن شعيب بن الليث، عن أبيه،

وكلهم قالوا: ((فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ))، ولم يذكرْ أحدٌ منهم في رواية ((الذِّرَاعَيْنِ))، وفي ذلك دليلٌ على خطأ أبي صالح كاتب الليث في ذكره الذراعين، مع أن أبا صالح قد روي عنه أنه قال:((فمسح يديه، ثم رد عليه السلام)، لم يذكر الوجه ولا الذراعين" (تعليقه على العلل لابن أبي حاتم صـ 168).

وقال ابنُ قدامةَ: "وأما أحاديثُهم فضعيفةٌ

، وحديثُ ابنِ الصِّمَّة صحيحٌ، لكن إنما جاء في المتفق عليه: فمسحَ وجهَهُ ويديه" (المغني 1/ 322).

وقال ابنُ رَجبٍ: "ورواه أبو صالح كاتب الليث بن سعد عنه، وقال في حديثه أيضًا:(فمسح بوجهه وذراعيه) وأبو صالح تغيَّرَ بأَخَرَةٍ، وقد اختُلِفَ

ص: 144

عليه في لفظه، ورواية يحيى بن بُكير أصح. قال الخطابيُّ: حديث أبي الجهيم في مسح الذراعين لا يصح.

يعني: لا يصح رواية من روى فيه مسح الذراعين" (فتح الباري 2/ 233).

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "والثابتُ في حديث أبي جهيم أيضًا بلفظ: ((يديه)) لا ((ذراعيه))، فإنها رواية شاذة مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف"(فتح الباري 1/ 442).

قلنا: رواية أبي الحويرث سيأتي تخريجها قريبًا.

ص: 145

رِوَايَةُ: حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:((مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ)).

[الحكم]:

منكرٌ بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ: الأثرمُ، والبيهقيُّ، والخطابيُّ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ حَجرٍ، ومحمد أنور شاه الكشميري.

[التخريج]:

[أم 44، 103، 106/ شف 38 (واللفظ له)، 88، 89/ خشف 76/ منذ 538/ ثعلب 1152/ هق 1007/ هقع 1530/ بغ 310/ بغت (1/ 436) / نبغ 502/ مغلطاي (2/ 347 - 348)].

[السند]:

رواه الشافعيُّ في (الأم 106)، و (المسند 38)، و (اختلاف الحديث 76) -ومن طريقه الباقون- قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث (عبد الرحمن بن معاوية)، عن الأعرج، عن ابن الصمة، به.

ابن الصمة هو أبو الجُهَيْم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ تالفٌ؛ مسلسلٌ بالعللِ:

الأولى: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى شيخ الشافعي، "متروك" كما في (التقريب 241). وكَذَّبه غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ. انظر (تهذيب التهذيب 1/ 158 - 161).

ص: 146

وبه أعلَّه الأثرمُ، فقال:"أما حديثُ أبي جُهيم فإنما هو من حديث إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك"(الإمام لابن دقيق 3/ 155).

وقال محمد أنور شاه الكشميري: "وجدتُ فيه راويًا ساقطًا، وهو إبراهيم بن محمد"(فيض الباري 1/ 524).

الثانية: أبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث؛ قال عنه الحافظ: "صدوق سيئ الحفظ، رُمي بالإرجاء"(التقريب 4011).

وبه أعلَّه ابنُ دَقيقٍ في (الإمام 3/ 155).

الثالثة: الانقطاع بين الأعرج وابن الصمة؛ فقد تقدم الحديث في (الصحيحين) وغيرهما من طرق عن عبد الرحمن الأعرج، عن عمير مولى ابن عباس، عن أبي الجهيم، به.

وأعله البيهقيُّ بالعلل الثلاث، فقال: "هذا منقطعٌ؛ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمعْه من ابن الصمة، إنما سمعه من عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة.

وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية- قد اختلف الحفاظ في عدالتهما" (السنن الكبرى عقب رقم 1007).

ثم إن المحفوظَ في متن هذا الحديث -كما تقدم في الصحيحين وغيرهما- أنه سلَّم على النبيِّ بعدما قضى حاجته وأقبل، وليس فيه حت الجدار بالعصا، ولا مسح الذراعين.

فالحديثُ بالسياقِ المذكورِ منكرٌ.

ولذا قال الخطابيُّ: "حديث أبي الجهيم في مسح الذراعين لا يصحُّ" (فتح

ص: 147

الباري لابن رجب 2/ 233).

وقال الحافظُ: "والثابتُ في حديث أبي جهيم أيضًا بلفظ: ((يديه))، لا ((ذراعيه))؛ فإنها رواية شاذة، مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف"(الفتح 1/ 350).

ومع هذا قال البغويُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ"! ! (شرح السنة 2/ 115)، وأقرَّه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 347 - 348). وهذا تساهلٌ ظاهرٌ.

ولذا قال الكشميريُّ: "أخرجه البغويُّ في قصة أبي الجهيم أنه رَدَّ عليه السلام بعدما مسحَ بوجهه وذراعيه، وحَسَّنه، ثم اطلعتُ على إسناده بعد زمان فوجدتُ فيه راويًا ساقطًا، وهو إبراهيم بن محمد"(فيض الباري 1/ 524).

قلنا: ولعلَّ البغويَّ اعتمدَ على كلام الشافعيِّ في (اختلاف الحديث صـ 74) حيثُ قالَ: "وابن الصمة وبنو الصمة معروفون، بدريون وأُحُديون، وأهل غناء في الإسلام ومكان منه، والأعرج وأبو الحويرث ثقة، ولو كان حديث ابن الصمة مخالفًا حديث عمار بن ياسر غير بين أنه نسخه، كان حديث ابن الصمة أولاهما أن يؤخذ به".

ولذا حاولَ بعضُ العلماءِ أن يجمعَ بين روايةِ أبي الحويرثِ هذه والرواياتِ المتقدمةِ على الاتصالِ، بتعدد الأحوال:

فقال الرافعيُّ: "في إسنادِ الشافعيِّ اختصارٌ فإن الأعرجَ لم يسمعْه من ابن الصمة؛ إنما سمعه من عُميرٍ عنه، لكن يحتمل أن يكون سمعه من عمير ومن ابن الصمة، فروى تارة عن هذا وتارة عن هذا، ويؤيده أن موسى بن عقبة رواه عن الأعرج عن أبي جهيم، من غير توسيط عمير كما هو في رواية

ص: 148

الشافعي، وبتقدير أن يكون مرسلًا فإذا صحَّ الحديثُ موصولًا صَحَّ الاحتجاجُ به" (شرح مسند الشافعي 1/ 125)، وأقرَّه السيوطيُّ (الشافي العي على مسند الشافعي صـ 93)

قلنا: هذا الكلامُ يصحُّ إذا صَحَّ السندُ إلى أبي الحويرث، وقد تقدم ما فيه، فكيف وأبو الحويرث نفسه مطعون فيه؟ !

ص: 149

3109 -

حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ

◼ عَنْ أَبي ذَرٍّ قَالَ: ((وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ)).

[الحكم]:

منكرٌ بذكرِ المرفقينِ، وضَعَّفَهُ: ابنُ حزم، وأقرَّه مغلطاي.

[التخريج]:

[محلى (2/ 148، 150) معلقًا].

[السند]:

قال ابنُ حزمٍ: رويناه من طريق ابن جريج عن عطاءٍ، حدَّثنى رجلٌ أن أبا ذَرٍّ، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالة راويه عن أبي ذَرٍّ، كما سبقَ في الروايةِ السابقةِ.

ولذا قال ابنُ حزمٍ: "وهذا كما تَرَى، لا نَدْرِي مَن ذلك الرجل، فسقطَ هذا الخبر أيضًا"، وأقرَّه مغلطاي (شرح ابن ماجه 2/ 319).

قلنا: وقوله إلى: "المرفقين" يخالفه المحفوظ من حديث عمار بالاقتصار على الكفَّين، كما سبق في (الصحيحين).

ص: 150

3110 -

حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بنِ الحَارِثِ

◼ عَنِ الحَارِثِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى ابنُ الحَمَامَةِ السُّلَمِيُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَثْنَيْتُ عَلَى رَبِّي، وَمَدَحْتُكَ. فَقَالَ:((أَمْسِكْ عَلَيْكَ))، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ بِهِ مِنَ المَسْجِدِ، فَقَال:((أَمَّا مَا أَثْنَيْتَهُ عَلَى رَبِّكَ فَهَاتِهِ، وَأَمَا مَا مَدَحْتَنِي بِهِ، فَدَعْهُ عَنْكَ))، فَأَنْشَدَهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، دَعَا بِلَالًا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المَسْجِدِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى حَائِطِ المَسْجِدِ، فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ.

[الحكم]:

مرسلٌ ضعيفُ الإسنادِ، وأعلَّه بالإرسالِ ابنُ رَجبٍ، وابنُ حَجرٍ.

[الفوائد]:

قال ابنُ رَجبٍ: "وفيه جوازُ التَّيممِ بترابِ جدارِ المسجدِ، وهو رَدٌّ على مَن كرهه من متأخري الفقهاء، وهو منَ التنطع والتعمق"(فتح الباري 3/ 333 - 334).

[التخريج]:

[صبغ 1895/ حكيم 1252 (واللفظ له) / تخث (الثاني/ 2536) / صمند (أسد 6/ 331) / صحا 7076/ قا 643/ هق 1083 م].

[السند]:

رواه الحكيمُ الترمذيُّ في (نوادر الأصول) فقال: حدثنا الجارود بن معاذ حدثنا جرير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الحارث بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه به.

ص: 151

ورواه أبو القاسم البغوي -وعنه ابن قانع

(1)

ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير) - قال: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، به.

ورواه ابنُ أبي خيثمةَ -ومن طريقه أبو نُعيمٍ في (معرفة الصحابة) - عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عن موسى بن محمد الأنصاري عن ابن إسحاق به.

ومداره عند الجميع على محمد بن إسحاق به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:

العلة الأولى: الإرسالُ؛ فأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام معدود من التابعين، وهو أحدُ الفقهاءِ السبعة. انظر:(تذكرة الحفاظ 53)، و (التقريب 7976).

وقد أعلَّه بذلك: ابنُ رَجبٍ في (فتح الباري 3/ 333 - 334)، وابنُ حَجرٍ في (الإصابة 8/ 364).

العلة الثانية: الحارث بن أبي بكر؛ ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 2/ 265) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7209).

العلة الثالثة: محمد بن إسحاق؛ "صدوقٌ يدلسُ"(التقريب 5725)، وقد عنعنه.

(1)

وقع في المطبوع سقط كبير في سند الحديث ومتنه، وجاء على الصواب في (ط. نزار 1132)، وقد نقله عنه ابنُ رجب على الصواب. انظر:(فتح الباري 3/ 333).

ص: 152

[تنبيه]:

وَهِم البغويُّ، وتبعه ابنُ قانعٍ فذكرَ الحديثَ تحت ترجمة "عبد الرحمن بن هشام"، وقال:"أحسبه من أهل المدينة"، ثم أسند طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسنده، وفيه: عن الحارث بن عبد الرحمن بن هشام عن أبيه.

ثم قال البغويُّ -عقبه-: "ولا أدري عبد الرحمن بن هشام صاحب الحديث سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أم لا".

فتعقبهما الحافظُ فقال: "أظنُّه انقلبَ وأنه من رواية عبد الرحمن بن هشام، عن أبيه.

وقد روى الطبرانيُّ بهذه الترجمة حديثًا غير هذا، ثم وجدتُه عند ابن منده من طريق موسى بن محمد، عَن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن الحارث بن أبي بكر، عن أبيه، عن ابن حمامة قال

فذكره.

قلت: وعلى هذا فالحديثُ مرسلٌ، وَنَسَب الحارث في رواية جرير إلى جَدِّه عبد الرحمن إلى جده الحارث فهو الحارث بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (الإصابة 8/ 364).

قلنا: قد جاء نَسَبُهُ على الصوابِ من رواية الجارودِ عن جريرٍ كما عند الحكيمِ الترمذيِّ في (نوادره).

* * *

ص: 153