المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌538 - باب التيمم يجزئ المسلم سنين حتى يجد الماء - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٢٥

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌أَبْوَابُ: صِفَةِ التَّيَمُّمِ

- ‌524 - بَابُ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ

- ‌525 - بَابٌ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ؛ ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلكَفَّيْنِ

- ‌526 - بابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌527 - بَابٌ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلكَفَيْنِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ

- ‌528 - بَابُ مَا رُويَ فِي المَسْحِ إِلَى الآبَاطِ وَالمَنَاكِبِ

- ‌529 - بَابُ نَفْخِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌530 - بَابُ نَفْضِ اليَدَيْنِ -بَعْدَ ضَرْبِهِمَا- فِي التَّيَمُّمِ

- ‌531 - بَابُ تَقْدِيمِ اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي المَسْحِ

- ‌532 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فِي مَسْحِ التَّيَمُّمِ

- ‌أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ

- ‌533 - بَابٌ جَامِعٌ فِيمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ

- ‌534 - بُابُ التَّيَمُّمِ عَلَى الجِدَارِ

- ‌535 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ ذِي الغُبَارِ

- ‌536 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ

- ‌537 - بَابُ التَّيَمُّمِ بِالأَرْضِ الطَيِّبَةِ

- ‌أبوابُ مُبطلاتِ التَّيممِ وما يتعلقُ بِهِ

- ‌538 - بَابُ التَّيَمُّمِ يُجْزِئُ المُسْلِمَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ المَاءَ

- ‌539 - بَابُ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِ المَاءِ

- ‌540 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ العَجْزَ عَنِ المَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ

- ‌541 - بَابُ التَّيَمُّمِ رَيْثَمَا يَصِلُ المَاءُ

- ‌542 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي إِعَادَةِ المُتَيَمِّمِ الصَّلَاةَ إِذَا وَجَدَ المَاءَ فِي الوَقْتِ

- ‌أَبْوَابُ الأَحْكَامِ العَامَّةِ فِي التَّيَمُّمِ

- ‌543 - بَابُ مَنْ لَمْ يَجَدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا

- ‌544 - بَابُ الجُنُبِ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ

- ‌545 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الجُنُبِ إِذَا كَسِلَ عَنِ الوُضُوءِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌546 - بَابُ الحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَتَيَمَّمَانِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إِذَا عَدِمَتَا المَاءَ

- ‌547 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌548 - بَابٌ فِي طَلَبِ المَاءِ وَحَدِّ الطَّلَبِ

- ‌549 - بَابُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ

- ‌550 - بَابُ التَّيَمُّمِ خَشْيَةَ فَوَاتِ صَلَاةِ الجَنَازَةِ

- ‌551 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ

- ‌552 - بَابُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِرَدِّ السَّلَامِ

- ‌553 - بَابُ التَّيَمُّمِ إِذَا كَانَ المَاءُ لَا يَزِيدُ عَنِ الحَاجَةِ

- ‌554 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌555 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنْ إِمَامَةِ المُتَيَمِّمِ

- ‌556 - مَا رُوِيَ فِي تَيَمُّمِ الرَّجُلِ يَمُوتُ مَعَ النِّسَاءِ، وَالمَرْأَةِ تَمُوتُ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحْرَمٌ يُغَسِّلُهُ

الفصل: ‌538 - باب التيمم يجزئ المسلم سنين حتى يجد الماء

‌538 - بَابُ التَّيَمُّمِ يُجْزِئُ المُسْلِمَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ المَاءَ

3155 -

حَدِيثُ أِبِي ذَرٍّ

◼ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَجْنَبَ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ، فَاسْتَتَرَ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ (طَهُورُ) المُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ خَيْرٌ)).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ، صَحَّ معناه من حديث عمران بن حصين في (الصحيحين)، ويشهدُ له حديثُ أبي هريرةَ، ومرسلُ مجاهدٍ وعطاءٍ.

وهذا إسنادُهُ مختلفٌ فيه،

فصَحَّحَهُ الترمذيُّ -ووافقه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، والمنذريُّ، والذهبيُّ-، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ السكنِ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، والجورقانيُّ، والنوويُّ، وابنُ الأثيرِ، وابنُ دَقيقِ العيدِ، ومغلطاي، وابنُ الملقنِ، والعينيُّ، وأحمد شاكر، والألبانيُّ.

وقوَّاه: البيهقيُّ، وابنُ كَثيرٍ، وابنُ حَجرٍ، وحَسَّنَهُ السيوطيُّ.

وتكلَّم فيه: أحمدُ -وأقرَّه الخلالُ، وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ مُفْلحٍ-.

وأشارَ لإعلاله: أبو داود، والبزارُ، وضَعَّفَهُ ابنُ القطانِ.

ص: 295

وقال ابنُ رجبٍ: "تكلَّم فيه بعضُهم". وقال ابنُ العربي: "مختلفٌ فيه".

[التخريج]:

[ت 125 (والرواية له) / ن 326/ كن 381/ حم 21371، 21568/ عب 922 (واللفظ له) / منذ 174/ طوسي 104، 105/ طحق 122/ معر 729/ حب 1308/ لي (رواية ابن يحيى البيع 81، 82) مختصرًا/ طش 2713/ قط 721، 723، 724، 726/ ثعلب 1162/ هق 15، 22، 863، 886، 1034، 1035/ هقخ 782، 849/ هقغ 251/ خطل (2/ 932، 933، 936، 940، 944 - 946، 949، 950 - 951) / تحقيق 29].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 296

رِوَايَةُ زَادَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ

• وَفِي رِوَايَةٍ: اجْتَمَعَتْ غُنَيْمَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((يَا أَبَا ذَرٍّ، ابْدُ فِيهَا)). فَبَدَوْتُ إِلَى الرَّبَذَةِ، فَكَانَتْ تُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَأَمْكُثُ الخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((أَبُو ذَرٍّ؟!)) فَسَكَتُّ، فَقَالَ:((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَبَا ذَرٍّ، لأُمِّكَ الوَيْلُ!))، فَدَعَا لِي بِجَارِيَةٍ سَوْدَاءَ، فَجَاءَتْ بِعُسٍّ فِيهِ مَاءٌ، فَسَتَرَتْنِي بِثَوْبٍ، وَاسْتَتَرْتُ بِالرَّاحِلَةِ، وَاغْتَسَلْتُ، فَكَأَنِّي القَيْتُ عَنِّي جَبَلًا، فَقَالَ:((الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ، وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ)).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ.

[اللغة]:

قوله: ((ابْدُ فِيهَا)) أي: اخرجْ بها إلى الباديةِ، تقول: بَدا الرجلُ يبدو بَدْوًا فهو بادٍ، إذا خرج إلى الباديةِ، وهي: البريةُ التي لا عَمَارَ فيها؛ والأمر منه "ابدُ" بحذف الواو للجزم" (الشافي شرح مسند الشافعي 1/ 301).

قال ابنُ الأثيرِ: " (الرَّبَذَةُ) بالتحريكِ: قريةٌ معروفةٌ قُرب المدينة، بها قبرُ أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ"(النهاية 2/ 183).

وقال أيضًا: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ))، ((لأُمِّكَ الوَيْلُ)): أي: فَقَدَتْكَ. والثُّكْلُ: فَقْدُ الوَلَدِ

كأنه دَعَا عليه بالموتِ لسوءِ فِعْله أو قوله. والموتُ يَعمُّ كلَّ أحدٍ، فإذن الدعاء عليه كَلَا دُعاء. أو أراد إذا كنتَ هكذا فالموتُ خيرٌ لك لئلا تَزْدَادَ سُوءًا. ويجوز أن يكون منَ الألفاظِ التي تَجرْي على ألسنةِ العربِ ولا يُرادُ بها الدُّعاء؛ كقولهم:((تربت يداك))، و ((قاتلك الله)). (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 217).

ص: 297

قلنا: الصوابُ أن هذا مما اعتاد عليه العربُ عند المعاتبة للمحبوبِ أن يقولوا مثل هذه الأدعية في قولٍ قاله أو فعلٍ فعله ما كان له أن يفعله، فيعاتب بهذه الأدعية تعجبًا من القول أو الفعل، ولا يراد بها حقيقة الدعاء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ))، وقال لأُمِّ سلمة:((تَرِبَتْ يَدَاكِ))، ولا يرادُ بذلك الدُّعاءُ المحضُ. ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذَرٍّ:((لأُمِّكَ الوَيلُ)).

((العُسُّ)): "القدحُ الضخمُ العظيمُ. جمعه: عِساس"(الفائق 1/ 425).

[التخريج]:

[د 332 (واللفظ له) / طحق 120 (لم يقل: ثكلتك أمك) / حب 1306/ ك 638/ هقخ 803/ هق 1063/ خطل (2/ 935، 948)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

ص: 298

رِوَايَةُ زَادَ: مِنَ الصَّدَقَةِ

• وَفِي رِوَايَةٍ زاد: ((اجْتَمَعَتْ غُنَيْمَةٌ مِنْ [غَنَمِ] الصَّدَقَةِ

)).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ دون قوله: ((مِنْ غَنَمِ الصَّدَقَةِ)).

[التخريج]:

[د 332 (واللفظ له) / طحق 121/ خز 2355/ حب 1307 (والزيادة له) / هق 1064/ خطل (2/ 948)].

[التحقيق]:

هذا الحديثُ مداره على أبي قِلَابةَ، واختُلِفَ عليه في سَنَدِهِ:

فرواه عنه خالدٌ الحذَّاءُ، وأيوبُ السختيانيُّ، وقتادةُ.

فأما روايةُ خالدٍ الحذَّاءِ، فرواها عن أبي قلابةَ، عن عمرِو بنِ بُجدانَ، عن أبي ذَرٍّ، ولم يختلفْ أصحابُ خالدٍ عنه، -إلا رواية ضعيفة كما سيأتي- كما قال الدارقطنيُّ في (العلل 3/ 181).

رواه عبد الرزاق في (المصنف 922) -ومن طريقه الطوسيُّ في (المستخرج 105)، وابنُ المنذرِ في (الأوسط 174)، والخطيبُ في (الفصل للوصل المدرج في النقل 2/ 945) -: عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر به.

ورواه أحمد (21568) قال: ثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن خالد الحذاء به.

وأبو أحمدَ هو الزبيريُّ، وسفيانُ هو الثوريُّ.

ورواه الترمذيُّ في (جامعه 125)، والطوسيُّ في (مستخرجه 104)، والمحامليُّ في (أماليه رواية ابن يحيى البيع 81)، وغيرهم- من طريق

ص: 299

أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان به.

قلنا: وقد توبع الثوري:

فرواه أبو داود في (السنن 332)، وابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1311)، والحاكمُ في (المستدرك 638) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عن خالد الحذاء به.

قال أبو داود -عقبه-: "وقال مسدد: غُنَيْمَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ".

ورواه البزارُ (3973)، وابنُ خُزيمةَ (2355)، وابنُ حِبَّانَ (1312) والدارقطنيُّ وغيرهم: من طريق يزيد بن زريع عن خالد الحذاء بنحوه.

وفي رواية ابنِ خُزيمةَ، وابنِ حِبَّانَ زاد فيه يزيد بن زريع قوله:"من غنم الصدقة".

وهذا الحديثُ من طريقِ خالدٍ الحذاءِ رجاله ثقات رجال الصحيح، عدا ابن بُجدانَ؛ ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 317)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 6/ 222)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وقال عبد الله بن أحمد: "قلتُ لأَبي: عمرُو بنُ بُجدانَ معروفٌ؟ قال: لا".

وقال علي بن المديني: "لم يَرْوِ عنه غير أبي قلابة" كما في (تهذيب الكمال 21/ 549).

وقال ابنُ القطانِ: "لا يُعرف له حالٌ"(بيان الوهم 3/ 327).

بينما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 171)، ووَثَّقَهُ العجليُّ في (معرفة الثقات وغيرهم 1367)، وذكره ابنُ خُلْفون في (كتاب الثقات) كما في (إكمال تهذيب الكمال 10/ 135).

ص: 300

وقال البيهقيُّ: "عمرو بن بجدان ليس له راوٍ غير أبي قلابة، وهو مقبولٌ عند أكثرهم؛ لأن أبا قلابةَ ثقةٌ وإن كان بخلافِ شرطِ الشيخين في خروجه عن حَدِّ الجهالة بأن يَروي عنه اثنان"(الخلافيات 2/ 457).

وقال ابنُ كَثيرٍ: "وعمرُو بنُ بُجْدان هذا ثقةٌ، لم يجرحه أحدٌ، ولم يَرْو عنه سوى أبي قلابة"(إرشاد الفقيه 1/ 74).

وقال الذهبيُّ: "وُثِّقَ"(الكاشف 4129)، وقال في (الميزان 6332):"وقد وُثِّقَ عمرو مع جهالته".

ونقل عنه ابنُ حَجرٍ أنه قال في (الميزان): "مجهولُ الحالِ". وانظر (تهذيب التهذيب 8/ 7)، و (إكمال تهذيب الكمال 10/ 133 - 135).

وقال الحافظُ: "تفرَّد عنه أبو قلابة من الثانية، لا يُعرفُ حاله"(التقريب 4992).

وقد صَحَّحَ حديثَه هذا غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ:

فقال الترمذيُّ: "حسنٌ صحيحٌ" -ووافقه عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 220) مقتصرًا على قوله: وقال: "حديثٌ حسنٌ"، وذلك نظرًا لاختلافِ نسخِ الجامعِ، والمنذريُّ في (مختصر سنن أبي داود 1/ 206)، والذهبيُّ في (المهذب 1/ 183) -.

وقال الحاكمُ: "هذا حديثٌ صحيحٌ، ولم يخرجاه إذ لم نجدْ لعمرِو بنِ بجدانَ راويًا غير أبي قِلابةَ الجرميِّ، وهذا مما شرطت فيه، وثبت أنهما قد خَرَّجا مثل هذا في مواضع من الكتابين"(المستدرك 1/ 550).

وصَحَّحَهُ أيضًا: ابنُ خُزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ، وابنُ السَّكنِ في (السنن الصحاح) -كما في (البدر المنير (2/ 657)، و (تحفة الحتاج 1/ 208)

ص: 301

والجورقانيُّ في (الأباطيل 1/ 508)، والنوويُّ في (المجموع 1/ 94)، وابنُ الأثيرِ في (شرح مسند الشافعي 1/ 299)، وابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 3/ 166)، والعينيُّ في (عمدة القاري 2/ 245)، وأحمد شاكر في (تحقيق جامع الترمذي 1/ 213 حاشية رقم 2)، والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 2/ 149).

وقال ابنُ الملقنِ: "وهو حديثٌ جيدٌ"(البدر المنير 2/ 650)، ثم صرَّحَ بعد ذلك بأنه "صحيح"(البدر المنير 2/ 656).

وقوَّاه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 457)، وابنُ حَجرٍ في (الفتح 1/ 235).

ورمز لحسنه السيوطيُّ في (الجامع الصغير 2052).

قلنا: ولكن تكلم فيه غيرُ واحدٍ.

فقال بكر بن محمد، عن أبيه:"إن أبا عبد الله -يعني: أحمدَ بنَ حَنبلٍ- قال في حديث خالد، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر مرفوعًا: ((الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ هو طَهور))، الحديثُ، قلتُ: عمرُو بنُ بجدانَ معروفٌ؟ قال: لا"، نقله ابنُ عبدِ الهادِي في (حاشيته على الإلمام 1/ 64)، وابنُ مُفْلحٍ في (المبدع في شرح المقنع 1/ 178 - 179) وأقرَّاه.

وذكر أبو بكرٍ الخلالُ في التيممِ من (جامعه) في حديث عمرو بن بجدان عن أبي ذَرٍّ مرفوعًا: ((الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ)). أن أحمدَ لم يَمِلْ إليه. قال: لأنه لم يَعْرفْ عمرو بن بجدان، وحديث عمرو بن بجدان هو حديثٌ تفرَّدَ به أهلُ البصرةِ ولو كان عند أبي عبد الله صحيحًا لقالَ به، ولكنه كان مذهبه إذا ضَعَّفَ إسنادَ الحديثِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مالَ إلى قولِ أصحابِهِ وإذا ضَعف إسناد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن له معارضٌ قال به،

ص: 302

فهذا كان مذهبه" (الآداب الشرعية 2/ 290).

وذكره أبو داود في (التفرد) فقال: "الذي تفرَّد به من هذا الحديث: "أنه رخَّصَ له أن يصيب أهله" (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 337).

وقال البزارُ: "وهذا الكلامُ لا نعلمه يُروى عن أبي ذَرٍّ، إلا بهذا الإسناد"(المسند 9/ 389).

وقال ابنُ القطانِ -متعقبًا عبدَ الحَقِّ-: "فهو عنده غير صحيح، ولم يبينْ لم لا يصح؟ وذلك لأنه لا يعرف لعمرو بن بجدان هذا حال، وإنما روى عنه أبو قلابة، واختُلف عنه: فيقول خالد الحذاء: عنه: عن عمرو بن بجدان، ولا يختلف في ذلك على خالد.

وأما أيوب فإنه رواه عن أبي قلابة، فاختُلف عليه

فذكر وجوهَ الاختلافِ على أيوبَ ثم قال: "وهو حديثٌ ضعيفٌ لا شَكَّ فيه"(بيان الوهم 3/ 328).

وقال ابنُ العربي: "وحديثُ عمرِو بنِ بُجدانَ هذا عن أبي ذَرٍّ مختلفٌ فيه، يرويه أبو قلابة عن عمرو بن بجدان وتارة عن رجلٍ من بني عامر"(عارضة الأحوذي 1/ 193).

وقال الحافظُ ابنُ رجبٍ: "وتكلَّم فيه بعضُهم لاختلافٍ وقع في تسميةِ شيخِ أبي قلابةَ، ولأن عمرَو بنَ بجدانَ غيرُ معروفٍ. قاله الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ"(الفتح له 3/ 29).

وقال ابنُ مُفلحٍ -بعد تصحيح الترمذي-: "لكنه من رواية عمرو بن بجدان ولم يروِ عنه غير أبي قِلابةَ. وقد قيلَ لأحمدَ: معروفٌ؟ قال: لا"(المبدع في شرح المقنع 1/ 178).

ص: 303

فتلخص من كلامهم إعلال الحديث بعلتين:

العلة الأولى: أن حال عمرو بن بجدان لا يعرف، مع تفرده به.

العلة الثانية: أنه قد اختُلِفَ على أبي قلابة في ذكره ابن بجدان وإبهامه وإسقاطه (الوهم والإيهام 3/ 327).

وأجابَ بعضُ أهلِ العلمِ عن هاتين العلتين:

فأما الجوابُ عن العلةِ الأُولى؛ فذلك من وجوهٍ:

الوجه الأول: أن ابنَ بُجدانَ روى عنه أبو قلابة وهو ثقةٌ، ووَثَّقَهُ العجليُّ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) كما بَيَّنَّا ذلك آنفًا، ومثل هذا كافٍ في رفعِ الجهالةِ عند بعضِ العلماءِ.

وبنحوه أجابَ الحاكمُ عن إعراضِ البخاريِّ عنه فقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ ولم يخرجاه؛ إذ لم نجدْ لعمرِو بنِ بُجدانَ راويًا غير أبي قلابة الجرمي، وهذا مما شرطت فيه وبيَّنتُ أنهما قد أخرجا مثل هذا في مواضع من الكتابين"(المستدرك 1/ 550).

قال البيهقيُّ: "عمرو بن بجدان ليس له راوٍ غير أبي قلابة، وهو مقبولٌ عند أكثرهم؛ لأن أبا قلابة ثقةٌ وإن كان بخلاف شرط الشيخين في خروجه عن حَدِّ الجهالة بأن يروي عنه اثنان"(الخلافيات 2/ 457).

وتعقب ابنُ الملقنِ البيهقيَّ في كونه بخلافِ شرطِ الشيخين فقال: "في اشتراط ذلك في الخروج عنهما نظر، وهو منقوض بمواضع في (صحيحيهما) أخرجا أحاديث عن رواة ليس لهم رواية غير واحد"(البدر المنير 2/ 654).

وقال ابنُ كَثيرٍ: "وعمرُو بنُ بُجدانَ هذا ثقةٌ لم يجرحْه أحدٌ، ولم يرو عنه

ص: 304

سوى أبي قلابة" (إرشاد الفقيه 1/ 74).

وقد تعقب الحافظُ على ابنِ القطانِ في توثيقِ العجليِّ فقال: "ومدارُ طريقِ خالدٍ على عمرِو بنِ بُجْدانَ، وقد وَثَّقَهُ العجليُّ، وغَفَلَ ابنُ القطانِ فقال: إنه مجهولٌ"(التلخيص 1/ 154).

قلنا: لم يغفلِ ابنُ القطانِ، وإلا فقد قال الحافظُ نفسُه:"لا يُعرفُ حالُهُ"(التقريب 4992). ونَقَلَ عن الذهبيِّ أنه قال: "مجهولُ الحالِ"، فنحن لا نخالف ابن القطانِ في القول بأن ابنَ بجدان غير معروف، وقد سبقه إلى ذلك الإمامُ أحمدُ كما ذكرناه، ولكن نخالفه في رَدِّ حديثه لمجرد عدم المعرفة بحاله؛ لأن حكمَ المجهولِ ليس سواء في كلِّ حالةٍ، فالمجهولُ الذي يَروي عن الصحابةِ، وروى عنه ثقةٌ أو أكثر ولم يأتِ بحديثٍ مُنْكرٍ يخالفُ الأُصولَ، فهذا حديثُه حسنٌ مقبولٌ عند كثيرٍ من أهلِ العلمِ؛ كابنِ المدينيِّ وغيرِهِ، وهذا ما قرَّره الذهبيُّ نفسُه في قوله:"وأما المجهولون منَ الرُّواةِ؛ فإن كان الرجلُ من كبارِ التابعين أو أوساطهم، احتُمِل حديثُه وتُلُقِّي بحُسنِ الظَّن، إذا سَلِمَ من مخالفةِ الأُصولِ وركاكةِ الألفاظِ"(ديوان الضعفاء صـ 478). وانظر (رسالة الحديث الحسن لخالد الدريس 1/ 127، وما بعدها).

ولذا قال مغلطاي في تعقبه على ابنِ القطانِ: "وأما قولُ الإمامِ أحمدَ فيه وسأله عنه ابنُه عبد الله: عمرو معروف؟ قال: لا، فليس تضعيفًا له"(شرح ابن ماجه 2/ 339).

وتطبيقًا لهذه القاعدة قد صَحَّحَ هذا الحديثَ جماعةٌ من أئمةِ هذا الشأنِ، وهذا هو

الوجه الثاني: أن جمعًا منَ الأئمةِ قد صَحَّحَ له هذا الحديثَ كما سبقَ.

ص: 305

ولذا تعقب ابنُ دَقيقِ العيدِ بهذا على ابنِ القطانِ فقال: "فمن العجب كونه لم يكتفِ بتصحيحِ الترمذيِّ في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديثِ! فأيُّ فَرْقٍ بين أن يقول: هو ثقةٌ، أو يصحح حديثًا انفردَ به؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يَرْوِ عنه إلا أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راوٍ واحد عنه بعد وجود ما يقتضى تعديله -وهو تصحيح الترمذي رحمه الله"(الإمام 3/ 166).

ووافقه الشيخُ أحمد شاكر في تحقيقه لـ (سنن الترمذي 1/ 216)، ووَصَفَ تعقبه بأنه "تحقيق بديع ممتع"، ثم قال:"وهو الصوابُ المطابقُ لأصولِ هذا الفَنِّ".

وبنحوِ كلام ابن دقيق، قال ابنُ سيدِ النَّاسِ في (النفح الشذي 3/ 69).

الوجه الثالث: أن أبا داود روى الحديث في (سننه) وسَكَتَ عنه، وذلك يعني أن الحديثَ عنده صالحٌ للاعتبارِ، كما هو معلومٌ من منهجه، وعليه فهو يتقوَّى عنده بشاهدِ أبي هريرةَ الآتي، وقد صَحَّحَ ابنُ القطانِ نفسُه حديثَ أبي هريرة فقال:"ولهذا المعنى إسنادٌ صحيحٌ سنذكره إن شاء الله في باب الأحاديث التي لم يصححها، ولها أسانيد صحاح"(بيان الوهم 3/ 328).

أما الجوابُ عن العلةِ الثانيةِ؛ وهي: الاختلافُ في تسميةِ ابنِ بُجدانَ وإبهامه وإسقاطه- فهي علةٌ غيرُ قادحةٍ بالمرةِ؛ لأن خَالدًا الحذاءَ ثقةٌ، وقد رَوى الحديثَ عن أبي قلابة وحفظ اسم شيخه فيه وهو ابنُ بُجدانَ، وقد رجَّحَ الدارقطنيُّ قوله في (العلل 3/ 181 - 183)، إضافة إلى أن الرجلَ الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان، وقد صرَّحَ بذلك غيرُ واحدٍ من أهلِ

ص: 306

العلمِ.

فذكرَ البخاريُّ هذا الحديثَ عن رجلٍ من بني عامر في ترجمة عمرو بن بجدان (التاريخ الكبير 6/ 317).

وقال البيهقيُّ: "وقال: حماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجلٍ من بني عامر وهو عمرو بن بجدان"(الخلافيات 2/ 457).

وقال المنذريُّ: "هذا الرجلُ من بني عامر هو عمرو بن بجدان، سمَّاه خالد الحذاء عن أبي قلابة، وسمَّاه الثوري عن أيوب"(مختصر سنن أبي داود 1/ 207)

وأقرَّه ابنُ دَقيقِ العيدِ فقال: "قال شيخُنَا: هذا الرجلُ من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله، سمَّاه خالد الحذاء عن أبي قلابة، وسمَّاه سفيان عن أيوب رضي الله عنه". ثم قال: "لا تعارض بين قولنا (عن رجل)، وبين قولنا: (عن رجل من بني عامر)، وبين قولنا: (عن عمرو بن بجدان) "(الإمام 3/ 165، 166).

وذكر ابنُ الملقنِ كلامَ ابنِ دَقيقِ العيدِ وأقرَّه أيضًا، في (البدر المنير 2/ 655).

وذَهَبَ إلى ذلك -أيضًا- ابنُ كَثيرٍ في (جامع المسانيد 9/ 503)، ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 339)، وابنُ حَجرٍ في (التلخيص 1/ 270).

وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "واختُلِفَ فيه على أبي قلابة: فقيل: هكذا -يعني من رواية خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرِو بنِ بُجدانَ، عن أبي ذَرٍّ-،

ص: 307

وقيل: عنه عن رجلٍ من بني عامر، وهذه رواية أيوب عنه، وليس فيها مخالفة لرواية خالد" (التلخيص 1/ 270).

وقال الألبانيُّ: "عن رجل من بني عامر هو عمرو بن بجدان"(صحيح أبي داود 2/ 151).

قلنا: أما الاختلافُ الواقعُ فيه، فأكثره في رواية أيوب، وقتادة، فأما أيوبُ فاختُلِفَ عنه على عدةِ أوجهٍ:

الأول: عن أيوبَ عن أبي قِلابةَ عن ابنِ بُجْدانَ كما في روايةِ خالدٍ.

رواه النسائيُّ في (الصغرى 326)، وفي (الكبرى 381)، وغيرهم من طريق مخلد بن يزيد عن سفيان، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، به.

وعن هذا الوجه قال الجورقانيُّ: "هذا حديثٌ صحيحٌ"، وقال ابنُ حَجرٍ -في سند النسائي-:"إسنادٌ قويٌّ"(فتح الباري 1/ 235).

قلنا: لكنه معلولٌ؛ فإن مخلدًا وإن كان صدوقًا إلا أنه له أوهام، وهذا من أوهامه فإنه كان عنده حديث أيوب وحديث الحذاء معًا، فحمل الأول على الثاني.

فقد أخرجه ابنُ حِبَّانَ في (الصحيح 1313) والدارقطنيُّ في (السنن 721) والبيهقيُّ في (السنن الكبير 1035)، والخطيبُ في (الفصل للوصل المدرج 2/ 932) من طرقٍ عن مخلد بن يزيد عن سفيان الثوري عن أيوب السختياني وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر به.

فحَمَل حديث أيوب على حديث خالد الحذاء، وبهذا أشار إلى علته الدارقطنيُّ فقال: "وأحسبه حَمَل حديث أيوب على حديث خالد؛ لأن أيوبَ

ص: 308

يرويه عن أبي قلابة عن رجلٍ لم يسمه، عن أبي ذر".

"ورواه عبد الرزاق، عن الثوري عنهما -يعني عن أيوب وخالد الحذاء-، فضبطه، وبيَّنَ قولَ كل واحد منهما من صاحبه، وأَتَى بالصوابِ"(العلل 3/ 181).

وقال البيهقيُّ: "تفرَّدَ به: مخلدٌ هكذا وغيره برواية عن الثوري، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن رجلٍ، عن أبي ذَرٍّ، وعن خالدٍ، عن أبي قِلابةَ، عن عمرِو بنِ بجدانَ، عن أبي ذَرٍّ كما رواه سائرُ الناسِ"(السنن الكبير 2/ 153).

وبنحو هذا قال الخطيبُ في (الفصل 2/ 933): "كذا روى هذا الحديث مخلد بن يزيد الحراني عن سفيان الثوري، عن أيوب السختياني وخالد الحذاء، وساقه سياقة واحدة.

وأيوب إنما كان يرويه عن أبي قلابة عن رجلٍ غير مُسمى عن أبي ذر، وأما خالد الحذاء فكان يرويه عن أبي قلابة، ويُسمِّي الرجل وهو عمرو بن بجدان، فحُملت رواية أيوب على رواية خالد في حديث مخلد بن يزيد هذا"

ثم قال: "ورواه عبد الرزاق بن همام من حديث أحمد بن حنبل عنه، وإبراهيم بن خالد المؤذن، كلاهما عن سفيان الثوري، عن أيوب وخالد جميعًا عن أبي قلابة، وبَيَّنَا الخلافَ فيه، وفَصَلا قولَ أيوبَ من قولِ خالدٍ".

قلنا: ورواية عبد الرزاق، بالتفرقة بين رواية الحذاء وأيوب:

رواها أحمدُ في (المسند 12371) عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن أيوب السختياني، وخالد الحذاء، عن أبي قلابة، كلاهما ذكره: خالد،

ص: 309

عن عمرو بن بجدان، وأيوب، عن رجلٍ، عن أبي ذَرٍّ به.

وكذلك رواه ابنُ الأعرابي في (معجمه 729) من طريق محمد بن شرحبيل بن جُعْشُم عن الثوري به.

وتابعهما إبراهيم بن خالد المؤذن كما في (الفصل للخطيب 2/ 950).

وروايةُ أيوبَ هذه عن أبي قلابة عن رجلٍ عن أبي ذَرٍّ هي الوجه الثاني عن أيوب.

ورواه عن سفيانَ غيرُ مَن تقدَّمَ على هذا الوجه: الحسين بن حفص، والفريابي، والقاسم الجرمي، وأبو داود الحفري، جميعهم عند الخطيب في (الفصل 2/ 935 - 936).

وتابع سفيانَ، جريرُ بنُ حازمٍ كما عند الخطيب في (الفصل 2/ 940)، ووقعَ في روايته، عن أبي قلابة: عن رجلٍ حدَّثه عن أبي ذَرٍّ ـ وأخبرني غيرُ واحدٍ عن أبي ذَرٍّ ـ.

الوجه الثالث: عن أيوب عن أبي قلابة عن رجلٍ مِن بني عَامرٍ عن أبي ذَرٍّ، وفيه قصة.

رواه أحمدُ في (المسند 21304) -ومن طريقه الخطيبُ في (الفصل 2/ 940 - 941)، وابنُ الجَوزيِّ في (التحقيق 263)، وابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 1673)، وغيرهم عن إسماعيل بن علية.

ورواه أبو داود في (السنن 333) -ومن طريقه الخطيبُ في (الفصل 2/ 938)، وغيرُهُ-، والبيهقيُّ في (السنن الكبير 1055)، وغيرهم من طريق حماد بن سلمة.

ورواه إسماعيلُ القاضي في (حديث أيوب) من طريق حماد بن زيد.

ص: 310

ورواه الطيالسيُّ في (مسنده 486) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير 862) -، وغيره من طريق الحمادين.

ورواه الخطيبُ في (الفصل 2/ 942) من طريق عبد الوهاب الثقفي.

أربعتُهم (ابن علية، والحمادان، والثقفي) رووه عن أيوبَ عن أبي قِلابةَ عن رجلٍ من بني عامرٍ قال: كنتُ كافرًا، فهداني الله للإسلامِ، وكنتُ أعزبُ عن الماءِ ومعي أهلي، فتُصِيبُني الجنابةُ، فوقعَ ذلك في نَفْسِي

إلى آخره.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير الرجل المبهم من بني عامر، وقد تقدَّمَ أنه عمرُو بنُ بُجدانَ فيما سبقَ.

قلنا: ولكن وَقَعَ في روايةِ الحمَّادين زيادة، سيأتي التنبيهُ عليها في تحقيقٍ مستقلٍ.

الوجه الرابع: عن أيوب عن أبي قلابة عن رجلٍ من قشير عن أبي ذر بنحو رواية ابن علية المتقدمة عند أحمد.

أخرجه أحمدُ في (المسند 21305)، وعبدُ الرزاقِ في (المصنف 921)، والخطيبُ في (الفصل 2/ 942)، من طرقٍ عن شعبةَ، ومعمرٍ، وابنِ أبي عروبةَ عن أيوبَ به.

ورجالُهُ ثقاتٌ غيرُ الرجلِ المبهم من بني قشير، ولعلَّه ابن بجدان المتقدم.

قال الشيخُ أحمد شاكر: "وهذا الرجل -يعني الرجل من بني قشير- هو الأول نفسه -يعني الرجلَ مِن بني عَامرٍ-؛ لأن بني قشير من بني عامر كما في (الاشتقاق لابن دريد صـ 181)؛ وهو عمرو بن بجدان نفسه"(حاشية سنن الترمذي 1/ 215)، وذكرَ الألبانيُّ عنه هذا وأقرَّه في (صحيح أبي داود

ص: 311

2/ 151). والله أعلم.

الوجه الخامس: عن أيوب عن أبي قلابة، عن أبي المهلب عمه، عن أبي ذَرٍّ به.

رواه الدارقطنيُّ في (السنن 723) -ومن طريقه الخطيبُ في (الفصل 2/ 944) من طريق خلف بن موسى العمي عن أبيه عن أيوب به.

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه موسى بنُ خلف العميُّ، قال الحافظُ:"صدوقٌ له أوهامٌ"(التقريب)، وابنُه خلف، ، قال فيه الحافظ:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب).

قلنا: وقد انفردَ بذكر "أبي المهلب عم أبي قلابة" في هذا الإسنادِ، والمحفوظُ "عن أيوب عن أبي قلابة عن رجلٍ من بني عامر" كما في رواية الحمَّادين وابنِ عليةَ، أو رجل من بني قشير كما في رواية شعبة ومعمر.

الوجه السادس: عن أيوبَ عن أبي قِلابةَ عن أبي ذَرٍّ بغيرِ واسطةٍ.

رواه الخطيبُ في (الفصل 2/ 944 - 945) من طريق سفيان بن عيينة، ومن طريق أبي أحمد الزبيري عن الثوري.

كلاهما (ابن عيينة، والثوري) عن أيوب به.

فهذه أوجه الخلاف على أيوب.

أما رواية قتادة، فقد اختُلف عليه كذلك:

فرواه بقية عن سعيد بن بشير عن قتادة، واختُلف عليه:

فرواه الدارقطنيُّ في (السنن 726)، -ومن طريقه الخطيب في (الفصل 2/ 950 - 951) - من طريق محمد بن عمرو بن حنان الحمصي، ثنا بقية، نا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن رجاء بن عامر، أنه سمعَ

ص: 312

أبا ذَرٍّ به مختصرًا.

قال الدارقطنيُّ عقبه: "كذا قال رجاءُ بنُ عامرٍ، والصوابُ: (رجل من بني عامر) كما قال ابنُ عُليةَ، عن أيوبَ"(السنن 1/ 347) -ووافقه ابنُ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 653) -، وقال في (العلل 3/ 181):"ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي قلابة، فقال: عن رجاء بن عامر، عن أبي ذَرٍّ، وإنما أرادَ أن يقولَ: عن رجلٍ مِن بني عَامرٍ".

وقال الخطيبُ: "نرى أن قوله: (رجاء بن عامر) تصحيف، وصوابه عن رجل من بني عامر، على ما تقدَّمتْ به رواية الحمادين وابن علية عن أيوب، ورواية قبيصة عن الثوري، عن أيوب، عن أبي قلابة، والتصحيف عندنا من سعيد بن بشير أو ممن دونه"(الفصل للوصل المدرج في النقل 2/ 951).

قلنا: وقد رواه على الصوابِ كما عند الطبرانيِّ في (مسند الشاميين 2713) قال: حدثنا موسى بن عيسى بن المنذر، ثنا أبي، ثنا بقية بن الوليد، حدثني سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر، به.

ورواه بقيةُ على وجهٍ ثالثٍ، كما عند الطبرانيِّ في (مسند الشاميين 2743) فقال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عِرْق، ثنا محمد بن مصفى، ثنا بقية، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن جابر بن غانم، أنه سمع أبا ذَرٍّ، به.

والأوجهُ الثلاثةُ يرويها سعيد بن بشيرًا ولا نراها إلا وهمًا من سعيد بن بشير، فقد كان ضعيفًا (التقريب 2276).

قلنا: ورُوي عن وجهٍ آخرَ على قتادةَ، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 3/ 182)

ص: 313

فقال: "ورواه هشامٌ الدستوائيُّ عن قتادةَ، عن أبي قِلابةَ، أن رجلًا من بني قشير، قال: يا نبي الله

، ولم يذكرْ أبا ذَرٍّ، وأرسله.

وهذا الوجهُ لم نقفْ عليه عند أحد من المصنفين، وإسناده فيما ظهر لنا ضعيف لإرساله.

قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: "وأما من قال: "إن رجلًا من بني قشير قال: يا نبيَّ اللهِ! " فهي مخالفةٌ، فكان يجبُ أن ينظرَ في إسنادها على طريقته، فإن لم يكن ثابتًا لم يعلل بها"(الإمام 3/ 167).

فهذه أوجهُ الاختلافِ في حديثِ أبي قِلابةَ، فرواه خالدٌ الحذَّاءُ عنه عن ابنِ بجدانَ به ولم يختلفْ عليه أصحابُه.

بينما خالفه أيوبُ السختيانيُّ فرواه عن أبي قِلابةَ، واختُلفَ عنه كما سبقَ،

وخالفهما قتادةُ فرواه عنه فأرْسَلَهُ، والذي يرجح قد يرجح رواية خالد الحذاء لخلوها من الاختلاف، وكذا رجَّحها الدارقطنيُّ فقال -بعد ذكر الخلاف-:"والقولُ قولُ خالدٍ الحذَّاءِ"(العلل 3/ 182).

قلنا: وروايةُ خَالدٍ كشفتْ عن هذا المبهمِ في روايةِ أيوبَ، وعليه فلا تعارض بين القولين، فالرجل من بني عامر أو الرجل من بني قشير هو نفسه عمرو بن بُجْدَان، كما سبق.

ولكن يبقى الأمر في حال عمرو بن بجدان، فلم يوثقه معتبر، وانفرد بالرواية عنه أبو قلابة؛ ولذا قال أحمد، وغيره: لا يُعرف، وتقدم ذكر ذلك.

قلنا: ولكن جاءتْ له متابعةٌ ولكنها ضعيفة، من طريق ابن لهيعة عن عيسى بن موسى بن حميد عن أبي سعيد مولى المَهْري عن أبي ذَرٍّ به. أخرجها

ص: 314

أبو الحسنِ الخلعيُّ في (الخلعيات 652)، وغيره.

وسيأتي الكلامُ عليها في تحقيقٍ مستقلٍ.

وللحديثِ شواهدُ تدلُّ على أن له أصلًا، منها عن أبي هريرة، ولكن اختلف في وصله وإرساله، وسيأتي تخريجه قريبًا.

وقد سبقتْ رواية عطاء عن رجلٍ عن أبي ذَرٍّ، تحت "باب التيمم ضربة للوجه والكفين".

وسيأتي تخريج وتحقيق مرسل مجاهد.

ويشهد لمعناه حديث عمران بن حصين في (الصحيحين)، كما سبقَ.

ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الإرواء)، وقال:"وله شاهد من حديث أبي هريرة، وسندُهُ صحيحٌ، وقد خَرَّجتُ الحديثَ، وبيَّنتُ صحةَ إسنادِهِ في (صحيح سنن أبي داود) "(الإرواء 1/ 181)، وانظر (صحيح أبي داود 2/ 153).

وشاهدُ أبي هريرةَ هذا صَحَّحَهُ ابنُ القطانِ أيضًا، وقد اختُلفَ في وصله وإرساله، وسيأتي تفصيلُ ذلك في الحديثِ التالي إن شاء الله.

[تنبيهات]:

الأول: تحرَّف (يزيد بن زريع) عند الطحاويِّ في (أحكام القرآن)، إلى (بريك بن زريع).

الثاني: قال ابنُ الملقنِ: "هذا الحديثُ رواه أبو بكر الأثرم بلفظٍ غريبٍ، وهو: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ الصَّعِيدَ طَهُورٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ)) "(البدر المنير 2/ 657).

ص: 315

الثالث: قال ابنُ الملقنِ أيضًا: "لما ذكر ابنُ السَّكنِ في (صحاحه) حديثَ أبي ذَرٍّ قال: ورُوي مثلُه عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو واردٌ على قولِ الترمذيِّ: وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وعمران بن حصين"(البدر المنير 2/ 657، 658).

قلنا: ولم نقفْ على كتابِ ابنِ السَّكنِ، وكذلك لم نقفْ على حديثِ جابرٍ في المصادرِ الموجودةِ بين أيدينا.

الرابع: قال ابنُ حَجرٍ: "وصَحَّحَهُ أيضا أبو حاتم"(التلخيص الحبير 1/ 270)،

قلنا: ولم نجدْ كلامَ أبي حاتمٍ الدال على تصحيحه لهذا الحديث، لكن ما وقفنا عليه هو قول أبي زرعة -ولعلَّ هذا الذي يعنيه الحافظ- في تخطئة طريق "قبيصة بن عقبة، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن محجل -أو محجن- عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصوَّبَ طريقَ أبي قِلابةَ، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذَرٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وانظر (علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 391، 392). أو لعلَّه يقصدُ أبا حاتم ابنَ حِبَّانَ، والله أعلم.

الخامس: قال ابنُ رجبٍ: "وخرَّجه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)، والدارقطنيُّ، وصَحَّحَهُ، والحاكمُ"(فتح الباري 2/ 261).

قلنا: تصحيحُ الدارقطنيِّ لم نقفْ عليه في (السنن) ولا في (العلل) له، وإنما في (العلل) ترجيح لقول خالد الحذاء، إلا أن يكون قول ابنُ رجبٍ:"وصَحَّحَهُ" راجعًا إلى الحاكمِ، وتكون الواو في قوله:"والحاكم" مقحمة، والله أعلم.

ص: 316

رِوَايَةُ زَادَ: فَلْيَتَقِ اللهَ

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((

الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ المُسْلِمِ -أَوِ المُؤْمِنِ-، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ (حِجَجٍ)، فَإِذَا وَجَدَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَمَسَّ بَشَرَتَهُ -أَوْ قَالَ: جِلْدَهُ- المَاءُ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ خَيْرٌ (طَهُورٌ))).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ دون قوله: ((فَلْيَتَّقِ اللَّهَ)) فَشَاذٌّ.

[التخريج]:

[بز 3973 (واللفظ له)، 3974/ تخ (6/ 317) / قط 725 (والروايتان له ولغيرِهِ) / خطل (2/ 946 - 947)].

[التحقيق]:

له طريقان:

الأول:

رواه الدارقطنيُّ في (السنن 725) -ومن طريقه الخطيبُ في (الفصل للوصل المدرج في النقل 2/ 947) - قال: حدثنا الحسين، نا أبو البَختري، نا قَبيصة، نا سفيان، عن خالد، عن أبي قلابة، عن محجن -أو أبي محجن-، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وقال له:((فَإِنَّ ذَلِكَ طَهُورٌ)).

ورواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 6/ 317) قال: قال قَبيصةُ بسنده وقال فيه: "عن عمرو بن محجن، بلا شَكٍّ".

ورواه البزارُ في (المسند 3974) عن إبراهيم بن هانئ عن قَبيصةَ بسنده، ولكن قال:"عن عمرو بن محجن، أو محجن -شَكَّ قَبيصةُ-".

كذا، ولا ندري أسقطت الكنية (أبي) قبل محجن الثانية أم أراد أن يقول

ص: 317

ابن بجدان أو ابن محجل.

ولكن رواه الخطيبُ في (الفصل 2/ 947) من طريق شيخ البزار إبراهيم بن هانئ بسنده فقال: "عن عمرو بن محجن أو محجل" فتبين المراد، والله أعلم.

قلنا: وعلى كلٍّ سواء كان ابن محجن أو محجل، فالجميعُ وهم من قبيصة بن عقبة، فهو، إن كان صدوقًا، غير أنه كان كثيرَ الغلطِ في الثوريِّ كما قال أحمدُ، وقال ابنُ مَعينٍ:"ثقةٌ في كلِّ شيءٍ إلا في الثوريِّ"، وقال صالح جزرة:"كان رجلًا صالحًا إلا أنهم تكلَّموا في سماعه من سفيانَ"(تاريخ بغداد 14/ 493).

ولذا وهمه في قوله عمرو بن محجن غير واحد، فقال يحيى بن معين:"أخطأَ في عمرو بن محجن، إنما هو عمرو بن بجدان"(الفصل للوصل المدرج في النقل 2/ 947).

وقال ابنُ أبي حاتم: "سألتُ أبا زرعة عن حديثٍ رواه قَبيصةُ بنُ عُقبةَ، عن الثوريِّ، عن خالدٍ الحذَّاءِ، عن أبي قِلابةَ، عن عمرِو بنِ محجل -أو محجن- عن أبي ذَرٍّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الصَّعِيدَ كَافِيكَ وَلَوْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنينَ، فإِذَا أَصَبْتَ المَاءَ فأَصِبْهُ بَشَرَتَكَ))؟ قال أبو زرعة: هذا خطأٌ، أَخطأَ فيه قَبِيصةُ؛ إنما هو: أبو قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر"(علل ابن أبي حاتم 1).

وقال البخاريُّ: "وقال بعضُهم: ابن محجن، وهو وهم"(التاريخ الكبير 6/ 317).

وقال الخطيبُ: "ورواه قَبيصة بن عقبة، عن الثوري، عن خالد، عن

ص: 318

أبي قِلابةَ، عن عَمرو بن محجن أو محجل، وقيل: عن أبي قلابة، عن محجن أو أبي محجن، عن أبي ذَرٍّ، ولم يُتابَع قَبيصة على شيءٍ من هذين القولين)) (الفصل 2/ 934).

الثاني: رواه البزار في (المسند) فقال: حدثنا صالح بن حاتم بن وردان، وبشر بن معاذ، قالا: نا يزيد بن زريع، قال: نا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر، به.

وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن الحديثَ محفوظٌ عن يزيدَ بنِ زُريعٍ، ليس فيه قوله:"فليتق الله" هكذا رواه عنه جماعة، وهم:

- أبو كامل الفضيل بنُ الحسين الجحدري، كما عند ابنِ حِبَّانَ في (الصحيح 1312).

- العباس بنُ يزيد عند الدارقطنيِّ في (السنن 724).

- مسددٌ عند البيهقيِّ في (السنن الكبير 22، 886، 1064).

- إبراهيم بنُ موسى كما عند البيهقيِّ في (السنن الكبير 1034).

- أبو الوليد الطيالسيُّ كما عند الطحاويِّ في (أحكام القرآن 122).

- أبو حفص البصري عمر بن سهل كما عند الطيالسي في (مسنده عقب حديث رقم 486).

فرووه -ستَّتُهم- عن يزيد بن زريع بسنده، ليس فيه هذه الزيادة.

وتابع يزيد على هذا الوجه سفيان الثوري، وخالد بن عبد الله الواسطي، كما تقدم.

ص: 319

رِوَايَةُ زَادَ: لِلمُسَافِرِ

• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ لِلمُسَافِرِ فَقَالَ: ((إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءٌ لِلمُسَافِرِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ)).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ؛ دون قوله: ((لِلمُسَافِرِ)) فإنها منكرةٌ.

[التخريج]:

[خطل (2/ 935 - 936)].

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:

الأولى: عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، "ضعيف جدًّا" قال فيه ابنُ عَدِيٍّ:"يحدثُ عن الفريابي وغيره بالبواطيل" ثم ذكرَ له أحاديثَ ثم قال: "وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم هذا إما أن يكون مغفلًا لا يَدري ما يخرج من رأسه، أو يتعمدُ فإني رأيتُ له غير حديث مما لم أذكره أيضًا ها هنا غير محفوظ"(الكامل 7/ 77 - 78).

الثانية: أن المحفوظَ في الحديثِ عن الفريابي وغيره: ((إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءٌ لِلمُسْلِمِ)).

ص: 320

رِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ

• عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ فَأَتَيَمَّمُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي فَأَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مَنْزِلِهُ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَتَيْتُ المَسْجِدَ -وَقَدْ وُصِفَتْ لَهُ هَيْئَتُهُ- فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى انْصَرَفَ، فَقُلْتُ: أَنْتَ أَبو ذَرٍّ؟ قَالَ: إِنَّ أَهْلِيَ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ.

قُلْتُ: مَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَحَبَّ إِلَيَّ رُؤْيَةً مِنْكَ، قال: فَقَدْ رَأَيْتَنِي. قُلْتُ: إِنَّا كُنَّا نَعْزُبُ عَنِ المَاءِ فَتُصِيبُنَا الجَنَابَةُ فَنَلْبَثُ أَيَّامًا نَتَيَمَّمُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ أَشْكَلَ عَلَيَّ. قَالَ: أَتَعْرِفُ أَبَا ذَرٍّ؟ كُنْتُ بِالمَدِينَةِ فَاجْتَوَيْتُهَا فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِغُنَيْمَةٍ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَأَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَتَيَمَّمْتُ الصَّعِيدَ فَصَلَّيْتُ أَيَّامًا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي هَالِكٌ، فَأَمَرْتُ بِقَعُودٍ فَشُدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ رَكِبْتُهُ حَتَّى قَدِمْتُ المَدِينَةَ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّ المَسْجِدِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ:((سُبْحَانَ اللهِ! أَبو ذَرٍّ؟!)) فقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ فَتَيَمَّمْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي هَالِكٌ! فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ، فَجَاءَتْ بِهِ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فِي عُسٍّ يَتَخَضْخَضُ، يَقُولُ: لَيْسَ بِمَلآنَ فَاسْتَتَرْتُ بِالرَّاحِلَةِ وَأَمَرَ رَجُلًا فَسَتَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ قَالَ:

((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ كَافِيًا مَا لَمْ تَجِدِ المَاءَ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ بَشَرَتَكَ)) قَالَ: وَكَانَتْ جَنَابَةُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ جِمَاعٍ.

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ.

ص: 321

[التخريج]:

[عب 921 (واللفظ له) / حم 21305/ خطل (2/ 937 - 938، 942 - 943)].

[السند]:

رواه عبدُ الرزاقِ في (المصنف): عن معمرٍ، عن أيوبَ، عن أبي قِلابةَ، عن رجلٍ من بَني قُشيرٍ، به.

ورواه أحمدُ في (المسند): عن محمدِ بنِ جَعفرٍ، عن شعبةَ، عن أيوبَ، به.

ومداره عندهم على أيوبَ السختيانيِّ، به.

[التحقيق]:

تقدمَ الكلامُ على رجالِهِ، والرجلُ من بني قُشيرٍ هو نفسُه عمرو بن بُجْدَان، كما سبقَ، وبهذا قال العلامةُ أحمد شاكر في (تعليقه على سنن الترمذي 1/ 215).

وعمرو بن بجدان لم يوثِّقْهُ غير ابنِ حِبَّانَ والعجليِّ، وانفردَ بالروايةِ عنه أبو قلابةَ الجرميُّ.

ولكن له شاهد من حديث أبي هريرة، سيأتي تخريجُه قريبًا.

ويشهدُ له -أيضًا- مرسلُ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ كما تقدَّم تحت "باب التيمم ضربة للوجه والكفين".

ويشهدُ لمعناه حديثُ عمران بن حصين في (الصحيحين)، وقد تقدَّم تحت "باب مشروعية التيمم".

ص: 322

رِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ

• عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي عَامِرٍ، قَالَ: كُنْتُ كَافِرًا، فَهَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ، وَكُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، وَقَدْ نُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنًى فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوقٌ آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةُ قِطْرِيٍّ، فَذَهَبْتُ حَتَّى قُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاةً أَتَمَّهَا وَأَحْسَنَهَا وَأَطْوَلَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ رَدَّ عَلَيَّ، قُلْتُ: أَنْتَ أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: إِنَّ أَهْلِي لَيَزْعُمُونَ ذَلِكَ. قَالَ: كُنْتُ كَافِرًا فَهَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَهَمَّنِي دِينِي، وَكُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي.

قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ أَبَا ذَرٍّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.

قَالَ: فَإِنِّي اجْتَوَيْتُ المَدِينَةَ، -قال أيوبُ: أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ مِنْ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَكُنْتُ أَكُونُ فِيهَا، فَكُنْتُ أَعْزُبُ عنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ هَلَكْتُ، فَقَعَدْتُ عَلَى بَعِيرٍ مِنْهَا، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نِصْفَ النَّهَارِ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ المَسْجِدِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَنَزَلْتُ عَنِ البَعِيرِ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْتُ! قَالَ:((وَمَا أَهْلَكَكَ؟)) فَحَدَّثْتُهُ، فَضَحِكَ، فَدَعَا إِنْسَانًا مِنْ أَهْلِهِ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ بِعُسٍّ فِيهِ مَاءٌ، مَا هُوَ بِمَلْآنَ، إِنَّهُ لَيَتَخَضْخَضُ، فَاسْتَتَرْتُ بِالبَعِيرِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا مِنَ القَوْمِ فَسَتَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ:((إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ مَا لَمْ تَجِدِ المَاءَ، وَلَوْ إِلَى عَشْرِ حِجَجٍ، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ، فَأَمِسَّ بَشَرَتَكَ)).

ص: 323

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ.

[التخريج]:

[حم 21304 (واللفظ له) / قط 722 (مختصرًا) / ش 1673 (مختصرًا جدًّا على آخره) / خطل (2/ 940 - 942) / تحقيق 263].

[السند]:

رواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 1673).

وأحمدُ في (المسند 21304) -ومن طريقه الخطيبُ في (الفصل 2/ 940 - 941)، وابنُ الجَوزيِّ في (التحقيق 263) -.

والدارقطنيُّ في (السنن 722): من طريق يعقوب بن إبراهيم.

ثلاثتُهم (ابن أبي شيبة، أحمد بن حنبل، ويعقوب بن إبراهيم): عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل، من بني عامر، به.

ورواه الخطيبُ في (الفصل 2/ 942) من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب به.

[التحقيق]:

تقدَّم الكلامُ على رجالِهِ، والرجلُ من بَني قُشيرٍ هو نفسُه عمرو بن بجدان، كما سبقَ، وبهذا قال العلامة أحمد شاكر في (تعليقه على سنن الترمذي 1/ 215).

وعمرو بن بجدان لم يوثقه غير ابن حِبَّانَ والعجلي، وانفرد بالرواية عنه أبو قلابة الجرمي.

ص: 324

ولكن له شاهد من حديث أبي هريرة، سيأتي تخريجه قريبًا.

ويشهدُ له -أيضًا- مرسلُ عطاءِ بنِ أبي رباحٍ كما تقدَّم تحت: "باب التيمم ضربة للوجه والكفين".

ويشهدُ لمعناه حديثُ عمرانَ بنِ حُصينٍ في (الصحيحين)، وقد تقدم تحت "باب مشروعية التيمم".

ص: 325

رِوَايَةُ زَادَ: أَبْوَالُهَا

• وَفِي رِوَايَةٍ: عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ قال: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ يُصَلِّي [إِلَى سَارِيَةٍ، فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ]، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قِطْرِيٌّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ رَدَّ عَلَيَّ قُلْتُ: أَنْتَ أَبُو ذَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، [إِنَّ أَهْلِي يَزْعُمُونَ ذَلِكَ. قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أَتَمَنَّى لِقَاكَ. قَالَ: فَقَدْ لَقِيتَنِي. قُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي.

قَالَ: تَعْرِفُ أَبَا ذَرٍّ؟] قَالَ: اجْتَوَيْتُ المَدِينَةَ فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ (بِلِقَاحٍ) وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْرَبَ مِنْ أَلبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا -ثُمَّ سَكَتَ أَيُّوبُ عِنْدَ أَبْوَالِهَا (إِنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَقُولُ: أَلبَانهَا وَلَا يَذْكُرُ أَبْوَالَهَا) - وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ظِلِّ المَسْجِدِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ:((يَا أَبَا ذَرٍّ))، قُلْتُ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: ((وَمَا أَهْلَكَكَ؟))، أَوْ قَالَ:((وَمَا ذَاكَ؟))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، أَفَأُصَلِّي بِغَيْرِ وُضُوءٍ -أَوْ قَالَ: بِغَيْرِ طَهُورٍ-؟ فَدَعَا لِي بِمَاءٍ فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ حَبَشِيَّةٌ [سَوْدَاءُ] بِعُسٍّ فِيهِ مَاءٌ يَتَخَضْخَضُ مَا هُوَ بِمَلْآنَ [فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْتُرُنِي] فَاسْتَتَرْتُ بِالبَعِيرِ وَاغْتَسَلْتُ.

قَالَ: وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ كَافِيكَ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ (حِجَجٍ) فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ [أَوْ بَشَرَتَكَ])).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ، دون قوله:((أبوالها)) فمنكرٌ، وأنكره: أبو داود -وأقرَّه ابنُ العربي، وابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ الملقنِ، والعينيُّ -.

[التخريج]:

[طي 486/ هق 862/ خطل (2/ 939) / أيوب 46 (والزيادات له

ص: 326

والروايات)].

[التحقيق]:

انظره عقب الرواية الآتية.

رِوَايَةُ وَأَشُكُّ فِي أَبْوَالِهَا

• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ:

دَخَلْتُ فِي الإِسْلَامِ، فَأَهَمَّنِي دِينِي، فَأَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي اجْتَوَيْتُ المَدِينَةَ، فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَوْدٍ وَبِغَنَمٍ، فَقَالَ لِي:((اشْرَبْ مِنْ ألبَانِهَا))، وَأَشُكُّ فِي أَبْوَالِهَا.

فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أعْزُبُ عَنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طَهُورٍ! فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ فِي ظِلِّ المَسْجِدِ، فَقَالَ:((أَبُو ذَرٍّ؟)) فَقُلْتُ: نَعَمْ، هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ:((وَمَا أَهْلَكَكَ؟)) قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيبُنِي الجَنَابَةُ، فَأُصَلِّي بِغَيْرِ طُهُورٍ! فَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ، فَجَاءَتْ بِهِ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ بِعُسٍّ يَتَخَضْخَضُ مَا هُوَ بِمَلآنَ، فَتَسَتَّرْتُ إِلَى بَعِيرٍ، فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ، فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ)).

[الحكم]:

حسنٌ لغيرِهِ دون قوله: ((أبوالها)) فمنكر، وأنكره أبو داود.

[التخريج]:

[د 333/ هق 1055/ استذ (3/ 167) / خطل (2/ 938 - 939)].

ص: 327

[السند]:

رواه أبو داود في (السنن 333) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير 1055)، والخطيب في (الفصل 2/ 938) -، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، -عند البيهقيِّ، يعني ابنَ سلمة-، عن أيوب، عن أبي قِلابةَ، عن رجلٍ مِن بني عَامر، بلفظ الرواية الثانية، وفيه قال حماد: " فقال لي: ((اشْرَبْ مِنْ ألبَانِهَا))، وَأَشُكُّ فِي أَبْوَالِهَا.

ورواه إسماعيل القاضي في (حديث أيوب) من طريق حماد بن زيد، عن أيوب بسنده، وقال فيه حماد بن زيد:"ثم إن أيوب كان يقول: ألبانها، ولا يذكر أبوالها".

ورواه الطيالسيُّ في (مسنده 486) -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن الكبير 862) -، وغيره قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد، عن أيوب، به وفيه:((وأَمَرَني أَنْ أَشْرَبَ مِن أَلبَانِهَا وأَبْوالِها، ثم سَكَتَ أيوبُ عندَ أبوالها)).

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير الرجلِ المبهمِ مِن بني عامرٍ، وقد تقدَّم أنه عمرُو بنُ بُجدانَ.

ولكن وَقَعَ في رواية الحمَّادين زيادة، يجبُ التنبيهُ عليها، وهي قوله:((وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها)).

وزيادة: "الشرب من أبوال الإبل"، أنكرها أبو داود، فقال:"رواه حماد بن زيد، عن أيوب، لم يذكر أبوالها، ثم قال: "هذا ليس بصحيح، وليس في أبوالها إلا حديث أنس، تفرَّدَ به أهلُ البصرةِ" (2/ 274).

ص: 328

وأقرَّه: ابنُ العربيِّ في (عارضة الأحوذي 1/ 193)، وابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 3/ 165)، وابنُ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 652)، والعينيُّ في (شرح أبي داود 2/ 148).

وقال الآجريُّ: سمعتُ أبا داود يقولُ: "حمادُ بنُ سلمةَ وَهم فِيهِ، زاد وأبوالها"(سؤالات الآجري لأبي داود 439).

قلنا: تعليق الوهم بحماد بن سلمة غير مستقيم؛ وذلك لكون حماد نفسه قال: "وأشك في أبوالها" وهذا الشَّك جاءه من تحديث أيوب به أولًا ثم تركه له في آخر أمره، بَيَّنَ ذلك حمادُ بنُ زيدٍ، فقال:"كان أيوب يذكر أبوالها ثم سكت عنها"، وفي لفظ آخر:"كان يقول ألبانها ولا يذكر أبوالها".

وقد سُئِلَ يحيى بن معين عن أحاديث أيوب، اختلاف ابن علية وحماد بن زيد قال:"إن أيوبَ كان يحفظُ وربما نَسي الشيءَ"(كلام ابن معين في الرجال رواية ابن طهمان 234).

وقال عبدُ الوارثِ: "كان أيوب إذا قدم من مكة أو الحجاز يقول: احفظوا فإني أَنْسَى"(العلل لأحمد رواية ابنه عبد الله 691).

ص: 329

رِوَايَةُ أَصِبْ أَهْلَكَ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ

• وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُصِيبُ أَهْلِي وَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى المَاءِ؟ قَالَ:((أَصِبْ أَهْلَكَ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِنَّ التُّرَابَ كَافِيكَ)).

• وَفِي رِوَايَةٍ 2 قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ أَهْلِي وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى المَاءِ؟ قَالَ:((أَصِبْ أَهْلَكَ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى المَاءِ عَشْرَ سِنِينَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ بهذا السياقِ.

[التخريج]:

[خلع 652 (واللفظ له) / تد (1/ 257) (والرواية الثانية له)].

[السند]:

قال أبو الحسن الخلعي في (الخلعيات): أخبرنا أبو عبد الله شعيب بن عبد الله بن المنهال، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي، قال: حدثنا أبو الزنباع رَوْح بن الفرج، قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عيسى بن موسى بن حميد، عن أبي سعيد

(1)

، عن أبي ذَرٍّ، به.

ورواه الرافعيُّ في (التدوين) من طريق محمد بن شاذان عن المعلى بن منصور عن ابن لهيعة به.

(1)

تصحَّفَ في المطبوع من (الخلعيات) إلى "أبي شعيب" تبعًا للأصل، والمثبتُ هو الصوابُ فلا يُعرفُ أبو شعيب هذا. والذي في (تهذيب الكمال 12/ 111):"أبو سعيد مولى المهري روى عن أبي ذر".

ص: 330

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه ثلاثُ عللٍ:

الأولى: عبد الله بن لهيعة، ضعيفٌ كما سبقَ مرارًا.

الثانية: شيخُه عيسى بن موسى بن حميد، ترجمَ له الذهبيُّ في (تاريخ الإسلام 3/ 720)، ولم يزد أن قال:"وماتَ شابًّا"، فالظاهرُ أنه مجهولٌ.

الثالثة: أن في سماع أبي سعيد هذا من أبي ذَرٍّ نظر؛ ولذا قال الذهبيُّ في ترجمة أبي سعيد مولى المهري: "روى عن أبي ذَرٍّ، إن صَحَّ"(تاريخ الإسلام 2/ 1198).

[تنبيه]:

ذكر الكاسانيُّ في (بدائع الصنائع 1/ 309) عن أبي مالك الغِفاري رضي الله عنه أنه قال: قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: أأجامع امرأتي، وأنا لا أجدُ الماءَ

فذكره بمثل هذه الرواية. ولم نقفْ عليه في شيءٍ من مصادرِ السنةِ من حديثِ أبي مالكٍ الغفاريِّ، ثم إن أبا مالك تابعي وليس بصحابي، فكيف يقول: (قلتُ للنبيِّ

).

والذي يظهرُ أنه وهمٌ أو سبق قلم، والصواب:(عن أبي ذر الغفاري).

* * *

ص: 331

3156 -

حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ

◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الصَّعِيدُ وَضُوءُ المُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ المَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ المَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ولْيُمِسَّهُ بَشَرَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ)).

[الحكم]:

حسنُ المتنِ دون قوله: ((فَلْيَتَّقِ اللَّهَ)).

وهذا إسنادٌ مختلفٌ فيه:

فصَحَّحَهُ: ابنُ القطانِ -ووافقه ابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ القيمِ، وابنُ كَثيرٍ، وابنُ الملقنِ-، وابنُ سيدِ الناسِ، والهيثميُّ، والسيوطيُّ، والمُناويُّ، والألبانيُّ.

وأعلَّه بالإرسالِ: الدارقطنيُّ -وأقرَّه ابنُ حَجرٍ، والعينيُّ، والشوكانيُّ- وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ رَجبٍ الحنبليُّ.

[التخريج]:

[بز 10068].

[السند]:

قال البزارُ: حدثنا مقدم بن محمد بن يحيى

(1)

بن مُقَدِّم المُقَدَّمي، حدثني عمِّي القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم، ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة به.

(1)

تصحَّف في المطبوع إلى "ابن علي"، والصوابُ المثبتُ كما في (الإمام لابن دقيق العيد 3/ 163)، و (نصب الراية 1/ 149)، ويدلُّ عليه نسب عمه القاسم في السند.

ص: 332

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، رجالُ البخاريِّ، إلا أن مقدم بن محمد -وإن وَثَّقَهُ الدارقطنيُّ كما في (سؤالات الحاكم 500)، والبزارُ في (مسنده 17/ 309) - فقد ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 9/ 208) وقال:"يُغربُ ويخالفُ"؛ ولذا قال الحافظُ في (التقريب 6872): "صدوقٌ، ربما وهم"، وقال في (مقدمة الفتح صـ 445):"وَثَّقَهُ أبو بكرٍ البزارُ، والدارقطنيُّ، وابنُ حِبَّانَ لكن لما ذكره في (الثقات) قال: يُغْربُ ويخالفُ. فهذا إن كان كثر منه حُكم على حديثه بالشذوذِ".

وقدِ انفردَ بهذا الحديثِ، فقال البزارُ عقبه:"هذا الحديثُ لا نعلمه يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا مِن هذا الوجه، ولم نسمعه إِلا من مقدم بن محمد، عن عمِّه وكان مقدم ثقة معروف النسب".

قلنا: وقد خُولف في سندِ هذا الحديثِ:

فرواه ثابتُ بنُ يزيدَ أبو زيد وزائدة عن هشام عن ابن سيرين مرسلًا.

وكذلك رواه أيوبُ السختيانيُّ وابنُ عونٍ وأشعثُ بنُ سوار عن ابنِ سيرينَ مرسلًا.

ذكر هذه الطرقَ الدارقطنيُّ في (العلل 4/ 70) ثم قال: "وهو الصوابُ"، يعني المرسلَ.

وأقرَّه ابنُ حَجرٍ في (فتح الباري 1/ 446)، و (بلوغ المرام 131)، وبدرُ الدينِ العينيُّ في (عمدة القاري 4/ 23)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 323).

وقال ابنُ رجبٍ: "الصحيحُ عن ابنِ سيرينَ مرسلًا، قاله الدارقطنيُّ وغيرُهُ"

ص: 333

(الفتح له 2/ 261).

قلنا: ومع ذلك ذكره ابنُ القطانِ من جهة البزار، وقال:"إسنادُهُ صحيحٌ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 328، 5/ 266، 670)، وأقرَّه ابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإلمام 107)، وابنُ القيمِ في (حاشيته على سنن أبي داود 1/ 524)، وابنُ كَثيرٍ في (إرشاد الفقيه 1/ 74)، و (التفسير 2/ 318)، وابنُ الملقنِ في (تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج 1/ 208)، و (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 5/ 190).

وقال ابنُ سيدِ الناسِ: "وَثَّقَ البزارُ مقدّمًا شيخه، وعمه أخرج له البخاري محتجًّا به، ولفظ هذا الحديث وحديث أبي ذَرٍّ واحد، وهو راجح عليه لسلامته مما علل به حديث أبي ذر"(النفح الشذي 3/ 70).

وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الأوسط)، ورجاله رجال الصحيح"(مجمع الزوائد 1408).

ورمز لصحته السيوطيُّ في (الجامع الصغير 5154)، وتبعه المُناويُّ فقال:"إسناده صحيح"(التيسير 2/ 105).

وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الصحيحة 7/ 65/ 3029)، ولم يلتفت لعلة الإرسال، واستشهد له بحديث أبي ذر السابق، وانظر (إرواء الغليل 1/ 181)، و (صحيح أبي داود - الأم 2/ 153).

قلنا: وإطلاق القول بالتصحيح فيه نظر؛ لما ذكرنا آنفًا.

ولذا تعقب ابنُ عبدِ الهادِي ابنَ القطانِ فقال: "وأرى الدارقطنيّ قال: الصواب أنه مرسل"، ثم قال:"وهو غريبٌ من حديثِ أبي هريرةَ، وله علةٌ، والمشهورُ حديث أبي ذَرٍّ الذي صَحَّحَهُ الترمذيُّ وغيرُهُ" (المحرر في

ص: 334

الحديث صـ 144).

وقال في (حاشية الإلمام 1/ 64): "ويُحتملُ أن يكونَ دَخَلَ على مُقدَّم أو عمِّه حديثٌ في حديثٍ".

وقال ابنُ حَجرٍ في (فتح الباري 1/ 446): "أخرجه البزار

وصَحَّحَهُ ابنُ القطانِ، لكن قال الدارقطنيُّ: إن الصوابَ إرساله"، وانظر (التلخيص الحبير 1/ 271).

وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: "غريبٌ من حديثِ أبي هريرةَ"(البناية شرح الهداية 1/ 514).

ص: 335

رِوَايَةُ عِشْرِينَ سَنَةً

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ بِالمَدِينَةِ

(1)

، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((يَا أَبَا ذَرٍّ)) فَسَكَتَ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، فَسَكَتَ، فَقَالَ:((يَا أَبَا ذَرٍّ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ)) قَالَ: إِنِّي جُنُبٌ. فَدَعَا لَهُ الجَارِيَةَ بِمَاءٍ، فَجَاءَتْهُ، فَاسْتَتَرَ بِرَاحِلَتِهِ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((يُجْزِئُكَ الصَّعِيدُ وَلَوْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا وَجَدْتَهُ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ)).

[الحكم]:

حسنُ المتنِ، إلا لفظة:((عِشْرِينَ سَنَةً))؛ فلا تصحُّ.

وهذا إسنادُهُ معلٌّ بالإرسالِ، أعلَّه الدارقطنيُّ وغيرُهُ كما تقدَّمَ.

[الفوائد]:

المقصودُ بلفظ العشر سنين والعشرين سنة واحد، وهو طول الزمن، وليس تعيين الزمن.

[التخريج]:

[طس 1333].

[السند]:

قال الطبرانيُّ: حدثنا أحمد قال: نا مقدم قال: نا القاسم، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة به.

(1)

قال محقق الأوسط (2/ 86 حاشية رقم 2): " كذا بالأصل، ونسختَي (المجمع)، وكذا (مجمع الزوائد) وفي هامش (مجمع الزوائد) تصويب لها "الربذة" -وهو الصواب- ويظهر أن الخطأ من أحد الرواة، أو من أصل النسخة، فبالإضافة لما ذكرناه فقد نقله كذلك -أيضًا- الزيلعي في (نصب الراية).

ص: 336

أحمد هو ابن محمد بن عبد الله بن صدقة أبو بكر.

ومقدم هو ابن محمد بن يحيى المقدمي.

والقاسم هو ابن يحيى المقدمي.

قال الطبرانيُّ عقبه: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن محمد إلا هشام، ولا عن هشام إلا القاسم، تفرَّدَ به مقدم".

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، ولكن مقدم بن محمد المقدمي، قال ابنُ حِبَّانَ:"يغربُ ويخالفُ"(الثقات 9/ 208)، وقد خالفه غيره فرواه مرسلًا، كما تقدم في الروايةِ السابقةِ.

وقد أغربَ في لفظه، وذلك أن المشهورَ في الحديث بلفظ:"عشر سنين"، وليس:"عشرين سنة".

ص: 337

3157 -

حَدِيثُ عَمَّارٍ

◼ عَنْ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُصِيبُ أَحَدَنَا الجَنَابَةُ، ثُمَّ لَا يَجِدُ مَاءً فَيَتَيَمَّمُ، ثُمَّ يَجِدُ المَاءَ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَمِسَّ جِلْدَكَ المَاءَ، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ)).

[الحكم]:

إسنادُهُ ضعيفٌ، ولمعناه شاهدان من حديث عمران وأبي ذر.

[التخريج]:

[محد (3/ 374/ 545)].

[السند]:

رواه أبو الشيخ في (الطبقات 545) قال: حدثنا عبد الله بن محمد، قال: ثنا مُحْرِز بن سلمة أبو محمد، قال: ثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن منصور بن زاذان، عن عمار به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: الانقطاع بين منصور بن زاذان وعمار بن ياسر، فقد مات منصور سنة (129 هـ)، ومات عمار سنة (37 هـ)، فلم يدركه منصور، وقد نَفَى بعضُهم سماعَ منصورٍ من أنسٍ المتوفى سنة (93 هـ)، فكيف بعمَّارٍ؟ !

وقد ذكره الحافظُ في الطبقة السادسة (التقريب 6898)، وهم الذين لم يثبتْ لهم لقاء أحد من الصحابة، كما نَصَّ على ذلك الحافظُ في المقدمة.

الثانية: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، تُكلم في حفظه، وحديثُه عن عبيد الله بن عمر منكرٌ، قاله النسائيُّ، واعتمده ابنُ حَجرٍ في (التقريب 4119).

ص: 338

وسِرُّ ذلك أنه كان يقلبُ حديثَ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ العمريِّ -وهو ضعيف- فيجعله من حديث أخيه الثقة عبيد الله، قال الإمامُ أحمدُ:"ما حَدَّثَ عن عبيد الله بن عمر فهو عن عبد الله بن عمر"(التهذيب 18/ 193).

وغفل محقق (الطبقات) عن هاتين العلتين، فحَسَّنَ إسنادَهُ!

نعم، يشهدُ لمعناه ما سبقَ في الباب عن عمران بن حصين وأبي ذر رضي الله عنهما.

ص: 339

3158 -

حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ

◼ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَغِيبُ أَشْهُرًا عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، أَفَأُصِيبُ مِنْهُمْ؟ قَالَ:((نَعَمْ)). قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَغِيبُ أَشْهُرًا.

قَالَ: ((وَإِنْ غِبْتَ [ثَلَاثَ سِنِينَ])).

[الحكم]:

ضعيفٌ مضطربٌ.

[التخريج]:

[مث 1492 (واللفظ له) / هق 1057 (والزيادة له)].

[السند]:

قال أبو بكر بنُ أبي عاصمٍ في (الآحاد والمثاني): حدثنا هشام بن عمار، نا الوليد بن مسلم، عن سعيد، عن قتادة، عن معاوية بن حكيم، عن عمه، به.

ورواه البيهقيُّ في (السنن الكبير) من طريق أبي عامر موسى بن عامر، حدثنا الوليد -يعني ابنَ مسلم-، حدثنا سعيد -يعني ابنَ بَشيرٍ-، به.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ، علته سعيد بن بشير، ضعيفٌ ولاسيما في قتادةَ، فروايتُه عنه منكرةٌ، قال ابنُ نُميرٍ:"سعيد بن بشير منكر الحديث، وليس بشيء، ليس بقوي الحديث، يَروي عن قتادة المنكرات"(الجرح والتعديل 4/ 7)، وقال الساجيُّ:"حَدَّثَ عن قتادةَ بمناكيرَ"(التهذيب 4/ 10).

قلنا: وروايتُه هذه قد اضطربَ فيها على عدةِ أوجهٍ:

ص: 340

فراوه عنه الوليد بن مسلم كما في روايته هذه، فقال: عن قتادة عن معاوية بن حكيم عن عمه به.

واختلف في عمِّه هذا: فذكر ابنُ أبي عاصم حديثَه هذا تحت ترجمة: "مخمر بن معاوية رضي الله عنه"، بينما قال البيهقيُّ عقب الحديث:"يُقالُ: عمّه حكيم بن معاوية نميري".

قال الذهبيُّ في (المهذب في اختصار السنن الكبير 1/ 227): "قال (خ): في صحبته نظر".

قلنا: وخالف الوليدَ أبو الجماهر محمد بن عثمان، واختُلفَ عنه:

فرواه عُبيدُ بنُ شَريكٍ كما عند الحاكم في (المستدرك 6874)،

وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو كما عند الطبراني في (المعجم الكبير 20/ 337/ 797).

فرواه كلاهما (عبيد، وأبو زرعة) عن أبي الجماهر عن سعيد عن قتادة عن حكيم بن معاوية عن عمَّه مخمر بن حيدة بنحوه.

وخالفهما الحسن بن جرير الصوري، فرواه عن أبي الجماهر عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، به.

فجعل الحديث من مسند معاوية بن حيدة.

وهذا الطريقُ رجَّحَهُ الدارقطنيُّ فقال: "يرويه قتادة، واختُلف عنه؛ فرواه قتادة، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه. وخالفه سعيد بن بَشير، رواه عن قتادة، عن معاوية بن حكيم، عن عمه. والأول أشبه بالصواب"(العلل 3/ 285).

ص: 341

وكلامُ الدارقطنيِّ مشكلٌ حيثُ لم يذكرْ مَن رواه عن قتادةَ على الوجهِ الذي رجَّحه. والذي وقفنا عليه هو من رواية سعيد بن بشير نفسه، وقد اضطربَ فيه كما بيَّنَّا وسنبين، فنقول:

إن بقية بن الوليد خالف الجميعَ كما عند البرقي في (تاريخه) -كما في (شرح ابن ماجه 2/ 340) - فقال: عن سعيد عن قتادة عن معاوية بن حكيم -أو حكيم بن معاوية- عن عمِّه، به.

قلنا: ومدارُ هذه الأوجهِ على سعيد بن بشير، وقدِ اضطربَ فيه كما هو مبينٌ وذلك لضعفه.

ص: 342

3159 -

حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ -أَوْ: حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ- عَنْ عَمِّهِ

◼ عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَكِيمٍ -أَوْ: حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ- عَنْ عَمِّهِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنِّى أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي، أَفَأُصِيبُ مِنْهُمْ؟ قَالَ:((نَعَمْ)). قَالَ: إِنِّي أَغِيبُ شَهْرًا. قَالَ: ((وَإِنْ مَكَثْتَ ثَلَاثَ سِنِينَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ مضطربٌ.

[التخريج]:

[تاريخ البرقي (مغلطاي 2/ 339 - 340)].

[السند]:

قال مغلطاي: ذكره البرقيُّ في (تاريخه) من جهة بقية، ثنا سعيد بن بشير، ثنا قتادة عن معاوية بن حكيم -أو حكيم بن معاوية- عن عمِّه، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعفِ سعيدِ بنِ بَشيرٍ لاسيما عن قتادةَ فروايتُه منكرةٌ، وقدِ اضطربَ فيه كما سبقَ قريبًا.

ص: 343

3160 -

حَدِيثُ حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمِّهِ مِخْمَرٍ

◼ عَنْ حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَمِّهِ مِخْمَرِ بنِ حَيْدَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَغِيبُ أَشْهُرًا (الشَّهْرَ) عَنِ المَاءِ، وَمَعِي أَهْلِي، أَفَأُصِيبُ مِنْهُمْ؟ قَالَ:((نَعَمْ))، [قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَغِيبُ أَشْهُرًا. قَالَ: ] ((وَإِنْ غِبْتَ عَشر سِنِينَ (ثَلَاثِينَ سَنَةً))).

[الحكم]:

ضعيفٌ مضطربٌ.

[التخريج]:

[ك 6874 (واللفظ له) / طب (20/ 337/ 797) (والروايتان له والزيادة)].

[السند]:

قال الحاكم: حدثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا عبيد بن شريك، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن حكيم بن معاوية، عن عمه مخمر بن حيدة به.

وقال الطبرانيُّ: حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو، ثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان، به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعفِ سعيدِ بنِ بَشيرٍ لاسيما عن قتادةَ فروايتُه منكرةٌ، وقد اضطربَ فيه كما سبقَ قريبًا.

ومع هذا قال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في الكبير، وإسنادُهُ حسنٌ"(مجمع الزوائد 1421).

قلنا: وهذا منه غير حسن لما تقدم.

ص: 344

3161 -

حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ

◼ عَنْ حَكِيمِ بنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أَغِيبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَأُصِيبَ مِنْهُمْ؟ قَالَ:((تَيَمَّمْ)) قَالَ: إِنِّي أَغِيبُ أَشْهُرًا؟ قَالَ: ((وَإِنَّ مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ مضطربٌ.

[التخريج]:

[طش 2740].

[السند]:

قال الطبرانيُّ: حدثنا الحسن بن جرير الصوري، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه به.

[التحقيق]:

إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لضعف سعيد بن بشير لاسيما عن قتادةَ فروايتُه منكرةٌ، وقدِ اضطربَ فيه كما سبقَ قريبًا.

ص: 345

3162 -

حَدِيثُ مَجَاهِدٍ مُرْسَلًا

◼عَنْ هِشَامٍ قَالَ: زَعَمَ مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((يَا أَبَا ذَرٍّ، الصَّعِيدُ يَكْفِيكَ، وَإِنْ لَمْ تَجِدِ المَاءَ عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ المَاءَ فَأَمِسُّهُ جِلْدَكَ)).

[الحكم]:

ضعيفٌ لإرسالِهِ.

[التخريج]:

[حرب (طهارة 652)].

[السند]:

قال حربٌ الكرمانيُّ في (مسائله): حدثنا الربيع بن يحيى قال: ثنا زائدة، عن هشام قال: زعم مجاهد أن أبا ذر

الحديث.

[التحقيق]:

هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:

الأولى: الإرسالُ: فمجاهدٌ هو ابنُ جَبرٍ، معدودٌ في التابعين.

الثانية: هشامٌ، لم يتبينْ لنا، فزائدةُ بنُ قُدامةَ يروي عن هشام بن حسان، والآخر ابن عروة، وكلاهما ثقتان، ولكن لم نقفْ لأحدهما على رواية عن مجاهد.

ص: 346