المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - فصل في آداب سفر الحج، وهي كثيرة - رحلة الصديق إلى البلد العتيق

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة إدارة الشؤون الإسلامية

- ‌الباب الأولفي فضل مكة وما يتصل به

- ‌1 - فصل في فضل مكة -زادها الله تشريفاً وتكريماً

- ‌2 - فصل في أسمائها

- ‌3 - فصل في ألقابها وحدودها

- ‌4 - فصل في جبالها وحكم زيارتها

- ‌5 - فصل في حكم المجاورة بها

- ‌6 - فصل في الموت بها، وذكر من دُفن بها

- ‌7 - فصل في آداب المجاورة بها

- ‌8 - فصل في مساجدها ودورها

- ‌9 - فصل في خطاها والمشي فيها

- ‌10 - فصل في النظر إلى البيت

- ‌11 - فصل في محلات يستجاب الدعاء بها

- ‌12 - فصل في بعض آياتها

- ‌الباب الثانيفي فضائل الحجاج والعمار والطواف وما ضاهاها

- ‌1 - فصل في فضل الحاج والمعتمر

- ‌2 - فصل في فضل رمضان بمكة والعمرة بها

- ‌3 - فصل في فضل الطواف

- ‌4 - فصل فيما جاء في الحَجَر والركنين والملتزم

- ‌5 - فصل في المشي بين الصفا والمروة

- ‌6 - فصل في فضل شرب ماء زمزم

- ‌7 - فصل في أسماء ماء زمزم

- ‌8 - فصل في المحافظة على الصلوات في المسجد الحرام جماعة في أوقاتها

- ‌9 - فصل في فضل من صبر على حرها ولأوائها

- ‌الباب الثالثفي مبادىء الحج والعمرة

- ‌1 - فصل في الترغيب في الحج والعمرة

- ‌2 - فصل في آداب سفر الحج، وهي كثيرة

- ‌3 - فصل في وجوب الحج والعمرة لله عز وجل

- ‌4 - فصل في وجوب الحج على الفور

- ‌5 - فصل في اعتبار الزاد والراحلة

- ‌6 - فصل في ركوب البحر

- ‌7 - فصل في حج الصبي والرقيق والحج عن الغير

- ‌8 - فصل في أنواع الحج

- ‌9 - فصل في بيان الأفضل من هذه الأنواع

- ‌10 - فصل في نوع حجه صلى الله عليه وسلم

- ‌11 - فصل في إدخال العمرة على الحج وفسخه إليها

- ‌12 - فصل في مواقيت الحج

- ‌13 - فصل في ميقات العمرة وهو الحل

- ‌14 - فصل في كراهة الإحرام قبل أشهر الحج

- ‌15 - فصل في جواز العمرة في جميع السنة

- ‌16 - فصل في وجوه الإحرام

- ‌17 - فصل فيمن أحرم مطلقاً، أو قال: أحرمتُ بما أحرم به فلانٌ

- ‌18 - فصل في الاشتراط

- ‌19 - فصل في الفوات والإحصار ووجوب الهدي على المُحْصَر

- ‌20 - فصل في حكم الهَدْي

- ‌21 - فصل في ركوب الهدي والحمل عليه

- ‌22 - فصل فيما يجتنبه المحرم وما يباح له

- ‌23 - فصل في الفدية

- ‌24 - فصل في نكاح المحرِم

- ‌25 - فصل في صيد المُحْرِم

- ‌26 - فصل في جزاء الصيد

- ‌27 - فصل في قتل المؤذيات

- ‌28 - فصل في حرم مكة المكرمة -زادها الله تعالى تعظيماً

- ‌29 - فصل في حرم المدينة المنورة -زاد الله شرفها

- ‌30 - فصل في حرم وَجّ

- ‌31 - فصل في التفاضل بين مكة والمدينة

- ‌الباب الرابعفي مقاصد الحج من حين الإحرام إلى الرجوع عنه

- ‌1 - فصل في آداب الإحرام

- ‌2 - فصل في قطع التلبية

- ‌3 - فصل في آداب دخول مكة

- ‌4 - فصل في آداب الطواف

- ‌5 - فصل في صفة الطواف

- ‌6 - فصل في السعي

- ‌7 - فصل في المسير إلى منى، ومنها إلى عرفة

- ‌8 - فصل في الوقوف بعرفة

- ‌9 - فصل في الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة

- ‌10 - فصل في الوقوف بالمشعر الحرام

- ‌11 - فصل في رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌12 - فصل في نحر الهدى وتحسينه

- ‌13 - فصل في الحلق والتقصير

- ‌14 - فصل في ترتيب الرمي والنحر والحلق

- ‌15 - فصل في الإفاضة من منى للطواف يوم النحر

- ‌16 - فصل في المبيت بمنى، وما يفعل في أيامها

- ‌17 - فصل في التحصيب

- ‌18 - فصل في دخول الكعبة

- ‌19 - فصل في صفة العمرة المفردة، وما يتصل بها من إكثار الاعتمار والطواف، وشرب زمزم وغيرها

- ‌20 - فصل في طواف الوداع

- ‌21 - فصل في زيارة المساجد وأبنية مكة

- ‌22 - فصل في الرجوع من حج أو عمرة وما يتصل به

- ‌الباب الخامسفي زيارة سيدنا محمد المصطفى أحمد المجتبى صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - فصل في حكم الزيارة

- ‌2 - فصل في آداب الزيارة وما يتصل بها

- ‌3 - فصل في فضائل "المدينة" وما يشبهها

- ‌خاتمة

الفصل: ‌2 - فصل في آداب سفر الحج، وهي كثيرة

أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم" أخرجه النسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، وأخرج البزار من حديث جابر مثله، قال المنذري: برجال ثقات. وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة، فقالت: الحجُّ أفضلُ الأعمال، أفلا نجاهدُ؟ قال: "لكن أفضل الجهاد حجّ مبرور" ذكره البخاري، والمبرور: ما لم يُخالطه إثم. قال ابن إسحاق: إنه لم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلا وقد حجَّ البيت. وعنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبع مئة ضعف"، وفي الباب ما لا يتسع له المقام.

‌2 - فصل في آداب سفر الحج، وهي كثيرة

منها:

1 -

أنَّ من عَزَمَ على الإتيان بفريضة الله، والإجابة لنداء خليل الله، وخطر بباله السفرُ لذلك، فيُستحب له أن يشاور فيه مَنْ يعلم من حاله النصيحة والشفقة والخيرة، ويثق بدينه ومعرفته، قال الله تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] ودلائله كثيرة.

ومنها:

2 -

أنه إذا شاور، وظهر أنه مصلحة، فليقدم استخارةَ الله سبحانه في ذلك؛ فإنها من هديه صلى الله عليه وسلم في كل أمر يريده، وكان يعلِّمها كما يعلِّم السورةَ من القرآن، فيصلِّي ركعتين من غير الفريضة، ويدعو بدعاء الاستخارة:"اللهمَّ إني أَستخيرُك بعلمِك، وأَستقدرُك بقدرتك، وأسألُكَ من فضلِك العظيمِ، فإنَّكَ تقدِرُ ولا أَقدر، وتعلمُ ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب، اللهمَّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر [ويُسَمّيه] خيرٌ لي في ديني ومَعادي ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجِلِه وآجلِه، فاقُدْره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعادي ومعاشي وعاقبة أمري، وعاجله وآجله، فاصرفْه عني، واصرفي عنه، وقدّرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم رَضني به"، ولا تعود الاستخارة إلى نفس الحج؛ فإنه خيرٌ لا محالة، بل تعود إلى تعيين حينِ الشروعِ فيه وتفاصيل أحواله، وإن كان حاجّاً أو معتمراً تعلم مناسك الحج، أو استصحب معه كتاباً في ذلك، ولو تعلَّمها واستصحبَ كتاباً، كان أفضل.

ومنها:

3 -

أن يبدأ بالتوبة، وردِّ المظالم، وقضاء الديون، وإعداد النفقة لكل

ص: 33

مَنْ تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع، ويردُّ ما عنده من الودائع، ويطلبُ المحاللة من كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصية، ويُشهِد عليه بها.

ومنها:

4 -

أن يستصحب من المال الحلال الطيب ما يكفيه لذهابه وإيابه، من غير تقتير، بل على وجه يُمْكنه معه التوسُّع في الزاد، والرفقُ بالضعفاء والفقراء، ويتصدق بشيء قبل خروجه، وإن قَلَّ، ولكن جاعلاً لزاده من أجلِّ كسبه، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن الله لا يقبل إلا طيباً، وإذا حجَّ الرجل بمال حرام، صحَّ حجُّه عند الشافعية والحنفية والمالكية، ويُخشى عليه عدمُ القبول، وعند الحنابلة: لا يصح حجه. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا حج الرجل بمال حرام، فقال: لبيك اللهمَّ لبيك، قال الله تعالى: لا لبيك، ولا سعديك، زادُك حرام، وراحلتُك حرام، وثوبك حرام، ارجعْ مأزوراً غيرَ مأجور". وقد أخرج ابن عدي، والديلمي في "مسند الفردوس" من حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه قال صلى الله عليه وسلم:"إذا حج الرجل بمال من غير حِلِّه، فقال: اللهم لبيك، قال الله تعالى: لا لبيك ولا سعديك، هذا مردود عليك". وما أحسنَ القائل:

إذا حَجَجْتَ بمالٍ كلُّه سُحُتٌ

فما حججتَ ولكن حَجَّتِ العِيرُ

لا يقبلُ الله إلا كلَّ صالحةٍ

ما كلُّ مَنْ حجَّ بيتَ الله مبرورُ

ومنها:

5 -

أن يلتمس رفيقاً صالحاً، مُحباً للخير، معيناً عليه، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن جَبُن شَجعه، وإن عجز قواه، وإن ضاق صدره صبره، فقد نهي صلى الله عليه وسلم عن سفر الرجل وحدَه، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم:"أن الواحد شيطان، والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب"، فلا يخرج إلا في ركب، ثم ليؤمر أحدهم.

ومنها:

6 -

أن يصلي ركعتين في منزله عند إرادة الخروج؛ لما أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا خرجت من منزلك، فصلِّ ركعتين يمنعاك مخرجَ السوء"، ولحديث المفطم بن المقدام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما خلف أحدٌ عند أهله أفضلَ من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفراً" رواه الطبراني. قال النووي في "الأذكار": يقرأ في الأولى منهما الفاتحة، وقل يا أيها الكافرون،

ص: 34

وفي الثانية: قل هو الله أحد، فإذا سلَّم، قرأ آية الكرسي، فقد جاء: أن من قرأ آية الكرسي قبل خروجه من منزله، لم يصبه شيء يكرهه حتى يرجع. ويستحب أن يقرأ سورة: لإيلاف قريش، فقد قال الإمام أبو الحسن القزويني: إنها أمان من كل سوء، ثم يدعو بإخلاص ورِقَّة، ومن أحسن ما يقول: اللهمَّ بكَ أَستعين، وعليك أتوكل، اللهم ذَلِّلْ لي صعوبة أمري، وسهل عليَّ مشقةَ سفري، وارزقني من الخير أكثرَ مما أطلب، واصرفْ عني كلَّ شر، ربِّ اشرح لي صدري، ويسرْ لي أمري، اللهمَّ إني أَستحفظك وأَستودعك نفسي وديني وأهلي وأقاربي، وكلَّ ما أنعمتَ عليَّ وعليهم به من آخرة ودنيا، فاحفظنا أجمعين من كل سوء يا كريم. ويفتتح دعاءه ويختتمه بالتحميد لله تعالى، والصلاةِ والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى كلامه.

ومنها:

7 -

أن يجعل خروجه يوم الخميس في بكرته؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة لأمته في بُكورها يومَ الخميس، وكان يحبُّ السفر في هذا اليوم.

ومنها:

8 -

أن يودِّعَ رفقاءه المقيمين، وإخوانه وجيرانه، ويلتمس أدعيتهم؛ فقد كان ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم. أخرج ابن عساكر، والديلمي عنه صلى الله عليه وسلم:"إذا خرج أحدُكم إلى السفر، فليودِّعْ إخوانه؛ فإن الله جاعلٌ في دعائهم البركة". وروينا في "مسند الإمام أحمد بن حنبل" وغيره عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى إذا استوُدِع شيئاً، حفظه"، وروينا في "كتاب ابن السني" وغيره عن أبي هريرة، قال: من أراد أن يسافر، فليقل لمن يخلف:"أستودُعكم اللهَ الذي لا يُضيع ودائعَه"، وروينا في "سنن أبي داود" عن قزعة، قال: قال لي ابن عمر: تعال أودِّعْك كما ودعني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "استودع اللهَ دينَك وأمانتك وخواتيمَ عملك" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وروينا في "كتاب الترمذي" عن أنس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني أريدُ سفراً، فزوِّدْني، فقال:"زودك اللهُ التقوى"، قال: زدني، قال:"وغفر ذنبك"، قال: زدني: قال، "ويسر لك الخير حيثما كنت" قال الترمذي: هذا حديث حسن. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم توصيتُه من يودعه

ص: 35

بتقوى الله، والتكبير، والدعاء له بعد ذهابه؛ لما ثبت من أنه جاء إليه رجل، فقال: إني أريد سفراً، قال: أوصيك بتقوى الله، والتكبيرِ على كل شَرَف، فلما ولَّى، قال:"اللهمَّ ازو له الأرضَ، وهَوِّنْ عليه السفرَ".

ومنها:

9 -

أن يقول عند نهوضه: ما أخرجه البيهقي وغيره عن أنس، قال: لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً قط، إلا قال حين ينهض من جلوسه:"اللهمَّ بك انتشرتُ، وإليك توجهتُ، وبك اعتصمتُ، اللهم أنتَ ثقتي ورجائي، اللهمَّ اكفِني ما أهمَّني، وما لا أهمُّ به، وما أنت أعلمُ به مني، عزَّ جارُك، وجل ثناؤك، ولا إلهَ غيرُك، اللهم زَوِّدني التقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير أينما توجهت"، ثم يخرج.

ومنها:

10 -

ما في "صحيح مسلم" عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر، كبر ثلاثاً، ثم قال:"سبحان الذي سخَّر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهمَّ إنا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هَوِّنْ علينا سفرنا هذا، واطوِعَنا بُعْدَه، اللهم أنتَ الصاحبُ في السفر، والخليفةُ في الأهل، اللهم إني أعوذُ بك من وَعْثاء السفر، وكآبة المَنْظَر، وسوءِ المُنْقَلَب في المال والأهل"، وكلٌّ من الألفاظ سنة يختار منها العبدُ ما شاء، والجمع أحسنُ، وفي رواية أبي داود: كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا عَلَوُا الثنايا، كَبَّروا، وإذا هبطوا سَبَّحوا. وروينا معناه من رواية جماعة من الصحابة أيضاً مرفوعاً: قال أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً من الأرض، أو نَشَزاً، قال:"اللهمَّ بكَ أشرفُ على كل شرف، ولك الحمد على كل حال".

ومنها:

11 -

ما روينا في "كتاب ابن السني" عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا انفلتت دابةُ أحدِكم بأرض فلاة، فلينادِ: يا عباد الله! احبسوا، يا عباد الله! احبسوا؛ فإن لله عز وجل في الأرض حاصراً سيحبسه". قال النووي: حكى لي بعضُ شيوخنا الكبار في العلم: أنه انفلتت له دابة، أظنُّها بغلة، وكان يعرف هذا الحديث، فقال، فحبسها الله عليهم في الحال، وكنت أنا

ص: 36

مرة في جماعة، فانفلتت منها بهيمة، وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام، انتهى. قلت: وقد وقع لي مثلُ ذلك في بعض الأسفار، وذهب السيل بالدابة، فقلت: يا عباد الله! أعينوني، فوقفت في الحال، ولله الحمد.

ومنها:

12 -

ما روينا في "سنن النسائي"، و"كتاب ابن السني" عن صهيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: "اللهم رِبَّ السموات السبع وما أَظْلَلْنَ، وربَّ الأرضينَ السبعِ وما أقللنَ، وربَّ الشياطين وما أَضللن، وربَّ الرياح وما ذَرَيْنَ، أسألك خيرَ هذه القرية، وخيرَ أهلها، وخيرَ ما فيها، ونعوذ بكَ من شرها، وشرِّ أهلها، وشر ما فيها". وعن ابن مسعود، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خاف قوماً، قال:"اللهمَّ إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم" رواه أبو داود، والنسائي بسند صحيح. وعن خولة بنت حكيم، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزل منزلاً، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرَّهُ شيء حتى يرتحل من منزله ذلك" أخرجه مسلم، ومالك، والترمذي، وغيرهم.

وعن عمر بن الخطاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر، فأقبل الليل، قال:"يا أرضُ! ربي وربُّك اللهُ، أعوذُ بالله من شرِّكِ، وشرِّ ما فيكِ، وشرِّ ما خُلق فيكِ، وشرِّ ما يدبُّ عليكِ، أعوذُ بك من أسدٍ وأسودَ، ومن الحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والدٍ وما ولد" رواه أبو داود. وكان يرشد مَنْ سافر، إذا أشرفَ على وادٍ هَلَّلَ وكبر، وإذا هبط سبَّح.

ومنها:

13 -

أن يرفُق بالدابة، فلا يحمِّلها ما لا تطيق، والنومُ عليها يؤذيها، وكان أهل الورع لا ينامون على الدواب إلا غفوة -أي: نعاساً- عن قعود، ويُستحب أن ينزل عن دابته غدوة وعشية يروحها بذلك، فهو سنة، وفيه آثار عن السلف، وكل من آذى بهيمة، وحملها ما لا تطيق، طولب به يوم القيامة، وفي كل كبدٍ رطبةٍ أجر، فليراع حقَّ الدابة والمكاري جميعاً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الأمرُ لمن سافر في الخصب أن يعطي الإبلَ حظها من الأرض، وإذا سافر في السَّنَة،

ص: 37

أن يسرع في السير، وذلك أن يرخي لها الزمامَ في الخصب، ويتركها تأكل من الأرض، وفي الجدب يبادر تخليصها من الطريق لتستريح بالإناخة وتُعلف، وكان يأمر بالتخفيف عن الدابة وإنزالها ما تعتاد، وينهى عن اتخاذها كراسيَ للتحادُث.

ومنها:

14 -

ما قال الغزالي في "الإحياء": ألا ينزل حتى يحمى النهار، ويكون أكثر سيره بالليل، وليقلل نومه بالليل حتى يكون ذلك عوناً على السير، ويحتاط بالنهار، فلا يمشي منفرداً خارج القافلة؛ لأنه ربما يُغتال أو يَنقطع، ويكون بالليل متحفظاً عند النوم، فإن نام في ابتداء الليل، افترش ذراعه، وإن نام في آخر الليل، نصبَ ذراعه، وجعل رأسه في كفه، هكذا كان ينام رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره، والأحبُّ في الليل أن يتناوب الرفيقان في الحراسة، فإذا نام أحدهما، حرسَ الآخرُ، فهو السنة، فإن قصده عدوٌّ أو سَبُع في ليل أو نهار، فليقرأ آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، انتهى.

ومنها:

15 -

أن تكون اليد خالية من التجارة وغيرها من أغراض الدنيا الدنية، حتى يكون الهمُّ مجرَّداً لله تعالى، والقلبُ مطمئناً منصرِفاً إلى ذكر الله وتعظيم شعائره؛ فإنه عز وجل لا يقبل إلا الخالصَ لوجهه الكريم، فعليه الإخلاصُ لله، وصيانةُ الحج من شوائب سمعة ورياء.

ومنها:

16 -

التوسُّع في الزاد، وطيبُ النفس بالبذل، وبذلُ الزاد في سبيل الحج نفقة في سبيل الله عز وجل، والدرهم بسبع مئة درهم، قال ابن عمر: أفضل الحاج أخلصُهم نية، وأزكاهم نفقة، وأحسنهم يقيناً.

ومنها:

17 -

أن يكون طيبَ النفس بما أصابه من خسران ومصيبة في مال أو بدن؛ فإن ذلك من دلائل قبول حجِّه؛ فإن المصيبة في طريق الحج تعدل النفقةَ في سبيل الله، وهو بمثابة الشدائد في طريق الجهاد، فله بكل أذًى احتمله وخسرانٍ أصابه ثوابٌ، ولا يضيع منه شيء عند الله.

ومنها:

18 -

ما قاله الغزالي: ألا يعاون أعداءَ الله سبحانه بتسليم المكس، وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكةَ والأعراب. قلت: ومن الأتراك

ص: 38

المترصدين في الطرق، الجالسين في الحديدة، وجدة، ونحوها، انتهى؛ فإن تسليم المال إليهم إعانةٌ على الظلم، فليتلطف في حيلة الخلاص، فإن لم يقدر، فقد قال بعض العلماء: ولا بأس بما قاله: إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضلُ من إعانة الظَّلَمَة؛ فإن هذه بدعة أحدثت، وفي الانقياد لها ما يجعلها سنة مطَّردة، وفيه ذلٌّ وصَغار على المسلمين ببذل جزية، انتهى.

ومنها:

19 -

إذا خرج ينبغي أن يستعمل مكارم الأخلاق مع رُفقته، ويحسن عشرته معهم، ويُلين جانبه لهم، ويعمل معهم ما يعملونه، ويبذل لهم الموجودَ من غير مضرة، لا سيما بذل الماء لذوي العطش، خصوصاً في طريق المدينة المنورة، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن أثر الحج، فقال:"إطعامُ الطعام، ولينُ الكلام"، ويكفُّ لسانه إلا عن الخير، وجوارحَه إلا عن المعروف، وإعانة الملهوف، ويحتمل للجافي جفاه، وللموذي أذاه؛ فقد ورد أنها ما تجهزت رفقةٌ للحج، إلا جهز إبليسُ معها رفقةً من أجناده، تأزُّهم إلى الشر، وتبعدهم عن الخير، فالسعيد مَنْ عصمَه الله عن ذلك. وينبغي ألا يكون كثير الاعتراض على رفيقه وجِماله وخادمِه وغيرِهم من أصحابه، بل يخفض جناحه، ويُلين جانبه للسائرين إلى بيت الله؛ إذ ليس حسن الخلق كفَّ الأذى، بل احتمال الأذى، وقيل: سمي السفر: سفراً؛ لأنه يُسْفِر عن أخلاق الرجال.

ومنها:

20 -

أن يترك الرفثَ والفسوقَ والجدال، كما نطق به القرآن الكريم، والرفث: اسمٌ جامع لكل لغوٍ وخَنَا وفحشٍ من الكلام، ويدخل فيه مغازلةُ النساء ومداعبتهن، والتحدثُ بشأن الجماع ومقدماته؛ فإن ذلك يهيج داعيةَ الجِماع، والداعي إلى المحظور محظورٌ، وليس في المحظورات ما يفسد الحج إلا جنسُ الرفث، فلهذا مُيز بينه وبين الفسوق وسائر المحظورات؛ كاللباس والطيب؛ فإنه وإن كان يأثم بها، فلا يفسد الحج عند أحد من الأئمة المشهورين، والفسوق: اسم جامع لكل خروج عن طاعة الله عز وجل، ويتناول كلَّ ما حرمه الله، ولا يختص بالسباب، وإن كان سباب المسلم فسوق، فالفسوق يعمُّ هذا وغيرَه، والجدال: هو المبالغة في الخصومة، والمماراة بما يورث الضغائن، ويفرق في

ص: 39

الحال الهمة، ويناقض حسن الخلق، ولم ينه الله المحرمَ ولا غيره عن الجدال مطلقاً، بل الجدال قد يكون واجباً أو مستحباً، كما قال تعالى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقد يكون محرَّماً؛ كالجدال في الحق بعد ما تبين، وهذا يعم الحجَّ وغيره.

ومنها:

21 -

ما روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "ثلاثُ دَعَوات مستجابات لا شكَّ فيهن:

1 -

دعوة المظلوم،

2 -

ودعوة المسافر،

3 -

ودعوة الوالد على ولده" رواه أبو داود، وابن ماجه، وحسنه الترمذي، وليس في راوية أبي داود: "على ولده"، وعن عمر: جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد الحج، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام! زَوَّدَكَ اللهُ التقوى، ووجَّهك في الخير، وكفاك الهمَّ"، فلما رجع الغلام، سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "قبلَ اللهُ حجَّك، وغفرَ ذنبك، وأخلف نفقتك" رواه ابن السني. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفرْ للحاجِّ، ولمن استغفر له الحاجُّ" رواه البيهقي، وقال الحاكم: هو صحيح على شرط مسلم.

ومنها:

22 -

الإحرامُ من دُوَيْرَةِ أهلِه، فقد قيل: إن ذلك من تمام الحجّ، قاله عمر، وعلي، وابن مسعود في قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196].

ومنها:

23 -

ألا يركب إلا زاملةً، وحجَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على راحلة، وكان تحته رحلٌ رَثٌّ، وقَطيفة خَلَقَة ثمنُها أربعة دراهم، وقيل: إن هذه المحامل أحدثها الحَجَّاج، وكان العلماء في وقته يُنكرونها، وكان ابن عمر إذا نظر إليها يقول: الحاجُّ قليل، والركبُ كثير، ثم نظر إلى رجل مسكين رثِّ الهيئِة تحتَ جوالقَ، فقال: هذا من الحُجاج.

وفي "سفر السعادة": وكان صلى الله عليه وسلم راكباً على بعير عليه رحل، وليس عليه شقذف، ولا محارة، ولا محمل، ولا هودج، ولا مِحَفَّة، انتهى. فينبغي أن يكون رثَّ الهيئة، أشعثَ أغبرَ، غيرَ مستكثر من الزينة، ولا مائل إلى أسباب التفاخر والتكاثر، فيكتب في ديوان المتكبرين، لا يسرف في التنعُّم والترفُّه والتزيُّن؛ فإن ذلك بعيد عن المسكنة التي هي مقصودة بعبادة الحج، وفي

ص: 40