الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلف الأولون: هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة، أو عند تمام الرمي؟ فذهب جمهورهم إلى الأول، وإلى الثاني أحمدُ، وبعض أصحاب الشافعي، ويدل لهم حديث فضل، قال: أفضتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. ويكبر مع كل حصاة، ثم يقطع التلبية مع آخر حصاة، قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أُبهم في الروايات الآخر، وإن المراد حتى رمى جمرة العقبة التي أتم رميها.
قال الشوكاني: والأمر كما قال ابن خزيمة؛ فإن هذه زيادة مقبولة خارجة مخرج الصحيح، غير منافية للمزيد، وقبولُها، متفق عليه كما تقرر في الأصول، وعن ابن عباس مرفوعاً: أنه كان يُمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر، رواه الترمذي وصححه. وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"يلبي المعتمر حتى يستلم الحجرَ" رواه أبو داود.
وقلت: ظاهره أنه يلبي في حال دخوله المسجد، وبعد رؤية البيت، وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام، ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص. وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام: أبو حنيفة، والشافعي في الجديد، وقال في القديم: يلبي، ولكنه يخفض صوته، وهو قول ابن عباس، وأحمد.
3 - فصل في آداب دخول مكة
وهي سبعة:
1 -
الأول: استحب بعض السلف أن يقول عند الدخول في أول الحرم وهو خارجَ مكة -شرفها الله تعالى وعظمها-: "اللهمَّ هذا حرمُك وأمنُك، فحرِّمْ لحمي ودمي وبَشَري على النار، وآمِنِّي عذابَك يوم تبعثُ عبادَك، واجعلني من أوليائك وأهلِ طاعتك". ويروى: أن في زمن الطوفان لم يأكل كبارُ الحيتان صغارَها في الحرَم؛ تعظيما له، فينبغي للإنسان أن يسلك في ذلك المحل الشريف غايةَ الأدب مع الله تعالى في حركاته وسكناته، ويرجو من فضل الله تعالى أُمنياته؛ فإن المحل عظيم، والمقام كريم. قلت: ولم يرد بذلك الأدب نص.
2 -
الثاني: أن يغتسل بذي طوى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت بها، ويغتسل لدخول مكة، قالت الشافعية، والحنفية، والحنابلة: يستحب الغسلُ لمن دخل مكة وهو محرِم، حتى للحائض والنفساء، وعند المالكية: إنه مسنون لغير الحائض.
قلت: فمن تيسر له المبيت بها، والاغتسال فيها، وإلا، فلا شيء عليه من ذلك.
3 -
الثالث: أن يدخل من ثنية كَداء من أعلى مكة باتفاق الأربعة، إلا أن المالكية قالوا: يستحب لمن أتى من طريق المدينة، وفي حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة، دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء، وإذا خرج، خرج من الثنية السفلى، رواه الجماعة إلا الترمذي، وفي الباب عن عائشة عند الشيخين، وأبي داود.
4 -
الرابع: أن يدخلها نهاراً، باتفاقهم، وذلك أفضل، ولو دخل ليلاً، جاز؛ كدخولها راكباً وماشياً، وصحح النووي أن دخولها ماشياً أفضل.
5 -
الخامس: أن يدخل مكة والمسجد من جميع الجوانب، لكن الأفضل أن يأتي من وجه الكعبة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه دخلها من وجهه من الناحية العليا التي فيها اليوم باب المعلات، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمكة ولا للمدينة سور، ولا أبواب مبنية، ودخل المسجد من الباب الأعظم الذي يقال له: باب بني شيبة، وهذا أقرب الطريق إلى الحجر، ولم يكن قديماً بناء يعلو البيت، ولا كان بين الصفا والمروة والمشعر الحرام، ولا كان بمنى ولا عرفات مسجدٌ، ولا عند الجمرات، بل كل هذه محدثة بعد الخلفاء الراشدين، ومنها ما أحدث بعد ذلك، فقد كان البيت يُرى قبل دخول المسجد.
6 -
السادس: إذا دخل مكة، ووقع بصره على البيت، فليقل: لا إله إلا الله، اللهُ أكبر، اللهمَّ زدْ هذا البيتَ تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزِدْ مَنْ شرَّفه وكرَّمه ممَّن حجَّه أو اعتمر تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبِرّاً، اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك، وأدخلني جنتك، وأعِذْني من الشيطان الرجيم، ثم يدعو بما