الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، وإتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، واستحبوا أن يأتي بهذا الدعاء عند محاذاة الحجر الأسود واستلامه في كل طوفة.
ومذهب الشافعي: أن قراءة القرآن في الطواف أفضلُ من الدعاء بغير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الاشتغال بالدعاء المأثور الصحيح أفضلُ من الاشتغال بقراءة القرآن، وقال أبو حنيفة: ذكرُ الله أفضلُ من القراءة، وكرهَها مالك، والصحيح عند الحنابلة: أنه لا بأس بها سراً، والذي صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف: أنه كَبَّرَ عندَ أركان البيت، وقال بين الركنين اليماني والحجر الأسود:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وأن ذلك كان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم فيه.
وفي "الصحيحين" من غير تقييد بالطواف. قال الشافعي: إنه أحبُّ ما يقال فيه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو في الطواف بـ: اللهم قَنّعني بما رزقتني، وباركْ لي فيه، واخلفْ عليَّ كلَّ غائبة لي بخير". وحكى صاحب "الهداية" وغيرُه من الحنفية عن محمد بن الحسن: أنه لم يذكر أدعيةً خاصة لمشاهد الحج؛ لأن التوقيت في الدعاء يُذهب رقةَ القلب، وقال: أن يترك بالمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن، وأنكر مالك: التحديد في الدعاء في الطواف وغيره من مشاهد الحج، وغير المحدود منه سنة عندهم في الطواف. ويروى: أن الدعاء يستجاب فيه، فليدع الطائفُ لنفسه، ولمن أحبَّ بما أحبَّ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك، فلا أصل له، انتهى. وأباح الله سبحانه فيه الكلام، فمن تكلم فيه، فلا يتكلمْ إلا بخير.
5 - فصل في صفة الطواف
إذا وصل إلى الحجر الأسود، فَلْيحاذِه بجميع بدنه؛ كما قال الشافعية، والحنابلة، فيقف عن يمينه مستقبلَ البيت، أو يقف والبيتُ عن يساره قبل محاذاة الحجر الأسود، وينوي عند الأربعة بطوافه الأول: طواف القدوم، إن كان
محرماً بالحج وحده، ودخل مكة قبل الوقوف، وإن قدم محرماً بالعمرة وحدها، نوى بطوافه طواف العمرة باتفاقهم.
وإن قدم محرماً بالحج والعمرة، ودخل مكة قبل الوقوف، نوى بطوافه طواف القدوم عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة. وعند الحنفية: ينوي بأول طوافه طواف العمرة، فلو نوى به طواف القدوم، انصرف إلى العمرة، ونيته لغو، ثم يشرع في الطواف، فيجعل البيت عن يساره، ويمشي تلقاء وجهه خارجاً بجميع بدنه عن الشاذروان والحِجْر، وزمزم عن يمينه حتى ينتهي إلى الحجر الأسود، فإذا طاف كذلك سبع مرات، أجزأه الطواف، باتفاق الأربعة، وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرطٌ لصحة الطواف الأكثرُ، وقالوا: لو عكس، لم يجز. قال في "البحر": ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني، وأنكروا عليه، وهموا بقتله، انتهى.
وقد استفاض عن الصحابة: أن أول شيء كان يبدؤون به: الطوافُ بالبيت، ثم لا يحلون رواه الشيخان، واختلف في وجوبه، فذهب مالك، وأبو ثور، وبعض أصحاب الشافعي: إلى أنه فرض؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]، أو لقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم"، وفعله، وقال أبو حنيفة: إنه سنة، وقال الشافعي: إنه كتحية المسجد؛ لأنه ليس فيه إلا فعلُه صلى الله عليه وسلم، وهو لا يدل على الوجوب، وأما الاستدلال على الوجوب بالآية، فقال شارح "البحر": إنها لا تدل على طواف القدوم؛ لأنها في طواف الزيارة إجماعاً. والحق الوجوب؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمجمَل واجبٍ، هو قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وقوله: "خذوا عني مناسككم" وقوله: "حجوا كما رأيتموني أحج"، وهذا الدليل يستلزم وجوبَ كلِّ فعل فعلَه صلى الله عليه وسلم، إلا ما خصه دليل، فمن ادعى عدمَ وجوب شيء من أفعاله في الحج، فعليه الدليل على ذلك، وهذه كلية، فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك.
قال الشوكاني: لا يخفاك أنّ الحكم على بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم في الحج
بالوجوب لأنها بيان لمجمل، وعلى بعضها بعدمه، تحكُّمٌ محضٌ؛ لفقد دليل يدل على الفرق بينهما، انتهى. ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما وراءها من السقاية المتصلة بحيطان المسجد، ولو صلى المصلي والناس يطوفون أمامه، لم يكره، سواء مرَّ أمامه رجل أو امرأة، وهذا من خصائص الحرم مكة.
وإذا فرغ من ذلك، ينبغي أن يصلي خلف المقام ركعتين، يقرأ في الأولى: قل يا أيها الكافرون، وفي الثانية: الإخلاص، عند الشافعية، والحنفية، والحنابلة؛ كما أخرجه البزار عن جابر مرفوعاً، وفيه: أنه جهر فيهما بقراءته نهاراً، فالجهر فيها السنة ليلاً ونهاراً، وهما ركعتا الطواف، وهما سنتان عند الشافعي، واجبتان عند أبي حنيفة، لا تجبران بدم، وعند المالكية: تُجبران به، ولما فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا قوله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] فأفهم أَن الآية آمِرَة بها، والمراد بمقام إبراهيم: الذي فيه أثر قدمه، وهو موجود الآن.
قال الزهري: مضت السنَّةُ أن يُصلي لكل سَبعْ ركعتين، وإن فرق بين الأسابيع، وصلى ركعتين، جاز، فعل ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ أسبوع طوافٌ، ولْيدعُ بعد ركعتي الطواف بما شاء؛ فإن الدعاء يستجاب خلف المقام، ويصليهما عند الحنفية في وقت يُباح له أداءُ التطوع فيه، وعند الشافعية: هي صلاة لها سبب، فتباح في هذين الوقتين، وهو ظاهر الحديث، ثم لْيعدْ إلى الحَجَر، وليستلمه، وليختم به الطواف، والواجب أن يستكمل عدد الطواف سبعاً بجميع البيت، والمرأةُ كالرجل في الطواف، إلا أنها لا ترمْلُ، ولا تضطبع، بالاتفاق، ولا يُستحب لها تقبيلٌ ولا استلام إلا عند خلوِّ المطاف، بالاتفاق.
وكانت عائشة -رضي الله تعالى عنها- تطوف ناحية عن الرجال، لا تخالطهم، ولتحترز المرأة في طوافها من كشف عورتها، ولتحترز الحرة من كشف قدمها؛ للخروج من خلاف العلماء؛ فإن مذهب الشافعية والحنابلة: أنه لا يصح طوافُها وشيء من قدمها مكشوفٌ؛ خلافاً للحنفية والمالكية، ومن المنكرات بالاتفاق ما يفعله كثير من الجهلة في زماننا من مزاحمة الرجال
الطائفين بنسائهم الجميلات السافرات عن وجوههن، وربما كان ذلك بالليل، وبأيديهم الشموع، وكذلك نظرُ النساء إلى الرجال حالَ الطواف، والمشيُ بالتبختر والدلال، والمرورُ من قرب جماعة الرجال. وضررُ ذلك وكراهته لا يخفى. وإذا تم الطواف سبعاً، فليأت الملتزَمَ، وهو بين الحَجَر والباب، وهو موضع استجابة الدعوة، فليلتزقْ بالبيت، وليتعلقْ بالأستار، وليلصقْ بطنه بالبيت، وليضع عليه خده الأيمن، وليبسط عليه ذراعيه وكفيه، وليدعُ بما أحبَّ.
قال النووي في "الأذكار": ومن الدعوات المأثورة فيها: اللهمَّ لك الحمدُ حمداً يوافي نعمَك، ويكافىء مزيدَك، أحمدك بجميع محامِدك ما علمتُ منها وما لم أعلمْ، على جميع نعمِك ما علمتُ منها وما لم أعلم، وعلى كل حال، اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، اللهم أعِذْني من الشيطان الرجيم، وأعِذْني من كل سوء، وقَنِّعْني بما رزقتني، وباركْ لي فيه، اللهمَّ اجعلني من أكرم وَفْدِك عندَك، وألزمْني سبيلَ الاستقامة حتى ألقاك يا رب العالمين، انتهى.
وقال الغزالي: ثم ليحمدِ الله كثيراً، ويصلِّ على الرسول وجميع الرسل كثيراً في هذا الموضع، وليدعُ بحوائجه الخاصة، ويستغفرْ من ذنوبه، وكان بعض السلف يقول لمواليه: تنحَّوا عني حتى أُقِرَّ لربي بذنوبي، انتهى. ولما استسعدتُ بالتزام الملتزم، تمثلت بهذه الأبيات، وأرجو من الله قبولها:
أسيرُ الخطايا عند بابكَ واقفُ
…
على وَجَل مِمَّا به أنت عارفُ
يخافُ ذنوباً لم يغبْ عنك غيبُها
…
ويرجوك فيها، فهو راجٍ وخائفُ
ومن ذا الذي يرجو سواكَ ويتقي
…
وما لَكَ في فصل القضاء مخالفُ
فيا سيدي! لا تُخْزِني في صحيفتي
…
إذا نُشرت يوم الحساب الصحائفُ
وكنْ مونسي في ظُلمة القبر عند ما
…
يصد ذوو القربى ويجفو الموالفُ
لئن ضاقَ عن عفُوك الواسعُ الذي
…
أُرَجِّي لإسرافي فإني لتالفُ
ولنعم ما قيل:
إلهي! عبدُك العاصي أتاكا
…
مُقِرّاً بالذّنوبِ وقد دَعَاكَا
فإنْ تغفرْ فأنتَ لذاكَ أهلٌ
…
وإنْ تَطْرُدْ فمنْ يرحَمْ سِوَاكا