الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الليل إلى منى قبل زحمة الناس، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر حتى يطلع الفجر، ويصلوا بها الصبح، ويتأهب للرحيل من مزدلفة إلى منى.
واستجب الشافعية أن يأخذ منها الحصى لرمي جمرة العقبة، ففيها حجار رخوة صغار، فيأخذ سبعين [70] حصاة، فإنها قدر الحاجة، ولا بأس بأن يستظهر بزيادة، فربما يسقط منه بعضها، ولتكن الحصى خفافاً بحيث يحتوي عليه أطراف البراجم، وأمر صلى الله عليه وسلم ابن عباس بلقط حصى الخذف، وقال للناس: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين، ولم يلتقطها من الليل كما يفعله الناس اليوم، ولا كسرها من الجبال.
قال الشافعية: يأخذ الحصى لرمي أيام التشريق من غير المزدلفة، وقال جماعة من الحنفية: يأخذ من المزدلفة سبعين حصاة، وقال صاحب "المحيط": يأخذ حصى الجمار من قارعة الطريق، وعند المالكية: يأخذ من أي موضع، وقال كثير من الحنابلة: يأخذ جميع حصى الجمار من المزدلفة، ومن أي موضع أخذ الحصى، أجزأه عند الأربعة، إلا أن الحنابلة قالوا: إنه يجزي الرمي بما رمى به هو أو غيره، ولا بالحجر النجس في الأصح.
والسنة بالاتفاق: أنه يصلي بالمزدلفة الصبح في أول وقتها، ثم يسير إلى قُزَح، ومزدلفةُ كلها موقف كما قال صلى الله عليه وسلم فحيث وقف منها، جاز بالاتفاق، وعند المالكية: أنه لا فضل لموضع على موضع؛ كما قالوا في عرفة، والسنة: أن يتوجه إلى منى بعد الإسفار الكثير بالاتفاق، لكن المالكية قالوا: لا وقوف بعد الإسفار، ويستحب أن ينفر منها بسكينة ووقار كما قلنا.
10 - فصل في الوقوف بالمشعر الحرام
قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198] فإذا أفاض من عرفات، ذهب إلى المشعر الحرام على طريق المأزمين، وهو طريق الناس اليوم، وإنما قال الفقهاء: على طريق
المأزمين؛ لأنه إلى عرفات طريق آخر يسمى: طريق ضب، ومنها دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات، وخرج على طريق المأزمين، فكان في المناسك والأعياد: يذهب من طريق، ويرجع من أخرى.
فدخل مكة من الثنية العليا، وخرج منها من الثنية السفلى، ودخل المسجد من باب بني شيبة، وخرج عند الوداع من باب خرورة، ودخل عرفات من طريق ضب، وخرج من طريق المأزمين، وأتى إلى جمرة العقبة يوم العيد من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منى، ثم يعطف على يساره إلى الجمرة.
ومزدلفةُ كلها يقال لها: "المشعر الحرام"، وقُزَحُ: جبلٌ يقف الناس اليوم فيه، وقد بنى عليه اليوم بناء، وهو المكان الذي يخصه كثير من الفقهاء باسم:"المشعر الحرام"، فإذا كان قبل طلوع الشمس، أفاض من مزدلفة، ثم يقف بالمشعر إلى أن يسفر جداً، وهو آخر المزدلفة، فيقف مستقبلاً للقبلة، ويأخذ بالدعاء والتضرع والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح، وهو نص القرآن الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه صار اليوم شرعاً منسوخاً، فلا يقف عنده واحد من ألف، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم، منهم: مجاهد، وقتادة، والزهري، والثوري: إلى أن من لم يقف بالمشعر، فقد ضيع نسكاً، وعليه دم، وهو قول أَبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وروي عن عطاء، والأوزاعي: أنه لا دم عليه، وإنما هو منزل، من شاء نزل، ومن شاء لم ينزل به، وذهب ابن بنت الشافعي، وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، وروي عن علقمة، والنخعي، واحتج الطحاوي بأن الله عز وجل لم يذكر الوقوف، وإنما قال:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج، فالموطن الذي يكون فيه الذكر أحرى ألا يكون فرضاً.
قال النووي: إذا انصرف من المشعر الحرام إلى منى، فشعاره: التلبيةُ