الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السعيُ مرة واحدة، فإذا عاد إلى الصفا، حصلت مرتان، يفعل ذلك سبعاً، ويرمُل في موضع الرمَل في كل مرة، ويسكن في موضع السكون كما سبق، وفي كل نوبة يصعد الصفا والمروة، فإذا فعل ذلك، فقد فرغ من طواف القدوم والسعي، وهما سنتان، ولا صلاة عقيبَ الطواف بالصفا والمروة، إنما الصلاة عقيبَ الطواف بالبيت سنةٌ باتفاق السلف والأئمة، والطهارةُ مستحبة للسعي، وليست بواجبة؛ بخلاف الطواف.
وإذا سعى، فينبغي ألا يعيد السعيَ بعد الوقوف، ويكتفي بهذا ركناً؛ فإنه ليس من شرط السعي أن يتأخر عن الوقوف، وإنما ذلك شرط في طواف الركن، نعم، شرط كل سعي أن يقع بعد طواف، أيَّ طوافٍ كان، وإذا طاف بين الصفا والمروة، فقد حل من إحرامه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه لما طافوا بينهما أن يحلوا، إلا مَنْ كان معه هدي، فلا يحل حتى ينحره، والمفرِد والقارِن لا يحل إلى يوم النحر، ويستحب له أن يقص من شعره ليدع الحلاق إلى الحج، وإذا حل، له ما كان له حرام، وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة في الموضع الذي نزل فيه، وصلى بالناس قصراً في مكانه، ولم يأت المسجدَ الحرام للصلاة، فلما كان يوم التروية، نهض بمَنْ معه من المسلمين إلى منى.
7 - فصل في المسير إلى منى، ومنها إلى عرفة
إذا كان يوم التروية؛ أي: ثامن ذي الحجة، أحرم بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، إن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة، مكياً كان أو غير مكي عند الشافعية والمالكية، وأصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم أحرموا كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم من البطحاء.
وإن السنة أن يُحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والأفضلُ عند الشافعية أن يُحرم من باب داره، والأفضلُ عند المالكية: أن يُحرم المكي من المسجد عقبَ رجوعه، والأفضلُ عند الحنفية: من المسجد، ومن دُويرة أهله، وعند أحمد: من المسجد، ويستحب الغد، ويوم التروية.
والسنةُ: أن يبيت الحاج بمنى، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، باتفاق الأربعة، والسنة: أن يمكث بمنى حتى تطلع الشمس، باتفاق الأربعة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس، قال: إذا زاغت الشمس، فليرحْ إلى مِنى، قال ابن المنذر: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئاً، ثم روى عن عائشة: أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه، وقال أيضاً: الخروج إلى منى في كل وقت مباح، إلا أن الحسنَ وعطاءً قالا: لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين، وكرهه مالك، وكره الإقامةَ بمكة يوم التروية حتى يمسي، إلا إن أدركه وقتُ الجمعة، فعليه أن يصليها قبل أن يخرج.
وبالجملة: إذا طلعت الشمس على ثبير، وهو جبل هناك، سار متوجهاً إلى عرفة، مكثراً من التلبية والذكر والدعاء، وإن شاء يقول: اللهمَّ اجعلْها خيرَ غدوةٍ غدوتُها، وأقربَها إلى رضوانك، وأبعدها من سخطك، اللهمَّ إليك توجهتُ، ووجْهَكَ الكريمَ أردتُ، فاجعلْ حجِّي مبروراً، وسعيي مشكوراً، وذنبي مغفوراً يا أرحم الراحمين.
فإذا قرب من عرفات، فيستحب نزوله بالموضع المعروف بنَمِرَةَ، كما قال الشافعية، والمالكية، والحنابلة، ويقيم بها إلى الزوال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قرية بشرقي عرفات، وهي خرابٌ اليومَ، وبها ينزل الأمراء، ويضرب بها الإمامُ الخيمة، ومن كانت له خيمة، ضربها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم يسير منها [إلى] بطن الوادي، وهو موضع النبي صلى الله عليه وسلم الذي صلى فيه الظهر والعصر وخطبَ، وهو في حدود عرفة، ويُستحب أن يذهب الإمامُ والناس إلى المسجد المعروف بمسجد إبراهيم؛ حيث صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكُ هناك مسجدٌ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما بُني في أول دولة العباسيين، فيصلي هناك الظهر والعصر بعد خطبتين عند الشافعية، والحنفية، والمالكية، وبعد خطبة فردة عند الحنابلة، ويخطب بهم الإمامُ على بعيره كما خطبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خطبةً بليغة
بديعة، وقرر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها المحرَّمات التي اتفقت الملل على تحريمها، وهي: الدماء، والأموال، والأعراض، وغيرها من الأحكام.
ومذهب الشافعية: أنه يُسن الجمعُ بين هاتين الصلاتين جمعَ تقديم للمسافر سفراً طويلاً دونَ غيره الماكثين والمقيمين، وهو مذهب الحنابلة، ومذهب الحنفية، والمالكية: أن الجمع سنةٌ لكل أحد، لكن شَرطُ جوازِه عند أبي حنيفة أداءُ الصلاتين بجماعة إمامها الأعظم، أو نائبه، والإحرام بالحج، ومذهب الشافعية، والحنفية، والحنابلة: أنه لا يجوز قصرُهما إلا للمسافر مسافة القصر، ومذهب المالكية: أنه يقصر بعرفة غيرُ أهلها، ويتمُّ أهلُها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا قضى الخطبةَ، أذن المؤذنُ، وأقام، ثم يصلي كما جاءت بذلك السنة، ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر، ولم يأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحداً من أهل مكة أن يُتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة: أتموا صلاتكم؛ فإنَّا قوم سفر، ومن حكى ذلك عنهم، فقد أخطأ، ولكن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر: أنه قال ذلك لما صلى بهم في جوف مكة.
وإنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه، فإنه لم ينزل بمكة، ولكن خارجَ مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى وعرفة، خرج معه أهلُ مكة وغيرُهم، ولما رجع من عرفة، رجعوا معه، ولما صلى بهم بمنى أيامَ منى، صلوا معه، ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم؛ فإنا قوم سفر.
ولم يَحُدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم السفرَ لا بمسافة ولا بزمان، ولم يكن بمنى أحد ساكناً في زمنه، ولهذا قال:"منى مُناخ مَنْ سبق"، ولكن قيل: إنها سُكنت في خلافة عثمان -رضي الله تعالى عنه-، وأنه بسبب ذلك أتمَّ عثمان الصلاة؛ لأنه كان يرى أن ينزل بمكان لا يحتاج فيه إلى حمل الزاد والمزاد، وكان يرى أن المسافر يحمل الزاد والمزاد.