الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن أبي رزين "العقيلي: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظعنَ، قال: "حج عن أبيك واعتمر" رواه الخمسة، وصححه الترمذي، قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجودَ من هذا، ولا أصح منه، انتهى. قلت: وقد جزم بوجوبها جماعةٌ من أهل الحديث، وبه قال أحمد، وإسحاق، والثوري، والمزني، والمشهور عن المالكية: أنها ليست بواجبة، وهو قول الحنفية، ولا خلاف في المشروعية، وقد روي القولُ بوجوبها عن علي، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وزين العابدين، وطاوس، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وهو الراجح.
واختلفوا في ابتداء افتراض الحج، فقيل: قبل الهجرة، قال في "الفتح": هو شاذ، وقيل: بعدها، ثم اختلفوا في سنته، فالجمهور على أنه سنة ست، وقيل: خمس، وقيل: تسع، أو عشر، ورجحه الحافظ ابن القيم في "الهدي"، واستدل على ذلك بأدلة، فليؤخذ منه.
وفي "سفر السعادة": جماهير العلماء: أنه صلى الله عليه وسلم حج بعد الهجرة حجة، وتلك حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت في السنة العاشرة من الهجرة، وأما قبل الهجرة، فثبت في الترمذي أنه حج حجتين، ونقل صاحب "المحلى": أنه زاد على ثلاث وأربع، لكن لم يحفظ العدد، ولما فرض الحج في العام التاسع، اشتغل بتجهيز أسباب السفر في الفور، وأما قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]؛ فإنها نزلت في العام السادس، وذا لا يدل على فرضية الحج والعمرة، بل هو أمر بإتمام الحج والعمرة بعد الشروع فيه، انتهى.
4 - فصل في وجوب الحج على الفور
عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"تعجلوا -أي: الحج-؛ فإن أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ له" رواه أحمد، وعن علي -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مَلَكَ زاداً وراحلة تُبْلِغُه إلى بيت الله، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك أن الله
تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] رواه الترمذي والبيهقي من رواية الحارث بن علي، وكلام الناس في الحارث مشهور، كذَّبه الشعبي، وابن المديني، وقال أيوب: كان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروي عن عليٍّ باطل، واختلف فيه رأيُ ابن معين، والنسائي، وابن حبان، فضعفوه تارة، ووثقوه أخرى، وميل النسائي إلى توثيقه، والاحتجاج به، وتقوية أمره، وقال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، انتهى.
والحاصل: أن الحديث ضعيف كما قاله النووي في "شرح المهذب"، نعم صح ذلك عن عمر -رضي الله تعالى عنه-، ومن ثم قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كلَّ من كان له جِدَةٌ ولم يَحُجّ، فيضربوا عليهم الجزيةَ، ما هم بمسلمين، رواه سعيد بن منصور في "سنته"، والبيهقي، ومثل ذلك الحديث لا يقال من قبل الرأي، فيكون في حكم المرفوع، وقد رواه البيهقي أيضاً عن عبد الله بن سابط، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من لم تحبسه حاجة ظاهرة، أو مرض حابس، أو سلطان جائر، ولم يحج، فليمتْ إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً". وعن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: إن عبداً أصححتُ له جسمَه، ووسَّعْتُ عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسةُ أعوام لا يغدو عليَّ لَمحرومٌ" رواه ابن حبان في "صححيه"، والبيهقي، وقال: قال علي بن المنذر: أخبرني بعض أصحابنا: كان حسن بن حَيٍّ يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح ألا يترك الحج خمس سنين.
وفي الباب أحاديث تدل على أن الحج واجبٌ على الفور، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأحمد وبعض أصحاب الشافعي، وهو رواية العراقيين عن مالك. وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، وهو مذهب مالك عند القاضي عياض وأتباعه من المغاربة: إنه على التراخي، إلا أن ينتهي إلى حال يظن فواته لو أخره عنها. وعن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس: لو علمت رجلاً غنياً وجبَ عليه الحج، ثم مات قبل أن يحجَّ،