الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن ذلك كائن لأبد الأبد، فما ندري ما تقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه، انتهى.
وبالجملة: فقد اختلفوا، هل الفسخ على جهة الوجوب أم الجواز؟ ومال ابن القيم إلى وجوبه، ورجحه، وبين بطلان ما احتج به المانعون، وأطال الكلام فيه في "الهدي"، فمن أحبَّ الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة، فليراجعه.
قال الشوكاني: وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفرادُ الحج، والحازمُ لدينه الواقفُ عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجه من الابتداء تمتعاً أو قِراناً مما هو مظنة البأس إلى ما لا بأس به، فإن وقع في ذلك، فالسنة أحقُّ بالاتباع، وإذا جاء نهرُ الله، بطل نهر مَعْقِل، انتهى.
وقد تمتعت أنا في حجي ولله الحمد.
12 - فصل في مواقيت الحج
عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: وقّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: "ذا الحليفة"، ولأهل الشام:"الجحفة"، ولأهل نجد:"قرن المنازل" ولأهل اليمن "يَلَمْلَم"، قال:"فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهم، فمهله من أهله وكذلك أهل، مكة يهلون منها" متفق عليه.
قلت: ذو الحليفة -مصغراً-: مكان معروف، بينه وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال: بينهما ميل واحد، وهو ابن الضباع، قال في "الفتح": بينه وبين مكة مئتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشرة مراحل، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خرابٌ، وفيها بئر، يقال لها:"بئر علي"؛ لظنهم أن علياً قاتل الجن هناك، وهو كذب؛ فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة، وعلي عليه السلام أرفعُ قدراً من أن يثبت الجن لقتاله، ولا فضيلة لهذه البئر ولا مذمة، ولا يستحب أن يرمى فيه حجر ولا غيره، وهذا الميقات أبعد المواقيت من مكة المكرمة، ويسمى: وادي العقيق.
والجحفة -بضم الجيم-: قرية خربة، بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست، وفي قول النووي في "شرح المهذب": ثلاث مراحل، نظر. في "القاموس": هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة، وبها غدير خُمّ، قاله صاحب "النهاية"، يقال لها:"مَهْيَعة"، وهي اليوم خراب، ولهذا صار الناس يُحرمون من قبلِها من المكان الذي يسمى: رابغ، وهو ميقات لمن حج من ناحية المغرب، بل الشام ومصر، لكن أهل الشام ومصر إذا اجتازوا بالمدينة النبوية -كما يفعلونه في هذه الأوقات- أحرموا من ميقات المدينة؛ فإن هذا هو المستحب لهم بالاتفاق، فإن أخروا الإحرام إلى الجحفة، ففيه نزاع، ورأيت الحجاج يحرمون من رابغ عند الرجوع من المدينة إلى مكة، ولا يحرمون من ذي الحليفة، وهذه بدعة أُحدثت في هذا الزمان.
وقرن المنازل -بسكون الراء- بلا خلاف بين أهل العلم من أهل الحديث واللغة والتاريخ والأسماء وغيرهم، وضبطه صاحب "الصحاح" بفتح الراء، وغلَّطه صاحب "القاموس"، وحكى النووي الاتفاق على تخطئته، وقيل: بالسكون: جبل، وبالفتح: طريق، والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان، وهو أقرب المواقيت إلى مكة.
ويَلَمْلَم: جبلٌ من جبال تهامة، قال في "القاموس": على مرحلتين من مكة، وقال في "الفتح" مثله، وزاد: بينهما ثلاثون ميلاً. وهي ميقات أهل اليمن وأهل الهند.
وذات عِرْق -بكسر العين-: ميقات أهل العراق بتوقيت عمر بن الخطاب، رواه البخاري عن ابن عمر عنه -رضي الله تعالى عنه-، وروي عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذاتَ عرق، رواه أبو داود، والنسائي.
وميقات المكي للحج والعمرة: جوفُ مكة.
وفائدة التوقيت: المنعُ عن تأخير الإحرام، فلو قدم عليه، جاز، قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد: هذه المواقيت واجبة، فلو تركها وأحرم بعد مجاوزتها، أثم، ولزمه دم، وصحَّ حجه، وقال عطاء والنخعي: لا شيء عليه،