الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: عرفةُ كلُّها موقف، ولا يقف ببطن عرنة، وأما صعود جبل الرحمة، ويقال لها: إِلال -على وزن هلال- فليس من السنة، وكذا القبة التي فوقه، يقال لها: قبة آدم لا يستحب دخولها، ولا الصلاة فيها، والطواف بها من الكبائر، وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيء منها، ولا الصلاة فيها، وأما الطواف بها أو بالصخرة، أو بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أو ما كان غير "البيت العتيق"، فهو من أعظم البدع المحرمة.
9 - فصل في الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة
إذا غربت الشمس واستحكم غروبها بحيث تذهب الصفرة، فالسنة أن يفيض الإمام والناسُ من عرفة مُلَبين، وعند غير المالكية ذاكرين داعين شاكرين مستبشرين بنعمة الله عليهم وفضله، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "إن الله تعالى يقول للملائكة: انظروا عبادي أتوني شُعْثاً غبراً، أُشهدكم أني قد غفرتُ لهم ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء، ورمل عالج، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له".
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن إبليس يضع التراب على رأسه، ويدعو بالوبل والثبور بعد إفاضة الناس من عرفة، فيجمع إليه شياطينه، فيقولون: ما لك؟ فيقول: قومٌ فتنتُهم ستين وسبعين سنة غفر لهم في طرفة عين". ومن أفاض من عرفة، وخرج منها قبل غروب الشمس، ولم يعد إليها حتى طلع الفجر من ليلة النحر، فقد فاته الحج عند المالكية؛ خلافاً للثلاثة، قال أحمد: إذا أفضتَ من عرفات، فهلِّل وكبر ولَبِّ وقلْ:
"اللهمَّ إليكَ أفضتُ، وإليك رغبت، ومنك رَهِبت، فاقبلْ نسكي، وأعظم أجري، وتقبل توبتي، وارحم تضرُّعي، واستجبْ دعائي، وأعطني سؤلي".
والسنة أن يفيض بالسكينة والوقار، لا كما يفيض الجهال بالإسراع والزحمة المؤذية، ويجتنبُ وجيفَ الخيل وإيضاع الإبل كما يعتاده الجهال؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: "أيها الناس! عليكم بالسكينة، فإن البِرَّ ليس بالإيضاع، واتقوا الله، وسيروا سيراً جميلاً، لا توطئوا ضعيفاً، ولا تؤذوا
مسلماً"، ويكون في الطريق رافعاً صوته بالتلبية، فإذا وصل إلى مزدلفة، فلْيبتْ بها، وهو واجب عند الشافعي والحنابلة، وسنة عند الحنفية والمالكية، لكن عند المالكية النزولُ بها واجب، ويحصل المبيت بالحضور بالمزدلفة ساعةً من النصف الثاني من الليل، وهو مقتضى مذهب الحنابلة، والسنة عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة: أن يصلي بها المغرب قبل حطِّ الرحال وتبريك الجمال إن تيسَّر، فإذا حطوا رحالهم، يصلي العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولا يصلي بينهما شيئاً، وعند الحنفية: أنه لو صلى المغرب أو العشاء في الطريق أو بعرفة، لم يجز به عند أبي حنيفة، ومحمد، وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر فإذا طلع الفجر، سقط القضاء.
وقالوا: إن من ضلَّ الطريق بين عرفة ومزدلفة، أو كان مريضاً لا يقدر على المشي، وليس له محمل، لا يصليهما دون المزدلفة، إلا أن يخاف طلوع الفجر قبل بلوغ المزدلفة، فيجوز، والخلاف فيمن يجمع ويقصر، ومن لا يجمع ولا يقصر، كالخلاف في صلاة الظهر والعصر يوم عرفة، وقد تقدم، غير أن الحنفية لا يشترطون في جواز هذا الجمع ما حكيناه عنهم أنهم شرطوه في الجمع بعرفة.
ويستحب عند الشافعية: الاغتسالُ بالمزدلفة بعد نصف الليل للوقوف بالمشعر الحرام، وقالت الحنابلة: إنه مستحب للمبيت. قلت: وليس بسنة ثابتة كما مر، ويستحب الإكثار في هذه الليلة من التلاوة والذكر والدعاء والصلاة، قال الغزالي: إحياء (1) هذه الليلة الشريفة من محاسن القربات لمن يقدر عليه، انتهى.
ويروى أن الدعاء يستجاب بالمزدلفة، وهذه الليلة هي ليلة العيد، وقد انضم إلى شرف الليلة شرفُ المكان، وكونه في الحرم والإحرام ومجمع الحجيج، ويجوز عند الأربعة: تقديم الضعفاء من النساء والصبيان ونحوهم بعد نصف
(1) لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحياء هذه الليلة، بل في هديه أنه هو نام بالمزدلفة حتى أصبح، ولم يحي تلك الليلة، وأيضاً ما ثبت عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء.