الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخره إلى بعد أيام التشريق، وأتى به بعدها، ففيه نزاع، ولا شيء عليه عند الجمهور، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا تطاول، لزم معه دم؛ انتهى.
وإذا فرغ الحاج من هذا الطواف، فقد حل له جميع ما كان حراماً عليه بالاتفاق، ولم يبق إلا رميُ أيام التشريق، والمبيتُ بمنى، وهي واجبات بعد زوالى الإحرام على سبيل الإتباع للحج، وإذا فرغ من طواف الإفاضة، فينبغي له أن يشرب من سقاية العباس؛ لما صح: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بعد الإفاضة وهم يسقون، فناولوه دلواً، فشرب منه قائماً، وقال:"لولا أن يغلبكم الناسُ، لنزلتُ فسقيتُ معكم"، فقيل إنه نسخ للنهي عن الشرب قائماً، وقيل: إنه بيان أن النهي للكراهة، وقيل: بل فعل ذلك للحاجة. ويروى أن الدعاء يستجاب عند زمزم، واستحب الشافعية: أن يعود بعد طواف الإفاضة إلى منى قبل صلاة الظهر، وهو قول الحنابلة، ومقتضى كلام المالكية، والحنفية: إنه إذا حلق، دخل مكة من يومه ذلك إن تيسر، وهو الأفضل، وإنه إذا فرغ من طواف الإفاضة، رجع إلى منى.
16 - فصل في المبيت بمنى، وما يفعل في أيامها
عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يوم النحر حتى صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة، ولا يقف عندها، رواه أحمد، وأبو داود. وفي الباب أحاديث بألفاظ استدل بها الجمهور على أن المبيت بمنى واجب، وأنه من جملة مناسك الحج.
وقد اختُلف في وجوب الدم بتركه، فقيل: يجب عن كل ليلة دمٌ، قاله المالكية، وقيل: صدقة بدرهم، وقيل: إطعام، وعن الثلاث دم، وهو المروي عن الشافعي، ورواية عن أحمد، وفي رواية عنه، وعن الحنفية: لا شيء عليه، ولا يصح الرمي في هذه الأيام إلا بعد الزوال باتفاق الأربعة، والروايات تدل على أنه لا يجزي رميُ الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس، بل وقته
بعد زوالها، كما في البخاري وغيره من حديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر ضُحًى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال، وإليه ذهب الجمهور، وخالف في ذلك عطاء، وطاوس، فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقاً، وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال، أعاد، إلا في اليوم الثالث، فيجزيه، والأحاديث ترد على الجميع.
وقالت الشافعية، والمالكية، والحنابلة: أن يقدم الرمي على صلاة الظهر، ويشترط عند الثلاثة الترتيبُ بين الجمرات، وهو مستحب عند الحنفية، فيبدأ بالجمرة الأولى التي تلي عرفة، وهي على متن الجادة تقرب إلى مسجد الخَيفْ، يمشي إليها، ويرمي بسبع حصيات، واحدة واحدة، ويكبر مع كل حصاة، ثم يتقدم عنها قليلاً عن متن الجادة إلى موضع لا يصيبه المتطاير من الحصا، ويجعلها خلف ظهره، ويستقبل القبلة، ويحمد الله تعالى، ويكبر ويهلل ويسبِّح، ويدعو بقدر سورة البقرة على سبيل الاستحباب إن أمكن من غير أذى، مع حضور القلب وخشوع الجوارح، رافعاً يديه، مقبلاً على الدعاء.
ثم يتقدم إلى الجمرة الوسطى الثانية، ويرمي كما رمى الأولى، ويصنع فيها كما صنع في الأولى، ويقف للدعاء بقدر ما وقف في الأولى في بطن المسيل عن يمينها إن أمكنه بغير أذى.
ثم يأتي الجمرة الثالثة، وهي جمرة العقبة التي رماها يوم النحر، فيرميها سبعاً، ولا يعرج على شغل ولا يقف عندها للدعاء، بل يرجع من فوره إلى منزله، ولم يرمها صلى الله عليه وسلم من أعلاها كما يفعل الجهال، ولا جعلَها عن يمينه، بل استبطن الوادي، واستعرض الجمرة، وجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ويروى: أن الدعاء يستجاب عند الجمرات، وقال صلى الله عليه وسلم:"يغفر له بكل حصاة رماها كبيرة من الكبائر الموبقات الموجبات".
وقد ثبت في حجه صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين للدعاء في ستة مواضع
1 -
الأول: على الصفا،
2 -
الثاني: على المروة،
3 -
الثالث: بعرفة،
4 -
الرابع: بمزدلفة،
5 -
الخامس: عند الجمرة الأولى،
6 -
السادس: عند الجمرة الثانية. ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام التشريق كما رمى في اليوم الأول، واستحب الثلاثة غير
الحنفية أن يخطب الإمام في هذا اليوم خطبة فردة بعد صلاة الظهر، يعلم الناس جواز النفر وما بعده، ثم يرمي في اليوم الثالث كذلك إن لم يكن نفر في اليوم الثاني، والأفضل عند الشافعية: أن يرمي في غير يوم النحر من أيام التشريق ماشياً، وفي يوم النحر راكباً، وعند الحنفية: أن الرمي كله راكباً أفضل، وعند المالكية وكثير من الحنابلة: أن الرمي ماشياً في أيام التشريق أفضل.
ومذهب الشافعية أنه لو ترك الرمي حتى خرجت أيام التشريق، وجب عليه جبره، فإن كان المتروك جميعَ رمي أيام التشريق ويوم النحر، لزمه دم واحد، وإن كان ثلاث حصيات فأكثر، لزمه دم، وإن كان حصاة، لزمه مُدٌّ من طعام يفرَّق على مساكين الحرم، وفي حصاتين مُدّان، وعند الحنفية: إن ترك جميع الرمي، لزمه دم، وإن ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر أو أكثره، لزمه دم، وإن ترك منها حصاة أو حصاتين، تصدق لكل حصاة نصف صاع من بر، أو صاعٍ من شعير أو تمر.
ويروى: أن الأصل في رمي الجمرات: أن إبراهيم عليه السلام لما فرغ من بناء البيت، أتاه جبريل عليه السلام، فأراه الطواف، ثم أتى به جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات، وأعطى إبراهيم سبعاً، وقال: ارم وكَبّر، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان، وهكذا فعل عند الجمرة الثانية والثالثة.
وتأخير النفر إلى اليوم الثالث أفضلُ بالاتفاق، ويجوز تعجيله؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، ومن ترك المبيت لعذر؛ كأهل سقاية العباس، ورعاء الإبل، ومن خاف على نفسه أو ماله، وما أشبه ذلك، فلا شيء عليه عند الشافعية.
ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك، بل السنة أن يقيم إلى الثالث، والسنَّةُ للإمام أن يصلي بالناس بمنى، ويصلي أهلُ الموسم خلفه، ويستحب أن يتبرك بالصلاة في مسجد الخَيْف، ولا يدعها مع الإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون بالناس قصراً بلا جمع بمنى، ويقصر الناس كلهم خلفهم، أهلُ مكة، وغير أهل مكة.