الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعفهم وقصور علمهم عن إدراك حوائج المضطرين. فأما من لا يشغله سمع عن سمع، وسبقت رحمته غضبه وكتب على نفسه الرحمة، فما تصنع الوسائط عنده.
فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى، فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده، بل ذلك يمتنع في العقول والفطر.
واعلم أن الخضوع والتأله الذى يجعله العبد لتلك الوسائط قبيح في نفسه كما قررناه، لا سيما إذا كان المجعول له ذلك عبدا للملك العظيم الرحيم القريب المجيب، ومملوكا له، كما قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ
«1» أى إذا كان أحدكم يأنف أن يكون مملوكه شريكه في رزقه، فكيف تجعلون لى من عبيدى شركاء فيما أنا منفرد به، وهو الإلهية التى لا تنبغى لغيرى ولا تصلح لسواى، فمن زعم ذلك فما قدرنى حق قدرى ولا عظمنى حق تعظيمى.
وبالجملة فما قدر الله حق قدره من عبد معه من ظنّ أنه يوصل إليه، قال تعالى:
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً
«2» إلى أن قال: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
«3» وقال تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ
«4» فما قدّر القوىّ العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل.
أصل ضلال أهل البدع والزيغ:
واعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعا إلى شيئين.
أحدهما: الظن بالله ظن السوء.
والثانى: أنهم لم يقدروا الرب حق قدره. فلم يقدره حق قدره من ظن أنه لم يرسل رسولا ولا أنزل كتابا، بل ترك الخلق سدى وخلقهم عبثا «5» . ولا قدره
حق قدره من نفى عموم قدرته وتعلقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم وأخرجها عن خلقه وقدرته. ولا قدر الله حق قدره أضداد هؤلاء الذين قالوا: إنه يعاقب عبده على ما لم يفعله «1» بل يعاقبه على فعله سبحانه وتعالى.
وإذا استحال في العقول أن يجبر السيد عبده على فعل ثم يعاقبه عليه، فكيف يصدر هذا من أعدل العادلين. وقول هؤلاء شر من أشباه المجوس القدرية الأذلين.
ولا قدر الله حق قدره من نفى رحمته ورضاه ومحبته وغضبه وحكمته مطلقا وحقيقة فعله «2» ولم يجعل له فعلا اختياريا، بل أفعاله مفعولات منفصلة عنه.
ولا قدره حق قدره من جعل له صاحبة وولدا، أو جعله يحلّ في مخلوقاته، أو جعله عين هذا الوجود «3» .
ولا قدر الله حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته وجعل فيهم الملك ووضع أولياء رسوله وأهل بيته، وهذا يتضمن غاية القدح في الرب، تعالى الله عن قول الرافضة «4» . وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في قول رب العالمين أنه أرسل ملكا ظالما وادعى النبوة وكذب على الله ومكث زمنا طويلا يقول:
أمرنى بكذا ونهانى عن كذا، ويستبيح دماء أبناء الله وأحبائه، والرب تعالى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه، ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه، ويقيم دولته على الظهور والزيادة ويذل أعداءه أكثر من ثمانمائة عام. فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين سواء.