المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة] - رسائل المقريزي

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة رسائل المقريزي

- ‌تقى الدين المقريزى

- ‌مؤلفاته:

- ‌صفاته وسلوكه:

- ‌وصف المخطوطات:

- ‌[فصل: في اختصاص بني هاشم بالدعوة والنبوة والكتاب على سائرهم من بين قريش]

- ‌[فصل: في بيان السر في خروج الخلافة بعد رسول الله ص عن على بن أبى طالب ع إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان]

- ‌[فصل: في الاعتراض على أخذ بنى العباس بن المطلب بن هاشم الخلافة نيفا على خمسمائة وعشرين سنة]

- ‌[فصل: اتفق في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القذاة بالقذاة]

- ‌[فصل: مطابقة السنن الكونية في الأمة الإسلامية لماسبقها من الشعوب والأمم من اليهو والنصارى وغيرهم]

- ‌لباب التوحيد وجوهره:

- ‌«أنواع الشرك الواقع في الأمم» :

- ‌«الإشراك في المحبة» :

- ‌«صرف العبادة إلى غير الله شرك أكبر» :

- ‌«كثرة الأدلة على توحيده تعالى» :

- ‌«الشرك في الربوبية» :

- ‌«شرك القدرية» :

- ‌«النهى عن اتخاذ القبور مساجد» :

- ‌أقسام الناس في زيارة القبور:

- ‌النهى عن السجود لغير الله:

- ‌الشرك في الألفاظ:

- ‌الشرك في الإرادة والنية:

- ‌بطلان الوسائط والشفعاء في التقرب إلى الله:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌أنواع التعطيل:

- ‌شرك التشبيه والتمثيل

- ‌حقيقة الشرك:

- ‌صرف العبادات إلى غير الله من التشبيه له بخلقه

- ‌التشبه بالله:

- ‌تحريم التشبه بالله في أفعاله وأسمائه:

- ‌سوء ظن المعتقدين في الوسائط:

- ‌عدم حاجته تعالى إلى الوسائط:

- ‌أصل ضلال أهل البدع والزيغ:

- ‌عبادة غير الله عبادة للشيطان:

- ‌مراتب الناس في عبادة الله:

- ‌القسم الثالث:

- ‌حقيقة الاستعانة:

- ‌القسم الرابع:

- ‌المتابعة والإخلاص شرطان لقبول الأعمال:

- ‌أفضل العبادات وأنفعها:

- ‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

- ‌أقسام الناس في منفعة العبادة:

- ‌رأى القدرية في الحكمة والتعليل:

- ‌تناقض الجبرية والقدرية:

- ‌الأعمال سبب لدخول الجنة:

- ‌رأى الفلاسفة والمتصوفة في العبادات:

- ‌قول أهل الحق في العبادة:

- ‌محبة الله أصل العبادة:

- ‌تقديم الآراء على نصوص الوحى منافى للمحبة:

- ‌قواعد العبادة:

- ‌فصل في النقود

- ‌النقود الإسلامية

- ‌نقود مصر

- ‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

- ‌فصل: الأجسام المتولدة

- ‌فصل في أقسام المعادن

- ‌القول في الفلزات

- ‌القول في الأحجار

- ‌ذكر بلاد الحبشة

- ‌ذكر بلاد الزيلع

- ‌ومملكة أوفات

- ‌ومملكة دوارد

- ‌ومملكة أرابينى

- ‌ومملكة هديّة

- ‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

- ‌«الاستثناء في الإيمان» :

- ‌«رفض الحنفية للاستثناء» :

- ‌«كلام السلف في الاستثناء» :

- ‌[فصل في تعرف النحل وأنواعه وخصائصه]

- ‌[فصل في بيان أصناف النحل]

- ‌فصل في بيان فائدة شمع النحل وخصائصه

- ‌الآفات التى تصيب الخلايا

- ‌[الدّبر: عسله وأنواعه]

- ‌فصل: فى ماهية العسل

- ‌[فوائد العسل]

- ‌فصل في تكريم النحل من خلال تنويه الله تعالى بذكرها في القرآن

- ‌بيوت النّحل

- ‌[فصل في نهي النبي عن قتل أربع من الدواب ومنها النحلة]

- ‌[فصل في سماع النبي ص دوي النحل عند نزول الوحي]

- ‌[فصل اختلف أهل العلم في أكل النّحل]

- ‌[فصل في تسمية البعض بأسماء النحل وتكنيتهم بها والسبب في ذلك]

- ‌[فصل أجود ما قيل في الشمعة]

- ‌الفهارس العامة

- ‌فهرس الآيات القرآنية

- ‌الأعلام

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس القبائل

- ‌فهرس البلدان

- ‌فهرس النقود والدراهم والموازين

- ‌ثبت بالمراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله حق حمده، وصلى الله على محمد رسوله وعبده، وآله وصحبه وأتباعه وجنده.

وبعد: فإنى لما رأيت أكثر الناس في حق آل البيت مقصرين، وعمّا لهم من الحق معرضين، ولمقدارهم مضيعين، وبمكانتهم من الله تعالى جاهلين، أحببت أن أقيّد في ذلك نبذة تدل على عظيم مقدارهم، وترشد المتقى لله تعالى على جليل أقدارهم، ليقف عنده حده، ويصدق بما وعدهم الله ومنّ [به]«1» عليهم من صادق وعده.

والله أسأل الهداية، وأعوذ به من الضلال والغواية، إنه قريب مجيب.

[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

(فصل) قال الله جل جلاله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

«2» .

قال الأستاذ أبو الحسن على بن إسماعيل بن سيده «3» رحمه الله:

الرّجس: القذر.

وقال ابن دريد «4» : ورجل مرجوس، ورجس: نجس، وأحسبهم قد قالوا:

رجس: نجس، وهى الرجاسة «5» .

ص: 179

والنجاسة والرجس: العذاب، كالرجز، ورجس الشيطان وسوسته «1» .

وقال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى «2» رحمه الله: يقول الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ

أى السوء والفحشاء يا أهل البيت، بيت محمد، ويطهركم من الدنس الذى يكون في أهل معاصى الله تطهيرا.

وذكر بسنده عن [سعيد عن]«3» قتادة قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

: فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء وخصهم برحمة منه.

وعن ابن وهب قال نقلا عن [ابن]«4» زيد قال: الرجس هاهنا الشيطان وسوى ذلك من الرجس الشر [ك]«5» ، واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: أَهْلَ الْبَيْتِ

فقال بعضهم: عنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلىّ، وفاطمة، والحسن والحسين، رضى الله عنهم، ثم ذكر من حديث مندل عن الأعمش عن عطية، عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«نزلت هذه الآية في خمسة: فىّ وفي على، وحسن، وحسين، وفاطمة

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

«6» .

ومن حديث زيد، عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة رضى الله عنها قالت:

كان النبى صلى الله عليه وسلم عندى وعلى وفاطمة والحسن والحسين، فجعلت لهم خزيرة «7»

ص: 180

فأكلوا وناموا وغطى عليهم كساء، أو قطيفة، ثم قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتى، أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا» .

ومن حديث [يونس]«1» بن إسحاق قال: أخبرنى أبو داود عن أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب على، وفاطمة، رضى الله عنهما، فقال: «الصلاة الصلاة، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

» .

ومن حديث أبى نعيم الفضل بن ركين قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن كلثوم المحاربى، عن أبى عمار قال، إنى لجالس عند واثلة بن الأسقع- رضى الله عنه- وذكروا عليا- رضى الله عنه- فشتموه، فلما قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذى شتموه، إنى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه على، وفاطمة، وحسن، وحسين، فألقى عليهم كساء له، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتى، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قلت: يا رسول الله، وأنا، قال: وأنت، قال: فو الله إنها لمن أوثق عمل عندى.

ومن الحديث الوليد بن مسلم قال: حدثنا ابن عمرو قال: حدثنى شدّاد أبو عمار قال: سمعت واثلة بن الأسقع يحدث قال: سألت عن على بن أبى طالب، رضى الله عنه، في منزله، فقالت فاطمة، رضى الله عنها: قد ذهب يأتى برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش، وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره، وحسنا، وحسينا رضوان الله عليهم، بين يديه، فلقع عليهم بثوبه، وقال: «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

، اللهم هؤلاء أهلى، اللهم أهلى أحق» قال واثلة فقلت: من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال: «وأنت من أهلى» قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرتجى.

ومن حديث وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب عن أم سلمة، رضى الله عنها، قالت: لما نزلت الآية: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وفاطمة، وحسنا

ص: 181

وحسينا فجلّل عليهم «1» بكساء خيبرى «2» وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتى، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: «أنت إلىّ خير» .

ومن حديث سعيد بن زربى، عن محمد بن سيرين، عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن أم سلمة رضى الله عنها، قالت: جاءت فاطمة رضى الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة «3» لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق، فوضعتها بين يديه، فقال: أين ابن عمك، وابناك؟ فقالت: في البيت. فقال: ادعيهم.

فجاءت عليا فقالت: أجب النبى صلى الله عليه وسلم أنت وابناك. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة «4» ، فمده، وبسطه، فأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه تعالى، ذكر، ثم قال:«اللهم هؤلاء أهل البيت، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» .

ومن حديث فضيل بن مروزق، عن عطية، عن أبى سعيد، عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم؛ أن هذه الآية نزلت في بيتها: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: أنا يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، أنت من أزواج النبى.

قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [وعلى]«5» وفاطمة، والحسن والحسين.

ومن حديث هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص، عن عبد الله بن وهب ابن زمعة قال: أخبرتنى أم سلمة رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة، والحسن والحسين، رضى الله عنهم، ثم أدخلهم تحت ثوبه، ثم جأر «6» إلى الله تعالى و [قال] «7» :«اللهم هؤلاء أهل بيتى» فقالت أم سلمة: يا رسول الله، أدخلنى معهم. قال: إنك من أهلى.

ص: 182

ومن حديث محمد بن سليمان [بن]«1» الأصبهانى، عن يحيى بن عبيد المكى عن عطاء عن عمر بن أبى سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبى صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

فدعا حسنا، وحسينا، وفاطمة، فأجلسهم بين يديه، ودعا عليا فأجلسه خلفه، فتجلّل «2» هو وهم بالكساء، ثم قال:«اللهم هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قالت أم سلمة: أنا معهم؟ قال: «أنت [على] «3» مكانك، وأنت على خير» .

ومن طريق السدّى، عن أبي الدّيلم قال: قال على بن الحسين- رحمه الله لرجل من أهل الشام: أما قرأت في الأحزاب: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

. قال: ولأنتم هم؟ قال: نعم.

ومن حديث بكير بن أسماء قال: سمعت عامر بن سعد قال: قال سعد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحى، فأخذ عليا وابنيه، وفاطمة، فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال:«رب هؤلاء أهلى، وأهل بيتى» .

ومن حديث عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن حكيم بن سعد قال:

ذكرنا على بن أبى طالب عند أم سلمة رضى الله عنها فقالت: في بيتى نزلت:

إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

قالت أم سلمة: جاء النبى صلى الله عليه وسلم إلى بيتى فقال: لا تأذن لأحد. فجاءت فاطمة، رضى الله عنها، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن، رضى الله عنه، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبى صلى الله عليه وسلم على بساط، فجللهم النبى صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه، ثم قال:«هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» .

هذه الآية نزلت حين اجتمعوا على البساط. قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، وأنا؟ قالت: فو الله ما أنعم «4» وقال: إنك إلى خير.

وقال آخرون: بل عنى بذلك أزواج النبى صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر من طريق الأصبغ [عن علقمه]«5» قال: كان عمر رضى الله عنه

ص: 183

ينادى في السوق: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

قال: نزلت في نساء النبى صلى الله عليه وسلم خاصة.

وقال العلامة أبو محمد ابن عطية «1» :

والرجس اسم يقع على الإثم وعلى [العذاب]«2» ، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله تعالى جميع ذلك عن أهل البيت [ونصب أهل البيت]«3» على المدح.

أو على النداء للمضاف أو بإضمار: أعنى.

واختلف الناس في أهل البيت من هم؟ فقال عكرمة، ومقاتل، وابن عباس [رضى الله عنهم] «4» : هم زوجاته خاصة لا رجل معهم «5» ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبى صلى الله عليه وسلم.

قال أبو سعيد الخدرى، رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الآية في خمسة: فىّ، وفي على، وفاطمة، والحسن، والحسين.

ومن حجة الجمهور قوله: عَنْكُمُ

، ويُطَهِّرَكُمْ

بالميم، ولو كان للنساء خاصة لقال:«عنكن» .

قال ابن عطية: والذى يظهر [لى]«6» أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك البتة، فأهل البيت: زوجاته، وبنته وبنوها، وزوجها، وهذه الآية تقتضى أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن. أما [أن]«7» أم سلمة، رضى الله عنها قالت: نزلت هذه الآية في بيتى، فدعا «8» رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا،

ص: 184

وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فدخل معهم «1» تحت كساء خيبرى، وقال:«هؤلاء أهل بيتى، وقرأ الآية، وقال: اللهم أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا» .

قالت أم سلمة: فقلت: وأنا يا رسول الله؟ فقال: «أنت من أزواجى وأنت إلى خير» .

وقال الثعلبى «2» : قيل: هم بنو هاشم، فهذا على [أن]«3» البيت يراد به بيت النسب، فيكون العباس وأعمامه [وبنو أعمامه]«4» منهم، وروى نحوه عن زيد بن أرقم، رضى الله عنه.

وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبى «5» : إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

قال الزجاج: قيل: يراد به نساء النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل:

يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته. وأهل [البيت]«6» : نصب على المدح قال: وإن شئت على البدل. قال: ويجوز الرفع والخفض. قال [النحاس]«7» : إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد «8» قال: لا يبدل من المخاطب، ولا من المخاطب؛ لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين «ويطهركم تطهيرا» مصدر فيه معنى التوكيد.

ص: 185

قوله: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ

«1» . هذه الألفاظ تعطى أن أهل البيت: نساؤه.

ومن اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم؟

فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته خاصة لا رجل معهن، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ.

وقال فرقة منهم الكلبى: هم على وفاطمة والحسن والحسين خاصة، وفي هذا أحاديث عن النبى صلى الله عليه وسلم، واحتجوا بقوله تعالى: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

بالميم، ولو كان للنساء خاصة لكان:«عنكن» و «يطهركن» إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل، يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أى امرأتك ونساؤك. فيقول: هم بخير. قال تعالى: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

«2» .

[والذى يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت]«3» من الأزواج وغيرهم، وإنما قال: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليا وحسنا وحسينا كانوا فيهم. وإذا اجتمع المذكر والمؤنث، غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت؛ لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن، يدل عليه سياق الكلام والله أعلم.

أما أن أم سلمة رضى الله عنها قالت: نزلت هذه الآية في بيتى، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فدخل معهم تحت كساء خيبرى، وقال:«هؤلاء أهل بيتى، وقرأ الآية، وقال: اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة، وأنا معهم يا نبى الله؟ قال:«أنت على مكانك وأنت على خير» .

أخرجه الترمذى «4» وغيره «5» وقال: هذا حديث غريب.

ص: 186

وفي رواية: وقالت أم سلمة: أدخلت رأسى في الكساء وقلت: وأنا منهم؟

قال: نعم.

وقال الثعلبى: هم بنو هاشم، فهذا [يدل]«1» على أن البيت يراد به بيت النسب، فيكون العباس وأعمامه وبنو أعمامه منهم، وروى نحوه عن زيد بن أرقم.

وعلى قول الكلبى، يكون قوله: وَاذْكُرْنَ

ابتداء مخاطبة أمر الله تعالى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم على جهة الموعظة وتعديد النعمة بذكر ما يتلى في بيوتكن من آيات الله تعالى والحكمة.

قال أهل العلم بالتأويل: آيات الله: القرآن، والحكمة: السنّة.

والصحيح أن قوله: وَاذْكُرْنَ

منسوق «2» على ما قبله، وقال: عَنْكُمُ

كقوله: أَهْلَ

فالأهل مذكر، فسماهن- وإن كن إناثا- باسم التذكير، فلذلك صار «عنكم» ، ولا اعتبار بقول الكلبى وأشباهه فإنه توجد له أشياء من هذا التفسير ما [لو]«3» كان في [زمن]«4» السلف الصالح لمنعوه وحجروا عليه.

فالآيات كلها من قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ

إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً

«5» ، منسوق بعضا على بعض، فكيف صار في الوسط كلاما منفصلا لغيرهن؟ وإنما هذا شىء جرى في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية دخل عليه على، وفاطمة، والحسن، والحسين، رضى الله عنهم، فعمد النبى صلى الله عليه وسلم إلى كساء فلفها عليهم، ثم ألوى «6» بيده إلى السماء فقال:«اللهم هؤلاء أهل بيتى، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» «7» .

فهذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية، أحب أن يدخلهم في الآية التى خوطب بها [الأزواج]«8» ، فذهب الكلبى وطائفة أنها لهم خاصة، وإنما هى دعوة لهم خارجة عن التنزيل والله أعلم.

ص: 187

وقال العلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوى بن عبد الكريم الطوفى «1» فى كتاب «الإشارات الإلهية في المباحث الأصولية» قوله عز وجل: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

احتج بها الشيعة على أن أهل البيت معصومون، ثم على أن إجماعهم حجة، وكل من كان كذلك فهو معصوم.

أما الأولى: فلنص هذه الآية.

وأما الثانية: فلأن الرجس اسم جامع لكل شر ونقص، والخطأ وعدم العصمة بالجملة شر ونقص، فيكون ذلك مندرجا تحت عموم الرجس الذاهب عنهم، فتكون الإصابة في القول والفعل والاعتقاد، والعصمة بالجملة ثابتة لهم، وأيضا فلأن الله عز وجل طهرهم، وأكد تطهيرهم بالمصدر حيث قال: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

أى ويطهركم من الرجس وغيره تطهيرا؛ إذ هى تقتضى عموم تطهيرهم من كل ما ينبغى التطهر منه عرفا أو عقلا، أو شرعا؛ والخطأ وعدم العصمة داخل تحت ذلك، فيكونون مطهرين منه، ويلزم من ذلك عموم إصابتهم وعصمتهم.

ثم أكدوا دليل عصمتهم من الكتاب والسنة في علىّ رضى الله عنه وحده، وفي فاطمة عليها السلام وحدها، وفي جميعهم. أما دليل العصمة في على رضى الله عنه [فلما] «2» ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قاضيا قال: يا رسول الله، كيف تبعثنى قاضيا ولا علم لى بالقضاء؟ قال:[اذهب]«3» فإن الله سيهدى قلبك، ويسدد لسانك، ثم ضرب صدره وقال:«اللهم اهد قلبه وسدد لسانه» . قالوا:

قد دعا له بهداية القلب [وسداد]«4» اللسان، وأخبره بأن سيكونان له، ودعاؤه مستجاب، وخبره حق وصدق، ونحن لا نعنى بالهداية إلا هداية القلب، ونطق اللسان بالصدق، فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا أو ما يلازمه فليذكره.

وأما دليل العصمة في جميعهم، أعنى في فاطمة رضى الله عنها، فقوله صلى الله عليه وسلّم

ص: 188

«فاطمة بضعة منى يريبنى ما رابها، ويؤذينى ما آذاها» «1» والنبى صلى الله عليه وسلم معصوم، فبضعته- أى جزؤه، والقطعة منه يجب أن تكون معصومة.

وأما دليل العصمة في جميعهم، أعنى عليا وفاطمه وولديهما، فلقوله صلى الله عليه وسلم:

«إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتى أهل بيتى، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» رواه الترمذى «2» .

ووجه دلالته أنه لازم بين أهل بيته، والقرآن المعصوم، وما لازم المعصوم فهو معصوم. قالوا: وإذا ثبت عصمة أهل البيت وجب أن يكون إجماعهم حجة لامتناع الخطأ والرجس عليهم بشهادة السمع المعصوم، وإلا لزم وقوع الخطأ فيه وإنه محال.

واعترض الجمهور بأن قالوا: لا نسلم أن أهل البيت في الآية من ذكرتم بل هم نساء النبى صلى الله عليه وسلم بدليل سياقها وانتظام ما استدللتم به معه، فإن الله تعالى قال:

يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ

«3» الآية.

ثم استطردها إلى أن قال: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ

الآية.

فخطاب نساء النبى صلى الله عليه وسلم، مكتنف لذكر أهل البيت قبله وبعده، منتظم له، فاقتضى أنهن المراد به، وحينئذ لا يكون لكم في الآية متعلق أصلا، ويسقط الاستدلال بها بالكلية، سلمناه، لكن لا نسلم أن المراد بالرجس ما ذكرتم، بل المراد به رجس الكفر، أو نحوه من المسميات الخاصة.

وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها مع أن دلالتها ضعيفة.

ص: 189

وأجاب الشيعة بأن قالوا: الدليل على أن أهل البيت في الآية [هم]«1» من ذكرنا: النص والإجماع «2» .

أما النص فما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه بقى بعد نزول هذه الآية ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة رضى الله عنها، فينادى:«الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» . رواه الترمذى وغيره «3» .

وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها، وهو نص، وأنصّ منه حديث أم سلمة رضى الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم أرسل خلف على وفاطمة وولديهما- رضى الله عنهم- فجاؤوا فأدخلهم تحت الكساء ثم جعل يقول: «اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتى. اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتى- وفي رواية حامّتى- اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» .

قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، ألست من أهل بيتك؟ قال:«أنت إلى خير» رواه أحمد «4» .

وهو نص في أهل البيت، وظاهر في أن نساءه لسن منهم؛ لقوله لأم سلمة:

«أنت إلى خير» ولم يقل: بلى أنت منهم.

وأما الإجماع فلأن الأمة اتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا أطلق إنما ينصرف إلى ما ذكرناه دون النساء ولو لم يكن إلا شهرته فيهم كفى.

وإذا ثبت مما ذكرناه من النص والإجماع أن أهل البيت على وزوجته وولداه، فما استدللتم به من سياق الآية، ونظمه على خلافه لا يعارضه؛ لأنه مجمل يحتمل الأمرين، وقصاراه أنه ظاهر فيما ادعيتم، لكن الظاهر لا يعارض النص والإجماع، ثم إن الكلام العربى يدخله الاستطراد والاعتراض- وهو تخلل الجملة الأجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ

«5» .

ص: 190

فقوله: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ

جملة معترضة من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس.

وقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ

«1» .

أى فلا أقسم بمواقع النجوم. إنه لقرآن كريم. وما بينهما اعتراض على اعتراض، وهو كثير في القرآن وغيره من كلام العرب، فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبى صلى الله عليه وسلم على هذا النهج؟ وحينئذ يضعف اعتراضكم.

وأما الرجس فإنما يجوز حمله على الكفر، أو على مسمى خاص لو كان له معهود، ولكن لا معهود له، فوجب حمله على عمومه إذ هو اسم جنس معرّف باللام، وهو من أدوات العموم، وأما ما ذكرناه من أخبار الآحاد فإنما أكدنا به دليل الكتاب، ثم هى لازمة لكم، فنحن أوردناها «2» إلزاما لا استدلالا.

قال [الطوفى]«3» : واعلم أن الآية ليست نصا ولا قاطعا في عصمة أهل البيت، وإنما قصاراها أنها ظاهرة في ذلك بطريق الاستدلال الذى حكيناه عنهم، والله أعلم.

وقال العارف محيى الدين أبو عبد الله محمد بن عربى «4» رحمه الله تعالى:

«كل عبد إلهى توجه لأحد عليه حق من المخلوقين فقد نقص من عبوديته لله تعالى بذلك القدر [من الحق] «5» فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به، فلا يكون عبدا محضا خالصا لله تعالى، وهذا هو الذى رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعهم عن الخلق، ولزومهم السياحات، والبرارى، والسواحل، والفرار من

ص: 191

الناس، والخروج عن ملك الحيوان، فإنهم يريدون بذلك الحرية من جميع الأكوان.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا محضا «1» قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا، وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم، فإن الرجس هو القذر عند العرب، كذا قال الفراء «2» قال الله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فلا يضاف إليهم إلا مطهر ولابد، فإن المضاف إليهم هو الذى يشبههم، فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس.

فهذه شهادة من النبى صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسى، رضى الله عنه، بالطهارة والحفظ الإلهى والعصمة حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«سلمان منا أهل البيت» وشهد الله لهم بالتطهير، وذهاب الرجس عنهم؟

وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مقدس مطهر، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون، بل هم عين الطهارة.

فهذه الآية تدل على أن الله تبارك وتعالى قد شرك أهل البيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ

«3» .

وأى وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوسخ؟ فطهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا لو وقع منه صلى الله عليه وسلم لكان ذنبا في الصورة لا في المعنى؛ لأن الذم لا يلحق به على ذلك من الله تعالى ولا منا شرعا، فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة، ولم يكن يصدق قوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فدخل الشرفاء أولاد فاطمة عليهم السلام كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون باختصاص من الله تعالى، وعناية بهم لشرف

ص: 192

محمد صلى الله عليه وسلم وعناية الله تعالى بهم.

فينبغى لكل مسلم أن يصدق الله تعالى في قوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً

. فيعتقد في جميع ما يصدر من أولاد فاطمة رضى الله عنهم، أن الله تعالى قد عفا عنهم فيه.

ولا ينبغى لمسلم أن يلحق المذمة، ولا ما يشنؤ «1» أعراض من قد شهد الله تعالى بتطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم لا بعمل عملوه، ولا بخير قدموه، بل سابق عناية واختصاص إلهى ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ*

«2» .

وإذا صح الخبر الوارد في سلمان رضى الله عنه، فله هذه الدرجة، فإنه لو كان سلمان على أمر يشنؤه الله وتلحقه المذمة من الله تعالى بلسان الذنب عليه، لكان مضافا إلى أهل البيت من لم يذهب عنه الرجس، فيكون لأهل البيت من ذلك بقدر ما أضيف إليهم وهم المطهرون بالنص، فسلمان منهم بلا شك.

وإذا كانت مرتبة مخلوق عند الله تعالى بهذه المثابة أن يشرف المضاف إليهم بشرفهم، وشرفهم ليس لأنفسهم، وإنما الله تعالى هو الذى اجتباهم وكساهم حلّة الشرف، فكيف بمن له الشرف، والشرف التام لنفسه، فهو المجيد سبحانه وتعالى، فالمضاف إليه من عباده الذين هم عباده، وهم الذين لا سلطان ولا ملك لمخلوق عليهم، قائمون بحقوق سيدهم، واقفون عند مراسمه وحدوده، فشرفهم أعلى.

وهؤلاء هم أقطاب «3» هذا المقام، ومن هؤلاء الأقطاب ورث سلمان رضى الله عنه شرف أهل البيت، فكان رضى الله عنه من أعلى الصحابة بالحقوق وأقواهم على أدائها، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من فارس، وأشار إلى سلمان الفارسى رضى الله عنه، فسرّ سلمان الذى ألحقه بأهل البيت ما أعطاه النبى صلى الله عليه وسلم أداء كتابته، فهو عتيقه صلى الله عليه وسلم ومولى القوم منهم.

وبعد أن تبين لك منزلة أهل البيت عند الله تعالى وأنه لا ينبغى لمسلم أن يذمهم

ص: 193

أصلا، فإن الله تعالى طهرهم، فليعلم الذام لهم أن ذلك يرجع إليه ولو ظلموه، فذلك الظلم هو في زعمه، لا في نفس الأمر، بل حكم ظلمهم ينافى نفس الأمر، كجرى المقادير على العبد في ماله يغرق أو يقع في النار فيحترق أو يموت له أحد أحبابه، أو يصاب هو في نفسه، وهذا كله مما لا يوافق غرضه، ولكن ينبغى أن يقابل ذلك كله بالرضا والتسليم، وإن نزل عن هذا المقام فبالصبر، وإن ارتفع فبالشكر، فإن في طى ذلك نقمة «1» من الله تعالى له، وليس وراء ما ذكرناه خير، فإنه ما وراءه إلا الضجر والتسخط؛ ولذلك ينبغى أن يقابل المسلم جميع ما يطرأ عليه من أولاد فاطمة رضى الله عنهم في ماله وفي أهله، وفي عرضه وفي نفسه أن يقابله بالرضا والتسليم والصبر، ولا يلحق بهم المذمة أصلا، وإن توجهت عليهم الأحكام الشرعية من إقامة الحدود المشروعة، فذلك لا يقدح في هذا، وإنما نمتنع من إلحاق الذم بهم وسبهم؛ إذ قد ميزهم الله تعالى عنا بما ليس لنا معهم فيه قدم، وأما أداء الحقوق المشروعة فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقترض من اليهود، وإذا طالبوه بحقوقهم أداها على أحسن ما يمكن.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» فذلك حق الله تعالى، ومع هذا لم يذمهم الله تعالى.

وإنما كلامنا في حقوقكم، وفيما لكم أن تطالبوهم به فلكم ذلك، وليس لكم ذمهم ولا الكلام في أعراضهم، ولا سبهم، وإن نزلتم عن طلب حقوقكم، وعفوتم عنهم فيما أصابوه منكم كان لكم بذلك عند الله الزلفى، فإن النبى صلى الله عليه وسلم ما سأل منكم إلا المودة في القربى، ومن لم يقبل سؤال نبيه فيما هو قادر عليه فبأى وجه يلقاه غدا أو يرجو شفاعته، وهو ما أسعف نبيه فيما سأله من المودة في قرابته، ثم إنه جاء بلفظ المودة وهى الثبوت على المحبة، فإن من ثبت على محبته استصحب المودة في كل حال، وإذا استصحب المودة في كل حال لم يؤاخذ أهل البيت فيما يطرأ منهم في حقه مما لا يوافق غرضه، ألا ترى ما قال المحب وما ذكر المودة التى هى أتم:

وكل ما يفعل المحبوب محبوب

ص: 194

وقال الآخر:

أحب لحبها السودان حتى

أحب لحبها سود الكلاب

وكانت الكلاب تناوشه، وهو يتحبب إليها، فهذا فعل المحب في حب من لا تسعده محبته عند الله تعالى ولا تورثه القربة عند الله تعالى، فهل هذا إلا من صدق الحب، وثبوت الود في النفس، فلو أحببت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحببت أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ورأيت كل ما يصدر منهم في حقك أنه جمال محض تتنعم به وتعلم أن لك عناية عند الله تعالى حيث ذكرك من يحبه وهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ذكروك بذم وسب فتقول: الحمد الله الذى أجرانى على ألسنتهم، وتزيد الله تعالى شكرا على هذه النعمة، فإنهم ذكروك بألسنة طاهرة قد طهرها الله تعالى بطهارة لم يبلغها علمك.

وإذا رأيناك على ضد هذه الحالة مع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أنت محتاج إليه، وله عليك المنة حيث هداك به، فكيف أثق أنا بودك إذ تزعم أنك شديد الحب فىّ والرعاية لجانبى، وما ذاك على الحقيقة إلا من نقص إيمانك، ومن مكر الله تعالى واستدراجه بك حيث لا تعلم، وصورة المكر فيه أن تقول وتعتقد أنك في ذلك ذابّ عن دين الله تعالى وشرعه، وإنى ما طلبت إلا ما أباح الله تعالى لى طلبه، ويندرج الذم في ذلك الطلب المشروع، والبغض والمقت، وأنت لا تشعر.

والدواء الشافى من هذا الداء العضال «1» أنك لا ترى نفسك صاحب [حق معهم]«2» ، بل تنزل عن حقك لئلا يندرج فيه ما ذكرت لك، وما أنت من حكام المسلمين حتى تقيم فيهم حدود الله تعالى، فلو كشف لك عن منازلهم في الآخرة عند الله تعالى لوددت أن تكون [عبدا من عبيدهم]«3» . والله يلهمنا رشد أنفسنا بمنه وكرمه.

قال جامع هذه النبذة «4» : ويؤيد مقالة الشيخ محيى الدين هذه ما أخرجه

ص: 195

الحاكم في مستدركه من حديث معاوية بن هشام قال: حدثنا عمر بن غياث «1» عن عاصم، عن زرّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار» .

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وذكر الفقيه الحافظ محب الدين أحمد عبد الله الطبرى «2» فى كتابه «ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى» من حديث عمران بن حصين رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربى أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتى فأعطانا ذلك» . أخرجه الملا في سيرته.

ومن حديث على رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضى الله عنها: يا فاطمة، تدرين لم سميت فاطمة؟ قال على رضى الله عنه: لم سميت؟

قال: «إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها من النار يوم القيامة» . أخرجه الحافظ الدمشقى.

وقد رواه الإمام على بن موسى الرضا «3» بسنده، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله فطم ابنتى فاطمة وولداها ومن أحبهم من النار» .

وأخرج الإمام أحمد من حديث أبى سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أبغض أهل البيت فهو منافق» .

وروى أبو الفرج الأصبهانى من طريق عبد الله بن عمر القواريرى، حدثنا يحيى ابن سعيد، عن سعيد بن أبان القرشى قال: دخل عبد الله بن حسن على عمر بن

ص: 196

عبد العزيز وهو حديث السن له وفرة «1» ، فرفع مجلسه وأقبل عليه، وقضى حوائجه ثم أخذ عكنة «2» من عكنة فغمزها حتى أوجعه وقال: اذكرها عندك للشفاعة، فلما خرج لامه قومه وقالوا: فعلت هذا بغلام حدث؟ فقال: إن الثقة حدثنى حتى كأنى أسمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بضعة منى يسرنى ما يسرها» «3» وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت بابنها. قالوا: فما معنى غمزك بطنه، وقولك ما قلت؟ قال: إنه ليس أحد من بنى هاشم إلا وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا.

وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

«4» .

قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائى، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومجاهد، وطلحة، والحسن، وقتادة، وأهل مكة:

وَاتَّبَعَتْهُمْ

بالتاء ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

على الإفراد.

وقرأ نافع، وأبو جعفر، وابن مسعود بخلاف عنه، وأبو عمرو بخلاف عنه، وشيبة، والجحدرى، وعيسى وَاتَّبَعَتْهُمْ

بالتاء ذُرِّيَّتُهُمْ

أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

على إفراد في الأولى وجمع في الثانية.

روى خارجة عنه مثل قراءة حمزة. وقرأ ابن عامر وابن عباس وعكرمة وسعيد ابن جبير، والضحاك وَاتَّبَعَتْهُمْ

بالتاء ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

جمعا في الموضعين.

وقرأ أبو عمرو والأعرج وأبو رجاء والشعبى وابن جبير والضحاك: (وأتبعناهم) بالنون (ذرياتهم بهم) جمعا في الموضعين، فكون الذرية جمعا في نفسه حسّن الإفراد في هذه القراءات، وكون المعنى يقتضى انتشارا وكثرة حسّن جمع الذرية في قراءة من قرأ:(ذرياتهم) . والَّذِينَ آمَنُوا

مبتدأ واتَّبَعَتْهُمْ

خبره، واتَّبَعَتْهُمْ

فعل متعد إلى مفعول، واتَّبَعَتْهُمْ

متعدى بالهمزة إلى مفعولين،

ص: 197

والذريات التى كانت فاعله صارت مفعولا ثانيا، وهكذا في جميع موارد هذا الفعل حيث وردت كقوله تعالى: لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «وأتبعه ستا من شوال» .

وقوله: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» .

وقوله: «وأتبع أهل القليب لعنة» «1» فى جميع هذه آخر الذى كان فاعلا ولم يقدم على قياس قوله تعالى: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ

«2» .

وقوله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا

«3» ونحو ذلك.

والظاهر أنه يجوز العكس في الموضعين بأن يقول: «أتبعت الذرية أباهم» و «أسكنت الأرض إياكم» .

ولعل اختيار العكس للبدأة بالأهم، وإنما عرف هذا بالقرينة، ولو قلت:

«أتبعت زيدا عمرا، وأورثت سالما غانما، احتمل» ، والحمل على ما ورد من نظائرها يقتضى أن عمرا تابع وسالما وارث.

وقوله: «بإيمان» متعلق ب «أتبعنا» .

وقال الزمخشرى: متعلق ب «ألحقنا» وهل هو إيمان الذرية فيراد بهم الكبار البالغون، أو إيمان الآباء فيراد بهم الصغار؟ فيه خلاف، والصحيح أنه يراد بهم الصغار. وعلى هذا فالتنكير في الإيمان يراد به التعظيم تنبيها على أنه إيمان خالص عظيم المنزلة، وعلى الأول يكون التنكير للتقليل كأنه قال: شىء من الإيمان لا يوصلهم لدرجة الآباء أتبعناهم آباءهم.

وهل التبع في الدخول أو في رفع الدرجة؟

قال أبو على الفارسى: إن حملت الذرية على الصغار كان قوله: «بايمان» فى موضع النصب على الحال من المفعول، أى اتبعتهم بإيمان من الآباء ذريتهم.

يعنى على قراءة الجمهور، وكلا القولين مروى عن ابن عباس رضى الله عنه.

وقال الواحدى: والوجه أن تحمل الذرية على الصغير والكبير؛ لأن الكبير

ص: 198

يتبع الأب بإيمان نفسه، والصغير يتبع الأب بإيمان الأب، والذرية تقع على الصغير والكبير.

وقد اختلف الناس في معنى الآية على ثلاثة أقوال:

أحدها: قال ابن عباس رضى الله عنهما، وابن جبير، والجمهور: أخبر الله تعالى أن المؤمنين الذين تتبعهم ذريتهم في الإيمان، فيكونون مؤمنين كآبائهم، وإن لم يكونوا في التقوى والأعمال كالآباء، فإنه يلحق الأبناء بمراتب أولئك الآباء كرامة للآباء.

وقد ورد في هذا المعنى حديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فجعلوا الحديث تفسير الآية، وهو ما رواه جبارة بن المغلس، حدثنا قيس عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، ثم قرأ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

. قال: ما أنقصنا الآباء بما أعطيناه البنين.

قال ابن عطية: وكذلك وردت أحاديث تقتضى أن الله تعالى رحم الآباء رعيا للأبناء الصالحين.

ثانيها: قال ابن عباس رضى الله عنهما أيضا والضحاك: معنى هذه الآية أن الله تعالى ألحق الأبناء الصغار بأحكام الآباء المؤمنين، يعنى الموارثة والدفن في قبور المسلمين وفي أحكام الآخرة، وفي الجنة، ومعنى هذا القول أن أولادهم الكبار تبعوهم بإيمان منهم، وأولادهم الصغار تبعوهم بإيمان الآباء، لأن الولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالديه، فيكون معنى الآية على هذا.

وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ

، أى إن بلغت أن آمنت ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان.

ثالثها: ذهب بعض الناس إلى إخراج هذا المعنى من هذه الآية، وذلك لا يترتب إلا بأن يجعل اسم الذرية بمثابة نوعهم على نحو ما هو في قوله تعالى: أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

«1» .

ص: 199

وقال الكلبى عن ابن عباس رضى الله عنه: إن كان الآباء أرفع درجة من الأبناء رفع الله تعالى الأبناء إلى درجة الآباء، وإن كان الأبناء أرفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى درجة الأبناء.

وهذا القول اختيار الفراء. والآباء على هذا القول داخلون في اسم الذرية، ويجوز ذلك كما قيل في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ.

قال ابن عطية: وفي هذا نظر.

وحكى أبو حاتم عن الحسن أنه قال: الآية في الكبار من الذرية، وليس فيها من الصغار شىء.

وقال القاضى منذر بن سعيد البلوطى: هى في الصغار لا في الكبار.

وحكى الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى قولا معناه: أن الضمير في قوله: بِهِمْ

عائد على الذرية، والضمير الذى بعده في ذُرِّيَّتُهُمْ*

عائد على «الذين آمنوا» أى اتبعتهم الكبار، وألحقنا نحن بالكبار الصغار.

قال ابن عطية: وهذا قول مستنكر.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما أيضا أنه فسّر الذين آمنوا: بالمهاجرين والأنصار، والذرية: بالتابعين.

قال ابن عطية: وأرجح الأقوال في هذه الآية القول الأول بمعنى أن الصغار والكبار المقصرين يلحقون بالآباء؛ لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى أهل الجنة، فذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسىء، ولفظه «ألحقنا» تقتضى أن للملحق بعض التقصير في الأعمال.

قال جامعه: خرّج الحاكم من حديث عبد الرزاق، عن سفيان الثورى، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

قال: إن الله عز وجل يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كانوا دونه في العمل، ثم قرأ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ.

يقول: وما أنقصناهم «1» .

ص: 200

وروى شريك عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أبى؟ أين أمى؟ أين ولدى؟ أين زوجى؟ فيقال له: لم يعملوا مثل عملك. فيقول: كنت أعمل لى ولهم، فيقال لهم: ادخلوا الجنة. ثم قرأ:

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ

«1» .

قال جامعه: فإذا أكرم الله تعالى المؤمن لإيمانه، فجعل ذريته الذين لم يستحقوا درجته معه في الجنة لتقصيرهم، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم أكرم على ربه تبارك وتعالى من أن يهين ذريته بإدخالهم النار في الآخرة، وهو عز وجل يقول: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ

«2» .

بل من كمال شرفه صلى الله عليه وسلم ورفيع قدره، وعظيم منزلته عند الله عز وجل، أن يقر الله سبحانه وتعالى عينه بالعفو عن جرائم ذريته، والتجاوز عن معاصيهم، ومغفرة ذنوبهم، وأن يدخلهم الجنة من غير عذاب جهنم.

وقال تعالى: وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً

«3» .

قال سفيان عن مسعر عن عبد الملك عن ميسرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله: وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً

قال: حفظا لصلاح أبيهما، وما ذكر عنهما صلاحا.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين «4» ، وكان السابع من آبائهما. قال جامعه: فإذا صح أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف وإن طالت الأحقاب «5» .

ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عشّشتا على فم الغار الذى اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك حرّم حمام الحرم. وإذا كان كذلك فمحمد صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق، وأجدر أن يحفظ الله ذريته، فإنه إمام الصلحاء،

ص: 201

وما أصلح الله فساد خلقه إلا به. ومن جملة حفظ الله تعالى لأولاد فاطمة عليها السلام أن لا يدخلهم النار يوم القيامة.

وقد خرج أبو داود الطيالسى، حدثنا عمرو بن ثابت، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن أبى سعيد الخدرى عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

«ما بال أقوام يزعمون أن رحمى لا تنفع، والذى نفسى بيده إن رحمى لموصلة في الدنيا والآخرة وإنى فرطكم «1» على الحوض، أيها الناس ألا وسيجىء قوم يوم القيامة، فيقول القائل منهم: يا رسول الله، أنا فلان بن فلان، فأقول:

أما النسب فقد عرفت، ولكنكم ارتددتم بعدى، ورجعتم القهقرى» «2» .

ورواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن سعيد بن المسيب وحمزة ابن أبى سعيد، عن أبى سعيد الخدرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكره، قيل لشريك: يا أبا عبد الله، علام حملتم هذا الحديث؟ قال: عن أهل الردة.

ورواه قتيبة وعبد الرحمن بن شريك عن شريك.

وقال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ

«3» قال أبو جعفر الطبرى:

يقول الله تعالى: جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم، وهم الذين يوفون بعهد الله، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم، وأقاموا الصلاة، وفعلوا الأفعال التى ذكرها الله تعالى في هذه الآيات الثلاث، ومن صلح من آبائهم وأزواجهم، وهم نساؤهم وأهلوهم، وذرياتهم، وصلاحهم: إيمانهم بالله تعالى، واتباعهم أمره، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر عن مجاهد: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ

من آمن في الدنيا.

ص: 202

وقال الإمام أبو الحسن على بن أحمد الواحدى «1» : «ومن صلح» موضع «من» رفع عطف على الواو في «يدخلونها» .

وقال أبو إسحاق: وجائز أن يكون نصبا كما تقول: «دخلوا وزيدا» أى مع زيد.

وقال ابن عباس رضى الله عنهما: «ومن صلح من آبائهم» يريد من صدق بما صدقوا به، وإن لم يعمل مثل أعمالهم.

وقال أبو إسحاق: اعلم أن الأنساب لا تنفع بغير أعمال صالحة. فعلى قول ابن عباس، رضى الله عنهما: معنى صلح: صدق، وآمن، ووحد، وعلى ما ذكره أبو إسحاق معناه: صلح في عمله.

والصحيح ما قال ابن عباس، رضى الله عنهما؛ لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بما يراه في أهله حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع العامل، ولا فائدة للتبشير والوعد إلا بهذا؛ إذ كل مصلح في عمله قد وعد دخول الجنة.

وقال القرطبى: «ومن صلح من آبائهم» يجوز أن يكون معطوفا على «أولئك» والمعنى: أولئك ومن صلح من آبائهم وأزواجهم، وذرياتهم لهم عقبى الدار.

ويجوز أن يكون معطوفا على الضمير المرفوع في: «يدخلونها» وحسن العطف لما حال الضمير المنصوب بينهما، ويجوز أن يكون المعنى: يدخلونها فيدخلها من صلح من آبائهم أى من كان صالحا، لا يدخلونها بالأنساب، ويجوز أن يكون موضع «من» نصبا على تقدير: يدخلونها مع من صلح من آبائهم، أى: وإن لم يعملوا مثل أعمالهم يلحقهم الله تعالى بهم كرامة لهم.

وقال ابن عباس، رضى الله عنهما: هذا الصلاح: الإيمان بالله والرسول، ولو كان لهم مع الإيمان طاعات أخرى لدخلوها بطاعتهم لا على وجه التبعية.

ص: 203

قال القشيرى: وفي هذا نظر؛ لأنه لابد من الإيمان فالقول في اشتراط العمل الصالح كالقول في اشتراط الإيمان، فالأظهر أن هذا الصلاح في جملة الأعمال، والمعنى أن النعمة غدا تتم عليهم بأن جعلهم مجتمعين مع قراباتهم في الجنة وإن كان لا يدخلها كل إنسان بعمل نفسه، بل برحمة الله تعالى.

قال جامعه: فإذا جاز أن يكرم الله تعالى عباده المؤمنين بالذين عملوا بطاعته، ونهوا أنفسهم عن مخالفته بأن يدخل معهم الجنة من أهاليهم وذوى قراباتهم من كان مؤمنا قد قصّر في عبادة ربه، وخالف بعض ما نهى عنه بطريق التبعية لهم، لا أنهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات في أيام الحياة الدنيا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وإمام المتقين لولىّ بهذه الكرامة أن يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة تبعا له، ويرضى عنهم أخصامهم.

وقال تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

«1» .

قال الطبرى: يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركى قومك: قل لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذى جئتكم به، والنصيحة التى أنصحكم، ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تطعونيه إلا المودة في القربى، فاختلف أهل التأويل ما يعنى بقوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

فقال بعضهم: معناه: إلا أن تودونى في قرابتى منكم وتصلوا رحمى بين وبينكم.

ثم ذكر من طريق الشعبى عن ابن عباس، رضى الله عنهما قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودونى في القرابة التى بينى وبينكم.

وعن طاوس في قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

فقال:

سئل عنها ابن عباس رضى الله عنهما فقال سعيد بن جبير: هى قربى آل محمد، فقال: عجل أبو عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيه قرابة قال: فنزلت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى «2»

. قال:

ص: 204

إلا القرابة التى بينى وبينكم أن تصلوها «1» .

وفي رواية عن ابن عباس، رضى الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة فى جميع قريش، فلما كذبوه وأبوا أن يتابعوه قال: يا قوم إن أبيتم أن تتابعونى فاحفظوا قرابتى فيكم، لا يكن غيركم من العرب أولى أن يحفظنى وينصرنى منكم.

وفي رواية عن ابن عباس، رضى الله عنهما، يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم قال لقريش:

لا أسألكم من أموالكم شيئا ولكن لا تؤذونى لقرابة بينى وبينكم، فإنكم قومى وأحق من أطاعنى، وأجابنى.

وعن عكرمة رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان واسطا في قريش، وكان له فى كل بطن من قريش نسب فقال: لا أسألكم عليه أجرا على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظونى في قرابتى.

وعن أبى مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى هاشم، وأمه من بنى زهرة، وأم أبيه من بنى مخزوم، فقال:«احفظونى في قرابتى» .

وعن عكرمة قال: «تعرفون قرابتى وتصدقونى فيما جئت به وتمنعونى» .

وعن قتادة: أن الله أمر محمدا صلى الله عليه وسلم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة، وكل بطون قريش قد ولدته، وبينه وبينهم قرابة.

وعن مجاهد قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

أن يتبعونى ويصدقونى ويصلوا رحمى.

وعن السدّى قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول صلى الله عليه وسلم فيهم ولادة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودونى لقرابتى منكم.

وعن الضحاك في قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

يعنى قريشا، يقول: إنما أنا رجل منكم فأعينونى على عدوى، واحفظوا قرابتى، وإن الذى جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أن تودونى لقرابتى وتعينونى على عدوى.

وعن أبى زيد يقول: إلا أن تودونى لقرابتى كما توادونى في قرابتكم وتواصلون بها، ليس هذا الذى جئت به يقطع ذلك عنى، فلست أبتغى على الذى

ص: 205

جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم.

وعن قتادة قال: كل قريش قد كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة، فقال:

قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودونى بالقرابة التى بينى وبينكم.

وعن عطاء بن دينار يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودونى فى قرابتى منكم وتمنعونى من الناس.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتى.

ثم ذكر عن السدّى عن أبي الديلم قال: لما جىء بعلى بن الحسين أسيرا، وأقيم على درج «1» دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد الله الذى قتلكم واستأصلكم، وقطع قرن الفتنة. فقال له على: أقرأت القرآن؟ قال: نعم.

قال: قرأت: «آل حم» ؟ قال: قرأت القرآن ولم اقرأ «آل حم» . قال: ما قرأت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

؟ قال: فإنكم لإياهم؟ قال: نعم.

وعن مقسم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، فكأنهم فخروا، فقال ابن عباس- أو العباس: لنا الفضل عليكم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال: يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بى؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بى؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أفلا تجيبونى؟ قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: ألا تقولون: أولم يخرجك قومك فآويناك؟ أولم يكذبوك فصدقناك؟

أو لم يخذلوك فنصرناك؟ قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا:

أموالنا، وما في أيدينا لله ولرسوله. قال: فنزلت: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى.

وعن أبي العالية عن سعيد بن جبير: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

قال: هى قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن أبى إسحاق: سألت عمرو بن شعيب، عن قول الله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

قال: قربى النبى صلى الله عليه وسلم.

ص: 206

وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن توددوا إلى الله، وتتقربوا إليه بالعمل الصالح والطاعة.

ثم ذكر من طريق قزيمة بن سويد عن ابن أبى نجيح عن مجاهد، عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«قل لا أسألكم على ما جئتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته» .

وعن الحسن: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

قال: القربى إلى الله. وفي رواية:

إلا التقرب إلى الله تعالى، والتودد إليه بالعمل الصالح. وفي رواية: قل لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا المودة في القربى: إلا أن توددوا إلى الله تعالى بما يقربكم إليه من عمل بطاعته.

وعن قتادة: عن الحسن، بنحوه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تصلوا قرابتكم.

ثم ذكر عن عبد الله بن القاسم في قوله: إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

قال: أمرت أن تصل قرابتك.

قال الطبرى: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسئلكم عليه أجرا يا معشر قريش إلا أن تودونى في قرابتى منكم، وتصلوا الرحم التى بينى وبينكم ثم استدل لذلك.

وقال ابن عطية «1» : اختلف الناس في معناه- يعنى قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

فقال ابن عباس، رضى الله عنهما، وغيره:

هى آية مكية نزلت في صدر الإسلام، ومعناها: استكفاف «2» شر الكفار، ودفع أذاهم، أى إنى ما أسألكم على القرآن والدين، والدعاء إلى الله تعالى إلا أن تودونى لقرابة هى بينى وبينكم فتكفوا عنى أذاكم.

قال ابن عباس، وابن إسحاق، وقتادة: لم يكن في قريش بطن إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم نسب أو صهر، والآية على هذا هى استعطاف، ودفع أذى وطلب سلامة منهم، وذلك كله منسوخ بآية السيف، ويحتمل على هذا التأويل أن يكون

ص: 207

معنى الكلام استدعاء نصرهم أى لا أسألكم غرامة ولا شيئا إلا أن تودونى لقرابتى منكم، وأن تكونوا أولى بى من غيركم.

وقال مجاهد: المعنى إلا أن تصلوا رحمى باتباعى.

وقال ابن عباس أيضا ما يقتضى أنها مدنية، وسببها: أن قوما من شباب الأنصار فاخروا المهاجرين وطالوا بالقول على قريش، فنزلت الآية في ذلك على معنى: إلا أن تودونى فتراعونى في قرابتى وتحفظونى فيهم.

وقال بهذا المعنى في هذه الآية: على بن الحسين رضى الله عنهما، واستشهد بهذه الآية حين سيق إلى الشام أسيرا. وهو تأويل سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب، وعلى هذا التأويل قال ابن عباس رضى الله عنهما، قيل: يا رسول الله، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال:«على وفاطمة وابناهما» .

وقيل: هم ولد عبد المطلب. قال ابن عطية: وقريش كلها عندى قربى وإن كانت تتفاضل.

وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة» .

وقال ابن عباس أيضا- فى كتاب الثعلبى: سبب نزول هذه الآية أن الأنصار جمعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالا وساقته إليه فرده عليهم، ونزلت الآية في ذلك.

وقال ابن عباس أيضا: معنى الآية: قربى الطاعة، والتزلف إلى الله تعالى كأنه قال: إلا أن تودونى لأنى أقربكم من الله، وأريد هدايتكم وأدعوكم إليها.

وقال الحسن بن أبي الحسن: معناه: إلا أن تتوددوا إلى الله تعالى بالتقرب إليه.

وقال عبد الله بن القاسم في كتاب الطبرى: معنى الآية إلا أن تتوددوا بعضكم إلى بعض، وتصلوا قراباتكم، فالآية على هذا أمر بصلة الأرحام.

وذكر النقاش عن ابن عباس، ومقاتل والكلبى والسدى: أن الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة سبأ: قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ

«1» .

والصواب أنها محكمة، وعلى كل قول فالاستثناء منقطع، و «إلا» بمعنى لكن، والله أعلم.

ص: 208

قال جامعه: ويظهر لى أن الخطاب في الآية عام لجميع من آمن، وذلك أن العرب بأسرها قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هو منهم، فيتعين على من سواهم من العجم أن يوادوهم، ويحبوهم. وقد ورد في الأمر بحب العرب أحاديث، وأن قريشا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن كلهم، فإنهم كلهم أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فعلى كل يمانى من العرب أن يود قريشا ويحبهم من أجل أنهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو أبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام.

وقد وردت أحاديث في تفضيل قريش وفي تقديمها على غيرها وأن بنى هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرته، فيجب ويتعين على من عداهم من قريش محبتهم ومودتهم، وأن عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وذريتهما أقرب العرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتأكد مودتهم، ويجب على بنى هاشم، بل وجميع قريش إكرامهم لما يجب من أكيد مودتهم ويتعين من فضائلهم، وفوق كل ذى علم عليم.

وقال الطوفى: اختلف في القربى فقيل: هى قربى كل مكلف أوصى بمودتها فهى كالوصية بصلة الرحم، وقيل: هى قربى النبى صلى الله عليه وسلم ثم اختلف فيها فقيل:

هى جميع بطون قريش كما فسره ابن عباس رضى الله عنهما فيما رواه البخارى وغيره. وقيل: هى قرابة الأدنين، وهم أهل بيته: على وفاطمة وولداهما أوصى بمودتهم، وعند هذا استطالت الشيعة وزعموا أن الصحابة رضى الله عنهم خالفوا هذا الأمر، ونكثوا هذا العهد بأذاهم أهل البيت بعد النبى صلى الله عليه وسلم مع أنه سأل مودتهم ونزلها منزلة الأجر على ما لا يجوز الأجر عليه.

وإلى هذه الآية أشار الكميت بن زيد الأسدى «1» وكان شيعيا حيث يقول:

وجدنا لكم في آل حم آية

تأوّلها منا تقى ومعرب «2»

أى المجاهر، ومن يحب التقية جميعا، فتأولناها جميعا على أنكم المراد بها.

وأجاب الجمهور بمنع أن القربى فيها من ذكرتم، ثم يمنع أن أحدا من الصحابة رضى الله عنهم، آذاهم أو نكث العهد فيهم.

ص: 209

حدثنى الشيخ الفقيه الحنفى الصوفى جمال الدين أبو المحاسن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدى المكى، حرّمه الله بالمحرم الشريف تجاه الكعبة المعظمة قال: أخبرنى الإمام العلامة مفتى المسلمين زين الدين عبد الرحمن الخلال البغدادى، وقد جاور بمكة- شرفها الله تعالى- أن بعض أمراء تيمور لنك أخبره أنه لما مرض تيمور لنك مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا كثيرا واسود وجهه وتغير لونه ثم أفاق، فذكروا له ذلك فقال: إن ملائكة العذاب أتته، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: اذهبوا عنه، فإنه كان يحب ذريتى ويحسن إليهم، فذهبوا.

وقد حدثنى بهذا الخبر عن الخلال أيضا تلميذه الفاضل شرف الدين أحمد بن إسماعيل بن عثمان الشهرزورى الكورانى الشافعى والشيخ جمال الدين المرشدى، والشيخ زين الدين الخلال.

وللشيخ شرف الدين الكورانى عندى ترجمة في كتاب «درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة» وكتب إلى المحدث الفاضل أبو حفص بن محمد الهاشمى، وشافهنى به غير مرة قال: أخبرنى الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الخالدى قال:

رأى بعض أصحابنا النبى صلى الله عليه وسلم في المنام ورأى عنده تيمور لنك فقال له: وصلت إلى هنا يا عدو؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: «إليك يا محمد فإنه كان يحب ذريتى» .

وحدثنى الشيخ الفاضل يعقوب بن يوسف بن على بن محمد القرشى المكناسى قال: أخبرنى أبو عبد الله محمد الفاسى قال: كنت أبغض بنى حسين أشراف المدينة المنورة لما كان يظهر لى من تعصبهم على أهل السنة بالمدينة وتظاهرهم بالبدع مدة مجاورتى بالمدينة، فنمت مرة بالنهار بالمسجد النبوى تجاه القبر المقدس، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لى: يا فلان، ما لى أراك تبغض أولادى؟ فقلت:

حاشا لله يا رسول الله، ما أكرههم، وإنما كرهت منهم ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة. فقال لى مسألة فقهية: أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟ فقلت: بلى يا رسول الله. فقال: هذا ولد عاق، فانتبهت وقد زال بغضى لهم وصرت لا ألقى أحدا من بنى حسين أشراف المدينة إلا بالغت في إكرامه ولله الحمد والمنة.

وقد ذكرت المذكور في كتاب «درر العقود» ونعم الرجل هو.

وحدثنى قاضى القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البكرى البغدادى الحنبلى قال: رأيت في المنام كأنى بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد

ص: 210

انفتح القبر المقدس وخرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس وعليه أكفانه وأشار بيده المقدسة أن تعال، فقمت وجئت حتى دنوت منه، فقال لى: قال للمؤيد يفرج عن عجلان، فانتبهت وصعدت على عادتى إلى مجلس السلطان المؤيد شيخ، وأخذت أحلف له إيمانا حرجة أنى ما رأيت عجلان قط، ولا بينى وبينه معرفة ثم قصيت عليه رؤياى، فسكت وقمنا حتى انفض المجلس، فقام وخرج من مجلسه إلى دركاه القلعة «1» ووقف عند مرماه نشّاب استجدها، ثم استدعى الشريف عجلان من سجنه وأفرج عنه.

ولما حدثنى القاضى عز الدين بهذا الخبر أقسم بالله أنى ما كنت قبل رؤياى هذه أعرف الشريف عجلان بل ولا رأيته قط. قلت: عجلان هذا هو الشريف عز الدين عجلان بن تعير بن منصور بن جماز بن شيخة بن هاشم بن قاسم بن مهنا ابن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن على بن حسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم. ولى المدينة النبوية بعد وفاة أخيه ثابت بن تعير، ثم عزل، ثم أعيد، ثم عزل ثانيا بعزيز بن هيازع بن هبة بن جماز بن منصور في ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وثمانمائه، وحمل في الحديد من المدينة إلى القاهرة وسجن في برج بقلعة الجبل حتى أفرج عنه عند ما ذكر القاضى عز الدين المنام للملك المؤيد شيخ، وأعيد بعد ذلك إلى إمارة المدينة، ثم عزل عنها بخشرم بن دوفان بن جعفر بن هبة بن جماز، وقتل في ذى الحجة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة في حرب بينه وبين مانع ابن على بن عطية بن منصور بن جماز، واتفق أن الشريف سرواح بى مقبل بن نخبار ابن مقبل بن محمد بن رابح بن إدريس بن حسن بن أبى عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسن بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن على بن أبى طالب رضى الله عنهم، قبض على أبيهم مقبل أمير ينبع في سنة خمس وعشرين وثمانمائة وأقيم عوضه في إمرة ينبع ابن أخيه عقيل بن زبير بن نخبار، وحمل حتى سجن بالإسكندرية، ومات في سجنه، وكحل ابنه سرواح هذا حتى سالت حدقتاه وورم دماغه ونتن، وأقام خارج القاهرة مدة وهو أعمى،

ص: 211

ثم مضى إلى المدينة المنورة ووقف تجاه قبر جده المصطفى صلى الله عليه وسلم وشكا ما به وبكى ودعا الله تعالى ثم انصرف، وبات تلك الليلة فرأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مسح بيده المقدسة على عينه فانتبه، وقد رد الله عليه بصره فاشتهر خبره عند أهل المدينة وأقام عندهم مدة ثم عاد إلى القاهرة، فبلغ السلطان الملك الأشرف برسباى قدومه وأنه يبصر فقبض عليه وطلب المزينين اللذين أكحلاه وضربهما ضربا مبرحا فأقاما عنده بيّنة يرتضيها من أتباعه بأنهم شاهدوا الميل وقد أحمى بالنار ثم كحل به سرواح فسالت حدقتاه بحضورهم، فعند ذلك كف عن قتلهما؛ لأنه ظن أنهما تمالأا على عدم إكحاله، وكذلك أخبر أهل المدينة النبوية أنهم شاهدوا سرواح وهو ذاهب الحدقتين ثم إنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماه وقص عليهم رؤياه، فأفرج عن سرواح وأقام حتى مات بالطاعون في آخر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة شهيدا غريبا مقلا.

وحدثنى الرئيس شمس الدين محمد بن عبد الله العمرى قال: سرت يوما في خدمة القاضى جمال الدين محمود العجمى محتسب القاهرة من منزله حتى جاء إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبى المؤذن ومعه نوابه وأتباعه، فاستأذن عليه فخرج من منزله وعظم عليه مجىء المحتسب إليه وأدخله إلى منزله فدخلنا معه وجلسنا بين يديه على مراتبنا فلما اطمأن به الجلوس قال للشريف: يا سيد حاللنى قال: ألم أحاللك يا مولانا؟ قال: لما صعدت البارحة إلى القلعة وجلست بين يدى مولانا السلطان- يعنى الظاهر برقوق- فجئت أنت وجلست فوقى في المجلس فقلت في نفسى: كيف يجلس هذا فوقى بحضرة السلطان؟ ثم لما قمنا وكان الليل ونمت رأيت في نومى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمود، تأنف أن تجلس تحت ولدى؟ فبكى عند ذلك الشريف عبد الرحمن وقال: يا مولانا، ومن أنا حتى يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فبكى الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

تتبعه مؤلفه أحمد بن على المقريزى وذلك في ذى القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.

ص: 212

المقاصد السنية فى معرفة الأجسام المعدنية

ص: 213

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه والتابعين، صلاة باقية إلى يوم الدين

وبعد:

فهذه مقالة وجيزة في ذكر المعادن قدتها تذكرة لى ولمن شاء الله تعالى من عباده، وبالله أستعين فهو المعين.

اعلم أن الأرض «1» جسم بسيط طبعها بارد يابس وهى متحركة إلى الوسط، وشكها قريب من الكرة، والقدر الخارج منها محدث، وخلقت باردة لأجل الغلظ والتماسك، إذ لولاهما لما أمكن قرار الحيوان على ظهرها «2» ، وحدوث المعادن والنبات في جوفها، وهى ثلاث طبقات: طبقة قريبة من المركز وهى الأرض الصرفة، وطبقة طينية انكشف بعضها وأحاط البحر بالبعض الآخر والأرض الأفلاك «3» وهى واقعة في الوسط، والهواء والماء يحيط بها من جميع الجهات.

والإنسان في أى موضع وقف على سطح الأرض تكون رأسه مما يلى السماء ورجلاه مما يلى الأرض، وهو يرى من السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء مقدار ما خفى عنه من الجانب الآخر، ولكل تسعة عشر فرسخا «4» فى الأرض درجة من درجات الفلك، والبحر محيط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل وهو ناء عن الماء على هيئة بيضة غاطسة في الماء، وقد خرج من الماء محدبها، وليست الأرض منتصبة ولا ملساء ولا مستديرة، بل كثيرة الارتفاع والانخفاض، وأما باطنها فكثيرة الأودية والأهوية والكهوف والمغارات، ولها منافذ وخلجانات ممتلئة مياها وبخورات ورطوبات دهنية ينعقد منها الجواهر المعدنية، وتسلك الأبخرة والرطوبات دائما في الاستحالة والتغير والفساد.

وأما ظهرها فكثير الجبال والأودية والجداول والبطاح «5» والآجام «6» والرحال

ص: 215