الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقال للخليّة: معسلة. وقطف فلان معسلته إذا أخذ ما فيها من العسل.
والخلايا الأهلية تسمى في بعض البلدان: الدّباسات «1» . ولا تعرف في كلام العرب؛ وتسمى أيضا: الكوارات، والجمع: كواير، والواحدة: كوارة، وهى عربية.
وقيل: الكواير صغار الخلايا. وقيل: إذا بنت النّحل بيتا من غير أن يوضع لها، فهو الكوّارة- بضم الكاف.
ومن لطيف معرفة النحل بما يصلحها: أنهنّ قد علمن ضعفهن، فهن يشيّدن عشاشهنّ، وتحصّنها بالضيّق والاعوجاج؛ وإذا كان باب الخليّة واسعا ضيقنه.
ومن شأن النحل في تدبير معاشها أنها إذا أصابت موضعا نقيا بنت فيه بيوتا من الشمع أولا، ثم تتّخذ البيوت التى تأوى فيها ملوكها، ثم بيوت ذكورها، ثم بيوت إناثها، وهى تعمل الشّمع أوّلا، ثم تلقى فيه البزر «2» ، وتقعد عليه، وتحضنه كما تحضن الطير، فالشمع لها بمنزلة العش للطير، والبزر بمنزلة البيض، وهى تملأ بعض البيوت عسلا، وبعضها فراخا.
وهى تتخذ البيوت قبل المرعى، فإذا استقر لها بيت، خرجت منه فرغت، ثم آوت إلى بيوتها.
وهى تبيض في بعض البيوت، وتحضن وتأوى إلى بعض بيوتها وتنام أيام الصيف، والشتاء، ويوم المطر، والريح والبرد.
الآفات التى تصيب الخلايا
ومن آفات الخلايا: السوس، ودواؤه أن يطرح في كل خليّة كفّ ملح وأن تفتح في كلّ شهر مرّة، وتدخّن بأخثاء البقر «3» .
ومن آفاتها أيضا: دود يتولد فيها صغار، تنبت لها أجنحة؛ وفراشة رقطاء تدخل الخليّة فتأكل العسل حتى تربو، ولها عينان وسمعان «1» فتضر بالنحل وبالعسل، ولا تستطيع الخروج من الخليّة لعظمها حتى تفتق الخلية، فتؤخذ، فتذبح.
والسّرفة «2» : مضرة بالخلايا، وهى دودة رقطاء، شعراء، تأكل ورق الشجّر، وتنسج عليه، وهى من آفات النحل.
ومن أفات النحل: الدّبر، يقتلها، ويذهب بها إلى بيوته.
ومن آفاتها: الخطاطيف والضفادع، فإنها تلتقف النحل إذا وردت لتشرب.
ومن آفاتها: الجراذين، تكمن لها بقرب الخلايا فتلقفها، ولا تقدر النحل لها على ضرر.
والنحل تمرض على رعى الزّهر التى وقعت فيها القملة، وإذا كان الربيع ممحلا «3» ، أو حارّا، شبيها بالصيف في الحرّ، وقلة المطر، أسرع المحل «4» إلى النحل.
ويعرف خصب الخليّة بكثرة دوىّ النحل فيها، وخروجها ودخولها. وتسمى فراخ النحل: الطّرد، والجمع طرود. ويسمّى أيضا: اللوت، والنحل تودع فراخها نخاريب الشهد، وتختم عليها بالشمع، فإذا آن لها الخروج شقت الختام، وخرجت.
وملوك النحل: لا ترى خارجا إن لم تكن مع عنقود من عناقيد الفراخ، وإذا خرج معها التّفت الفراخ به. وإن كانت عدّة ملوك افترق الطّرد، فصار مع كل واحد من الملوك فرقة من الطّرد.
وإنما قالوا: عناقيد الفراخ؛ لأنّ شكل الفراخ إذا خرجت من الخليّة في التفافها مثل عنقود.
وإذا خرجت الفراخ بيعسوبها، وسقطت على شجرة أو غيرها، احتال القوم على يعسوبها حتى يأخذوه، ويلقوه في خليّة، أو نحوها، فإنّ الفراخ تصير معه حيث يصير، وإذا أخذ يعسوب خليّة تبعه جميع نحل تلك الخليّة؛ حبّا ليعسوبها، وإذا هلك الملك هلك جميع الطّرد، وإن خرج الملك طلبه الطرد حتى يجده بمعرفة رائحته.
والعسل الحسن: عسل الفراخ؛ لقلة تجربتها؛ وذلك أنّها متبدئة، فلا تترك غاية.
وإذا خرجت الفراخ الحدث، ابتدأت في العمل بعد ثلاثة أيام.
وإذا أرادوا إدخال الفراخ الخليّة دلّكوا باطنها بورق طيّب الرائحة لعجبها به، لأن النّحل تعجب بالرائحة الطيبة، وتكره الرائحة الخبيثة؛ ولذلك ربما كرهت خليتها، وهمّت بتركها، وعلامة ذلك أن يتعلّق بعضها ببعض، فإذا رأى القوم ذلك عرفوه، فنضحوا داخل الخلية بشراب حلو فتألفها؛ وإذا دهن إنسان يده بدهن كريه الرائحة ثم أدناها إلى النّحل لم تلسعه.
وفراخ النحل أزعر «1» من الأمّهات، والأمّهات زغب «2» الرّقاب، قرع الرؤوس، وفي رؤوسها قبح.
والنحل تسمّى أول ما تخرج فراخها: «المراضع» . وتسمّى الفراخ:
«الرّضع» ، وليس ثمّ رضاع، وإنما هذه استعارة، وإذا تمّت الفراخ نحلا، قيل:
هى نحل أبكار، إلى أن تفرخ.
ومنه كتاب الحجّاج بن يوسف الثقفى إلى عامله بفارس «أن ابعث إلىّ بعسل خلّار «3» ، ومن النّحل الأبكار، من الدستفشار «4» الذى لم تمسه النار» .
وروى: «عسل أبكار، يريد الجوارى الأبكار لا يليه غيرهن» .
والنحل الكريم هو الذى يتقن عمله، فيأتى بوجوه الشّهد ملسا. وإذا لم يكن كريما جاء الشّهد قليل الاستواء، منفتح الخاتم، كأنها تعمل أعمالها بالبخت كيفما جاء.
ويقال: إن العسل الأبيض عمل شبابها، والعسل الأصفر عمل كهولها.
وذكور النحل أعظم جثثا من إناثها، ولا حمات لها، وهى أبطل، وأقل حركة.
والنحل إذا كثرت ملوكها في الخلايا قتلتها، لئلا تكثر فتشتّت النحل؛ لأن النحل يتفرّق على الملوك.
ولشيار «1» عسل الخلايا في السّنة مرتين: مرّة في الربيع، وهو أجود الشيارين، ومرّة في الخريف.
ويقال: «شار العسل يشور شورا، وشيارا، ومشارة. واشتاره يشتاره اشتيارا؛ وأشاره يشيره إشارة» .
والشّور: العمل في اجتناء العسل وأخذه، ثم العسل نفسه شورا، كما سمّى العسل أريا.
والعامة تسمى شيار العسل جزارا فيقولون: «جزار الشّهد» ، كما يقولون في جزار العسل، ويسميه آخرون «قطاف» .
وإذا أرادوا اشتيار العسل دخّنوا على النحل حتى يخرج من الخلية، وذلك جلاؤها، وقد جلاها يجلوها جلاء، وهى جلوة النحل، أى طردها بالدّخان.
ويقال لذلك الدخان: «الإيام» «2» ، ولا يقال لشىء من الدخان (إيام) سواه، فيقال إذا دخّن عليها: آمها- بالمد- يئومها إياما فهو آئم، والنحل مئومة، وإن شئت مئوم عليها، فإذا جلوها بالإيام- فى أحد الشيارين- وأخذوا ما في الخلية من العسل تركوا لها مقدار قوتها في شتائها وإلّا هلكت؛ وربّما جعلوا مكان العسل تمرا، أو زبيبا ونحوه من الحلواء، فتقتاته، فإن ترك لها من العسل أكثر من حاجتها تبطلت، وقلّ عملها.
ومما ينشّط النحل للعمل، أن تقل الذكورة في الخليّة، فإذا قطف الشهد، فمن الناس من يخلّص العسل من الشّمع بالنار، ويطبخ الشّهد حتى إذا ذاب أقرّه حتى يبرد، فيعلو الشمع جامدا، فيؤخذ، ويبقى العسل خالصا، ومن الناس من يخلّصه بالاعتصار بالأيدى وإن كان كثيرا، فبالأرجل، وذلك هو الدستفشار، الذى لم تمسه النار، وهو أفضل.
وكان للعرب في كل مصنعة من مصانع العسل معصرة من محيّرة يلقى الشهد فيها، فإذا ألقى الشهد فيها تكسّر، وبرز العسل عفوا، فجرى وسال في حياض، فيجتمع فيها وقد زايل الشمع وخلص، فما برز من العسل عفوا وجرى، فذلك العسل: سلافة «1» ، وأفضل العسل وأصفاه. وما سال إلى الحوض، وقد زال شمعه سمّى ذوبا، ونسيلا؛ فإن بقى في الشمع من العسل شىء اعتصر بالأيدى، ثم يوعى العسل في الوجاب.
والوجاب: أسقية عظام، السقاء منها جلد تيس «2» وافر، وواحد الوجاب:
وجب.
وكانوا لا ينتفعون بالشّمع، ويرمون به، فإذا تطاولت الأيام بلى فاسودّ، فزبّل به المزارع، فهو: أجود مال.
ويقال لما يوعى فيه العسل أيضا: «زق» «3» ، وجمعه:«زقاق» .
وإذا خلص العسل من شمعه وجثّه، فهو: ماذى.
والجثّ «4» : كل قذى يخالطه من أجنحة النّحل وأبدانها وفراخها وموتاها وغير ذلك.
وماذىّ العسل أيضا: ناصحه، ونصوحه: خلوصه، والنّصيحة مأخوذة منه.
ويقال: الجثّ: خرشاء العسل، أى شمعه، وما فيه من ميّت النحل.
والنّفض: خرؤها.
وإذا كانت وقبة النّحل في الجبل، وأمكنهم الارتقاء إليها، ارتقوا فاشتاروا ما فيها، وإن لم يمكنهم الارتقاء- وذلك أن النّحل تهرب بما تأتى فتجعله في أمنع ما تقدر عليه من وقاب الجبال، فإذا كانت الوقبة كذلك تدلوا عليها بالحبال الطّوال، وربما وصلت الحبال، وكثيرا ما تنقطع فيعطب «1» المتدلّى، وإذا تدلّى المشتار، وقد لبس صدار أدم وأخذ معه حافته: وهى وعاء من أدم كالخريطة «2» واسعة الأسفل، يجعل فيها آلته، وصفنه.
والصّفن: شىء مثل السّفرة ربما جعل فيها العسل، وربما استفى به الماء، ومعه مسأبة: وهى سقاء العسل، وربما كانت قربة، ومعه أخراصه: وهى قضبان ينزع بها الشّهد، ومعه محجن «3» يجتذب به ما تأبّى عليه من الشهد، كل ذلك مشاور، الواحد منها:«مشوار» ؛ لأنه يشتار به.
وهى أيضا: «المحابض» ، واحدها:«محبض» «4» . فإذا استقر في مباءة النّحل حلّ عنه الحبال، وقدح بزنده، وآم «5» على النحل، ثم اشتار، وأوعى فى مسابيه وقربته، وصفنه، ورقّاها بالحبال إلى أصحابه، أو هبط بها إن كان ارتقى على رجليه. وإن كان العسل كثيرا ملأ منه الأسقية الكثيرة.
وإذا كانت الخليّة هكذا فهى عاسلة والجبح «6» عاسل- أى: كثير العسل.
ويقال للذى يشتار العسل أيضا: عاسل؛ وكل موضع عسل من وقبة أو خليّة فهو:
معسلة؛ وإذا كانت الشّهدة رقيقة خفيفة العسل فهى: هنّ، وإذا كانت نخاريبها
فارغة فهى مخربة؛ ويقال للثقب المهيّأة من الشّمع التى تمجّ العسل فيها:
النخاريب، واحدها: نخروب.
وفي لطف حسن النّحل أعجوبة قد تحيّر فيها قدماء العلماء، وذلك أنه إذا أزمع شتاء شات بالكون، أو مطر من غير أن يرى الناس لذلك أمارة، ترى النّحل قبل كون ذلك ساكنة في داخل الخليّة، فيعلم قوّامها- بطول التجارب- أن قد اقترب شتاء، وبرد، ومطر. وكانت العرب تعلم أن بردا قد اقترب وقوعه، أو جرادا قد دنا مجيئه بما يرون من حال النّحل، وذلك أنهم يرونها قبل أن يكون ذلك فاترة عن العمل، كأنها قد اعتراها كسل وانكسار، فعند ذلك يترقّبون أن سيكون برد أو جراد فيكون كذلك «1» .
والبرد، والجراد، مضران بالنحل، وأضرّهما الجراد؛ لأنه يلحس «2» الأرض فتهلك النّحل.
وكفى عجبا بما تراه من أنك إذا فتحت وعاء العسل في بيت ضيّق وعلى بعد منك خلايا نحل، فما تشعر بأول من هجوم النّحل عليك، وفي البيت بيوت أخر بها أناس لم يشعروا بفتح ذلك الوعاء.
وكذلك الخليّة إذا حوّلت من أرض إلى أخرى لم تعرفها نحل تلك الخلية قط، فإذا نصبت في تلك الأرض الغربية، ثم فتحت وذهب النحل منها في تلك الأرض المجهولة من كلّ وجه، فإنها تئوب إلى خليتها بعينها، لا تخطئها، ولا تضل عنها، وربما حملت الخلايا في بعض البلدان- إذا أجدبت المراعى- إلى بلدان أخر شاسعة لطلب المرعى، ثم تطلق عنها فتسرح في تلك البلاد، وتعمل أعمالها من غير تدريب ولا تدريج كما كانت تعملها من قبل، ثم لا تغلط نحلة فتدخل في خلية غير خليتها والخلايا متلاصقة أو مجاورة، وفي كل هذا عبرة وأعجوبة.