المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات: - رسائل المقريزي

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة رسائل المقريزي

- ‌تقى الدين المقريزى

- ‌مؤلفاته:

- ‌صفاته وسلوكه:

- ‌وصف المخطوطات:

- ‌[فصل: في اختصاص بني هاشم بالدعوة والنبوة والكتاب على سائرهم من بين قريش]

- ‌[فصل: في بيان السر في خروج الخلافة بعد رسول الله ص عن على بن أبى طالب ع إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان]

- ‌[فصل: في الاعتراض على أخذ بنى العباس بن المطلب بن هاشم الخلافة نيفا على خمسمائة وعشرين سنة]

- ‌[فصل: اتفق في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القذاة بالقذاة]

- ‌[فصل: مطابقة السنن الكونية في الأمة الإسلامية لماسبقها من الشعوب والأمم من اليهو والنصارى وغيرهم]

- ‌لباب التوحيد وجوهره:

- ‌«أنواع الشرك الواقع في الأمم» :

- ‌«الإشراك في المحبة» :

- ‌«صرف العبادة إلى غير الله شرك أكبر» :

- ‌«كثرة الأدلة على توحيده تعالى» :

- ‌«الشرك في الربوبية» :

- ‌«شرك القدرية» :

- ‌«النهى عن اتخاذ القبور مساجد» :

- ‌أقسام الناس في زيارة القبور:

- ‌النهى عن السجود لغير الله:

- ‌الشرك في الألفاظ:

- ‌الشرك في الإرادة والنية:

- ‌بطلان الوسائط والشفعاء في التقرب إلى الله:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌أنواع التعطيل:

- ‌شرك التشبيه والتمثيل

- ‌حقيقة الشرك:

- ‌صرف العبادات إلى غير الله من التشبيه له بخلقه

- ‌التشبه بالله:

- ‌تحريم التشبه بالله في أفعاله وأسمائه:

- ‌سوء ظن المعتقدين في الوسائط:

- ‌عدم حاجته تعالى إلى الوسائط:

- ‌أصل ضلال أهل البدع والزيغ:

- ‌عبادة غير الله عبادة للشيطان:

- ‌مراتب الناس في عبادة الله:

- ‌القسم الثالث:

- ‌حقيقة الاستعانة:

- ‌القسم الرابع:

- ‌المتابعة والإخلاص شرطان لقبول الأعمال:

- ‌أفضل العبادات وأنفعها:

- ‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

- ‌أقسام الناس في منفعة العبادة:

- ‌رأى القدرية في الحكمة والتعليل:

- ‌تناقض الجبرية والقدرية:

- ‌الأعمال سبب لدخول الجنة:

- ‌رأى الفلاسفة والمتصوفة في العبادات:

- ‌قول أهل الحق في العبادة:

- ‌محبة الله أصل العبادة:

- ‌تقديم الآراء على نصوص الوحى منافى للمحبة:

- ‌قواعد العبادة:

- ‌فصل في النقود

- ‌النقود الإسلامية

- ‌نقود مصر

- ‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

- ‌فصل: الأجسام المتولدة

- ‌فصل في أقسام المعادن

- ‌القول في الفلزات

- ‌القول في الأحجار

- ‌ذكر بلاد الحبشة

- ‌ذكر بلاد الزيلع

- ‌ومملكة أوفات

- ‌ومملكة دوارد

- ‌ومملكة أرابينى

- ‌ومملكة هديّة

- ‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

- ‌«الاستثناء في الإيمان» :

- ‌«رفض الحنفية للاستثناء» :

- ‌«كلام السلف في الاستثناء» :

- ‌[فصل في تعرف النحل وأنواعه وخصائصه]

- ‌[فصل في بيان أصناف النحل]

- ‌فصل في بيان فائدة شمع النحل وخصائصه

- ‌الآفات التى تصيب الخلايا

- ‌[الدّبر: عسله وأنواعه]

- ‌فصل: فى ماهية العسل

- ‌[فوائد العسل]

- ‌فصل في تكريم النحل من خلال تنويه الله تعالى بذكرها في القرآن

- ‌بيوت النّحل

- ‌[فصل في نهي النبي عن قتل أربع من الدواب ومنها النحلة]

- ‌[فصل في سماع النبي ص دوي النحل عند نزول الوحي]

- ‌[فصل اختلف أهل العلم في أكل النّحل]

- ‌[فصل في تسمية البعض بأسماء النحل وتكنيتهم بها والسبب في ذلك]

- ‌[فصل أجود ما قيل في الشمعة]

- ‌الفهارس العامة

- ‌فهرس الآيات القرآنية

- ‌الأعلام

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس القبائل

- ‌فهرس البلدان

- ‌فهرس النقود والدراهم والموازين

- ‌ثبت بالمراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

والتخصيص أربعة طرق، وهم في ذلك أربعة أصناف «1» :

الصنف الأول عندهم أنفع العبادات وأفضلها: أشقها على النفوس وأصعبها، قالوا: لأنه أبعد الأشياء من هواها وهو حقيقة التعبد، والأجر على قدر المشقة، ورووا حديثا ليس له أصل «أفضل الأعمال أحمزها «2» » »

أى أصعبها وأشقها، وهؤلاء هم أرباب المجاهدات والجور على النفوس، قالوا: وإنما تستقيم النفوس بذلك إذ طبعها الكسل والمهادنة والإخلاد إلى الراحة، فلا تستقيم إلا بركوب الأهوال وتحمل المشاق.

‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

الصنف الثانى قالوا: أفضل العبادات وأنفعها التجرد والزهد في الدنيا والتقلل منها غاية الإمكان وإطراح الاهتمام بها وعدم الاكتراث لما هو منها.

ثم هؤلاء قسمان: فعوامهم ظنوا أن هذا غاية، فشمروا إليه وعملوا عليه وقالوا: هو أفضل من درجة العلم والعبادة ورأوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة ورأسها. وخواصهم رأوا هذا مقصودا لغيره، وأن المقصود به عكوف القلب على الله والاستغراق في محبته والإنابة إليه والتوكل عليه والاشتغال بمرضاته، فرأوا أفضل العبادات دوام ذكره بالقلب واللسان، ثم هؤلاء قسمان: فالعارفون إذا جاء الأمر والنهى بادروا إليه ولو فرّقهم وأذهب جمعهم، والمنحرفون منهم يقولون:

المقصود من القلب جميعته، فإذا جاء ما يفرقه عن الله لم يلتفتوا إليه، ويقولون:

يطالب بالأوراد من كان غافلا

فكيف بقلب كل أوقاته ورد؟

ثم هؤلاء أيضا قسمان: منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيته. ومنهم

ص: 109

من يقول بها ويترك السنن والنوافل ويعلم العلم النافع لجمعيته.

والحق أن الجمعية حظ القلب، وإجابة داعى الله حق الرب فمن آثر حق نفسه على حق ربه فليس من العبادة في شىء «1» .

الصنف الثالث: رأوا أن أفضل العبادات ما كان فيه نفع متعد فرأوه أفضل من النفع القاصر، فرأوا خدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم بالجاه والمال والنفع أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم:«الخلق عيال الله «2» وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله» «3» . قالوا: وعمل العابد قاصر على نفسه، وعمل النفاع متعد إلى الغير، فأين أحدهما من الآخر، ولهذا كان «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» «4» ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعلى:«لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» «5» ، وقال: «من دعا إلى

ص: 110

هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا» «1» .

وقال: «إن الله وملائكته يصلون على معلمى الناس الخير» «2» وقال: «إن العالم يستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر والنملة فى جحرها» «3» .

قالوا: وصاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، وصاحب النفع لا ينقطع عمله ما دام نفعه الذى تسبب فيه.

والأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا بالإحسان إلى الخلق وهدايتهم ونفعهم فى معاشهم ومعادهم لم يبعثوا بالخلوات والانقطاع؛ ولهذا أنكر النبى صلى الله عليه وسلم على أولئك «4» النفر الذين هموا بالانقطاع والتعبد وترك مخالطة الناس، ورأى هؤلاء أن التفرغ لنفع الخلق أفضل من الجمعية على الله بدون ذلك، قالوا: ومن ذلك العلم والتعليم ونحو هذه الأمور الفاضلة.

الصنف الرابع: قالوا: أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب سبحانه وتعالى واشتغال كل وقت بما هو مقتضى «5» ذلك الوقت، ووظيفته، فأفضل العبادات في

ص: 111

وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار بل من ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضيف:

القيام بحقه والاشتغال به. والأفضل في وقت السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والذكر والدعاء. والأفضل في وقت الأذان: ترك ما هو فيه من الأوراد والاشتغال بإجابة المؤذن «1» . والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والاجتهاد في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت والخروج إلى المسجد.

والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج: المبادرة إلى مساعدته بالجاه والمال والبدن.

والأفضل في السفر: مساعدة المحتاج وإعانة الرفقة وإيثار ذلك على الأوراد والخلوة.

والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعية القلب والهمة على تدبره والعزم على تنفيد أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.

والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر.

والأفضل في أيام عشر ذى الحجة: الإكثار من التعبد، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد وهو أفضل من الجهاد غير المتعين. والأفضل في العشر الأواخر من رمضان: لزوم المساجد والخلوة فيها مع الاعتكاف، والإعراض عن مخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى أنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم «2» وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء. والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته: عيادته وحضور جنازته وتشييعه وتقديم ذلك على خلوتك وجميعتك.

والأفضل في وقت نزول النوازل وإيذاء الناس لك: أداء واجب الصبر مع

ص: 112

خلطتك لهم، والمؤمن الذى يخالط الناس ويصبر على أذاهم أو إيذائهم أفضل من المؤمن الذى لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. وخلطتهم في الخير أفضل من عزلتهم فيه، وعزلتهم في الشر أفضل من خلطتهم فيه.

فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله وقلله فخلطتهم خير من اعتزالهم، وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف التى قبلهم أهل التعبد المقيد، فمتى خرج أحدهم عن الفرع الذى تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص ونزل عن عبادته فهو يعبد الله تعالى على وجه واحد.

وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى، إن رأيت العلماء رأيته معهم، وكذلك في الذاكرين والمتصدقين وأرباب الجمعية وعكوف القلب على الله، فهذا هو الغذاء الجامع للسائر إلى الله في كل طريق والوافد عليه مع كل فريق. وأستحضر ههنا حديث أبى بكر الصديق رضى الله عنه وقول النبى صلى الله عليه وسلم بحضوره «هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل منكم أحد أصبح اليوم صائما؟ قال أبو بكر:

أنا، قال: هل منكم أحد عاد مريضا؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: هل منكم أحد اتبع اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا «1»

» الحديث. هذا الحديث روى من طريق عبد الغنى بن أبى عقيل: ثنا نعيم بن سالم عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في جماعة من أصحابه فقال: «من صام اليوم؟

فقال أبو بكر: أنا، قال: من تصدق اليوم؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من شهد اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: وجبت لك» «2» يعنى الجنة. ونعيم بن سالم وإن تكلم فيه لكن تابعه سلمة

ص: 113

ابن وردان «1» وله أصل «2» صحيح من حديث مالك عن محمد بن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«من أنفق زوجين في سبيل الله نودى في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة نودى من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد نودى من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعى من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعى من باب الريان، فقال أبو بكر رضى الله عنه: يا رسول الله، ما على من يدعى من هذه الأبواب كلها من ضرورة، فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها، قال: نعم وأرجو أن تكون منهم» «3» هكذا رواه عن مالك موصولا مسندا عن يحيى بن يحيى «4» ومعن بن عيسى «5» وعبد الله بن المبارك «6» . ورواه يحيى بن بكير «7» وعبد الله بن يوسف «8» عن مالك عن ابن شهاب «9» عن حميد «10» مرسلا.

ص: 114