المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

العجم من بنى بوية «1» وبنى سلجوق «2» والله أعلم. ‌ ‌نقود - رسائل المقريزي

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة رسائل المقريزي

- ‌تقى الدين المقريزى

- ‌مؤلفاته:

- ‌صفاته وسلوكه:

- ‌وصف المخطوطات:

- ‌[فصل: في اختصاص بني هاشم بالدعوة والنبوة والكتاب على سائرهم من بين قريش]

- ‌[فصل: في بيان السر في خروج الخلافة بعد رسول الله ص عن على بن أبى طالب ع إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان]

- ‌[فصل: في الاعتراض على أخذ بنى العباس بن المطلب بن هاشم الخلافة نيفا على خمسمائة وعشرين سنة]

- ‌[فصل: اتفق في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القذاة بالقذاة]

- ‌[فصل: مطابقة السنن الكونية في الأمة الإسلامية لماسبقها من الشعوب والأمم من اليهو والنصارى وغيرهم]

- ‌لباب التوحيد وجوهره:

- ‌«أنواع الشرك الواقع في الأمم» :

- ‌«الإشراك في المحبة» :

- ‌«صرف العبادة إلى غير الله شرك أكبر» :

- ‌«كثرة الأدلة على توحيده تعالى» :

- ‌«الشرك في الربوبية» :

- ‌«شرك القدرية» :

- ‌«النهى عن اتخاذ القبور مساجد» :

- ‌أقسام الناس في زيارة القبور:

- ‌النهى عن السجود لغير الله:

- ‌الشرك في الألفاظ:

- ‌الشرك في الإرادة والنية:

- ‌بطلان الوسائط والشفعاء في التقرب إلى الله:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌أنواع التعطيل:

- ‌شرك التشبيه والتمثيل

- ‌حقيقة الشرك:

- ‌صرف العبادات إلى غير الله من التشبيه له بخلقه

- ‌التشبه بالله:

- ‌تحريم التشبه بالله في أفعاله وأسمائه:

- ‌سوء ظن المعتقدين في الوسائط:

- ‌عدم حاجته تعالى إلى الوسائط:

- ‌أصل ضلال أهل البدع والزيغ:

- ‌عبادة غير الله عبادة للشيطان:

- ‌مراتب الناس في عبادة الله:

- ‌القسم الثالث:

- ‌حقيقة الاستعانة:

- ‌القسم الرابع:

- ‌المتابعة والإخلاص شرطان لقبول الأعمال:

- ‌أفضل العبادات وأنفعها:

- ‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

- ‌أقسام الناس في منفعة العبادة:

- ‌رأى القدرية في الحكمة والتعليل:

- ‌تناقض الجبرية والقدرية:

- ‌الأعمال سبب لدخول الجنة:

- ‌رأى الفلاسفة والمتصوفة في العبادات:

- ‌قول أهل الحق في العبادة:

- ‌محبة الله أصل العبادة:

- ‌تقديم الآراء على نصوص الوحى منافى للمحبة:

- ‌قواعد العبادة:

- ‌فصل في النقود

- ‌النقود الإسلامية

- ‌نقود مصر

- ‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

- ‌فصل: الأجسام المتولدة

- ‌فصل في أقسام المعادن

- ‌القول في الفلزات

- ‌القول في الأحجار

- ‌ذكر بلاد الحبشة

- ‌ذكر بلاد الزيلع

- ‌ومملكة أوفات

- ‌ومملكة دوارد

- ‌ومملكة أرابينى

- ‌ومملكة هديّة

- ‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

- ‌«الاستثناء في الإيمان» :

- ‌«رفض الحنفية للاستثناء» :

- ‌«كلام السلف في الاستثناء» :

- ‌[فصل في تعرف النحل وأنواعه وخصائصه]

- ‌[فصل في بيان أصناف النحل]

- ‌فصل في بيان فائدة شمع النحل وخصائصه

- ‌الآفات التى تصيب الخلايا

- ‌[الدّبر: عسله وأنواعه]

- ‌فصل: فى ماهية العسل

- ‌[فوائد العسل]

- ‌فصل في تكريم النحل من خلال تنويه الله تعالى بذكرها في القرآن

- ‌بيوت النّحل

- ‌[فصل في نهي النبي عن قتل أربع من الدواب ومنها النحلة]

- ‌[فصل في سماع النبي ص دوي النحل عند نزول الوحي]

- ‌[فصل اختلف أهل العلم في أكل النّحل]

- ‌[فصل في تسمية البعض بأسماء النحل وتكنيتهم بها والسبب في ذلك]

- ‌[فصل أجود ما قيل في الشمعة]

- ‌الفهارس العامة

- ‌فهرس الآيات القرآنية

- ‌الأعلام

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس القبائل

- ‌فهرس البلدان

- ‌فهرس النقود والدراهم والموازين

- ‌ثبت بالمراجع

- ‌الفهرس

الفصل: العجم من بنى بوية «1» وبنى سلجوق «2» والله أعلم. ‌ ‌نقود

العجم من بنى بوية «1» وبنى سلجوق «2» والله أعلم.

‌نقود مصر

أما مصر من بين الأمصار، فما برح نقدها المنسوب إليه قيم الأعمال وأثمان المبيعات، ذهبا في سائر دولها، جاهلية وإسلاما، يشهد لذلك بالصحة أن خراج مصر فى قديم الدهر وحديثه إنما هو الذهب كما ذكرته في (كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) فإنى أوردت فيه مبلغ خراج مصر، منذ مصرّت بعد الطوفان، إلى زماننا هذا، ويكفى من الدلالة على صحة ذلك، ما رويته من طريق مسلم وأبى داود رحمهما الله تعالى، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منعت العراق درهمها وقفيزها «3» ، ومنعت الشام مدّها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها ودينارها» الحديث «4» فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بلد وما تختص به من كيل، ونقد، وأشار إلى أن نقد مصر: الذهب. وكأن في هذا الحديث ما يشهد بصحة فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فإنه لما افتتح العراق في ست عشرة من الهجرة، بعث عثمان بن حنيف رضى الله عنه ففرض على أهل السواد «5» على كل جريب «6» من الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فارتضاه.

ولما فتحت مصر سنة 20 على القول الراجح، فرض عمرو بن العاص رضى

ص: 167

الله عنه على جميع من بها من القبط البالغين من الرجال دون النساء والصبيان والشيوخ دينارين على كل رأس، فجبيت أول عام اثنا عشر ألف ألف دينار، وقد روى أنها جبيت ستة عشر ألف ألف دينار، وهما روايتان معروفتان، فأقر ذلك عمر ابن الخطاب رضى الله عنه.

ومن أنعم النظر في أخبار مصر عرف أن نقدها وأثمان مبيعاتها وقيم أعمالها لم يكن إلا من الذهب فقط إلى أن ضعفت مملكتها باستيلاء الفرنج عليها فحدث حينئذ اسم الدراهم، وسأبين فيما يأتى طرفا من ذلك.

ومع هذا، فإن مصر لم تزل منذ فتحت دار إمارة، وسكّتها إنما هى سكّة بنى أمية ثم من بنى العباس، إلا أن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ضرب بمصر دنانير عرفت بالأحمدية، وكان سبب ضربها أنه ركب يوما إلى الأهرام فأتاه الحجّاب بقوم عليهم ثياب صوف ومعهم المساحى «1» والمعاول، فسألهم عما يعملون فقالوا:

نحن قوم نتبع المطالب. فقال لهم: لا تخرجوا بعد هذا إلا بمشورة ورجل من قبلى، وسألهم عمّا وقع إليهم من الصفات فذكروا له أن في سمت «2» الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه؛ لأنهم يحتاجون في إحاثته»

إلى قدر كبير من المال، ونفقات واسعة، فأمر بعض أصحابه أن يكون معهم، وتقدم إلى عامل معونة الجيزة «4» ، فى دفع جميع ما يحتاجون إليه من المال والنفقات، فأقام القوم يعملون إلى أن ظهرت لهم العلامات، فركب أحمد بن طولون حتى وقف على الموضع وهم يحفرون فجدّوا في الحفر وكشفوا عن حوض مملوء دنانير وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربوية «5» فأحضر من قرأه ففسره فقال:

«أنا فلان بن فلان، الملك الذى ميّز الذهب من غشّه ودنسه، فمن أراد أن يعلم فضلى وفضل ملكى على ملكه، فلينظر إلى فضل عيار دينارى على ديناره،

ص: 168

فإن تخلص الذهب من الغش تخلص في حياته وبعد وفاته» .

فقال أحمد بن طولون: الحمد لله على ما نبهتنى عليه هذه الكتابة فإنه أحب إلىّ من المال، ثم أمر لكل رجل كان يعمل بمائتى دينار منه، وأنفذ بأن يوفّى الصنّاع أجرهم ووهب لكل رجل منهم خمسة دنانير، وأطلق للرجل الذى أقام معهم من أصحابه ثلاثمائة دينار، وقال لخادمه نسيم: خذ لنفسك منه ما شئت.

فقال: ما أمرنى به مولاى أخذته. فقال: خذ ملء كفيك جميعا و؟؟ عد من بيت المال مثل ذلك كرّتين، فبسط نسيم كفيه فحصل على ألف دينار.

وحمل أحمد بن طولون ما بقى فوجده أجود عيارا من عيار السندى بن هاشك ومن عيار المعتصم، فتشدد حينئذ أحمد بن طولون في العيار حتى لحق ديناره بالعيار المعروف له- وهو الأحمدى الذى كان لا يصاب بأجود منه.

ولما دخل القائد أبو الحسين جوهر الكاتب الصقلى إلى مصر بعساكر الإمام المعز لدين الله في سنة 358 هـ، وبنى القاهرة المعزّية حيث كان مناخه الذى نزل فيه، صارت مصر من يومئذ دار ملكه، وضرب جوهر القائد الدينار المعزّى ونقش عليه فى أحد وجهيه ثلاثة أسطر، أحدها:«دعى الإمام المعز لتوحيد الأحد الصمد» وتحته سطر فيه «ضرب هذا الدينار بمصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة» وفي الوجه الآخر «لا إله إلا الله، محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون على أفضل الوحيين وزير خير المرسلين» .

وكثر ضرب الدينار المعزى حتى أن المعز لما قدم إلى مصر سنة ثنتين وستين وثلاثمائة ونزل بقصره من القاهرة، أقام يعقوب بن كلس بن عسلوج بن الحسن لقبض الخراج، فامتنع أن يأخذ إلا دينارا معزيا، فاتضع الدينار الراضى وانحط ونقص من صرفه، أكثر من ربع دينار، وكان صرف الدينار المعزى خمسة عشر درهما ونصفا.

وفي أيام الحاكم بأمر الله- أبى على المنصور بن المعزّ- تزايد أمر الدراهم في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثلاثمائة فبلغت أربعة وثلاثين درهما بدينار، ونزل السعر واضطربت؟؟ أمور الناس، فرفعت تلك الدراهم وأنزل من القصر عشرون صندوقا فيها دراهم جدد فرفعت للصيارف، وقرئ سجل يمنع المعاملة بالدراهم الأولى وترك من في يده شىء منها ثلاثة أيام، وأن يورد جميع ما تحصل

ص: 169

منها إلى دار الضرب، فاضطرب الناس وبلغت أربعة دراهم بدرهم جديد، وتقرر أمر الدارهم الجدد على ثمانية عشر درهما بدينار.

فلما زالت الدولة الفاطمية بدخول الفرس الشام ومصر على يد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، فى سنة تسع وستين وخمسمائة، قرّرت السّكة بالقاهرة باسم المرتضى بأمر الله وباسم الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى، صاحب بلاد الشام، فرسم اسم كل منهما في وجه، وفيها عمت بلوى المصارف بأهل مصر؛ لأن الذهب والفضة خرجا منها وما رجعا وعدما، فلم يوجدا، ولهج الناس بما غمّهم من ذلك وصاروا إذا قيل: دينار أحمر، فكأنما ذكرت حرمة له، وإن حصل في يده فكأنما جاءت بشارة الجنة له، ومقدار ما حدث أنه خرج من القصر ما بين درهم ودينار، ومصاغ وجوهر ونحاس، وملبوس، وأثاث وقماش وسلاح ما لا يفى به ملك الأكاسرة ولا تتصوره الخواطر ولا تشتمل على مثله الممالك ولا يقدر على حسابه إلا من يقدر على حساب الخلق في الآخرة.

نقلت ما هذا نصه من خط القاضى الفاضل عبد الرحيم، ثم لما استبد الملك صلاح الدين، بعد موت الملك العادل نور الدين، أمر في شوال سنة 583 بأن تبطل نقود مصر، وضرب الدينار ذهبا مصريا، وأبطل الدرهم الأسود، وضرب الدراهم الناصرية وجعلها من فضة خالصة ومن نحاس، نصفين بالسوى، فاستمر ذلك بمصر والشام إلى أن دخل الملك الكامل ناصر الدين محمد بن العادل أبى بكر محمد بن أيوب، فأبطل الدرهم الناصرى، وأمر في ذى القعدة من سنة 622 بضرب دراهم مستديرة، وتقدم أنه لا يتعامل الناس بالدراهم المصرية العتق، وهى التى تعرف في مصر والإسكندرية بالزيوف.

وجعل الدرهم الكامل ثلاثة أثلاث، ثلثيه من فضة، وثلثيه من نحاس، فاستمر ذلك بمصر والشام مدة أيام ملوك بنى أيوب.

فلما انقرضوا وقامت الأتراك من بعدهم أبقوا سائر شعارهم واقتدوا في جميع أحوالهم وأقروا نقدهم على حاله، من أجل أنهم كانوا يفتخرون بالانتماء إليهم، حتى أنى شاهدت المراسيم التى كانت تصدر عن الملك المنصور قلاوون وفيها بعد البسملة «الملكى الصالحى» وتحت ذلك بخطه «قلاوون» .

ص: 170

فلما ولى الملك الظاهر ركن الدين ببيرس البندقدارى، الصالحى، النجمى، وكان من أعظم ملوك الإسلام، وممن يتعين على كل ملك معرفة سيرته، ضرب دراهم ظاهرية وجعلها كل مائة درهم من سبعين درهما فضة خالصة وثلاثين نحاسا رنكة «1» على الدرهم، وهو صورة سبع، فلم تزل الدراهم الظاهرية والكاملية بديار مصر والشام إلى أن فسدت في سنة 781، بدخول الدراهم الحموية «2» فكثر تعنت الناس منها، وكان ذلك في إمارة الظاهر برقوق، فلما وصل الأمر إليه وأقام الأمير محمود بن على أستادارا «3» أكثر من ضرب الفلوس، وأبطل ضرب الدراهم فتناقصت، حتى صارت عرضا ينادى عليه في الأسواق بحراج حراج «4» وغلبت الفلوس إلى أن قدم الملك المؤيد شيخ عز نصرة من دمشق في رمضان سنة 817، بعد قتل الأمير نوروز الحافظى نائب دمشق، فوصل مع العسكر وأتباعهم شىء كثير من الدراهم البندقية «5» والدراهم النوروزية «6» فتعامل الناس بها وحسن موقعها لبعد العهد بالدراهم.

فلما ضرب الملك المؤيد شيخ عز نصرة الدراهم المؤيدية «7» فى شوال منها نودى فى القاهرة بالمعاملة بها في يوم السبت 24 صفر سنة 818 فتعامل الناس بها، وقد قال مسدّد: حدثنا خالد بن عبد الله: حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب، قال: قطع الدينار والدرهم من الفساد في الآخرة يعنى كسرهما، وأنا أقول: إن في ضرب الملك المؤيد الدراهم المؤيدية ست فضائل:

الأولى: موافقة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في فريضة الزكاة؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام، إنما فرضتها في الفضة الخالصة لا المغشوشة.

الثانية: اتباع سبيل المؤمنين، وذلك أنه اقتدى في عملها خالصة بالخلفاء

ص: 171

الراشدين، وقد تقدم بيان ذلك فلا حاجة إلى إعادته.

الثالثة: أنه لم يتبع سنّة المفسدين الذين نهى الله عن اتباعهم بقوله عز وجل:

وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ

«1» وبيان ذلك: أن الدراهم لم تغشّ إلا عند تغلب المارقين الذين اتبعوا قوما قد ضلوا كما مرّ آنفا.

الرابعة: أنه نكب عن الشره في الدنيا، وذلك أن الدرا؟؟ هم لم تغشّ إلا للرغبة في الازدياد منها.

الخامسة: أنه أزال الغش عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» «2» .

السادسة: أنه فعل ما فيه نصح لله ولرسوله، وقد علم قوله عليه أفضل الصلاة والسلام: الدين النصيحة. الحديث «3» . ويمكن أن يتلمح لها فوائد أخر.

وإنه ليكثر تعجّبى من كون هذه الدراهم المؤيدية ولها من الشرف والفضل ما ذكر، وللملك المؤيد من عظيم القدر، وفخامة الأمر ما هو معروف، ومع ذلك تكوم مضافة ومنسوبة إلى الفلوس، التى لم يجعلها الله تعالى قط نقدا في قديم الدهر وحديثه، إلى أن راجت في أيام أقبح الملوك سيرة وأردأهم سريرة: الناصر فرج، وقد علم كل من رزق فهما وعلما أنه حدث من رواجها خراب الإقليم، وذهاب نعمة أهل مصر وأن هذا في الحقيقة كعكس للحقائق، فإن الفضة هى نقد شرعى، لم تزل في العالم والفلوس، إنما هى أشبه بلا شىء، فيصير المضاف مضافا إليه، اللهم ألهم مولانا الملك المؤيد بحسن السفارة الكريمة، أن يألف من أن يكون نقده مضافا إلى غيره، وأن يجعل نقده تضاف إليه النقود، كما جعل الله تعالى اسمه الشريف يضاف إليه اسم كل من رعيته، بل كل ملك من مجاورى ملكه، والأمر في ذلك سهل إن شاء الله تعالى.

ص: 172

وذلك أنه برز المرسوم الشريف، لموالينا قضاة القضاة، أعز الله بهم الدين، أن يلزموا شهود الحوانيت، بأن لا يكتب سجل أرض، ولا إجارة دار ولا صداق امرأة ولا مسطور بدين، إلا ويكون المبلغ من الدنانير المؤيدية، ويبرز أيضا للدواوين الملكية ودواوين الأمراء، والأوقاف ألا يكتبوا في دفاتر حساباتهم متحصلا ولا مصروفا إلا من الدراهم المؤيدية، فتصير الدراهم المؤيدية ينسب إليها ما عداها من النقود، كما جعل الله تعالى الملك المؤيد عزّ نصرة، يضاف إليه ويتشرف به كل من انتسب أو انتمى إليه، والله تعالى أعلم.

وأما الفلوس، فإنه لم تزل سنة الله في خلقه وعادته المستمرة، منذ كان الملك إلى أن حدثت الحوادث والمحن بمصر، منذ سنة ست وثمانمائة، فى جهات الأرض كلها- عند كل أمة من الأمم، كالفرس، والروم، وبنى إسرائيل، واليونان والقبط والنبط، والتبابعة، وأفيال اليمن، والعرب العاربة والعرب المستعربة، ثم في الدولة الإسلامية، من حين ظهورها. على اختلاف دولها التى قامت بدعوتها، كبنى أمية بالشام والأندلس وبنى العباس بالعراق، والعلويين بطبرستان وبلاد المغرب، وديار مصر والشام وبلاد الحجاز واليمن ودولة بنى بويه، ودولة الترك بنى سلجوق، ودولة الأكراد بمصر والشام، ودولة بنى مرين بالمغرب، ودولة بنى نصر بالأندلس، ودولة بنى حفص بتونس، ودولة بنى رسول باليمن، ودولة الحطى بالحبشة، ودولة بنى تيمورلنك بسمرقند، ودولة بنى عثمان بالجانب الشمالى الشرقى- أن التى تكون إثمانا للمبيعات، وقيم الأعمال، إنما هى الذهب والفضة فقط.

ولا يعلم في خبر صحيح ولا سقيم عند أمة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر، أنهم اتخذوا أبدا في قديم الزمان ولا حديثه نقدا غيرهما، إلا أنه لما كانت فى المبيعات محقرات تقل عن أن تباع بدرهم، أو بجزء منه، احتاج الناس من أجل هذا في القديم والحديث من الزمان إلى شىء سوى الذهب والفضة، يكون بإزاء تلك المحقرات، ولم يسمّ أبدا ذلك الشىء الذى جعل للمحقرات نقدا البتة، فيما عرف من أخبار الخليقة، ولا أقيم قط بمنزلة أحد النقدين، واختلفت مذاهب البشر وآراؤهم فيما يجعلونه بإزاء تلك المحقرات، ولم يزل بمصر والشام وعراقى العرب والعجم وفارس والروم في أول الدهر وآخره، ملوك هذه الأقاليم،

ص: 173

لعظمهم وشدة بأسهم، ولعزة ملكهم وكثرة شأوهم وخنزوانية «1» سلطانهم، يجعلون بإزاء هذه المحقرات نحاسا يضربون منه قطعا صغارا تسمى فلوسا «2» لشراء ذلك، ولا يكاد يوجد منها إلا اليسير، ومع ذلك فإنها لم تقم أبدا في شىء من هذه الأقاليم، بمنزلة أحد النقدين قط.

وقد كانت الأمم في الإسلام وقبله، لهم أشياء يتعاملون بها بدل الفلوس كالبيض والكسر من الخبز والورق ولحاء «3» الشجر والودع «4» الذى يستخرج من البحر ويقال له: الكورى وغير ذلك.

وقد استقصيت ذكره في كتاب (إغاثة الأمة بكشف الغمّة) وكانت الفلوس لا يشترى بها شىء من الأمور الجليلة وإنما هى لنفقات الدور، ومن أنعم النظر «5» فى أخبار الخليفة عرف ما كان الناس فيه بمصر والشام والعراق من رخاء الأسعار، فيصرف الواحد العدد اليسير من الفلوس في كفاية يومه.

فلما كانت أيام محمود بن على، أستادار الملك الظاهر برقوق، استكثر من الفلوس، وصارت الفرنج تحمل النحاس الأحمر رغبة في فائدته، واشتهر الضرب فى الفلوس عدة أعوام والفرنج تأخذ ما بمصر من الدراهم إلى بلادهم، وأهل البلد تسبكها، لطلب الفائدة حتى عزّت وكادت تفقد، وراجت الفلوس رواجا عظيما حتى نسب إليها سائر المبيعات وصار يقال: كل دينار بكذا من الفلوس.

وتالله، إن هذا الشىء يستحيا من ذكره لما فيه من عكس الحقائق إلا أن الناس لطول تمرنهم عليه ألفوه، إذ هم أبناء العوائد، وإلا فهو في غاية القبح، والمرجو أن يزيل الله عن بلاد مصر هذا العار، بحسن السفارة الكريمة، أرجو إن شاء الله تعالى أن يكون الأمر فيه هينا، وذلك أن ينظر إلى النحاس الأحمر القرص المجلوب من بلاد الفرنج كم سعر القنطار منه، ويضاف إلى ثمن القنطار جملة ما يصرف عليه بدار الضرب إلى أن يصير فلوسا، فإذا جمل ذلك عرف كم يصرف لكل دينار

ص: 174

من الفلوس، وإذا عرف كم كل دينار منها، عرف بكم كل درهم مؤيدى وفي هذا سر شريف، وهو أنه من استقرى سير فضلاء الملوك، فإنه يجدهم يأنفون أن يبقى لغيرهم ذكر، ويحرصون على تفردهم بالمجد فإذا ضرحت «1» هذه الفلوس صار نقدا للناس، بين درهم مؤيدى وفلوس مؤيدية.

وكفاك إشارة وتنبيها على شرف بقاء الذكر مدى الدهر، قول الله تعالى عن إبراهيم الخليل، صلوات الله وسلامه عليه: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ

«2» .

وقوله تعالى في معرض الامتنان على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ

«3» .

وقوله تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ

«4» .

وهذه رتبة لا يرغب عنها إلا خسيس القدر وضيع النفس، ومقام الملوك يجل عن أن يشاركهم أحد في رتبة عزّ أو منصب رفعة، وإنى لأرجو الله سبحانه أن يصلح الله بحسن سفارتكم ما قد فسد، إن شاء الله تعالى.

ولولا خوف الإطالة لذكرت ما كان من ضرب الملوك للفلوس وأنها لم تزل بالعدد إلى أن أمر الأمير يلبغا السالمى- رحمة الله عليه- أن تكون بالميزان وذلك فى سنة 806 وللبلاد قوانين وعوائد متى اختلت فسد نظامها.

والله تعالى يختم بخير أعمالنا، والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى.

ص: 175

معرفة ما يجب لآل البيت النبوى من الحق على من عداهم

ص: 177