المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة - رسائل المقريزي

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة رسائل المقريزي

- ‌تقى الدين المقريزى

- ‌مؤلفاته:

- ‌صفاته وسلوكه:

- ‌وصف المخطوطات:

- ‌[فصل: في اختصاص بني هاشم بالدعوة والنبوة والكتاب على سائرهم من بين قريش]

- ‌[فصل: في بيان السر في خروج الخلافة بعد رسول الله ص عن على بن أبى طالب ع إلى أبى بكر وعمر ثم عثمان]

- ‌[فصل: في الاعتراض على أخذ بنى العباس بن المطلب بن هاشم الخلافة نيفا على خمسمائة وعشرين سنة]

- ‌[فصل: اتفق في الخلافة الإسلامية كما اتفق في الملة الموسوية حذو القذاة بالقذاة]

- ‌[فصل: مطابقة السنن الكونية في الأمة الإسلامية لماسبقها من الشعوب والأمم من اليهو والنصارى وغيرهم]

- ‌لباب التوحيد وجوهره:

- ‌«أنواع الشرك الواقع في الأمم» :

- ‌«الإشراك في المحبة» :

- ‌«صرف العبادة إلى غير الله شرك أكبر» :

- ‌«كثرة الأدلة على توحيده تعالى» :

- ‌«الشرك في الربوبية» :

- ‌«شرك القدرية» :

- ‌«النهى عن اتخاذ القبور مساجد» :

- ‌أقسام الناس في زيارة القبور:

- ‌النهى عن السجود لغير الله:

- ‌الشرك في الألفاظ:

- ‌الشرك في الإرادة والنية:

- ‌بطلان الوسائط والشفعاء في التقرب إلى الله:

- ‌أنواع الشرك:

- ‌أنواع التعطيل:

- ‌شرك التشبيه والتمثيل

- ‌حقيقة الشرك:

- ‌صرف العبادات إلى غير الله من التشبيه له بخلقه

- ‌التشبه بالله:

- ‌تحريم التشبه بالله في أفعاله وأسمائه:

- ‌سوء ظن المعتقدين في الوسائط:

- ‌عدم حاجته تعالى إلى الوسائط:

- ‌أصل ضلال أهل البدع والزيغ:

- ‌عبادة غير الله عبادة للشيطان:

- ‌مراتب الناس في عبادة الله:

- ‌القسم الثالث:

- ‌حقيقة الاستعانة:

- ‌القسم الرابع:

- ‌المتابعة والإخلاص شرطان لقبول الأعمال:

- ‌أفضل العبادات وأنفعها:

- ‌من قال: إن الزهد أفضل العبادات:

- ‌أقسام الناس في منفعة العبادة:

- ‌رأى القدرية في الحكمة والتعليل:

- ‌تناقض الجبرية والقدرية:

- ‌الأعمال سبب لدخول الجنة:

- ‌رأى الفلاسفة والمتصوفة في العبادات:

- ‌قول أهل الحق في العبادة:

- ‌محبة الله أصل العبادة:

- ‌تقديم الآراء على نصوص الوحى منافى للمحبة:

- ‌قواعد العبادة:

- ‌فصل في النقود

- ‌النقود الإسلامية

- ‌نقود مصر

- ‌[فصل في تفسير آية التطهير وبيان المراد بأهل البيت في الآية المباركة]

- ‌فصل: الأجسام المتولدة

- ‌فصل في أقسام المعادن

- ‌القول في الفلزات

- ‌القول في الأحجار

- ‌ذكر بلاد الحبشة

- ‌ذكر بلاد الزيلع

- ‌ومملكة أوفات

- ‌ومملكة دوارد

- ‌ومملكة أرابينى

- ‌ومملكة هديّة

- ‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

- ‌«الاستثناء في الإيمان» :

- ‌«رفض الحنفية للاستثناء» :

- ‌«كلام السلف في الاستثناء» :

- ‌[فصل في تعرف النحل وأنواعه وخصائصه]

- ‌[فصل في بيان أصناف النحل]

- ‌فصل في بيان فائدة شمع النحل وخصائصه

- ‌الآفات التى تصيب الخلايا

- ‌[الدّبر: عسله وأنواعه]

- ‌فصل: فى ماهية العسل

- ‌[فوائد العسل]

- ‌فصل في تكريم النحل من خلال تنويه الله تعالى بذكرها في القرآن

- ‌بيوت النّحل

- ‌[فصل في نهي النبي عن قتل أربع من الدواب ومنها النحلة]

- ‌[فصل في سماع النبي ص دوي النحل عند نزول الوحي]

- ‌[فصل اختلف أهل العلم في أكل النّحل]

- ‌[فصل في تسمية البعض بأسماء النحل وتكنيتهم بها والسبب في ذلك]

- ‌[فصل أجود ما قيل في الشمعة]

- ‌الفهارس العامة

- ‌فهرس الآيات القرآنية

- ‌الأعلام

- ‌فهرس الأحاديث

- ‌فهرس القبائل

- ‌فهرس البلدان

- ‌فهرس النقود والدراهم والموازين

- ‌ثبت بالمراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

بالقيح، ثم يعالجون حتى

«1» أهل هدية بذلك، وقلّ من يعيش من الخصيان؛ لأنهم يحملون إلى هدية من غير علاج.

ومملكة شرخا طولها ثلاثة أيام وعرضها أربعة أيام وأهلها حنفية.

ومملكة بالى طولها عشرون يوما في عرض ستة أيام وهى أكثر بلاد الزيلع خصبا ومعاملتهم بالأعواض غنما ببقر وبقرا بثياب، ونحو ذلك وأهلها حنفية.

ومملكة دارة طولها ثلاثة أيام في عرض ثلاثة أيام وهى أضعف ممالك الزيلع وأهلها حنفية وهم أيضا يتعاملون بالأعواض.

وجميع ملوك هذه الممالك إنما هم نواب عن الحطى لا يقيمهم إلا هو، ويجاور هذه البلاد ناصع وسواكن ودهلك وأهلها مسلمون.

والستة الممالك الزيلع لغاتهم مختلفة تبلغ زيادة على خمسين لسانا وكلهم يكتب بالقلم الحبشى، وكتابتهم من اليمين إلى الشمال، وعدّة حروف هذا القلم ستة عشر، لكل حرف سبعة حروف، جملة ذلك مائة واثنا عشر ألف حرف سوى حروف أخر مستقلة بذواتها لا تفتقر إلى حرف من الحروف المذكورة مضبوطة بحركات متصلة بالحرف لا، منفصلة عنه، هكذا كان ترتيب هذه البلاد ومنها ما بقى ومنها ما زال بزوال الدول وقيام دول سواها.

سنّة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تحويلا.

‌ذكر الدولة القائمة بجهاد النصارى من الحبشة

اعلم أن هذه الدولة قام بها قوم من قريش، فمنهم من يقول: هم من بنى عبد الدار ومنهم من يقول: إنهم من بنى هاشم ثم من ولد عقيل بن أبى طالب، قدم أولهم من الحجاز ونزلوا أرض جيرة التى تعرف اليوم بجبرت وهى من أراضى الزيلع واستوطنوها وأقاموا بمدينة أوفات، وعرف جماعة منهم بالخير واشتهر بالصلاح إلى أن كان منهم عمر الذى قال له: ولسمع، ولاه الحطى مدينة أوفات وأعمالها.

فحكم بها مدة طويلة وصارت له بها شوكة قوية وشكرت سيرته حتى مات

ص: 236

وترك أربعة أولاد أو خمسة ملكوا أوفات من بعده واحدا بعد آخر، منهم: بزوا، ومنهم: حق الدين الأول، حتى كان آخرهم صبر الدين محمد بن ولخوى بن منصور بن عمرو لسمع، فملك أوفات حدود سنة سبعمائة من سنّى الهجرة وطالت مدته، فلما مات ابنه على بن صبر الدين محمد بن عمر ولسمع واشتهر ذكره في البلاد وخرج عن طاعة الحطى ثم عاد إليها، فإن أهل البادية لم توافقه، بل خالفت عليه فولى الحطى سيف أرعد ابنه أحمد، ويعرف بحرب أرعد بن على بن صبر الدين محمد بن صبر محمد بن عمر ولسمع على مدينة أوفات وأعمالها، وقيّض على عليّ وأنزل عنده بمكان هو وأولاده، فأقام على بن صبر الدين عند الحطى نحو ثمانى سنين ثم رضى عليه وأعاده إلى ولايته على مدينة أوفات ثانيا، وقد صار ابنه أحمد حرب أرعد إلى الحطى فألزمه أن يقيم ببابه فأقام بخدمته، وولد له هناك ثلاثة أولاد منهم: سعد الدين محمد، ثم إن الحطى رضى عليه وكتب إلى أبيه على يأمره أن يوليه موضعا من أعمال جبرت، فامتثل ذلك ووّلاه عملا من أعماله فسار إلى ذلك العمل وأقام به مدة إلى أن قتل في بعض حروب رعيته، فقام في موضعه أخوه أبو بكر بن على، وكان أحمد حرب أرعد قد ترك بمدينة أوفات ولدا يقال له: حق الدين، وقد اشتغل بطلب العلم وصار مطرح الجانب لأعراض جده على بن صبر الدين عنه وهجره إياه مع معاداة عمه «ملا أصفح» بن على له العداوة الشديدة ومقته المقت الزائد.

ثم إنه أخرجه من مدينة أوفات إلى بعض أعمالها وألزم والى تلك الجهة أن يهينه ويستخدمه فأخرجه والى الجهة إلى جباية «1» مال بعض النواحى، فأخذ عند ما صار إلى ما وليه في تدبير أمره وإحكام عمله وجمع الناس عليه حتى قوى جانبه وأظهر الخلاف على من والاه، فسار إليه وحاربه فانتصر عليه حق الدين وقتله وغنم ما كان معه وضم إليه من كان معه من المقابلة، وبذل لهم المال فقامت قيامة عمه «ملا أصفح» وكتب إلى الحطى يخبره الخبر ويطلب منه النجدة لمحاربته، فأمده الحطى سيف أرعد بعسكر يقال: إن عدّته ثلاثون ألفا، فلقيهم حق الدين، وقاتلهم قتالا شديدا، أيده الله عليهم حتى قتل منهم خلقا كثيرا، وغنم منهم ما معهم، وهزم عمه، وقد شهد الواقعة فصار في هزيمته إلى الحطى فبعث معه

ص: 237

عساكر عظيمة جدا فتلقاهم حق الدين وقاتلهم، فقتل عمه «ملا أصفح» بن على ابن صبر الدين محمد بن عمر ولسمع، واستأصل حق الدين العساكر فلم ينج منهم إلا القليل وغنم ما معهم.

وسار إلى مدينة أوفات وبها جدّه على بن صبر الدين وقد اشتد حزنه على ولده «ملا أصفح» فإنه كان أعز أولاده عنده وكان هو القائم بأمر الدولة وتدبير الأمور، وتزايد مع ذلك حنقه على حق الدين وبغضه إياه إلا أن ضرورة الحال اقتضت كفه عنه لعجزه عن مقاومته، فتأدب حق الدين مع جده وأقرّه على ولاية أوفات، فأمده عند ذلك بمال حمله إليه، وسار حق الدين ومعه عن أوفات وأخرج معه أيضا أهلها إلا

«1» ونزل بأرض شوة وبنى هناك مدينة سماها «وجل» ، وأنزل بها أهل أوفات وجعلها دار ملكه، فتلاشت من حينئذ مدينة أوفات واتضعت حتى خربت، وكان حق الدين هذا أول من خالف من أهل بيته على الحطى ملك أمحرة من الحبشة الكفرة.

وخرج من طاعته وهو أول من استبد منهم بالأمر وما زال يحارب الحطى وعساكره ويأسر منهم ويغنم إلى أن مات الحطى «سيف أرعد» ، وأقام بعده بأمر الحبشة ابنه الحطى داربت وهو داود بن سيف أرعد، فاستمر حق الدين على محاربته إياه والله يؤيده بنصره على أمحرة، بحيث إنه كانت له فيهم بضع وعشرون وقعة في مدة تسع سنين، آخرها أنه سار إليهم وقاتلهم قتالا شديدا، استشهد فيه سنة ست وسبعين وسبعمائة بأرض شوة ولم يوجد مع القتلة وكانت مدة سلطنته نحو عشر سنين، وكان شجاعا مقداما قوى النفس عجولا مهابا، وقام من بعده أخوه سعد الدين أبو البركات محمد بن على بن صبر الدين محمد ولخوى ابن منصور بن عمرو لسمع.

فمضى على سيرة أخيه حق الدين في جهاد أمحرة الكفرة لكن بتؤدة وسياسة حسنة، فكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته، فقاتل مرة في اثنين وسبعين فارسا فكسرهم، ثم ظفر به العدو بعد ذلك في موضع يقال له: أهبرة، وربطوه وساقوه إلى كبيرهم، فأدركه أحد فرسانه وقاتل من معه حتى خلصه من أيديهم، وأركبه فرسه ورده إلى أصحابه، فجمعهم وجد في جهاد أمحرة، ولقى ابن مر

ص: 238

فيمن أمر الحطى وهزمه وأسر من معه حتى أبيع كل عبدين من الأسرى بتفضيله، ومضى من فوره إلى زلال ففتح تلك البلاد وغنم أموالها فبلغت حصته لخاصة نفسه أربعين ألفا فرّقها بأجمعها على الفقراء والمساكين وعلى العسكر حتى لم يجد ما يأكله إلى أن أطعمته إحدى زوجاته.

وحصل لسليم بن عباد زوج ابنته اثنتا عشرة ألف بقرة، فأمره أن يخرج منها زكاتها فامتنع فتغير عليه، فأرسل الله تعالى عليه الكفرة فأخذوه وما معه، فلم يفلت منه سوى زوجته وابنه سعد الدين بحيلة تداركها الله فيها بلطفه.

وغزا أيضا بلادا تسمى زمدوة في أربعين فارسا وبها من الكفرة أعداد لا تحصى، فكانت بينه وبينهم قتلة عظيمة نصره الله فيها نصرا عزيزا، وغنم ما لا يدخل تحت حصر، وغزا بالى وأمحرة وهم في عشرة أمراء، كل أمير منهم عشرة آلاف، وهو فى خمسين فارسا وجميع من معه لا يبلغون عدّة أمير منهم، فعندما تلاقى الجمعان توضأ هو وأصحابه وصلوا ركعتين وسأل الله تعالى النصر وهم يؤمّنون على دعائه، ثم ركب بمن معه وقاتلهم فهزمهم الله ونصره عليهم فقتل وأسر منهم عددا لا يحصى بحيث بقيت رؤوس القتلى ملء الأرض لا يجد المار موضعا يمر به إلا عليهم، وكان بينه إذ ذاك وبين بلاده مسافة اثنى عشر يوما فعاد منصورا غانما، وجرد مرة من أصحابه رجلا يقال له:«أسد» فى أربعين فارسا فلقيه أمير من أمراء الحطى يقال له: «زان حش» فى خمسين فارسا لابسين آلة الحرب ومعه من العساكر الراكبين الخيل عريا عالم كبير، وكان مشهورا بالقوة والشجاعة، فاقتتل الفريقان أعظم قتال وأشدّه فقتل الله اللعين ونصر المسلمين نصرا مؤزرا وغنموا غنائم عظيمة، فجمع الحطى أمحرة ونزلوا إلى بلاد المسلمين فلقيهم أمير اسمه محمد في ستة فرسان ونحو ألف راجل «1» فقاتلوا قتالا شديدا عظيما استشهد فيه الأمير محمد [ومن] «2» معه ولم يسلم منهم سوى فارس واحد فأخذه الحطى أميرا يقال له: بارو، فلقيه سعد الدين بنفسه ومعه الفقهاء والفقراء والفلاحون وجميع أهل البلاد وقد تحالفوا «3» جميعا على الموت، فكانت بينهما وقعة شنيعة استشهد فيها من المشايخ

ص: 239

الصلحاء أربعمائة شيخ، كل شيخ منهم له عكاز وتحت يده من الفقراء السالكين عدد عظيم فاستحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانكسر من بقى، ومر سعد الدين على وجهه وأمحرة في أثره تتبعه حتى التجأ إلى جزيرة زيلع في وسط البحر فحصروه بها ومنعوه الماء إلى أن دلّهم [عليه]«1» من لا يتقى الله على الوصول إليه، فلما وصلوا إليه قاتلهم فأصيب في جبهته بعد فقده الماء ثلاثة أيام، فخر إلى الأرض فطعنوه فمات- رحمه الله وهو يتشهد ويضحك وذلك في سنة خمس وثمانمائة، وقد ملك نحوا من ثلاثين سنة، وكان رجلا صالحا.

وفي أيامه مات جده على بن صبر الدين في سجن الحطى بعد ما أقام مسجونا نحو الثلاثين سنة، ولما قتل سعد الدين ضعف المسلمون بموته واستولى الحطى وقوم أمحرة على البلاد وسكنوها وبنوا بها الكنائس، وخرّبوا المساجد وأوقعوا بالمسلمين وقائع نزل فيها من القتل والأسر والسبى والاسترقاق ما لا يمكن التعبير عنه مدة عشرين سنة، وكان أولاد سعد الدين قد فروا إلى بلاد العرب، وهم عشرة، أكبرهم صبر الدين على، فأكرمهم الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل ملك اليمن وأنزلهم ثم جهزّهم وقاد لهم ستة أفراس فخرجوا إلى موضع يسمى:

يسارة، حتى فتح الله عليهم ولحق بهم عساكر أبيهم، فقام بأمرهم صبر الدين على وزحف لقتال أمحرة في سبعة من الفرسان سوى المشاة وقاتل في موضع يقال له:

ذكر أمحرة وهم في ثمانين فارسا فهزمهم واستولى على ذلك الموضع، وسار إلى سرجان وقاتل من هناك وكسرهم وحرق كنائسهم وبيوتهم، وغنم من الذهب وغيره ما لا يحصى، وما زال ينتصر على أمحرة حتى جمعوا له وصاروا في عشرة أمراء تحت يد كل أمير زيادة على عشرين ألفا ومقدمهم يقال له:«بخت بقل» ملّكه بلاد المسلمين وأقاموا بها سنة، وصبر الدين بمن معه فارس من بلد إلى بلد، وبهم من الجوع والعطش والتعب ما لا يوصف، ثم أيّده الله وقوّاه حتى جرّد أخاه محمدا ومعه حرب جوش وغيره من الأعيان في عشرين فرسا إلى بلد يقال لها:

رطوا، فقاتلوا أمحرة قتالا عظيما، قتل فيه مقدّمهم في عدة من أمراء الحطى.

وقتل من عسكرهم ما لا يحصى وهزموا بقاياهم وغنموا غنائم كثيرة وملكوا البلد زمانا، ثم صار صبر الدين بنفسه وطلع إلى بيت الملك وقاتل أمحرة وقتل أميرا

ص: 240

كبيرا وحرق بيت الملك وأكثر في قتل من هناك وعاد، ثم جرّد أخاه إلى قلعة بروت ففتحها صلحا وعاد منصورا، ثم جرّد أميرا اسمه عمرو ومعه ستة فرسان إلى بلاد لجب وأمحرة في عدد كالجراد، فكانت بينهم وقعة عظيمة قاتل المسلمون فيها قتالا كبيرا شديدا حتى ماتوا كلهم وقد صارت المزاريق تأتيهم كالمطر من كثرتها، ثم قطعوا بالسيوف رحمة الله عليهم، وشهد صبر الدين مرة وقعة كاد العدو أن يأخذه قبضا باليد فنجا بفرسه وقد اعترضه واد عرضه نحو عشرة أذرع فوثب بفرسه حتى تعداه وخلصه الله منهم، وما زال يلى أمر المسلمين إلى أن مات على فراشه مبطونا «1» بعد ثمانى سنين في حدود سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وكانت سيرته مشكورة، فقام بالأمر أخوه منصور بن سعد الدين وعضّده أخوه محمد وسار إلى جداية وهى دار ملك الحطى وبها صهره فقاتله حتى أخذه أسيرا وقتله في عدّة كبيرة فالتجأ نحو الثلاثين ألفا إلى جبل يقال له: مخا، فحصرهم فيه زيادة على مدة شهرين يقاتله كل يوم حتى كلّوا وجاعوا وعطشوا، فنادى فيهم يخيرهم بين الدخول في دين الإسلام وبين اللحاق بقومهم، فأسلم منهم نحو العشرة آلاف ونزلوا إليه من الصبح إلى غروب الشمس، وصار من الغد بقيتهم إلى بلادهم، فغنم من الخيل مائتى فرس عربية، وأقام عشرة أيام وقد جمع أمحرة جيشا وأتوه في عدد كالجراد المنتشر من كثرتهم، فقاتلهم أشد قتال حتى كلّت الفرسان وخيولها من شدة الحرب وقتل عشرة من أمراء المسلمين، فوقع منصور وأخاه في قبضة الحطى إسحاق المدعو إيرم بن داود بن سيف أرعد فكاد يطير من الفرح وقيدهما وسجنهما ووكل بهما، وذلك فى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة لسنتين من ولاية منصور، واستولت النصارى من أمحرة على البلاد كما كانوا، وعندما قبض على منصور قام بالأمر في الحال أخوه جمال الدين محمد بن سعد الدين وهو ضعيف، وقد نفى معه من الأمراء حرب جوش، وكان من أمراء الحطى فأسلم في أيام سعد الدين، وقدم إليه فصار من أكابر الأمراء لقوته وشجاعته وكثرة أتباعه، فخرج على جمال الدين البرابر، فوجه إليهم حرب جوش، فعرض عليهم الصلح وقد جمعوا إليه جمعا فيه سبعة آلاف قوس وسيف فأبوا إلا محاربته وهو موافقهم من الصبح إلى الظهر، ثم قاتلهم قتالا عظيما حتى هزمهم الله إلى بيوتهم وهو في أقفيتهم «2» فانقادوا لأمره ودخلوا في

ص: 241

طاعته ودفعوا إليه زكاة أموالهم وعاد مؤيدا ظافرا.

ثم بعث حرب جوش إلى بلاد بالى في عشرين فارسا، فلقى أمحرة وهم في عدد عظيم لم يجتمعوا فيما مضى مثله، فقاتلهم أشد قتال فانتصر عليهم وعاد، فجمع الحطى عساكر كثيرة جدا ونزل حذاءه فسار إليهم جمال الدين وحاربهم وعاد منصورا، وتوجه من أمحرة إلى نجرة وقد استطال الحطى وجمع عليه نحو مائة أمير وعزم على الا يبقى بالحبشة مسلما، فلقيه جمال الدين في خمسمائة فارس وقد جمع الحطى من الفرسان ما لا يحصى كثرة، فكانت بين الفريقين وقعة عظيمة، فقتل الله أمحرة وهزم باقيهم، وركب جمال الدين أقفيتهم وهو يتبعهم ثلاثة أيام وهو يقتل ويأسر حتى امتلأت الأرض بالقتلى وحرق الكنائس والبيوت وسبى النساء والأولاد، وغنم الأموال حتى بلغت عدة الخيول الملبّسة «1» التى غنمها زيادة على مائة فرس.

وأما الخيول العراة فلا تحصى لكثرتها وأقام في هذه الغزوة «2» ثلاثة أشهر وبعث حرب جوش إلى بالى فقتل وأسر وسبى ما لا ينحصر، وغنم غنائم عظيمة حتى صار يعطى لكل فقير ثلاثة رؤوس من الرقيق، ومن كثرتهم أبيع الرأس من الرقيق بربطة ورق وبخاتم واحد ورجع منصورا غانما، فسار جمال الدين بنفسه لغزو أمحرة فى جمع عظيم لم يجتمع في إيابه مثله ومعه ألف فارس وهو يقتل ويأسر ويسبى ويغنم والحطى بجموعه هارب منه وهو في طلبهم يتبعهم خمسة أشهر حتى وصل إليه، فلم يقابله الحطى وهرب منه إلى رأس بحر النيل.

فعاد جمال الدين بغنائم لا تحد ولا تعد، ثم بعث أخاه أحمد والأمير حرب جوش إلى دوارو فأوقعا بأمحرة وقائع عديدة وأسرا منهم ثلاثة أمراء، وغنما ستين فرسا وغنائم كثيرة وعاد بأعز نصر، ثم صار جمال الدين بنفسه يقتل ويأسر مسافة عشرين يوما فتفرقت أمحرة في ثلاثة مواضع، تريد أن تأخذ بلاد جمال الدين وعياله فعاد راجعا يريد لقاءهم، وقطع مسافة عشرين يوما في سبعة أيام ثم لقيهم ببلاد تسمى هواى، وقد تعب هو وأصحابه تعبا شديدا كثيرا والعدو مستريح فكانت بينهم وقعة عظيمة ومن كثرة الجموع وشدة القتال، اختلط الناس فما كان أحد

ص: 242

يعرف صديقه من عدوه ثم أنزل الله نصره على المؤمنين، فأخذوا جانبا من أمحرة وانتصر أمحرة أيضا وأخذوا جانبا من المسلمين وغنم كل منهم ما حازه، ثم ثار على جمال الدين بنو عمه وحسدوه وقتلوه في جمادى الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، وله في السلطنة سبع سنين، وكان خير ملوك زمانه دينا ومعرفة وقوة وشجاعة ومهابة وجهادا في أعداء الله تعالى بحيث إنه ملك كثيرا من بلاد الحطى وأعماله، ودخل جمان من عمال الحطى وولاة أعماله في طاعته وقتل وأسر من أمحرة الكفرة ما لا يدخل تحت حصر، حتى امتلأت بلاد الهند واليمن وهرمز والحجاز ومصر والشام والعراق وفارس من رقيق الحبشة الذين أسرهم وسباهم في غزاته، وما زال مؤيدا من الله تعالى منصورا على أعداء الله حتى ختم الله له بالحسنى وكتب الله له الشهادة.

وكان يصحب الفقهاء وأهل الفقر من الصالحين وينشر؟؟ العدل في أعماله حتى فى أهله وولده.

ولقد بلغ من عدله أن لعب بعض صغار أولاده ذات يوم مع أنداده وأترابه من الولدان، فضرب صغيرا منهم كسر يده، ولم يبلغ جمال الدين حتى مضت مدة فاشتد في الإنكار على خدمه إذ لم يعلموه، وطلب أولياء الصغير الذى كسرت يده وعتبهم على إخفاء هذا عنه، وجمع أهل دولته وطلب إبنه الجانى الصغير في كسر يده ليقتص منه، فقام أعيان الدولة وأمراؤهم بين يديه يضرعون إليه في العفو وأنهم يرضون أولياء الصغير، فلم يفعل وأبى إلا إحضار ولده فأحضر إليه، فلما قدّمه ليقتص منه ضج الجميع والبكاء وقام أولياء المكسور وعفوا فلم يرجع إلى أحد وقدم ابنه إليه وأخذ يده بيده ووضعها على حجر وضربها بحديدة كسرها وهو يصيح ثم أغمى عليه فحمل إلى أمه وأصوات ذلك الجمع كله على كثرته قد ارتفعت بالعويل والبكاء رحمة للصغير.

فكان أمرا مهولا وجمال الدين مع ذلك ثابت وقائل لولده: ذق كما أذقت ولد الناس، حدثنى بهذا الخبر الثقات الذين حضروا ذلك المجلس بين يدى جمال الدين وشاهدوه، فلم يتجاسر بعد ذلك أحد من أهل الدولة أن يمد يده لمال أحد ولا استطاع بعدها ولا حقير أن يجنى على غيره، وكان من شدة مهابته إذا أمر بشىء أو نهى عنه لا يتعداه أحد من أمرائه، بل يقف الجميع عند أمره ونهيه في جميع أعماله

ص: 243

خوفا من شدة سطوته واتقاء عقوبته.

ومناقبه عديدة ومآثره كثيرة، وجملة القول فيه أن الله تعالى أيّد به الدين وأعز بدولته الإسلام والمسلمين، وكان من جليل سعادته أن الله تعالى أهلك في أيام دولته طاغية الكفر الحطى إسحاق بن داود بن سيف أرعد في ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، فأقيم بعده اندراس بن إسحاق فهلك لأربعة أشهر من ولايته وقام بأمر أمحرة عمه حزيتاى بن داود بن سيف أرعد، فكانت أربع ملوك في نحو سنة وكل ذلك تعظم فتوحات جمال الدين الجليلة، وتعدد وقائعه العظيمة، وتكثر أعماله وعماله وغنائمه وأسراه وقتلاه وسباياه تمكينا من الله تعالى له في الأرض وتأييدا له بالنصر، ومع هذه الفتوحات العظيمة فلقد أسلم على يديه عالم من أمحرة لا يحصى عددهم، هداهم الله به وأنقذهم من النار بيمن دولته، وذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ولما استشهد جمال الدين قام بأمر المسلمين من بعده أخوه شهاب الدين أحمد بدلاى، وما زال يجتهد في تحصيل قاتل أخيه جمال الدين حتى ظفر به وقتله، وجرى على سنّة أخيه في غزو أمحرة وفتح من بلادهم عدة أعمال وقتل طائفة من أمرائهم وحرق البلاد وغنم وقتل وأسر وسبى عالما كثيرا، بحيث كثرت الأموال من الذهب والفضة والثياب والدروع في أيدى جماعته.

وحازوا من الوصايف ما لا يعد، وخرّب ست كنائس وعدة قرى واسترد البالى من أيدى الناس النصارى ورد إليها ألف بيت من المسلمين، إلا أنه حدث في أيامه سنة تسع وثلاثين وباء عظيم مات فيه من المسلمين والنصارى عوالم كثيرة جدا، وهلك الحطى، وأقاموا بعده صبيا صغيرا. وهذا السلطان بدلاى مقيم في بلاد وذكر أخوه خير الدين في بلاد ركلة.

وأظهر بدلاى سيرة العدل في مملكته، فأمنّت الطرقات وانكف الناس عن الظلم من العسكر وغيرهم ورخصت الأسعار في أيامه.

وأظهر بدلاى سيرة العدل في مملكته، فأمنّت الطرقات وانكف الناس عن الظلم من العسكر وغيرهم ورخصت الأسعار في أيامه.

قال مؤلفه- تغمده الله برحمته: حرره جامعه ومؤلفه أحمد بن على المقريزى- فى ذى القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، فصح جهد الطاقة والله أعلم بعيبه وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد الله رب العالمين.

تم

ص: 244

حرص النفوس الفاضلة على بقاء الذكر

ص: 245

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله على جزيل نعمه، ووفور أفضاله وعموم فضله وغزير فعاله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، وبعد:

فهذه مقالة لطيفة، وتحفة سنية شريفة في حرص النفوس الفاضلة على بقاء الذكر. أسأل الله تعالى أن يجعل لنا ثناء حسنا في الصالحين، وأن يحبونا بالزلفى يوم الدين بمنّه وكرمه آمين.

اعلم أن البقاء من أحسن صفات الله تعالى، فاتصاف العبد بما أمكن من البقاء هو أعلى صفاته وأفضلها؛ إذ ليس للعبد من نفسه إلا العدم، وأما الوجود فمن قبل الله تعالى، وقد تقرر في موضعه من الحكمة أن لكل شىء غاية، فغاية المعدن أن يصير ذهبا، وغاية النبات النخلة، وغاية الحيوان الإنسان، وغاية الإنسان أن يكون عالما، وغاية العالم أن يكون ملكا مقربا باقيا بالذكر، فالفاضل هو الذى يحرص على بقاء ذكره دائما، قال الله تعالى حكاية عن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ

«1» والمراد باللسان: القول، فوضع اللسان موضع القول. قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: هو إجماع الأمم عليه، وعن مجاهد والحسن: الثناء الحسن، وعن مجاهد قال: ما أراد إلا الثناء الحسن، فليس أمة إلا وهى توده «2» ، وقيل: معناه «3» : سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق فاستجيب دعاؤه في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وعن القشيرى «4» [قال] : أراد الدعاء الحسن له إلى القيام الساعة، فإن زيادة الثواب مطلوبة في كل وقت ومن كل أحد «5» . وقد جعل الله تعالى ذلك لإبراهيم عليه

ص: 247

السلام؛ إذ ليس أحد صلى على النبى صلى الله عليه وسلم في صلاته إلا وهو يصلى على إبراهيم عليه السلام. وعن الإمام مالك بن أنس- رحمه الله أنه قال: لا بأس أن يحب الرجل أن يثنى عليه صالحا وأن يرى في عمل الصالحين إذا قصد به وجه الله تعالى «1» . وقال تعالى ممتنا على نبيه وكليمه موسى عليه السلام: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي

«2» . وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا

«3» أى حبا في قلوب عباده، وثناء حسنا، فنبه الله تعالى بقوله: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ

على استحباب اكتساب ما يورث الرجل الذكر الجميل إذ الذكر الجميل؛ هو الحياة الدائمة. وقد قال حاتم الطائى وهو: أبو سفانة حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الجواد المشهور من أبيات:

أماوى إن المال غاد ورائح

ويبقى من المال الأحاديث

وقال آخر:

ثمن الإحسان شكر

ويرى المعروف ذخر

وثناء الحى بعد ال

موت للميت عمر

وقال آخر»

:

قد مات قوم وهم في الناس أحياء

ويقال: ذكر الفتى عمره الثانى «5» . ولعمرى إن الزمان الذى يثنى فيه على الميت بعد موته أحسن عمريه وأطولهما وأشرفهما، وقد قيل في هذا المعنى:

ردت صنائعه إليه حياته

فكأنه من نشرها منشور

وقد قيل أيضا:

كل الأمور تزول عنك وتنقضى

إلا الثناء فإنه لك باق

ولو اننى خيرت كل فضيلة

ما اخترت غير مكارم الأخلاق

ص: 248

وقال القاضى أبو بكر محمد بن العربى «1» : وقال المحققون من شيوخ الزهد:

وهذا دليل على الترغيب في العمل الصالح الذى يكسبه الثناء الحسن قال صلى الله عليه وسلم «2» :

«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» «3» وفي رواية: «إلا من سبع» «4» وكذلك «من مات مرابطا يكتب له عمله إلى يوم القيامة» «5» وقد منّ الله تعالى على نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس عليهم السلام بقوله: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*

«6» ومعناه تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة، وقال تعالى ممتنا على نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ

«7» يعنى لا إله إلا الله، فلا يزال في ذريته من يقولها. قال مجاهد وقتادة «8» : ومنّ تعالى على رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ

«9» . فعن ابن عباس رضى الله عنهما: يعنى

ص: 249

القرآن شرف لك ولقومك «1» . وقال: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ

«2» أى شرفكم. قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى «3» : إنما وضع الذكر موضع الشرف؛ لأن الشرف مذكر. وعن الإمام مالك- رحمه الله فى قوله:

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ

قول الرجل: حدثنى أبى عن جدى «4» ، وقال تعالى ممتنا على سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ

«5» ذهب الجمهور إلى أن معناه إذا ذكرت ذكرت معى، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة يقول «6» : أشهد أن لا إله إلا الله، إلا قال: أشهد أن محمدا رسول الله.

ويروى أن المسيح عليه السلام قال: «الذى يعلم ويعمل بما علم يدعى في ملكوت السموات عظيما» .

وعن نبى الله سليمان بن داود عليهما السلام أنه قال: «الذكر الجميل خير من الرائحة الطيبة، والإنسان يوم يموت خير من يوم يولد؛ لأن الرائحة الطيبة قولا تبلغ ربع ميل، والثناء الحسن «7» والصفات الجميلة قد تبلغ أقصى الآفاق؛ وذلك أنّ الإنسان ما دام حيا يزهد فيه نظراؤه، فإن النفوس كأنها ناظرة إليه، ومن شأن صاحب المروءة أن يزهد فيما ظفر به لأنه في يده قد أمن فواته، وأن يحرص على طلب ما غاب عنه، ويرغب في تحصيله، فإذا مات الإنسان فقد فات، فتلمح

ص: 250

الألسنة حينئذ بتكرار أخباره وإثارة فضائله، ونشر مآثره، وإذاعة محاسنه، حتى لقد كان موته سببا لاشتهار فضائله أكثر من اشتهارها في حياته، فهو يوم وفاته خير من يوم ولادته؛ لأن يوم ولادته إنما يراد به ملك الغاية، وغاية الإنسان إما عالم فهو ملك باق، وإما جاهل غير متبع فهو شيطان أو بهيمة، فولادة الإنسان إنما هى ليكون له لسان صدق في الآخرين، فإن الفضائل بالفعل حق الثناء عليه أيام حياته وكثر انتشار فضائله بعد موته، وانتشارها بعد موته حياة باقية يتوجّه إليها الصالحون ويرغب فيها العارفون، فيوم كمال الغاية المطلوب والفضل المتوجه إليها الفضل من يوم الولادة، وقد قيل:

المرء ما دام حيا يستهان به

ويعظم الزور فيه حين يفتقد

فاحرص يا أخى- أعزك الله بتقواه، ونوّر قلبك بنوره حتى لا تشهد سواه- أن تكون كما الورد، فإنه كان أولا بسيطا غير مركب، فلما سرى في التراب، وظهر في عالم العيان بصورة الشجر ذات الغصن والورق والورد عابا بالتقطير «1» إلى مرتبته، وأصله من البساطة وصورة المائية لكن بزيادة الكمال من طيب الرائحة وتفريح القلب وتقويته إلى غير ذلك من الخواص، فكذا فكن إن كنت ممن سبقت له الحسنى فإنك عندما تعينت صورتك البشرية كانت صفاتك جميعها بريئة من السوء، فإذا تهذبت بالرياضة والسلوك إلى الله تعالى تطهرت أخلاقك من الشر والنقائص وازدادت كمّا بما تحلت به من الآداب والمعارف وسائر الفضائل الروحانية، والله يؤيدنا بتوفيقه من غير خذلان ويعيننا على سلوك طريقه المستقيم، فإنه المستعان.

قال مؤلفه: تم ذلك على يد جامعه ومنشئه أحمد بن عبد القادر بن محمد المقريزى الشافعى- غفر الله ذنبه وستر عيبه بجاه سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله وحده، تم.

ص: 251

حصول الإنعام والمير فى سؤال خاتمة الخير

ص: 253

(حصول الإنعام والمير في سؤال خاتمة الخير «1»

) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد الذى جاءنا بالبينات والهدى فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في سبيل الله حق جهاده حتى ظهر دينه على كل دين، وملته على كل ملة، وعلى آله وأصحابه وسلم، وبعد:

فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمه قبل استحقاقها، المانّ به علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب من شكره لها أن يجعلنا من خير أمة أخرجت للناس وأن يرزقنا فهما في كتابه، ثم سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولا وعملا يؤدى له عنه حقه ويوجب لنا نافلة من يده بمنه وكرمه، وأن يختم لنا منه بخير وعافية بلا محنة، فإن سؤال العبد ربه تعالى أن يختم له بخير، وطلب ذلك لأخيه المؤمن من أهم الأمور وأصله ثابت بالكتاب والسنة.

قال الله جل جلاله حكاية عن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

«2» .

على أن علماء التفسير قد اختلفوا في قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً

على قولين:

أحدهما: أنه تمنى الموت، والآخر: أنه تمنى الوفاة على الإسلام إذا جاء أجله، فأما الأول، فعن السدى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- وقد ذكر قول يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ

الآية. قال: هو أول نبى سأل الله الموت «3» ، وعن ابن جريج «4» قال: قال ابن عباس رضى الله عنهما في قوله:

ص: 255

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ

الآية، قال: اشتاق إلى لقاء ربه، فأحب أن يلحقه بآبائه فدعى الله أن يتوفاه ويلحقه بهم، ولم يسأل نبى قط الموت غير يوسف عليه السلام «1» وهو قول قتادة في قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

قال: لما جمع الله شمل يوسف وأقر عينه وهو يومئذ مغموس في الدنيا وملكها وغضارتها اشتاق إلى الصالحين قبله «2» ، وقال ابن عباس: ما تمنى نبى قط الموت قبل يوسف عليه السلام، وفي رواية: لما جمع الله ليوسف شمله وتكاملت عليه النعم سأل لقاء ربه وقال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ

الآية، فلم يتمن الموت أحد نبى لا غيره إلا يوسف، وعن ابن أبى نجيح «3» : لما جمع الله بين يوسف وبين أبيه وإخوته وهو يومئذ ملك مصر اشتاق إلى لقاء الله تعالى وإلى آبائه الصالحين إبراهيم وإسحاق ويعقوب قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ

الآية.

وأما القول الآخر فعن الضحاك في قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

قال: توفنى على طاعتك واغفر لى إذا توفيتنى «4» ، وعن ابن عباس في رواية عن عطاء: يريد لا تسلبنى الإسلام حتى تتوفانى عليه «5» .

وقال الواحدى «6» فى قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

هذا دليل فيه على تمنى الموت، بل هو دليل على سؤال أن يكون موته على الإسلام إذا كان، وقال أبو العباس أحمد بن يوسف الكواشى «7» : تَوَفَّنِي مُسْلِماً

أى موحدا مخلصا ولا تجعل لى إلى نفسى رجوعا بحال ولا تدبير بسبب، فقد ذقت مرارات الأسباب فيما اخترته لنفسى وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

بآبائه النبيين، أو بأهل الجنة، أو

ص: 256

هم الذين زين الله تعالى ظاهرهم بآداب الخدمة ونوّر بواطنهم بنور اليقين والمعرفة وجعلهم راحة لعباده.

وقال القرطبى بعدما ذكر قول قتادة: وقيل: إن يوسف لم يتمن الموت، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام: إذا جاء أجلى توفنى مسلما، وهذا قول الجمهور، ثم ذكر الأحاديث الواردة في النهى عن تمنى الموت «1» وقال: إذا ثبت هذا فكيف يقال: إن يوسف تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل، هذا بعيد إلا أن يقال: إن ذلك كان جائزا في شرعته، انتهى.

وقد أثنى تعالى على الذين يدعونه فيقولون: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

وسماهم راسخين في العلم، ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ

«2» .

ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول: رب لا تسلبنى سمعى وبصرى بعدما جعلتهما لى، إلا وهو خائف عليهما وجل من ذهابهما، فلما أثنى الله تعالى على الداعين إياه بذلك كان الثناء في الحقيقة بما استحقوه بمعرفتهم عند النعمة عليهم في هداية الله إياهم للإسلام، وصانهم بها، وخوفهم أن يسلبوها، وهذا أصرح شىء فى الحث على طلب خاتمة الخير.

وقال تعالى حكاية عن أهل الجنة أنهم يقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ.

فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ. إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ

«3» فروى أنهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء، وكانوا يدعون الله تعالى أن لا يفعل بهم ذلك، فلما كانوا مشفقين أن يسلبوا الإسلام جزاهم ربهم سبحانه وتعالى بإشفاقهم عن دينهم الناشئ عن حبهم إياه، وعرفانهم قدره، أن ثبتهم عليه حتى إذا هم في الآخرة إلى رضوانه، وحلول دار المقامة من جناته، وقال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً

«4» إلى قوله:

فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ

«5» .

ص: 257

قال القرطبى: أى أبرارا مع الأنبياء أى في جملتهم «1» وقال ابن عطية «2» فى المعنى: توفنا معهم في كل أحكامهم وأفعالهم «3» ، وقال أبو حيان «4» : وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ

جمع برر، على وزن فعل، كصلف، أو جمع بارر على وزن فاعل كضارب، وأدغمت الراء فيهما في الراء، وهم الطائعون لله، وقيل: هم هنا الذين برّوا الآباء والأبناء، و «مع» هنا مجاز عن الصحبة الزمانية إلى الصحبة في الوصف. أى: توفنا أبرارا معدودين في عمل الأبرار، والمعنى: اجعلنا ممن توفيتهم طائعين لك، وقيل: المعنى: احشرنا معهم في الجنة.

فقد تبين من كتاب الله تعالى أن طلب خاتمة الخير- وهو الوفاة على الإسلام- من سنن المرسلين، وشعار المؤمنين، فقد ورد عن بعضهم: كان آخر ما تكلم به أبو بكر الصديق رضى الله عنه: تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

، وأما أصل ذلك من السنة، فقد خرّج البخارى ومسلم من حديث قتيبة «5» بن سعيد قال: ثنا يعقوب «6» يعنى ابن عبد الرحمن القارى، عن أبى حازم «7» عن سهل «8» بن سعد

ص: 258

الساعدى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» «1» .

ذكره البخارى في كتاب الإيمان «2» مطولا، وذكره في كتاب الجهاد، وترجم عليه باب:«لا يقول: فلان شهيد» «3» .

حدثنا سعيد «4» بن أبى مريم: ثنا أبو غسان «5» : ثنى أبو حازم، عن سهل:

أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبى صلى الله عليه وسلم، فنظر النبى صلى الله عليه وسلم فقال:«من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا» .

فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة «6» سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه، فأقبل الرجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم مسرعا فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال:«وما ذاك؟» قال: قلت لفلان: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه، وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك، فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من

ص: 259

أهل الجنة. ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم» «1» .

فانظر- رحمك الله- كيف نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على التيقظ، وأن لا نغترّ بما يبدو من ظاهر الأعمال. وإنّ العبرة بما يختم للعبد به. فلذلك طلب أهل الله من ربهم سبحانه أن يختم لهم بخير، إذ خاتمة الخير هى المعتبرة عند الله، وهى التى بها ينال العبد النجاة من النار، والفوز بالجنة.

وقد خرّج مسلم هذا الحديث مختصرا من طريق أبى هريرة رضى الله عنه، فقال: ثنا قتيبة بن سعيد، قال: أنبأنا عبد العزيز- يعنى ابن محمد- عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار. وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة» «2» .

فانظر- رحمك الله- كيف نص في حديث أبى هريرة هذا على ذكر الخاتمة، لا جرم أن كان طلب الخير أهم ما توجه إليه المتقون فقد جاء في بعض الآثار:

المخلصون على خطر عظيم.

وخرج هذا الحديث أيضا أبو بكر بن أبى شيبة من طريق أنس بسند في غاية الصحة وسياقة مفيد لما نحن بصدده، فقال: أنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عليكم ألا تعجلوا بحمد أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من عمره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العامل ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته» . قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال:«يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» «3» .

ص: 260

وقال أيضا: أنا يزيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح أنبأنا عبد الرحمن بن جبير ابن نفير الحضرمى عن أبيه عن عمرو بن سمعة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده خيرا عسله قبله» . قيل: وما عسله؟ قال: «يفتح له عملا صالحا بين يدى موته حتى يرضى من حوله» «1» . وهذه مسألة من مسائل أصول الدين مهمة جرى فيها خلاف كبير بين الأشاعرة «2» وبين الماتريدية «3» من الحنيفة، وهى مسألة الموافاة.

فذهب أصحابنا الأشعرية ومن تابعهم إلى القول بالموافاة، وهى أن العبرة في حال العبد المكلف بالخاتمة لأعماله، فمن ختم له من الناس بالإيمان تبين أنه كان عند الله مؤمنا من الابتداء، وأنه كان حين يخر ساجدا للصنم معتقدا للشرك مصرحا بأنه ند لله تعالى كان مؤمنا، ومن ختم له بالكفر- نعوذ بالله من ذلك- تبين أنه كان كافرا من الابتداء، وحين كان مصدقا لله ولرسوله كان عند الله كافرا «4» .

ومنع الماتريدية أصحاب أبى منصور الماتريدى من الحنفية «5» هذا القول وأبطلوه واحتجوا بأن الإيمان هو التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، وهو أمر حقيقى لا يتبين بانعدامه أنه ما كان موجودا، كمن كان قائما ثم قعد، أو كان شابا ثم شاخ لم يتبين أنه كان قائما ولا شابا.

ص: 261