الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرصاص: بفتح الراء- قاله أبو عبيد، وحكى غيره الكسر، وهو الإنك وهو الأسرب، والرصاص القلعى الشديد البياض ضد الفضة، دخلت مادته ثلاث آفات: نتن الرائحة والرخاوة والصرير، كما تدخل الآفة على الجنين في بطن أمه، ومن طوّق شجرة بطوق رصاص في أصلها من الأرض لم يسقط من ثمرتها شىء، وإذا شدت منه صفحة على الظهر سكن الإنعاظ وبطل الاحتلام، وإن ألقى شىء منه في قدر لم ينضج لحمها، وإذا دلّك الرصاص بملح ودهن دلكا قويا وأخذ من السواد الحاصل منه وطلى به السيف فإنه لا يصدأ، وإذا خلط بدهن الورد نفع من البواسير، والقروح تندمل، وإذا لطخ الأصبع بدهن أو شحم ودلك به الرصاص ولطخ به الحاجبان قوى شعرهما، وكثرة الأسرب- وهو الإنك- تولده كتولد الرصاص، وهو ردىء ومادته أكثر وسخا، ومن خواصه تكليس «1» الذهب وتكسير الماس، فإن الماس إذا وضع على سندان «2» وضرب بمطرقة لم ينكسر، ودخل في أحدهما، وإذا وضع على الأسرب تكسر باد في ضربه، وإذا شدت صفيحة أسرب على الجنازير والغدد وقروح المفاصل ذابت، وإذا شدت على البطن أضعفت الباه ومنعت كثرة الاحتلام.
الخارصينى معدنه بالعين ولونه أسود يضرب إلى حمرة ويتخذ منه فصول تعظم مضرتها لا سيما إذا نشبت بشىء لا تنفصل منه إلا بعد عناء، ويتخذ منه مرآة تنفع صاحب اللقوة «3» إذا أدام النظر إليها وهو في بيت مظلم، وإذا نتف بمنقاش يعمل منه الشعر لم ينبت أبدا.
القول في الأحجار
اعلم أن الأحجار متولدة من مياه الأمطار والأنداء «4» المحتقنة في جوف الأرض إن كانت شفافة أو من امتزاج الماء بالأرض إن كان بأرض لزوجة وأثرت فيها حرارة الشمس زئيرا شديدا.
أما القسم الأول فإن مياه الأمطار والأنداء إذا احتبست في المغارات والكهوف
ولم يخالطها شىء من الأجزاء الأرضية وأثرت فيها حرارة المعدن وطال وقوفها هناك، فإنها تزداد صفاء وثقلا وغلظا، فتنعقد منها الأحجار الصلبة التى لا تتأثر من الماء والنار كاليواقيت، واختلفت ألوانها بسبب حرارة المعدن وقلّتها.
أما القسم الثانى فيتولد من امتزاج الماء والأرض إذا كانت لزجة وأثرت فيها حرارة الشمس مدة طويلة، ألا ترى أن النار إذا أثرت في اللين كيف تصليه وتصيّره أجزاء، فإن الآجر صنف من الحجر إلا أنه رخو وكلما كان تأثير النار فيه أكثر كان أصلب، ثم إن هذه الأحجار تختلف باختلاف الأماكن، فإن كانت في بقاع سبخة تولدت منها أنواع الأملاح والبوارق والشبوب، وإن كانت في بقاع غضة تولدت فيها أنواع الزاجات الأحمر والأصفر والأخضر، وإن كانت في بقاع ترابية وطين حر انعقدت حجرا مطلقا، وقد ينعقد الحجر في بعض المواضع من الماء.
ومن خاصية ذلك الموضع أن يرى الماء في بعض المواضع يتقاطر من أعلاه، فإن أخذ قبل أن يقع على الأرض بقى ماء، وإن ترك حتى يقع على الأرض صار حجرا صلدا، أو ما ذاك إلا لخاصية في ذلك الموضع يعقد بها الماء حجرا.
ووجد في بعض المواضع حيوانات ونبات قد مسخها الله حجارة، فجاز أن يكون بهذا الطريق وأن يكون قد أفاض الله تعالى على تلك الأرض قوة عند غضبه على سكانها حتى ظهرت من جوف الأرض وصيّرت عليها شبه حجر صلد.
وحكى ابن سينا أنه كان على الجبل الذى «بجاجرم» فرأى جردقا «1» من الخبز أطرافها ذاتية ووسطها مقعر كما يكون بجرادق الخبز وعلى ظهرها خطوط كما يكون الخبز من أناشق التنور «2» ، فبواسطة هذه العلامات يغلب على الظن ولا يشك الناظر إليه أنه كان خبزا فمسخه الله حجرا. والجواهر المعدنية كثيرة ولم يعرف الناس منها إلا القليل. والأحجار منها ما هو صلب لا يذوب بالنار ولا تعمل فيه القوس كاليواقيت، ومنها ما هو تراب رخو يذوب في الماء كالأملاح والزاجات، ومنها ما هو نبات مصنوع كإقليميا الذهب والفضة والزنجفر والزيجات.
ومنها ما بينه وبين آخر ألفة كالذهب والماس، فإن الماس إذا قرب من الذهب
تشبث به حتى قيل: إن الماس لا يوجد إلا في معادن الذهب، ومنها ما بينه وبين آخر مجاذبة شديدة حتى أن كل واحد منهما يجذب الآخر كالعاشق والمعشوق كما شاهده كل أحد في الحديد والمغناطيس، فإن بين هذين المعدنين ملاءمة شديدة، بحيث إذا شم أحدهما رائحة الأخرى سرى إليه فأمسكه مسكا شديدا ولم يفارقه إلا بجاذب يجذبه، ومنها ما بينه وبين آخر مخالفة كالسنبادج وسائر الأحجار فإنه يحكها ويجعلها ملساء، وكالأسرب والماس، فإن الماس يقهر سائر الأحجار والأسرب يقهره.
ومنها ما فيه قوة منظفة كالنوشادر، فإنه ينظف سائر الأحجار من الوسخ.
والأحجار كثيرة جدا.
الزاج أصناف وهو يتولد من أجزاء أرضية محرقة، ومن أجزائه مائية يختلط بعضها ببعض اختلاطا شديدا فيحدث فيه دهنية قابلة لذوبانه بسبب الحرارة الزائدة، فما كان منه يغلب عليه قوة الحديد كان أحمر أو أصفر، وما غلبت قوة النحاس مال لونه إلى الخضرة، ويقال: إن الزاجات تتولد من الزئبق الميت والكبريت الأخضر، وهى ألوان فمنها: الأحمر، والأخضر، والأصفر، والأسود، والأبيض وهو أخص أنواع الزاجات، ويجلب من نواحى قبرص.
واعلم أن الرطوبات المحتقنة تحت الأرض تسحق في الشتاء وتبرد في الصيف فإذا فرّت الحرارة وأسخنت باطن الأرض وكهوف الجبال في أيام الشتاء اكتسبت الرطوبات المنصبة إلى تلك المواضع بواسطة الحرارة دهنية، فإذا أصابها نسيم الهوى وبرودة الجو انعقدت وربما بقيت مائعة فتصير كبريتا أو زئبقا أو نفطا بحسب اختلاف البقاع وتغير الهوى، ويقال: إن أول هذه القوى- أعنى: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة في تكوين المعادن- الزئبق؛ وذلك أن الرطوبة المحتقنة في جوف الأرض والبخارات المحتسبة فيها إذا تعاقب عليها حر الصيف مع حرارة المعدن لطفت وخفت وتصاعدت إلى سقوف المغاير ونحوها فتعلقت بها زمانا حتى يتعاقب عليها برد الشتاء فتغلظ وتجمد وتتقاطر إلى أسفل المغاير فتختلط بتربة تلك البقاع وتمكث زمانا، وحرارة المعدن تعمل دائما في إنضاجها وطبخها وتصفيتها حتى تصير تلك الرطوبة المائية بما اختلط بها من الأجزاء الترابية، وبما تكتسب من نقلها وغلظها بطول الوقوف وإنضاج الحرارة لها كبريتا محرقا، فإذا اختلط الزئبق والكبريت مرة
ثانية وتمازجا والتدبير بحالة فإنه يتركب من مزاجها الجواهر المعدنية التى قد تقدم ذكرها.
الزئبق: يتولد من أجزاء مائية اختلطت بأجزاء أرضية لطيفة كبريتية اختلاطا شديدا حتى لا يتميز أحدهما من الآخر ويكون عليه غشاء ترابى فإذا اتصلت إحدى القطعتين بالأخرى انفتح الغشاء وصارت القطعتان واحدة والغشاء محيط بها كقطرة الماء إذا وقفت على التراب فإنها تبقى مدّورة وتحيط بها الأجزاء الأرضية من التراب، وربما أصاب تلك القطرة قطرة أخرى وانشق ذلك الغلاف وصارت القطرتان واحدة وأحاط بها الغلاف البرّانى وسبب بياض الزئبق صفاء ذلك الماء ونقاء التراب الكبريتى.
وقال أرسطو «1» الزئبق من جنس الفضة لإزالة الآفات، دخلت عليه في معدنه، والآفات هى الرصاص، وتلك الآفات مخلخلة، فصار كأنه شبيه بالمفلوج، وله أيضا صرير ورائحة ورعدة، وهو يحل أجسام الأحجار كلها إلا الذهب فإنه يغوص فيه، وأصل الزئبق من أذربيجان وبالأندلس معدنه أيضا.
والكبريت: يتولد من أجزاء مائية وهوائية وأرضية فإذا اشتد اختلاط بعضها ببعض بسبب حرارة قوية ونضج تام حتى يصير مثل الدهن وينعقد بسبب برودة جزئية وهو ألوان أحمر وأبيض.
فالأحمر معدنه في مغرب الشمس بمواضع لا ساكن بها بالقرب من بحر أوقيانوس والأبيض قد يكون كافيا في عيون الماء الجارى، ويوجد لذلك الماء رائحة منتنة، ويقال: الكبريت عين تجرى، فإذا جمد ماؤها صار كبريتا أصفر وأبيض وأكدر.
وقال الرازى: إن الكبريت يتولد من البخار اليابس الدخانى إذا ماس شيئا من الدخان الرطب لطبخ حرارة الشمس لرطوبة الماء حتى تحيله نارا أو نفطا أو ما أشبه ذلك، والكبريت من البخار الدخانى والرطب امتزجا وطبختها حرارة الشمس حتى صار ما فيه من الرطوبة دهنا لطيفا حارا خفيفا، ولذلك نفاذه؛ لأنه شديد الحرارة فتسرع إليه النار؛ لأن النار تطلب أحرها لقربها منه، بدليل أن الأشياء الرطبة الباردة واليابسة لا تحترق لمضادتها النار بطرفيها، والأشياء الباردة لا تحترق؛ لأنها لا
رطوبة فيها، وإنما عدو النار الرطوبة؛ لأنها صاعدة لا تقيم في أسفل إلا معلقة بما يجذبها إلى أسفل كما لا يقيم الحجر في الجو إلا بما يغمده.
وقال الخليل بن أحمد: الكبريت عين تجرى، فإذا جمد ماؤها صار كبريتا أبيض وأصفر وأكدر، والأحمر منه من الجوهر، ومعدنه خلف التبت في وادى النمل الذى مر به سليمان، ونسله مثل الذباب تخفر أسرابا بناؤها كبريت أحمر.
قال مؤلفه أحمد بن على المقريزى: حررته في شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة إلا في مواضع فإنها تحتاج إلى مراجعة.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام