الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فصل اختلف أهل العلم في أكل النّحل]
(فصل) اختلف أهل العلم في أكل النّحل، فأباحه بعضهم كالجراد. والمذهب تحريم «1» أكلها. وإن كان العسل الخارج منها حلالا، كالآدمية، لبنها حلال، ولحمها حرام؛ ولأن النّبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلها، وقد اختلف أيضا في بيعها، فقال أصحابنا:
بيع النحل وهو في الكوّارة صحيح «2» إن رئى جميعه، وإلّا فهو بيع غائب، فإن باعها وهى طائرة، فقال في «التتمة» «3» : يصح، وقال في «التهذيب» «4» عكسه.
وصورة المسألة: أن تكون الأمّ في الكوّارة، كما قاله ابن الرّفعة «5» والأصحّ من الوجهين الصحّة.
والفرق بينها وبين باقى الطير من وجهين:
أحدهما: أنها لا تقصد بالجوارح بخلاف غيرها.
والثانى: أنها لا تأكل في العادة إلّا ما ترعاه، فلو توقّف صحّة البيع على رؤيتها لربّما أضرّ بها، أو تعذر بسببه بيعها، بخلاف غيرها من الطيور «1» .
وذهب أبو حنيفة- رحمه الله إلى أنّه لا يصح بيعها كالزنابير وسائر الحشرات «2» .
واحتجّ أصحابنا بأنه حيوان طائر ينتفع به، فجاز بيعه كالشاة، بخلاف الزّنبور والحشرات، فإنه لا منفعة فيها.
واختلف أيضا في زكاة العسل، فروى أبو عيسى الترمذى من حديث صدقة بن عبد الله «3» عن موسى بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فى العسل في كل عشرة أزق «4» زق «5» » «6» .
قال أبو عيسى: «فى إسناده مقال» .
ولا يصح عن النبى صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شىء، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق «7» وقال بعض أهل العلم: «وليس في
العسل شىء، وصدقة بن عبد الله «1» ليس بالحافظ، وقد خولف في روايته هذا الحديث» .
وقال أحمد بن حنبل: «صدقة ليس يساوى حديثه شيئا» «2» .
وقال ابن حبان: «يروى الموضوعات عن الثّقات» .
وقال النسائى: «صدقة ليس بشىء، وهذا حديث منكر» .
ولذلك لم ير مالك، والشافعى في العسل زكاة، وبه قال داود «3» ، ومن قبله سفيان الثورى، والحسن «4» بن حىّ.
وروى عن علىّ وابن عمر «5» ، رضى الله عنهما، وذهب الشافعى في القديم
إلى القول بزكاة العسل «1» .
وقال أبو حنيفة: إن كان النحل في أرض العشر «2» ففيه الزّكاة، وهى عشر ما أصاب منه قلّ أو كثر، وإن كان النحل في أرض خراج «3» فلا زكاة فيه كثر أو قلّ، وإن كان في المفاوز والجبال، على الأشجار وفي الكهوف فلا شىء فيه، وهو بمنزلة الثمار تكون في الجبال والأودية لا خراج عليها ولا عشر «4» .
وقال أبو يوسف «5» : «إذا بلغ العسل عشرة أرطال ففيه رطل واحد، وهكذا ما زاد ففيه العشر، والرّطل هو الفلفلى» .
وقال محمد بن الحسن «6» : «إذا بلغ العسل خمسة أفراق، ففيه العشر وإلا فلا» .
والفرق «7» : ستة وثلاثون رطلا فلفلية، والخمسة الأفراق مائة وثمانون رطلا
فلفلية «1» .
وقال أحمد بوجوب الزكاة في العسل، واحتج أصحاب أبى حنيفة لقولهم بما روى عن عطاء «2» الخراسانى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لأهل اليمن في العسل:
«إنّ عليكم في كل عشرة أفراق فرقا» »
وردّ ذلك بأن عطاء لم يدرك عمر.
وقد روى أن عاملا لعمر على الطائف، كتب إليه:«إن رجالا من فهم «4» كلمونى فى خلاياهم، أسلموا «5» عليها وسألونى أن أحميها لهم» «6» .
فكتب إليه عمر: «إنما هو ذباب غيث، فإن أدوا زكاته فاحمه لهم» .
وقوله: «إنما هو ذباب غيث» : أى يكون مع الغيث، يريد أنها تعيش بالمطر؛ لأنها تأكل ما ينبت عنه، فإذا لم يكن غيث لم يكن لها ما تأكل، فشبهها بالراعى والسائمة من النّعم، إذا لم يكن على صاحبها منها مؤونة وجب فيها الزكاة.
وقال ابن قتيبة في كتاب «الغريب» «7» : وهذا الحديث خرّجه أبو داود، ومن
حديث عمرو بن شعيب «1» عن أبيه عن جده قال: «جاء هلال- أحد بنى متعان- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وسأله أن يحمى له واديا يقال له: سلبة «2» ، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادى، فلما ولى عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك، فكتب عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحم «3» له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث، يأكله من شاء «4» . واحتجوا بحديث الحارث «5» بن عبد الرحمن بن سعد ابن ذباب، عن منير بن عبد الله «6» ، ويقال: منير بن عبيد الله، عن أبيه، عن سعد بن أبى ذباب.
وكانت له صحبة، أنه أخذ عشر العسل من قومه، فأتى به عمر رضى الله عنه فجعله عمر في صدقات المسلمين، قال:
وقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وبايعته، فاستعملنى على قومى،
واستعملنى أبو بكر رضى الله عنه بعده، ثم استعملنى عمر رضى الله عنه من بعده فذكر الخبر، وفيه: قلت لعمر: يا أمير المؤمنين، ما ترى في العسل؟ قال:«خذ منه العشر» فقلت: أين أضعه؟ قال: «ضعه في بيت المال» ، وفي رواية:
فقلت لقومى: «فى العسل زكاة، فإنه لا خير في مال لا يزكى» فقالوا: كم ترى؟ فقلت: «العشر» ، فأخذته، وأتيت به إلى عمر رضى الله عنه «1» .
وردّ هذا أيضا بأن منير بن عبد الله مجهول، وأبوه مجهول «2» ، وقد قال فيه بعض رواته عقين «3» بن عبد الله، ولا يدرى من هو، واحتجوا بما روى عن نعيم «4» بن حماد، عن بقية «5» ، عن محمد بن الوليد الزبيدى «6» ، عن عمرو بن شعيب، عن هلال «7» بن مرّة، أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: فى عشر العسل: «ما كان منه في السهل ففيه العشر، وما كان منه في الجبل ففيه نصف العشر» «8» .
وردّ بأن؟؟ بقية ضعيف، وهلال بن مرة لا يدرى من هو.
وصحّ عن مكحول، ومحمد بن شهاب الزهرى:«أن في كل عشرة أزقاق زقّا» «1» .
وعن الأحوص بن حكيم، عن أبيه أنه قال:«فى كل عشرة أرطال رطل» .
وعن سعيد «2» بن عبد العزيز، عن سليمان «3» بن موسى:«فى كل عشرة أزقاق من عسل زق» ، قال:«والزق يسع رطلين» «4» .
وروى عن عمر بن عبد العزيز زكاة العسل. ولا يصح عنه، وبه قال ربيعة، ويحيى بن سعيد، وعبد الله بن وهب.
واحتج من رأى زكاة العسل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال:
«جاء هلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وسأله أن يحمى له واديا يقال له: سلبة؟؟ فحماه له.
وبحديث عمرو بن شعيب قال: كتب بعض أمراء الطائف إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: «إن أصحاب النّحل لا يؤدّون إلينا ما كانوا يؤدون إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويسألون مع ذلك أن تحمى لهم أوديتهم، فاكتب إلىّ برأيك في ذلك» .
فكتب إليه عمر: «إن أدّوا إليك ما كانوا يؤدون إلى النبى صلى الله عليه وسلم فاحم لهم أوديتهم، وإن لم يؤدوا إليك ما كانوا يؤدونه إليه، فلا تحم لهم» . قال: «وكانوا يؤدون إلى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل عشرة قرب قربة» «5» .
وعن عمرو بن شعيب أن عمر- رضى الله عنه- كتب: «فى العسل عن كل عشرة قرب قربة» .
وردّ بأن حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده ضعيف لا يصح «1» .
واحتجوا بحديث عبد الله بن محرز «2» ، عن الزهرى، عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن:«أن يؤخذ من العسل العشر» «3» .
واحتجوا بحديث سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى أن أبا سيارة المتعى «4» قال للنبى صلى الله عليه وسلم:«إن لى نحلا» فقال له: «فأدّ منه العشر» «5» .
ورد بأنه حديث منقطع؛ لأن سليمان بن موسى لا يعرف له لقاء أحد من الصحابة رضى الله عنهم.
واحتجوا بحديث ابن جريج قال: كتبت إلى إبراهيم «6» بن ميسرة أسأله عن زكاة العسل، فذكر جوابه، وفيه أنه قال:«ذكر لى من لا أتهم من أهلى أن عروة «7» .