الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عنه، وعلى الشام: أبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنه، ثم يزيد بن أبى سفيان رضى الله عنهما، وعلى الجزيرة: عياض بن غنم «1» رضى الله عنه، وعلى مصر: عمرو بن العاص رضى الله عنه.
فانظر كيف لم يكن في عمال أبى بكر وعمر رضى الله عنهما أحد من بنى هاشم، فهذا وشبهه هو الذى حدّ أنياب بنى أمية وفتح أبوابهم، وأنزع كأسهم، وقتل أمراءهم، حتى لقد وقف أبو سفيان بن حرب على قبر حمزة رضى الله عنه فقال: رحمك الله أبا عمارة، لقد قاتلتنا على مرّ صار إلينا.
وروى أن الأمر لما أفضى إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه أتى أبو سفيان قبر حمزة رضى الله عنه فوكزه برجله ثم قال: يا حمزة، إن الأمر الذى كنت تقاتلنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم وكنا أحق به منهم «2» .
قال مؤلفه: وما هى إلا الدنيا، وإن الدين لعارض فيها والعاجلة محبوبة، وبهذا ارتفعت رؤوس وضعفت نفوس، فإن دلائل الأمور تسبق وتباشير الخير تعرف ولله في خلقه قضاء يمضيه ويأبى الله أن يتم شىء من أمر الدنيا إلا ويعتريه النقص.
[فصل: في اختصاص بني هاشم بالدعوة والنبوة والكتاب على سائرهم من بين قريش]
(فصل:) لما كانت بنو هاشم من بين قريش كلها قد اختصها الله سبحانه بهذا الأمر- أعنى: الدعوة إلى الله تعالى والنبوّة والكتاب، فحازت بذلك الشرف الباقى، وكانت أحوال الدنيا من الخلافة والملك ونحوه زائلة؛ لهذا زواها الله عنهم تنبيها على شرفهم وعلّو مقدارهم، فإن ذلك هو خيره الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما خيّر اختار أن يكون نبيا عبدا ولم يختر أن يكون نبيا ملكا «3» ،
وسأل مثل ذلك لآله كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عمارة بن زرعة عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» «1» .
وروى أبو عيسى الترمذى من حديث عبد الله بن زحر عن على بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبى أمامة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«عرض علّى ربى ليجعل لى بطحاء «2» مكّة ذهبا، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما، وقال ثلاثا أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك» قال الترمذى: هذا حديث حسن «3» .
وخرج البخارى من حديث ابن أبى ليلى، حدثنا على رضى الله عنه أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما يطحن، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسبى، فأتته تسأله خادما فلم توافقه، فذكرت عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما، حتى وجدت برد قدميه على صدرى، فقال:
أدلكما على خير مما سألتما: إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، فإن ذلك خير لكما مما سألتمانى. وأخرجه مسلم أيضا «4» .
ولأبى داود من حديث أبي الورد عن على بن أعبد قال: قال لى على- رضى الله عنه: ألا أحدثك عنى وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أحب أهله إليه، قلت: بلى، قال: فإنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى أغبرّت ثيابها، فأتى النبى صلى الله عليه وسلم خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادما، فأتته فوجدت عنده أحداثا،
فرجعت فأتاها من الغد فقال: ما كان حالك، فسكتت، فقلت: أنا أحدثك يا رسول الله، جرت الرحى حتى أثرت في يدها، وحملت القربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما تقيها حرّ ما هى فيه، فقال: اتقى الله يا فاطمة وأدّى فريضة ربك واعملى عمل أهلك، فإذا أخذت مضجعك فسبحى ثلاثا وثلاثين واحمدى ثلاثا وثلاثين وكبرى أربعا وثلاثين فهى خير لك من خادم، قالت: رضيت عن الله وعن رسوله «1» .
وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عامر بن سعد عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنى لأعطى الرجل وغيره أحب إلىّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه» «2» .
ومن حديث أنس بن مالك رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم «إنى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم» «4» ، وروى ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن بكر بن جنادة حدثه أن أبا سالم الحبشانى حدثه عن أبى ذر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كيف ترى جعيلا «5» قال: قلت: [مسكينا]«6» كشكلة من الناس، قال:
كيف ترى فلانا، قال: قلت: سيدا من سادات الناس، قال: فجعيل خير من ملء الأرض أو ألف، ونحو ذلك من فلان قال: قلت: يا رسول الله ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال: «إنه رأس قومه، وأنا أتألفهم به» «1» ، قال جامعه: وهذا على بن أبى طالب رضى الله عنه، كان يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يربأ «2» ببنى هاشم عن ولاية الأعمال.
كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، حدّثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال: اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا، والله لو بعثنا هذين الغلامين (قال لى وللفضل بن العباس) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلّماه فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدى الناس وأصابا مما يصيب الناس، قال: فبينما هما فى ذلك، جاء على بن أبى طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال: لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل، فانتحاه «3» ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة «4» منك، فو الله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نفسناه عليك.
قال على- رضى الله عنه: أرسلوهما، فانطلقنا واضطجع، فلما صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، قال:
أخرجا ما تصرّرانه «5» ، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش،
قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله، أنت أبرأ الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتأمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدى إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون. فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه، وجعلت زينب تلمع «1» إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه، قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد، إنما هى أوساخ الناس «2» ادعوا لى محمية (وكان على الخمس) ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجاءه فقال لمحمية: أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس، فأنكحه، وقال لنوفل: أنكح هذا الغلام ابنتك لى، فأنكحنى، وقال لمحمية: أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا «3» .
فهذا- أعزك الله- وإن كان إنما فيه منع بنى هاشم من تناول الصدقة لأنها محرمة عليهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت أعماله التى يستعمل عليها عماله على قسمين: إما للحرب، أو على الصدقات، فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى هاشم من العمل على الصدقة بنصيب العامل وهو الصحيح: أنهم لا يستعملون عليها تنزيها لهم ولبنى المطلب عن أوساخ الناس لكرامتهم، وقد كان غير واحد من فضلاء الصحابة رضى الله عنهم يعلمون أن البيت أرفع قدرا عند الله من أن يبتليهم بعمال الدنيا، منهم:
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، لما خرج الحسين بن على رضى الله عنهما يريد العراق وقد كتب إليه شيعتهم بالبيعة وحثوه على مسيرة إليهم ليقوم بأمر الأمة، بدل يزيد بن معاوية، لحقه عبد الله على مسيرة ليلتين، وقال: أين تريد؟
قال: العراق. قال: لا تأتهم هذه. قال الحسين: هذه كتبهم وبيعتهم «4» ، فقال