الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: فهذه جملة من أخبار الطائفة القائمة بالملة الإسلامية ببلاد الحبشة، المجاهدين في سبيل الله من كفر به وصدّ عن سبيله، تلقيتها بمكة- شرّفها الله تعالى- أيام مجاورتى بها في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة من العارفين بأخبارهم، والله أسأل التوفيق إلى سواء الطريق بمنّه وكرمه.
ذكر بلاد الحبشة
اعلم أن بلاد الحبشة أوّلها من جهة المشرق المائل إلى جهة الشمال بحر الهند المار من باب المندب إلى بلاد اليمن، وفيها يمر نهر حلو يقال له: سيحون، يرفد نيل مصر، وجهة الحبشة الغربية تنتهى إلى بلاد التكرور مما يلى جهة اليمن، وأوّلها مغازة مكان يسمى وادى بركة يتوصل منه إلى سحرت، وكانت مدينة المملكة فى القديم، ويقال لها: أخشوم، ويقال لها: أنصار رفرفتا وبها كان النجاشى، ثم إقليم أمحرا، وهو الآن مدينة المملكة ويسمى أيضا: مرعدى، ثم إقليم شاوه، عدل الأمراء، ثم إقليم حماسا، ثم إقليم باربا، ثم إقليم الطرار الإسلامى الذى يقال له: الزيلع، ولكل إقليم من هذه الأقاليم الاثنى عشر ملك، والكل من تحت يد الحطىّ ومعناه بالعربية: السلطان.
وتحت يده تسع وتسعون ملكا هو تمام المائة إلا أن بلادهم غير مشهورة عندنا، وجميع بلاد الحبشة تزرع على المطر مرتين فيحصل لهم في السنة الواحدة فعلان، وإذا أكثر عندهم نزول المطر وقعت الصواعق، وعندهم أشجار كثيرة منها ما تطول الواحدة منهم مائتى فارس، فمن أشجارهم شجر الأبنوس.
وعندهم القنا وهو نوعان: صامت ومجوف، ولهم منابت لا تعرف بأرض مصر ولا الشام ولا العراق، وعندهم معدن الحديد ومعدن الذهب، ويوجد في بلادهم معدن الفضة، وتعظم عندهم الحيّات، بحيث تقوم الحية بأعلى الجبل فتصير في الجوشة قوس قزح في عظمها لا في اللون.
وأخبرنى بعض ثقة «1» أنه شاهد ذلك، وعندهم سحرة يمنعون الريح أن تهب، فيأمر الحطى «2» بعضهم أن يضربوا فلا زالوا يهيئون حتى تهب الريح فيذرون عليها غلالهم، وهو عند الحبش دجاج برى، ولهم دجاج ثان يخرج هو والبط من بركة ماء في إقليم هدية من بلاد الزيلع وهو يتولد من هذا الماء، ولا بد للحبشة من مطران «3» يولّيه بطريق «4» النصارى اليعاقبة»
بمصر بعد سؤال الحطى لسلطان مصر فى ذلك بكتاب يبعثه مع رسله وصحبته هدية، فيتقدم للبطريق بتعيين مطران لهم.
والحبشة قوم يدينون بالنصرانية من قديم ويعتقدون مذهب اليعقوبية، وهم يتشددون في ديانتهم تشددا زائدا ويعادون من خالفهم من سائر الملل «6» أشد عداوة ويعادون الطائفة الملكية «7» من النصارى، بحيث أخبرنى من دخل منهم إلى بلاد الحبشة أنه أظهر بها أنه يعقوبى خوفا من القتل لو علموا أنه ملكى.
والحبشة تسكن بيوتا من قش تطلى بأخثاء البقر، ويأكلون اللحم نيئا، حتى لقد أخبرنى من شاهد الحطى داود بن يوسف أرعد يأكل كرش بقرة نيئا وما فيه من بقايا الفرث «8» يسيل على حنكه «9» .
وشاهد رجلا يأكل دجاجة وهى «10» تصيح وهم عراة الأبدان لا يكادون يعرفون لبس المخيط، بل يرتدون ويتّزرون «11» فى أوساطهم، وليس للحطى ديوان،
لكنه إذا خرج للغزو أمر جنده فألقى كل منهم حجرا في موضع بعينه لذلك، فإذا رجع من غزاته أخذ كل واحد من العسكر حجرا، فما فضل من الحجارة علموا به عدة من هلك منهم، فلما هلك الحطى داود بن يوسف أرعد سنة اثنتى عشرة وثمانمائة أقيم بعده ابنه تدرش، فهلك سريعا وأقيم بدله أخوه إسحاق بن داود بن سيف أرعد، ورأيت من يسميه أيرم ففخم أمره؛ وذلك أن بعض المماليك الجراكسة ممن كان ذردكاش «1» بديار مصر قدم عليه وأقام عنده وعمل له زردخانة «2» تشتمل على آلات السلاح من السيوف والرماح والزرديات ونحو ذلك، وكانوا من قديم الدهر إنما سلاحهم الحراب يرمون بها، وقدم عليه من أمراء الدولة بمصر شخص يقال له: الطنبغا مفرق، حتى ولى بعض بلاد الصعيد، ثم فر إليه، وكان يعرف من أساليب اللعب بآلات الحرب ومن أنواع الفروسية أشياء، فحظى عند الحطى وعلّم عساكره رمى النشّاب «3» واللعب بالرمح والضرب بالسيف، وعمل لهم النفط فعرفوا صناعات الحروب، وقدم عليه أيضا من قبط مصر نصرانى يعقوبى يعرف بفخر الدولة فرتب له المملكة، وجىء له بالأموال فصار له ملك له سلطان وديوان بعد ما كانت مملكته ومملكة آبائه همجا لا ديوان لهما ولا ترتيب ولا قانون وانضبطت عنده الأمور وتميز زيّه من رعيته بالملابس الفاخرة بعد ما كان داود بن سيف أرعد يخرج عريانا، وقد عصب رأسه بعصابة حمراء، فصار إسحاق يمر في موكب جليل بشارة الملك، حتى لقد أخبرنى من رآه وهو راكب فرسه وقد مر في موكبه، وبيده اليمنى صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه بكفه ووضعها على فخذه وطرفا الصليب بارزتان عن يده بروزا كثيرا، فلما تحضرت دولته وقويت شوكته وسوس إليه شياطينه أن يأخذ ممالك الإسلام، فأوقع من تحت يده في ممالك الحبشة من المسلمين وقائع شنيعة طويلة قتل فيها وسبى واسترق عالما لا يحصيه إلا خالقه سبحانه وتعالى.
وأزال دولة المسلمين من هناك كما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى، ثم كتب إلى ملوك الإفرنج يحثهم على ملاقاته لإزالة دولة الإسلام وواعدهم على ذلك، وأخذ فى تمهيد ما بينه وبين البلاد الإسلامية واستجلاب العربان إليه، فعاجله الله تعالى بنقمته وأهلكه عقيب ذلك في ذى القعدة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وسلّط الله على