الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَرِيْبٌ عَنْ شُعْبَةَ، وَالمَشْهُوْرُ حَدِيْثُ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيٍّ (1) .
فَمَعْنَاهُ: أَنَّ حُبَّ عَلِيٍّ مِنَ الإِيْمَانِ، وَبُغْضَه مِنَ النِّفَاقِ، فَالإِيْمَانُ ذُو شُعَبٍ، وَكَذَلِكَ النِّفَاقُ يَتَشَعَّبُ، فَلَا يَقُوْلُ عَاقل: إِنَّ مُجَرَّدَ حُبِّهِ يَصيرُ الرَّجُلُ بِهِ مُؤْمِناً مُطلَقاً، وَلَا بِمُجَرَّدِ بُغضه يصيرُ بِهِ الموحِّد مُنَافِقاً خَالصاً.
فَمَنْ أَحَبّه وَأَبغض أَبَا بَكْرٍ، كَانَ فِي مَنْزِلَة مَنْ أَبغضه، وَأَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ، فَبُغضهُمَا ضَلَالٌ وَنفَاق، وَحبُّهُمَا هُدَىً وَإِيْمَان، وَالحَدِيْث فَفِي (صَحِيْحِ مُسْلِمٍ) .
190 - أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ عَمْرُو بنُ سَلْمٍ *
الإِمَامُ، القُدْوَةُ، الرَّبَّانِيُّ، شَيْخُ خُرَاسَان، أَبُو حَفْصٍ، عَمْرُو بنُ سَلْمٍ، وَقِيْلَ: عُمُر، وَقِيْلَ: عَمْرو بن سَلَمَةَ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، الزَّاهِدُ.
رَوَى عَنْ: حَفْصِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهِ.
أَخَذَ عَنْهُ: تِلمِيذُهُ؛ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ الحَافِظُ، وَحَمْدُوْنُ القَصَّارُ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
قَالَ الأُسْتَاذُ أَبُو حَفْصٍ: المَعَاصِي بَرِيدُ الكُفْرِ، كَمَا أَنَّ الحُمَّى بَرِيدُ المَوْتِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، قَالَ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ حَدَّاداً، فَكَانَ غُلَامُه يَنفخُ عَلَيْهِ الكِيرَ مَرَّةً، فَأَدخَلَ أَبُو حَفْصٍ يَدَهُ، فَأَخْرَجَ الحَدِيدَ مِنَ النَّارِ،
(1) أخرجه مسلم (78) في الايمان، والنسائي 8 / 117 في الايمان: باب علامة المنافق، وابن ماجة (114) .
(*) الجرح والتعديل 6 / 235، 236، العبر 2 / 31، طبقات الصوفية: 115، 122، حلية الأولياء 10 / 229، 230، تاريخ ابن كثير 11 / 38، النجوم الزاهرة 3 / 41 و66، مرآة الجنان 2 / 179، صفوة الصفوة 4 / 98، شرح الرسالة القشيرية: 127، شذرات الذهب 2 / 150، المنتظم 5 / 53.
فَغُشِيَ عَلَى الغُلَامِ، فَتَرَكَ أَبُو حَفْصٍ الحَانُوتَ، وَأَقبَلَ عَلَى أَمرِهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا حَفْصٍ دَخَلَ عَلَى مَريضٍ، فَقَالَ المَرِيضُ: آهِ.
فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مِمَّنْ؟
فَسَكَتَ، فَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: مَعَ مَنْ؟
قَالَ: فَكَيْفَ أَقُوْلُ؟
قَالَ: لَا يَكُنْ أَنِينُك شَكوَىً، وَلَا سُكُوتُك تَجَلُّداً، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ، قَالَ: حَرَسْتُ قَلْبِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ حَرَسنِي عِشْرِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ وَرَدتْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ حَالَةٌ صرنَا محروسَيْن جَمِيْعاً.
قيل لأَبِي حَفْصٍ: مَنَ الوَلِيُّ؟
قَالَ: مَنْ أُيِّدَ بِالكَرَامَاتِ، وَغُيِّبَ عَنْهَا.
قَالَ الخُلْدِيُّ (1) : سَمِعْتُ الجُنَيْدَ ذَكرَ أَبَا حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ، فَقَالَ صَاحِبٌ لِلْحَلَاّجِ: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِم، كَانَتْ لَهُ حَالٌ إِذَا لبِسَتْه مَكَثَ اليَومَين وَالثَّلَاثَةَ، لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ، فَكَانُوا يَدَعُوْنه حَتَّى يزولَ ذَلِكَ عَنْهُ.
وبلغنِي: أَنَّهُ أَنْفَد فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِيْنَارٍ يَفْتَكُّ بِهَا أَسرَى، فَلَمَّا أَمسَى لَمْ يَكُنْ لَهُ عشَاء.
قَالَ المُرتَعِشُ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي حَفْصٍ عَلَى مَرِيْضٍ، فَقَالَ: مَا تَشْتَهِي؟
قَالَ: أَنْ أَبْرَأَ.
فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: احْمِلُوا عَنْهُ.
فَقَامَ مَعَنَا، وَأَصبحنَا نُعَادُ فِي الفُرُشِ.
قَالَ السُّلَمِيُّ: أَبُو حَفْصٍ كَانَ حَدَّاداً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظهر طَرِيْقَةَ التصوُّف بِنَيْسَابُوْرَ.
(1) الخلدي، بضم الخاء المعجمة، وسكون اللام، وفي آخرها الدال المهملة: هذه النسبة إلى الخلد، وهي محلة ببغداد.
والخلدي هذا هو جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص الخلدي، أبو محمد، أحد المشايخ الصوفية، صحب الجنيد بن محمد، وانظر سبب تسميته بالخلدي في " الأنساب " 5 / 161.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ أَبَا عُمْرٍو بنَ عُلْوَانَ، وَسَأَلْتُهُ: هَلْ رَأَيْتَ أَبَا حَفْصٍ عِنْد الجُنَيْد؟
فَقَالَ: كُنْتُ غَائِباً، لَكِنْ سَمِعْتُ الجُنَيْد يَقُوْلُ:
أَقَامَ أَبُو حَفْصٍ عِنْدِي سنَةً مَعَ ثَمَانِيَةٍ، فَكُنْت أُطْعِمُهُم طعَاماً طيباً - وَذكر أَشْيَاءَ مِنَ الثِّيَابِ - فَلَمَّا أَرَادُوا السَّفَر، كَسَوْتُهُم، فَقَالَ لِي: لَوْ جِئْتَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ عَلَّمنَاك السخَاء وَالفُتُوَّةَ.
ثُمَّ قَالَ: عَمَلُك كَانَ فِيْهِ تكلُّفٌ، إِذَا جَاءَ الفُقَرَاء فَكُن مَعَهُم بِلَا تكلُّف، إِن جُعت جَاعُوا، وَإِن شبِعْت شَبِعُوا.
قَالَ الخُلْدِيُّ: لَمَّا قَالَ أَبُو حَفْصٍ لِلْجنيد: لَو دخلتَ نَيْسَابُوْر علَّمنَاك كَيْفَ الفتوَّة، قِيْلَ لَهُ: مَا الَّذِي رَأَيْتَ مِنْهُ؟
قَالَ: صَيَّرَ أَصْحَابِي مُخَنّثين، كَانَ يتكلَّف لَهُم الأَلوَان، وَإِنَّمَا الفتوَةُ تَرْكُ التَّكلفِ.
وَقِيْلَ: كَانَ فِي خدمَةِ أَبِي حَفْصٍ شَابٌّ يلْزم السُّكُوت، فَسَأَلَهُ الجُنَيْد عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا أَنفقَ عَلَيْنَا مائَة أَلْف، وَاسْتدَان مائَة أَلْف مَا سَأَلَنِي مَسْأَلَةً إجلَالاً لِي.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ يَقُوْلُ:
من لَمْ يزن أَحْوَاله كُلَّ وَقْتٍ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَمْ يَتَّهِم خواطِره، فَلَا تَعُدَّه.
وفِي (مُعْجَمِ بَغْدَادَ) لِلسِّلَفِيِّ، قِيْلَ: قَدِمَ وَلدَان لأَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ، فَحضرَا عِنْد الجُنَيْد، فَسَمِعَا قَوَّالَيْنِ، فَمَاتَا.
فَجَاءَ أَبُوْهُمَا، وَحضر عِنْد القَوَّالَيْنِ، فَسقطَا مَيِّتَيْن.
ابْنُ نُجيد: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الزَّجَّاجِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ أَبُو حَفْصٍ نورَ الإِسْلَام فِي وَقْتِه.
وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ: مَا اسْتحقَّ اسْمَ السخَاءِ مَنْ ذَكَرَ العَطَاءَ، وَلَا لَمَحَهُ بِقَلْبِهِ.