الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّحِيَّاتِ، فَلَمَّا حَذَاهُ لَطَمَ القَلَنْسُوَةَ، فَسَلَّمَ أَحْمَدُ، وَأَعْطَى القَلَنْسُوَةَ ابْنَهُ إِبْرَاهِيْمَ، فَذَهَبَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ مَنْ رَآهُ: مَا رَأَيْتَ مَا فَعَلَ بِكَ هَذَا؟
فَقَالَ: رحمه الله.
وَمِنْ كَلَامِ القَاسِمِ: رَأْسُ الأَعْمَالِ الرِّضَى عَنِ اللهِ، وَالوَرَعُ عِمَادُ الدِّيْنِ، وَالجُوْعُ (1) مُخُّ العِبَادَةِ، وَالحِصْنُ الحَصِيْنُ الصَّمْتُ.
وَقَالَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ زِيَادٍ يَقُوْلُ:
مَكْتُوْبٌ فِي التَّوْرَاةِ: مَنْ سَالَمَ سَلِمَ، وَمَنْ شَاتَمَ شُتِمَ، وَمَنْ طَلَبَ الفَضْلَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ نَدِمَ.
وَقَالَ: الشَّهَوَاتُ نَفَسُ الدُّنْيَا، فَمَنْ تَرَكَ الشَّهَوَاتِ فَقَدْ تَرَكَ الدُّنْيَا.
إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُخَاصِمُ، فَهُوَ يُحِبُّ الرِّئَاسَةَ.
قَالَ عَمْرُو بنُ دُحَيْمٍ: تُوُفِّيَ قَاسِمٌ الجُوْعِيُّ فِي رَمَضَانَ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قُلْتُ: كَانَ زَاهِدَ الوَقْتِ هَذَا الجُوْعِيُّ بِدِمَشْقَ، وَالسَّرِيُّ السَّقَطِيُّ بِبَغْدَادَ، وَأَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ بِنَيْسَابُوْرَ، وَذُو النُّوْنِ بِمِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ بِطُوْسَ.
وَأَيْنَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ؟ مَا يَمْلأُ عَيْنِي إِلَاّ التُّرَابُ أَوْ مَنْ تَحْتَ التُّرَابِ.
23 - الكَرَابِيْسِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ *
العَلَاّمَةُ، فَقِيْهُ بَغْدَادَ، أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ يَزِيْدَ
(1) على هامش الأصل: والجزع، والخبر في " حلية الأولياء " 9 / 223 بلفظ: والجوع.
(*) الفهرست: 230، 231، تاريخ بغداد 8 / 64، 67، طبقات الفقهاء للشيرازي: =
البَغْدَادِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ الأَزْرَقَ، وَمَعْنَ بنَ عِيْسَى، وَيَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ، وَيَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ.
وَتفَقَّهَ بِالشَّافِعِيِّ.
رَوَى عَنْهُ: عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَزَّازُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ فُسْتُقَةُ.
وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، ذَكِيّاً، فَطِناً، فَصِيْحاً، لَسِناً.
تَصَانِيْفُهُ فِي الفُرُوْعِ وَالأُصُوْلِ تَدُلُّ عَلَى تَبَحُّرِهِ، إِلَاّ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، فَهُجِرَ لِذَلِكَ (1) ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَقَ اللَّفْظَ، وَلَمَّا بَلَغَ يَحْيَى بنَ مَعِيْنٍ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي
= 83، طبقات الحنابلة 1 / 142، الأنساب، 10 / 371، اللباب 3 / 88، وفيات الأعيان 2 / 132، 133، تهذيب الكمال: 297، تذهيب التهذيب 1 / 158 / 1، ميزان الاعتدال 1 / 544، العبر 1 / 450، 451، طبقات الشافعية للسبكي 2 / 117 / 126، تاريخ ابن كثير 11 / 2، تهذيب التهذيب: 2 / 359، 362، النجوم الزاهرة 2 / 321، طبقات الحفاظ: 368، خلاصة تذهيب الكمال: 84، شذرات الذهب 2 / 117، الانتقاء:106.
والكرابيسي بفتح الكاف والراء، وبعد الالف باء موحدة مكسورة، ثم ياء مثناة من تحتها ساكنة، وبعدها سين مهملة: هذه النسبة إلى الكرابيس، وهي الثياب الغليظة، واحدها كرباس، بكسر الكاف، وهو لفظ فارسي معرب.
وكان أبو علي المذكور يبيعها، فنسب إليها. " وفيات الأعيان " 2 / 133.
(1)
قال الحافظ ابن عبد البر في " الانتقاء "، ص: 106 في ترجمة الكرابيسي بعد أن جود الثناء على علمه وإتقانه وتصانيفه: وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلما خالفه في القرآن، عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول: غير مخلوق ولا مخلوق، فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع.
وكان الكرابيسي، وعبد الله بن كلاب، وأبو ثور، وداود بن علي [والبخاري، والحادث ابن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المرزوي]، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له، وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلم الله به، وشبهوه بالحمد =
أَحْمَدَ، قَالَ: مَا أَحْوَجَهُ إِلَى أَنْ يُضْرَبَ، وَشَتَمَهُ (1) .
قَالَ حُسَيْنٌ فِي القُرْآنِ: لَفْظِي بِهِ مَخْلُوْقٌ، فَبَلَغَ قَوْلُهُ أَحْمَدَ، فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ.
فَأَوْضَحَ حُسَيْنٌ المَسْأَلَةَ، وَقَالَ: تَلَفُّظُكَ بِالقُرْآنِ -يَعْنِي: غَيْرَ المَلْفُوْظِ-.
وَقَالَ فِي أَحْمَدَ: أَيُّ شَيْءٍ نَعْمَلُ بِهَذَا الصَّبِيِّ؟ إِنْ قُلْنَا: مَخْلُوْقٌ، قَالَ: بِدْعَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، قَالَ: بِدْعَةٌ.
فَغَضِبَ لأَحْمَدَ أَصْحَابُهُ، وَنَالُوا مِنْ حُسَيْنٍ (2) .
= والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير، فكذلك يؤجر في التلاوة.
وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسينا الكرابيسي وبدعوه، وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك.
وقال الامام الذهبي رحمه الله في " الميزان " 1 / 544 في ترجمة الكرابيسي: فإن عنى بقوله: القرآن الكلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق، التلفظ، فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة.
وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق، فهذا الذي أنكره أحمد والسلف، وعدوه تجهما.
كما وضح المسألة الامام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11 / 510 في ترجمة علي بن حجر، وبين مذهب الكرابيسي والبخاري.
وفيه: وبالغ الامام في الحط عليهم، أي: على القائلين: لفظنا بالقرآن مخلوق.
وقال عن البخاري: وأما البخاري فكان من كبار الأذكياء، فقال: ما قلت، ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق، وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الاعين وغيرهم.
وجاء في " سير أعلام النبلاء " 11 / 291 عن فوران صاحب أحمد، قال: سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن أطلب من أبي عبد الله خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي.
فسألته، فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله فغير مخلوق، فأما أفعالنا فمخلوقة.
قلت: فاللفظية تعدهم، يا أبا عبد الله، في جملة الجهمية؟ فقال: لا، الجهمية الذين قالوا القرآن المخلوق.
وراجع " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 199 وما بعدها، و" تاريخ بغداد " 8 / 65.
(1)
" تاريخ بغداد " 8 / 64.
(2)
" تاريخ بغداد " 8 / 65