الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلْمُنْتَصِرِ مِنَ الوَلَدِ: أَحْمَدُ، وَعلِيٌّ، وَعَبْدُ اللهِ، وَعُمُرُ.
9 - المُسْتَعِيْنُ بِاللهِ أَحْمَدُ ابنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ *
الخَلِيْفَةُ، أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ ابنُ المُعْتَصِمِ بِاللهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرَّشِيْدِ ابنِ المَهْدِيِّ العَبَّاسِيُّ، أَخُو الوَاثِقِ وَالمُتَوَكِّلِ.
وُلِدَ: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَبُوْيِعَ: فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ، عِنْدَ مَوْتِ أَخِيْهِ المُنْتَصِرِ.
وَكَانَ أَحْمَرَ الوَجْهِ، رَبْعَ القَامَةِ، خَفِيْفَ العَارِضَيْنِ، مَلِيْحَ الصُّوْرَةِ، بِوَجْهِهِ أَثَرُ جُدَرِيٍّ، بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ طُوْلٌ، يَلْثَغُ بِالسِّيْنِ كَالثَّاءِ.
وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ.
وَكَانَ مِتْلَافاً لِلْمَالِ، مُبَذِّراً (1) ، فَرَّقَ الجَوَاهِرَ وَفَاخِرَ الثِّيَابِ، اخْتَلَّتِ الخِلَافَةُ بِوِلَايَتِهِ، وَاضْطَرَبَتِ الأُمُوْرُ.
اسْتَوْزَرَ أَبَا مُوْسَى أُوْتَامُشَ بِإِشَارَةِ كَاتِبِهِ شُجَاعِ بنِ القَاسِمِ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا، وَاسْتَوْزَرَ أَحْمَدَ بنَ صَالِحِ بنِ شَبَرْزَاذَ.
وَلَمَّا قَتَلَ بَاغَرَ التُّرْكِيَّ الَّذِي قَتَلَ المُتَوَكِّلَ، غَضِبَتْ لَهُ المَوَالِي، وَكَانَ المُسْتَعِيْنُ مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِ وَصِيْفٍ وَبُغَا، وَكَانَ جَيِّدَ الأَدَبِ، حَسَنَ الفَضِيْلَةِ، وَاسْمُ أُمِّهِ مُخَارِقٌ.
(*) المعارف: 393، تاريخ الطبري: الجزء التاسع، تاريخ بغداد 5 / 84، 86، الكامل لابن الأثير: الجزء السابع، العبر 2 / 2، 3، فوات الوفيات 1 / 140، 143، الوافي بالوفيات 8 / 93، 96، تاريخ ابن كثير 11 / 2 و11 وما بعدها، النجوم الزاهرة 2 / 313 وما بعدها و335، تاريخ الخلفاء: 358، 359، شذرات الذهب 2 / 124، 126.
(1)
" فوات الوفيات " 1 / 141، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94.
وَلَمَّا مَاتَ المُنْتَصِرُ، اسْتَوْزَرَ الأُمَرَاءَ وَابْنَ أَبِي الخَصِيْبِ، فَقَالَ لَهُم أُوْتَامُشُ: مَتَى وَلَّيْتُمْ أَحَداً مِنْ وَلَدِ المُتَوَكِّلِ، لَا يُبْقِي مِنَّا أَحَداً.
فَقَالُوا: مَا لَهَا إِلَاّ أَحْمَدَ بنَ المُفْتَصِدِ، هُوَ ابْنُ أُسْتَاذِنَا.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُوْسَى المُنَجِّمُ سِرّاً: أَتُوَلُّوْنَ رَجُلاً يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنَ المُتَوَكِّلِ، اصْطَنِعُوا مَنْ يَعْرِفُ لَكُم ذَاكَ.
فَأَبَوْا وَبَايَعُوْهُ، وَاسْتَقَلَّ أَيَّاماً، فَبَيْنَا هُوَ قَدْ دَخَلَ مَجْلِسَ الخِلَافَةِ، إِذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الغَوْغَاءِ وَالشَّاكِرِيَّةِ (1) وَالجُنْدِ نَحْوَ الأَلْفِ فِي السِّلَاحِ، وَصَاحُوا: المُعْتَزُّ يَا مَنْصُوْرُ.
فَنَشَبَتِ الحَرْبُ وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ، وَمَضَى المُسْتَعِيْنُ إِلَى القَصْرِ الهَارُوْنِيِّ، فَبَاتَ بِهِ، وَنَهَبَتِ الغَوْغَاءُ الدَّارَ وَعِدَّة دورٍ، وَحَازُوا سِلَاحاً كَثِيْراً، فَزَجَرَهُمْ بُغَا الصَّغِيْرُ عَنْ دَارِ الخِلَافَةِ، وَكَثُرَتِ القَتْلَى، فَبَذَلَ المُسْتَعِيْنُ الخَزَائِنَ، فَسَكَنُوا، وَبُوْيِعَ لَهُ بِبَغْدَادَ، وَأَمِيْرُهَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ.
ثُمَّ غَضِبَ المُسْتَعِيْنُ بِإِشَارَةِ أَوْتَامُشَ الوَزِيْرِ عَلَى أَحْمَدَ بنِ الخَصِيْبِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُ، وَنَفَاهُ إِلَى جَزِيْرَةِ أَقْرِيْطِشِ (2) .
وَمَاتَ طَاهِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُتَوَلِّي خُرَاسَانَ، فَوَلَّى المُسْتَعِيْنُ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ مَوْضِعَهُ، وَوَلَّى العِرَاقَ وَالحَرَمَيْنِ أَخَاهُ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ.
وَمَاتَ بُغَا الكَبِيْرُ، فَوَلَّى مَكَانَهُ وَلَدَهُ مُوْسَى بنَ بُغَا.
وَسَجَنَ المُعْتَزَّ وَالمُؤَيَّدَ، وضَيَّقَ عَلَيْهِمَا، وَاشْتَرَى أَمْلَاكَهُمَا كُرْهاً.
وَقرَّرَ لَهُمَا فِي العَامِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ لَيْسَ إِلا.
(1) أي: الاجراء والمستخدمون. فارسية معربة.
(2)
بفتح الهمزة، وتكسر، والقاف ساكنة، والراء مكسورة، وياء ساكنة، وطاء مكسورة، وشين معجمة: اسم جزيرة في البحر الابيض المتوسط.
انظر " معجم البلدان " 1 / 236.
وَعَقَدَ لأَوْتَامُشَ مَعَ الوِزَارَةِ الإِمْرَةَ عَلَى مِصْرَ وَسَائِرِ المَغْرِبِ.
وَنَفَى عُبَيْدَ اللهِ بنَ يَحْيَى بنِ خَاقَانَ إِلَى بَرْقَةَ.
وَأَنْفَقَ أَلْفَي أَلْفِ دِيْنَارٍ فِي الجُنْدِ، وَقُتِلَ عَلِيُّ بنُ يَحْيَى الأَرْمَنِيُّ، وَعُمَرُ الأَقْطَعُ، مُجَاهِدَيْنِ بِبِلَادِ الرُّوْمِ.
وَكَثُرَتِ الأَتْرَاكُ بِبَغْدَادَ، وَتَمَكَّنُوا، وَعَسَفُوا، وَآذَوا العَامَةَ، فثَارَتِ الشَّاكِرِيَةُ وَالجُنْدُ، وَأَحْرَقُوا الجِسْرَ، وَانْتَهَبُوا الدَّوَاوِيْنَ.
وَهَاجَ مِثْلُهُم بِسَامَرَّاءَ، فَرَكِبَ بُغَا وَأَوْتَامُشُ وَوَضَعُوا السَّيْفَ، وَقَتَلُوا عِدَّةً، وَتَنَاخَتِ (1) العَامَةُ، فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنَ الأَتْرَاكِ، وَعَظُمَ الخَطْبُ، وَخَرَجَ وَصِيْفٌ، فَأَمَرَ بِإِحْرَاقِ الأَسْوَاقِ، ثُمَّ بَعْدَ يَسِيْرٍ قُتِلَ أَوْتَامُشُ وَوَزَرَ ابْنُ يَزْدَاذَ، وَعُزِلَ عَنِ القَضَاءِ جَعْفَرٌ الهَاشِمِيُّ.
وَدَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ: فَخَرَجَ بِطَبَرِسْتَانَ الحَسَنُ بنُ زَيْدٍ الحَسَنِيُّ، وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ، وَحَكَمَ عَلَى عِدَّةِ مَدَائِنَ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِ كُلُّ مُرِيْبٍ، وَهَزَمَ جَيْشَ ابْنِ طَاهِرٍ مَرَّتَيْنِ، وَوَصَلَ إِلَى هَمَذَانَ، فَجَهَّزَ المُسْتَعِيْنُ لَهُ جَيْشاً (2) .
وَفِيْهَا: عَقَدَ المُسْتَعِيْنُ لاِبْنِهِ عَبَّاسٍ عَلَى العِرَاقِ وَالحِجَازِ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ: ظَهَرَ بِقَزْوِيْنَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحُسَيْنِيُّ، فَتَمَلَّكَهَا، وَكَانَ هُوَ وَأَحْمَدُ بنُ عِيْسَى الزَّيْدِيُّ قَدِ اتّفَقَا، وَقَتَلَا خَلْقاً بِالرَّيِّ، وَعَاثَا فَأُسِرَ أَحَدُهُمَا، وَقُتِلَ الآخَرُ.
وَخَرَجَ بِالحِجَازِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ يُوْسُفَ الحَسَنِيُّ، وَتَبِعَهُ الأَعْرَابُ، فَعَاثَ، وَأَفْسَدَ مَوْسِمَ الحَاجِّ.
وَقَتَلَ مِنَ الوَفْدِ أَزْيَدَ مِنْ أَلْفٍ، ثُمَّ قَصَمَهُ اللهُ بِالطَّاعُوْنِ هُوَ وَكَثِيْرٌ مِنْ جُنْدِهِ.
(1) لعلها من النخوة، وهي الحماسة والافتخار والتعظم.
(2)
راجع خبر خروج الحسن بن زيد العلوي في " تاريخ الطبري " 9 / 271 وما بعدها.
وَهَاجَتِ الفِتْنَةُ الكُبْرَى بِالعِرَاقِ، فَتَنَكَّرَ التُّرْكُ لِلْمُسْتَعِيْنِ، فَخَافَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَنَزَلَ بِالجَانِبِ الغَرْبِيِّ عَلَى نَائِبِهِ ابْنِ طَاهِرٍ، فَاتَّفَقَ الأَتْرَاكُ بِسَامَرَّاءَ، وَبَعَثُوا يَعْتَذِرُوْنَ، وَيَسْأَلُونَهُ الرُّجُوْعَ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَغَضِبُوا، وَقَصَدُوا السِّجْنَ، وَأَخْرَجُوا المُعْتَزَّ بِاللهِ، وَبَايَعُوا لَهُ، وَخَلَعُوا المُسْتَعِيْنَ، وَبَنَوا أَمْرَهُم عَلَى شُبْهَةٍ، وَهِيَ أَنَّ المُتَوَكِّلَ عَقَدَ لِلْمُعْتَزِّ بَعْدَ المُنْتَصِرِ، فَجَهَّزَ المُعْتَزُّ أَخَاهُ أَبَا أَحْمَدَ لِمُحَارَبَةِ المُسْتَعِيْنِ، وَتَهَيَّأَ المُسْتَعِيْنُ وَابْنُ طَاهِرٍ لِلْحِصَارِ، وَإِصْلَاحِ السُّوْرِ، وَتَجَرَّدَ أَهْلُ بَغْدَادَ لِلْقَتْلِ، وَنُصِبَتِ المَجَانِقُ، وَوَقَعَ الجِدُّ، وَدَامَ البَلَاءُ أَشْهُراً، وَكَثُرَتِ القَتْلَى، وَاشْتَدَّ القَحْطُ، وَتَمَّتْ بَيْنَهُمَا عِدَّةُ وَقْعَاتٍ، بَحَيْثُ إِنَّهُ قُتِلَ فِي نَوْبَةٍ مِنْ جُنْدِ المُعْتَزِّ أَلْفَانِ، إِلَى أَنْ ضَعُفَ أَهْلُ بَغْدَادَ وَذُلُّوا وَجَاعُوا، وَتَعَثَّرُوا (1) ، فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى الشَّرِّ وَالفِتَنِ!
وَقَوِيَ أَمْرُ المُعْتَزِّيَّةِ، فَكَاتَبَ ابْنُ طَاهِرٍ فِي السِّرِّ المُعْتَزَّ، وَانْحَلَّ نِظَامُ المُسْتَعِيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوَامُ أَمْرِهِ بِابْنِ طَاهِرٍ، وَكَاشَفَهُ النَّاسُ، فَتَحَوَّلَ إِلَى الرُّصَافَةِ، ثُمَّ سَعَى النَّاسُ فِي الصُّلْحِ، وَخُلِعَ المُسْتَعِيْنُ، فَأَقَامَ فِي ذَلِكَ إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي وَغَيْرُهُ بِشُرُوْطٍ وَثِيْقَةٍ، فَأَذْعَنَ بِخَلْعِ نَفْسِهِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، فَأُحْدِرَ بَعْدَ خَلْعِهِ تَحْتَ الحَوْطَةِ إِلَى وَاسِطَ، فَاعْتُقِلَ بِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ حُوِّلَ إِلَى سَامَرَّاءَ، فَقُتِلَ بِقَادِسِيَةِ سَامَرَّاءَ، فِي ثَالِثِ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ (2) .
وَقِيْلَ: قُتِلَ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ رَمَضَانَ، وَلَهُ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَأَيَّاماً.
فَيُقَالُ: بَعَثَ المُعْتَزُّ إِلَيْهِ سَعِيْداً الحَاجِبَ، فَلَمَّا رَآهُ المُسْتَعِيْنُ تَيَقَّنَ التَّلَفَ، وَبَكَى، وَقَالَ: ذَهَبَتْ
(1) انظر خبر هذه الفتنة في " تاريخ الطبري " 9 / 282 وما بعدها، و" فوات الوفيات " 1 / 140، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94، و" تاريخ الخلفاء ": 358
(2)
" تاريخ بغداد " 5 / 85، و" الكامل " 7 / 172، و" فوات الوفيات " 1 / 140، و" الوافي بالوفيات " 8 / 94، و" تاريخ ابن كثير " 11 / 11.