المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب القصاص 328 - الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود - الإلمام بشرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌ ‌كتاب القصاص 328 - الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود

‌كتاب القصاص

328 -

الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأنى رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".

راويه

عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه.

مفرداته

لا يحل دم امرئ مسلم: لا تحل إراقة دمه وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه.

يشهد أن لا إله إلا اللَّه: وصف كاشف لا مقيد إذ لا يكون المسلم مسلما إلا بذلك.

إلا بإحدى ثلاث: خصال يجب على الإمام القتل بها لما فيه من المصلحة العامة.

الثيب الزانى: من تزوج ووطأ فى نكاح صحيح ثم زنى بعد ذلك فإنه يرجم حتى يموت.

والنفس بالنفس: من قتل عمدًا بغير حق فإنه يقتل بشرط المكافأة فى الدين والحرية.

والتارك لدينه: المرتد عن الإسلام.

للجماعة: جماعة المسلمين.

يستفاد منه

1 -

النهى عن قتل المسلم الذى لم يرتكب ما يوجب قتله.

2 -

إباحة دم المسلم بأحد ثلاثة أمور: الزنى بعد الوطء فى نكاح صحيح وقتل النفس والارتداد، والحكمة فى إباحة دمه فى هذه الثلاثة ما فى ذلك من المصلحة العامة وهى حفظ الأنساب والنفوس والدين.

* * *

ص: 102

329 -

الحديث الثانى: عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه قال: . قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء".

راويه

عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه.

مفرداته

أول ما يقضى: أول انقضاء.

بين الناس: فى ما يتعلق بحقوق الخلق.

فى الدماء: فى الأمر المتعلق بالدماء التى وقعت بينهم فى الدنيا.

يستفاد منه

1 -

عظم أمر الدم فإن البداءة إنما تكون بالأهم والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة وإعدام البنية الإنسانية غاية فى ذلك والجمع بين هذا الحديث وبين حديث أبى هريرة "أول ما يحاسب العبد عليه صلاته" أن حديث الباب محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق وحديث الصلاة فى ما يتعلق بعبادة الخالق.

وفى رواية النسائى الجمع بين الخبرين فقد أورده من طريق أبى وائل عن ابن مسعود رفعه "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس فى الدماء".

* * *

330 -

الحديث الثالث: عن سهل بن أبى حثمة رضى اللَّه عنه قال: "انطلق عبد اللَّه بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر، وهى يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد اللَّه بن سهل -وهو يتشحط فى دمه قتيلا- فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كبر، كبر -وهو أحدث القوم- فسكت. فتكلما، فقال: أتحلفون وتستحقون قاتلكم،

ص: 103

أو صاحبكم؟ قالوا: وكيف نحلف، ولم نشهد ولم تر؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا. قالوا: كيف بأيمان قوم كفار؟ فعقله النبى صلى الله عليه وسلم من عنده".

وفى حديث حماد بن زيد: "فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يقسم خمسون منكر على رجل منهم، فيدفع برمته، أأمر لم نشهده كيف تحالف؟ قال: فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم؟ قالوا: يا رسول اللَّه، قوم كفار".

وفى حديث سعيد بن عبيد "فكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة"(1).

راويه

سهل بن أبى حتمة بن ساعدة بن عامر الأنصارى الخزرجى المدنى صحابى ولد سنة ثلاث من الهجرة ومات فى خلافة معاوية.

مفرداته

محيصة بن مسعود: بضم ميم "محيصة" وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة.

صلح:

يتشحط فى دمه: يتخبط فيه ويضطرب ويتمرع.

قتيلا: مقتولا.

المدينة: مدينة النبى صلى الله عليه وسلم.

حويصة: بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة

(1) قال أبو العباس القرطبى: رواية من قال "من عنده أصح من رواية من قال من إبل الصدقة" وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوى ما أمكن فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من إبل الصدقة ليدفعه من مال النبى". اهـ قسطلانى.

ص: 104

كبر كبر: دع الأسن يتكلم لأنه الأولى بالتقدم فى الكلام وتكرار "كبر" للمبالغة.

وهو: عبد الرحمن.

فتكلما: محيصة وحويصة بقضية عبد اللَّه بن سهل.

ولم نشهد: ولم نحضر قتله.

فتبرئكم يهود بخمسين يمينا: يخلصونكم من الأيمان بأن يحلفوا هم خمسين يمينًا فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شئ وخلصتهم من الأيمان.

كيف بأيمان قوم كفار: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار وهم يقدمون على الكذب والأيمان الفاجرة؟

فعقله النبى صلى الله عليه وسلم من عنده: أدى ديته من عنده من خالص مال النبى صلى الله عليه وسلم أو من بيت المال لأنه عاقلة المسلمين وولى أمرهم.

حماد بن زيد: الأزدى الجهضمى الثقة الثبت الفقيه.

فيدفع برمته: بضم الراء المهملة وتشديد الميم المفتوحة يسلم للقتل وأصل "الرمة" بضم الراء حبل فى عنق البعير إذا قيد أعطى به أو حبل يكون فى عنق الأسير إذا أسلم للقتل سلم به.

سعيد بن عبيد: الطائى الكوفى الثقة راوى هذا الحديث عن بشير بن يسار عن سهل بن أبى حثمة.

يستفاد منه

1 -

مشروعية القسامة بفتح القاف وهى اليمين التى يحلف بها المدعى للدم عند اللوث وموضع جريانها أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ولا تقوم عليه بينة ويدعى ولى القتيل قتله على واحد أو جماعة ويقترن بالحال ما يشعر يصدق الولى فيحلف على ما يدعيه وللفقهاء تفصيل فى الشروط المتعلقة بالقسامة.

2 -

وجود الدم وظهور الجراح فى هذه القضية وبذلك استدل من قال باشتراط ذلك فى اللوث وغيره يعتبر ما يقوم مقامهما بمثابتهما كالقتل بالخنق وعصر الخصية والقبض على مجرى النفس.

3 -

تقديم الأسن فى الأمر المهم إذا كانت فيه أهلية ذلك.

4 -

أن المدعى فى محل القسامة يبدأ به فى اليمين.

5 -

أن اليمين المستحقة فى القسامة خمسون يمينا تعظيما لشأن الدم.

6 -

أن المدعى فى محل القسامة إذا نكل تغلظ اليمين بالتعداد على المدعى عليه وتكون أيمان المدعى عليهم كأيمان المدعين.

ص: 105

7 -

القتل بالقسامة لأن قوله "يدفع برمته" إنما يستعمل فى دفع القاتل للأولياء للقتل ولو كان الواجب الدية لبعد استعمال هذا اللفظ فيها.

8 -

أنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد لقوله فى الحديث: "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته". فإنه لو قتل أكثر من واحد لم يتعين أن يقسم على واحد منهم.

* * *

331 -

الحديث الرابع: عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه: "أن جارية وجد رأسها مرضوضًا بين حجرين، فقيل: من فعل هذا بكِ: فلان، فلان؟ حتى ذكر يهودى، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودى فاعترف، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين" ولمسلم (1) والنسائى عن أنس: "أن يهوديا قتل جارية على أوضاح، فأقاده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

راويه

أنس بن مالك رضى اللَّه عنه.

مفرداته

جارية: يحتمل أنها أمة ويحتمل أنها حرة دون البلوغ.

مرضوضًا: مرضوخًا.

فقيل لها: قال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما صرح به فى رواية أخرى فلان فلان: محذف همزة الاستفهام. والتقدير: أفلان. أفلان.

فأومأت: فأشارت إشارة يستفاد منها ما يستفاد منها لو نطقت فقالت نعم.

فاعترف: فأقر.

أن يرض: أن يدق.

(1) قوله "ولمسلم" هذه الرواية التى عزاها المسلم ليست فيه بهذا اللفظ وإما لفظه "فقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين حجرين" وهى بهذا الأمر فى البخارى. اهـ من "العدة".

ص: 106

على أوضاح: بسبب أوضاح وهى حلى الفضة سميت أوضاحًا لبياضها.

فأقاده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: حكم بالقود بفتحتين وهو المماثلة فى القصاص.

يستفاد منه

1 -

أن القتل بالمثقل موجب للقصاص وهذا هو الذى تقتضيه صيانة الدماء من الإهدار.

2 -

اعتبار المماثلة فى طريق القتل فإن النبى صلى الله عليه وسلم رض رأس اليهودى بين حجرين كما فعل اليهودى بالمرأة واستثنى العلماء من المماثلة ما إذا كان الطريق الذى حصل به القتل محرما كالسحر فأوجبوا الانتقال إلى السيف فى مثل هذا لأنه لا يحل قتله بالسحر.

3 -

قتل الرجل بالمرأة.

4 -

سؤال من اتهم بالقتل ولم تقم عليه بينة ليقر.

5 -

وجوب المطالبة بالدم بمجرد الشكوى وبالإشارة.

* * *

332 -

الحديث الخامس: عن أبى هريرة (1) رضى اللَّه عنه قال "لما فتح اللَّه تعالى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة، قتلت هذيل رجلا من بنى ليث بقتيل كان لهم فى الجاهلية، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: إن اللَّه عز وجل قد حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلى. ولا تحل لأحد بعدى وإنما أحلت لى ساعة من نهار، وإنها ساعتى هذه. حرام، لا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تلتقط

(1) الحديث بهذا السياق من أفراد مسلم وروى البخارى نحوه من حديث عمر مرسلا ثم أسند الحديث إلى ابن عباس فقال: "بمثل هذا أو نحو هذا" ثم قال: "رواه أبو هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قاله عبد الحق فى جمعه بين الصحيحين" اهـ من العدة.

ص: 107

ساقطها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يقتل، وإما أن يدى، فقام رجل من أهل اليمن -يقال له: أبو شاه- فقال: يا رسول اللَّه اكتبوا لى: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أكتبوا لأبى شاه، ثم قام العباس، فقال: يا رسول اللَّه، إلا الإذخر، فإنا نجعله فى بيوتنا وقبورنا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر".

راويه

أبو هريرة رضى اللَّه عنه.

مفرداته

هذيل: قبيلة كبيرة تنتسب إلى هذيل وهم بنو مدركة بن إلياس بن مضر وكانت من سكان مكة فى ظواهرها خارجين من الحرم.

رجلا: اسمه أحمر.

من بنى ليث: قبيلة مشهورة تنتسب إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر.

قد حبس عن مكة الفيل: حبس عنها أهله الذين جاءوا للقتال فى الحرم (1).

ساعة من نهار: مقدارها ما بين طلوع الشمس إلى العصر والمأذون فى هذه الساعة القتال.

لا يعضد: لا يقطع.

ولا يختلى: ولا يقتطع.

(1) وذلك فى قصة الحبشة وهى مشهورة ساقها إبن إسحاق مبسوطة وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشى لما غلب على اليمن وكان نصرانيًا، بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فعمد بعض العرب فاستغفل الحجية وتغوط فيها فعزم أبرهة على تخريب الكعبة فتجهز فى جيش كثيف واستصحب معه فيلا عظما فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه وكان جميل الهيئة فطلب منه أن يرد عليه إبلا له نهبت فاستصغر همته وقال لقد ظننت أنك لا تسألنى إلا فى الأمر الذى جئت فيه فقال: إن لهذا البيت ربا سيحميه فأعاد إليه إبله وتقدم أبرهة بجيوشه فقدموا الفيل فبرك وعجزوا فيه وأرسل اللَّه عليهم طيرًا مع كل واحد ثلاثة أحجار حجرين فى رجليه وحجر فى منقاره فألقوها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب.

ص: 108

خلاها: بفتح الحاء والقصر وفى رواية بالمد الرطب من نباتها.

لمنشد: لمعرف.

ومن قتل له قتيل: من قتل له قريب كان حيا فصار قتيلا بذلك القتل.

يدى: يعطى القاتل أو أولياؤه لأولياء المقتول الدية.

أبو شاه: صحابى فارسى من فرسان الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن.

اكتبوا لأبى شاه: هذه الخطبة.

العباس: ابن عبد المطلب عم النبى صلى الله عليه وسلم الصحابى المشهور.

الإذخر: برفع "الإذخر" على البدل مما قبله ويجوز النصب على الاستثناء وهو المختار هنا للتراخى والإذخر نبت معروف طيب الرائحة.

نجعله فى بيوتنا: للتسقيف فوق الخشب.

وقبورنا: لنسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات.

يستفاد منه

1 -

تعظيم حرمة مكة وتحريم القتال فيها وعضد شجرها واختلاء خلاها وقطع شوكها والتقاط لقطتها إلا لمنشد.

2 -

أن فتح مكة كان عنوة فإن التسليط الذى وقع للرسول صلى الله عليه وسلم مقابل الحبس الذى وقع للفيل وهو الحبس عن القتال.

3 -

تخير من قتل له قتيل بين القصاص وبين أخذ الدية.

4 -

جواز كتابة الحديث وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم أذن فيها لأبى شاه.

* * *

333 -

الحديث السادس: عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه "أنه استشار الناس فى إملاص المرأة (1)، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة -عبد، أو أمه- فقال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن مسلمة".

(1) بالهمزة قال النووى: وفى جميع نسخ مسلم "ملاص" بكسر الميم وتخفيف اللام وبصاد مهملة.

ص: 109

راويه

عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه

مفرداته

استشار الناس: طلب ما عندهم من العلم وهل سمع أحد منهم من الرسول صلى الله عليه وسلم شيئًا.

فى إملاص المرأة: أن تلقى جنينها ميتًا.

المغيرة بن شعبة الثقفى: صحابى مشهور أسلم قبل الحديبية وولى إمرة البصرة ثم الكوفة

قضى: حكم

بغرة عبد: رواية العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين وهى أوجه لأن ما بعد قوله "بغرة" بيان للغرة.

أو أمة: أو هنا للتنويع وهو الأظهر.

محمد بن مسلمة: الأنصارى صحابى مشهور من فضلاء الصحابة مات بعد الأربعين.

يستفاد منه

1 -

سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه أو كان عنده شك وأراد الاستثبات

2 -

أن الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من هو دونهم وذلك بصد فى وجه من يغلو من المقلدين إذا استدل عليه بحديث فقال: لو كان صحيحا لعلمه فلان مثلا فإنه إذا جاز خفاء العالم الخاص عن أكابر الصحابة فهو على غيرهم أجوز.

3 -

إثبات غرة الجنين وكون الواجب فيه غرة عبد أو أمة وذلك إذا ألقته ميتا بسبب الجنابة.

4 -

طلب العدد فى الرواية لزيادة الاستظهار ولا يوجب ذلك اعتبار العدد فى كل رواية جمعًا بين صنيع عمر وبين الأحاديث الكثيرة التى نصت على قبول خبر الواحد.

* * *

334 -

عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما فى بطنها، فاختصموا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أن دية جنينها غرق -عبد، أو وليدة- وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها

ص: 110

ولدها ومن معهم، فقام حمل بن النابغة الهذلى، فقال: يا رسول اللَّه، كيف أغرم من لا شرب، ولا أكل، ولا نطق ولا استهل. فمثل ذلك يطل؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذى سجع.

راويه

أبو هريرة رضى اللَّه عنه.

مفرداته

امرأتان: كانتا ضرتين وكانتا تحت حمل بن النابغة الهذلى اسم إحداهما مليكة والأخرى أم عطيف

بحجر: صغير لا يقصد به القتل غالبا

غرة: بالتنوين ويجوز إضافتها إلى ما بعدها

وليدة: أمة

وقضى بدية المرأة على عاقلتها: إجراءًا لهذا القتل مجرى العمد

حمل: بفتح الحاء المهملة وفتح الميم، صحابى نزل البصرة

ابن النابغة: نسب إلى جده لأن "حمل" هو ابن مالك ابن النابغة

الهذلى: نسبة إلى هذيل

من لا شرب ولا أكل: من لم يشرب ولم يأكل، أقيم الماضى مقام المضارع

ولا استهل: ولا صوت عند ولادته.

يطل: بضم المثناة التحتية وفتح الطاء وتشديد اللام يهدر ويلغى ولا يضمن ويروى بفتح الباء الموحدة وتخفف اللام على أنه ماض من البطلان.

من إخوان الكهان: لمشابهة كلامه كلامهم

سجعه: السجع تناسب آخر الكلمات لفظا

يستفاد منه

1 -

رفع الجناية إلى الحاكم.

2 -

وجوب الدية فى الجنين والحديث ورد فى جنين حرة محكوم بإسلامه.

3 -

أن الحكم المذكور فى الحديث مرتب على اسم الجنين فما تخلق فهو داخل فيه

ص: 111

ما كان دون ذلك فلا يدخل تحته إلا من حيث الوضع اللغوى فإنه مأخوذ من الاجتنان وهو الاختفاء فإن خالفه العرف العام فهو أولى منه وإلا اعتبر الوضع.

4 -

أنه لا فرق فى الغرة بين الذكر والأنثى فيجبر المستحق على قبول الرقيق من أى نوع كان إلا أنه تشترط فيه السلامة من العيوب المثبتة للرد فى البيع، لما يقتضيه لفظة "الغرة".

5 -

أنه لا يتقدر للغرة قيمة.

6 -

أنه إذا وجدت الغرة بالصفات المعتبرة فلا يلزم المستحق قبول غيرها لتعيين حقه فى ذلك فى الحديث، وأما إذا عدمت فليس فى الحديث ما اشعر بحكمه وقد اختلف العلماء فيه فقيل الواجب خمس من الإبل وقيل يعدل إلى القيمة عند الفقد.

7 -

إجراء القتل المذكور فى الحديث مجرى غير العمد.

8 -

ذم التشبه بالكفار فى ألفاظهم.

9 -

ذم السجع المتكلف فى معرض مدافعة الحق وأما ما يقع منه عفوًا بلا تكلف فى غير ذلك فقد دلت النصوص على جوازه.

* * *

335 -

الحديث الثامن: عن عمران بن حصين رضى اللَّه عنه "أن رجلا عض يد رجل، فنزع يده من فيه، فوقعت ثنيته فاختصما إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك".

راويه

عمران بن حصين رضى اللَّه عنه

مفرداته

رجلا: هو يعلى بن أمية الصحابى المشهور

يد رجل: هو أجيره.

من فيه: من فمه.

ثنيته: بالإفراد وفى رواية "ثنيتاه" بلفظ التثنية.

فاختصما: يعلى وأجيره.

يعض: بفتح أوله والعين المهملة بعدها ضاد معجمة ثقيلة أيعض؟ ـ

ص: 112

الفحل: الذكر من الإبل ويطلق على غيره من الدواب

لا دية لك: فى رواية أبى نعيم فى مستخرجه على مسلم "إن شئت أمرناه فعض يدك ثم انزعها".

يستفاد منه

1 -

رفع الجناية إلى الحاكم من أجل الفصل

2 -

دفع الصائل

3 -

أنه إذا عض إنسان يد آخر فانتزعها فسقطت سنه لا ضمان على المنتزع وقيد العلماء عدم الضمان بما إذا لم يمكنه تخليص يده بأيسر ما يقدر عليه من فك لحييه أو بأيسر ما يقدر عليه من فك لحييه أو الضرب فى شدقيه ليرسلهما فإن أمكنه ذلك فالواجب الاقتصار عليه.

4 -

تشبه فعل الآدمى بفعل البهيمة تنفيرًا عن مثل ذلك الفعل.

* * *

336 -

الحديث التاسع: عن الحسن بن أبى الحسن البصرى رحمه اللَّه تعالى قال: حدثنا جندب فى هذا المسجد، وما نسينا منه حديثًا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينًا فحز بها يده، فما رقأ الدَّم حتى مات قال اللَّه عز وجل: عبدى بادرنى بنفسه، حرمت عليه الجنة".

راويه

الحسن بن أبى الحسن البصرى واسم أبيه يسار بالتحتانية والمهملة الأنصارى مولاهم ثقة فقيه فاضل مشهور مات سنة عشرة ومائة وقد قارب التسعين.

مفرداته

جندب: بضم الدال وفتحها ابن عبد اللَّه بن سفيان البجلى ثم العلقى بفتحتين ثم قاف أبو عبد اللَّه وربما نسب إلى جده صحابى مات بعد الستين.

فى هذا المسجد: مسجد البصرة.

ص: 113

وما نسينا منه حديثا: أشار بهذا إلى تحققه لما حدث به وقرب عهده به واستمرار ذكره له.

وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لأن الصحابة كلهم عدول والكذب مأمون من قبلهم ولا سيما على النبى صلى الله عليه وسلم.

جرح: بضم الجيم وسكون الراء بعدها مهملة.

فجزع: فلم يصبر على ألم ذلك الجرح.

سكينا: تذكر وتؤنث.

فحز: فقطع بغير إبانة

فما رقأ الدم: لم ينقطع و"رقأ" بالقاف والهمز.

فحرمت عليه الجنة: أن يدخلها مع السابقين أو يحمل على من فعل ذلك مستحلا فيكفر به ويكون مخلدة بكفره لا بقتله نفسه.

يستفاد منه

1 -

الاحتياط فى الحديث وكيفية الضبط له والتحفظ فيه بذكر المكان والإشارة إلى ضبط المحدث وتوثيقه لمن حدثه ليركن السامع لذلك.

2 -

التحديث عن الأمم الماضية.

3 -

فضيله الصبر على البلاء وترك التضجر من الآلام لئلا يفضى إلى أشد منها

4 -

تحريم تعاطى الأسباب المفضية إلى قتل النفس

5 -

تعظم قتل النفس سواء كانت نفس الإنسان أو غيرها وذلك لأن نفسه ليست ملكه بل هى ملك خالقها فلا يجوز له أن يتصرف فيها إلا بما أذن فيه له الخالق.

ص: 114