المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الوصايا 285 - الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن عمر - الإلمام بشرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌ ‌باب الوصايا 285 - الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن عمر

‌باب الوصايا

285 -

الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم، له شئ بوصى فيه، بيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" زاد مسلم قال ابن عمر "ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، إلا وعندى وصيتى".

راويه

عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما

مفرداته

ما حق امرى: ليس حق شخص.

مسلم: وصف خرج مخرج الغالب أو ذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثال الأمر.

له شئ: مما يتمول وما لا يتمول كالمختصات.

يبيت: كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت.

اللتين: ذكر الليلتين لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التى يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه.

وصيته: بالحقوق الواجبة عليه.

مكتوبة: بخطه أو بغير خطه.

قال ابن عمر: قائل "قال ابن عمر" سالم راوى الحديث عنه.

يستفاد منه

1 -

الوصية بالحقوق الواجبة على الإنسان وهى واجبة وأما الوصية فهى مستحبة.

2 -

اغتفار الزمن البسير كالليلتين (1) فلا ينبغى له أن يتجاوز ذلك.

3 -

جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة وخص بعضهم ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام.

(1) والثلاث الرواية أخرى.

ص: 48

4 -

أن الأشياء المهمة ينبغى أن تضبط بالكتابة لأنها أثبت من الضبط بالحفظ لأنه يخون غالبًا.

5 -

فضل ابن عمر لمبادرته الامتثال قول الشارع ومواظبته عليه.

6 -

الندب إلى التأهب للموت والاحتراز قبل الموت لأن الإنسان لا يدرى متى يفجأه الموت.

* * *

286 -

الحديث الثانى: عن سعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنه قال "جاءنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى. فقلت: يا رسول اللَّه، قد بلغ بى من الوجع ما ترى وأنا ذو مال، ولا يرثنى إلا ابنة. أفأتصدق بثلثى مالى؟ قال: لا. قلت فالشطر يا رسول اللَّه؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير. إنك إن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه اللَّه إلا أجرت بها، حتى ما تجعل فى فيّ امرأتك. قال قلت يا رسول اللَّه أخلف بعد أصحابى؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغى به وجه اللَّه إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضربك آخرون. اللهم أمض لأصحابى هجرتهم، ولا تردهم على أعتابهم. لكن (1) البائس سعد بن خولة يرثى له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أن مات بمكة".

راويه

سعد بن أبى وقاص بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهرى أبو إسحاق أحد العشرة المبشرين بالجنة وأول من رمى بسهم فى سبيل اللَّه مات بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور وهو آخر العشرة وفاة.

(1)"يرثى له" إلخ قيل هو مدرج من قول الزهرى كما أفادته رواية الطيالسى هذا ما جزم به ابن عبد البر وابن الجوزى ورى صاحب فتح البارى خلاف ذلك.

ص: 49

مفرداته

يعودنى: يزورنى.

حجة الوداع: بفتح الحاء وكسرها وبكسر الواو وفتحها.

وجع: مرض.

اشتد بى: قوى على.

فالشطر: بالجر عطفًا على قوله "بثلثى مالى" أى أفأوصى بالنصف ويجوز النصب فعل مضمر أى أسمى اللشطر والرفع على تقدير أيجوز الشطر.

الثلث: بالنصب على الإغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو المبتدأ والخبر محذوف والتقدير كافيك الثلث أو الثلث كاف.

والثلث كثير: فالأولى أن ينقص عنه ولا يزاد عليه.

أن تذر: بفتح "أن" على التعليل وبكسرها على الشرطية.

ورثتك: عبر له صلى الله عليه وسلم بلفظ الورثة مع أنه لم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة لأنه اطلع على أنه سيعيش ويأتيه أولاد غير البنت المذكورة فكان كذلك وولد له بعد ذلك عدة من الأولاد.

عالة: فقراء.

يتكففون الناس: يسألون الناس بأكفهم.

فى فىّ امرأتك: فى فم زوجتك.

أخلف (1) بعد أصحابى: المنحرفين معك بمكة لأجل مرضى وكانوا يكرهون الإقامة بمكة لأنهم هاجروا منها وتركوها للَّه.

تبتغى: تطلب.

أن تخلف: أن يطول عمرك فلا تموت بمكة.

حتى ينتفع بك أقوام: المسلمون بالغنائم بما سيفتح اللَّه على يديك من بلاد الكفر.

ويضر بك آخرون: وهم المشركون الهالكون على يدك وجندك.

أمض: بهمزة قطع أتمم.

ولا تردهم على أعقابهم: بتركهم هجرتهم ورجوعهم عن استقامتهم.

البائس: الشديد الفقر والحاجة.

سعد بن خولة: صحابى بدرى من بنى عامر بن لؤى.

(1) بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وفتح همزة الاستفهام أى أأخلف.

ص: 50

يرثى: يتوجع ويتحزن.

له: لأجله.

أن مات بمكة: التى هاجر منها، "وأن" هنا بفتح الهمزة بمعنى من أجل ولا يصح الكسر (1).

يستفاد منه

1 -

عيادة الإمام أصحابه.

2 -

ذكر شدة المرض لا فى معرض الشكوى.

3 -

استحباب الصدقة لذوى الأموال.

4 -

شدة رغبة الصحابة فى الخير لطلب سعد التصدق بالأكثر.

5 -

تخصيص الوصية بالثلث.

6 -

أن الثلث فى حد الكثرة فى باب الوصية.

7 -

أن طلب الغنى للورثة خير من تركهم عالة يتكففون الناس.

8 -

أن الثواب فى الإنفاق مشروط بصحة النية فى ابتغاء وجه اللَّه.

9 -

وأن الواجبات المالية إذا أديت على قصد أداء الواجب وابتغاء وجه اللَّه أثيب عليها.

10 -

التسلية حيث تقع بالإنسان المكاره.

11 -

تعظيم أمر الهجرة وأن ترك إتمامها مما يدخل تحت قوله "ولا تردهم على أعقابهم".

* * *

287 -

الحديث الثالث: عن عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما قال "لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: الثلث والثلث كثير".

راويه

عبد اللَّه بن عباس رضى اللَّه عنهما.

مفرداته

لو: للتمنى فلا تحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب محذوف وقد وقع فى رواية

(1) أى كسر همزة "أن" فى "إن مات" إذ ليس بشرط لأنه كان قد انقضى أمره وتم. كما فى مشارق الأنوار للقاضى عياض.

ص: 51

ابن أبى عمر فى مسنده عن سفيان بلفظ "كان أحب إلى" أخرجه الإسماعيلى (1).

غضوا: نقصوا فى الوصية.

فإن: تعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث.

يستفاد منه

اختيار ابن عباس رضى اللَّه عنهما النقص من الثلث فى الوصية وأنه إنما استنبط ذلك من قول النبى صلى اللَّه عيله وسلم: "الثلث والثلث كثير".

(1) من طريقه ومن طريق أحمد بن عبدة أيضا وأخرجه من طريق العباس ابن الوليد عن سفيان بلفظ "كان أحب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

ص: 52