المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القضاء 360 - الحديث الأول: عن عائشة رضى اللَّه عنها - الإلمام بشرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌ ‌باب القضاء 360 - الحديث الأول: عن عائشة رضى اللَّه عنها

‌باب القضاء

360 -

الحديث الأول: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وفى لفظ: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".

راويه

عائشة رضى اللَّه عنها.

مفرداته

أحدث: أنشأ واخترع.

فى أمرنا: ديننا.

ما ليس منه: من الدين: بأن لا يشهد له شئ من أدلة الشرع وقواعده العامة.

فهو: الأمر الحدث.

رد: مردود غير مقبول، من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول.

يستفاد منها

1 -

رد كل محدثة فى الدين لا توافق الشرع وفى الرواية الثانية التصريح بترك كل محدثه سواء أحدثها فاعلها أو سبق إليها؛ فإنه قد يحتج بعض المعاندين إذا فعل البدعة بأن يقول: ما أحدثت شيئا؛ فيحتج عليه بالرواية الثانية "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". وينبغى حفظ هذا الحديث واستعماله فى رد المنكرات.

2 -

أن كل ما شهد له شئ من أدلة الشرع أو قواعده العامة ليس برد بل هو مقبول.

3 -

إبطال جميع العقود المنهى عنها: وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها.

4 -

أن النهى يقتضى الفساد لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها.

5 -

أن حكم الحاكم لا يغير ما فى باطن الأمر؛ لقوله "ليس عليه أمرنا". والمراد به الدين.

6 -

أن الصلح الفاسد مننقض، والمأخوذ عنه مستحق للرد.

ص: 145

361 -

الحديث الثانى: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت "دخلت هند بنت عتبة -امرأة أبى سفيان- على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه، إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطينى من النفقة ما يكفينى ويكفى بنى، إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل على فى ذلك من جناح؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: خذى من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفى بنيك".

راويه

عائشة رضى اللَّه عنها.

مفرداته

هند بنت عتبة: صحابية ماتت فى المحرم سنة أربع عشرة يوم موت أبى قحافة والد أبى بكر الصديق (1).

امرأة أبى سفيان: زوجة أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية الصحابى الشهير أسلم عام الفتح ومات سنة اثنتين وثلاثين وقيل بعدها.

شحيح: على وعلى أولادى ليس المراد بهذا وصفه بالبخل المطلق وإنما كان يقتر عليها وعلى أولادها كما يفعله كثير من الناس مع أهله.

جناح: إثم

خذى: أمر إباحة.

بالمعروف: القدر الذى عرف بالعادة أنه الكفاية.

يستفاد منه

1 -

جواز سماع كلام الأجنبية عند الإفتاء والحكم ونحو ذلك.

2 -

أن ما يذكر فى الاستفناء لأجل ضرورة معرفة الحكم إذا تعلق به أذى الغير لا يوجب تعزيرًا.

3 -

وجوب نفقة الزوجة والأولاد الصغار وأنها مقدرة بالكفاية لا بالأمداد.

4 -

أن للمرأة مدخلا فى كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم.

(1) وقيل عاشت بعد ذلك.

ص: 146

5 -

أن من له على غيره حق وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من مال الغير قدر حقه بغير إذنه.

6 -

اعتماد العرف فى تحديد الأمور التى لا تحديد فيها من قبل الشرع.

7 -

جواز إطلاق الفتوى ويكون المراد تعليقها بثبوت ما يقوله المستفتى ولا يحتاج المفتى إلى أن يقول إن ثبت كان الحكم كذا بل يجوز له الإطلاق كما أطلق النبى صلى الله عليه وسلم، واعتبر بعضهم هذا الحديث من القضاء على النائب، وليس الأمر كذلك فإن أبا سفيان حاضر فلا يكون قضاءة بل هو إفتاء.

* * *

362 -

الحديث الثالث: عن أم سلمة رضى اللَّه عنها "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم باب حجرته، فخرج إليهم، فقال: ألا إنما أنا بشر، وإنما يأتينى الخصم، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحْسِب أنه صادق، فأقضى له. فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من نار، فليحملها أو يذرها".

راويه

أم سلمة رضى اللَّه عنها.

مفرداته

جلبة خصم (1): إختلاط أصوات خصمين والمراد بالخصم هنا الجماعة فإنه من الألفاظ التى تقع على الواحد، والجمع، والمثنى.

بباب حجرته: التى فيها أم سلمة.

إنما أنا بشر: مشارك لكم فى البشرية بالنسبة لعلم الغيب الذى لم يطلعنى اللَّه عليه.

أبلغ من بعض: أفصح فى كلامه منه وأقدر على إظهار حجته.

فأحسب: بكسر السين وفتحها أظن.

بحق مسلم: هذا التقييد خرج مخرج الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر.

(1) عند أبى داود من طريق عبد اللَّه بن رافع عن أم سلمة "أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان فى مواريث لهما لم يكن لهما بينة إلا دعواها".

ص: 147

فإنما هى: القضية، والمراد ذلك الحق.

فليحماها أو يذرها: أمر تهديد (1) لا تخيير نظير الأمر فى قوله تعالى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} .

يستفاد منه

1 -

إجراء الأحكام على الظاهر وإعلام الناس بأن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك كغيره وإن كان يفترق مع الغير فى إطلاعه على ما يطلعه اللَّه عز وجل عليه من الغيوب الباطنة فإن ذلك فى أمور خاصة لا فى الأحكام العامة.

2 -

أن حكم الحاكم لا يغير حكما شرعيا فى الباطن فلا يحل حرامًا فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم له به الحاكم لم يحل للمحكوم له ذلك المال.

* * *

363 -

الحديث الرابع: عن عبد الرحمن بن أبى بكرة رضى اللَّه عنهما قال "كتب أبى، وكتبت له إلى ابنه (2) عبد اللَّه بن أبى بكرة وهو قاض بسجستان: أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان". وفى رواية: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان".

راويه

عبد الرحمن بن أبى بكرة الثقفى ثقة مات سنة ست وتسعين

مفرداته

كتب: أمر بالكتابة

أبى: أبو بكرة الصحابى

(1) استفيد ذلك مما قصد فى الكلام من التخويف بالعاقبة قال القسطلانى: ويحتمل أن الصيغة الأولى "فليحملها" هى التى للتهديد والصيغة الثانية "أو يذرها" على حقيقتها من الإيجاب، وأو للاضراب أى بل ليدعها. انتهى مختصرًا.

(2)

قال الحافظ فى الفتح وقع فى العمدة كتب أبى وكتبت له إلى ابنه عبد اللَّه وهو موافق لسياق مسلم إلا أنه زاد لفظ "ابنه" اهـ. واسم ولد أبى بكرة الذى كتب إليه عبيد اللَّه بالتصغير كما ذكره القسطلانى خلاف ما فى المتن أنه عبد اللَّه مكبرًا.

ص: 148

وكتبت له: باشرت الكتابة التى أمر بها لأن الأصل عدم التعدد

وهو قاض بسجستان: جملة حالية و"سجستان" بكسر السين المهملة والجسم على الصحيح بعدها مثناة ساكنة وهى إلى جهة الهند بينها وبين كرمان مائة فرسخ

فإنى سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: هذا من قول أبى بكرة لا ابنه لأن ابنه ليست له صحبة: والفاء فى "فإنى" سببية.

وهو غضبان: لأن الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام منه.

يستفاد منه

1 -

النهى عن القضاء حالة الغضب وذلك لما يحصل للنفس بسببه من التشويش الموجب لاختلال النظر وعدم استيفائه على الوجه المطلوب وأما قضاء النبى صلى الله عليه وسلم فى شراج الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير فإنما يدل على أن النهى عن القضاء فى حالة الغضب لا يتناول النبى صلى الله عليه وسلم وذلك لعصمته من أن يقول فى الغضب غير الحق.

2 -

أن الكتابة بالحديث كالسماع من الشيخ فى وجوب العمل وأما فى الرواية فقد اختلفوا فى ذلك والصواب أن يقال إن أدى الرواية بعبارة مطابقة للواقع جاز كقوله كتب إلى فلان بكذا وكذا.

* * *

364 -

الحديث الخامس: عن أبى بكرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا. قلنا: بلى يا رسول اللَّه، قال: الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت"(1).

راويه

أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلده بفتحتين بن عمرو الثقفى صحابى مشهور بكنيته

(1) إدخال هذا الحديث فى باب القضاء لأنه يشترط عدالة القاضى وعدالة الشاهد ومن شرطها اجتناب الكبائر، اهـ من العدة. وبهذا تظهر مناسبة الحديث لترجمة الباب.

ص: 149

وقيل اسمه مسروح بمهملات أسلم بالطائف ثم نزل البصرة ومات بها سنة إحدى أو اثنتين وخمسين.

مفرداته

أنبئكم: أخبركم

بأكبر الكبائر: أعظم الكبائر والكبيرة كل ذنب نص على كبره أو عظمه أو توعد عليه بالعقاب أو علق عليه حد أو شدد النكير عليه.

ثلاثا: ثلاث مرات على عادته صلى الله عليه وسلم فى تكرير الشئ ثلاث مرات، لينبه السامع على إحضار قلبه وفهمه للخبر الذى يذكره

الإشراك باللَّه: المراد بالإشراك هنا مطلق الكفر وتخصيص الإشراك بالذكر لغلبته فى الوجود لاسيما فى بلاد العرب فذكر تنبها على غيره وإلا فبعض الكفر أقبح من الشرك وهو التعطيل.

وعقوق الوالدين: صدور ما يتأذى به أحدهما من ولده من قول أو فعل إلا فى شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد.

فجلس: إظهارًا لاهتمامه بشهادة الزور لتهاون الناس بها مع عظم مفسدتها بخلاف الشرك فإنه ينبو عنه المسلم والعقوق فإنه ينبو عنه الطبع.

وشهادة الزور: هى بمعنى قول الزور لأن قول الزور لو حمل على غير ذلك لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة.

ليته سكت: تمنينا أن يسكت إشفاقا عليه لما رأينا من انزعاجه فى ذلك.

يستفاد منه

1 -

استحباب إعادة الموعظة ثلاثا لتفهم.

2 -

إزعاج الواعظ فى وعظه ليكون ذلك أبلغ فى الوعى عنه والزجر عن فعل ما ينهى عنه.

3 -

انقسام الذنوب إلى كبار وصغائر وعلى ذلك يدل قول اللَّه تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} الآية

4 -

انقسام الكبائر إلى كبير وأكبر وذلك بحسب تفاوت مفاسدها. ولا يلزم من كون ما ذكر فى الحديث أكبر الكبائر استواء رتبها فى نفسها فإن الإشراك باللَّه أعظم كبيرة من كل ما عداه.

5 -

أن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر ولاشك فى عظم مفسدته لعظم حق الوالدين

ص: 150

6 -

التحذير من شهادة الزور لاهتمام النبى صلى الله عليه وسلم بأمرها. حيث جلس بعد أن كان متكئًا وكررها زجرًا عنها

* * *

365 -

الحديث السادس: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه".

راويه

عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما.

مفرداته

بدعواهم: بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم.

لادعى ناس دماء رجال وأموالهم: فلا يتمكن المدعى عليه من صون دمه وماله.

اليمين على المدعى عليه: إذا أنكر لأن الأصل براءة ذمته مما طلب منه وهو متمسك به.

يستفاد منه

1 -

أنه لا يقبل قول الإنسان فى ما يدعيه بمجرد دعواه بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه.

2 -

أنه لا يجوز الحكم إلا بما رتبه الشرع وإن غلب على الظن صدق المدعى

3 -

أن اليمين على المدعى عليه مطلقًا.

ص: 151