المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشروط فى البيع - الإلمام بشرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[إسماعيل الأنصاري]

الفصل: ‌باب الشروط فى البيع

‌باب الشروط فى البيع

264 -

الحديث الأول: عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: جاءتنى بريرة. فقالت: كاتبت أهلى على تسع أواق، فى كل عام أوقية فأعينينى. فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، وولائك لى فعلت: فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: فأبوا عليها. فجاءت من عندهم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس. فقالت: إنى عرضت ذلك على أهلى، فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء. فأخبرت عائشة النبى صلى الله عليه وسلم. فقال خذيها، واشترطى لهم الولاء. فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة. ثم قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى الناس، فحمد اللَّه وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد. فما بال رجال يشترطون شروطا ليست فى كتاب اللَّه؟ كل شرط ليس فى كتاب اللَّه فهو باطل، وإن كان مائة شرط. قضاء اللَّه أحق، وشرط اللَّه أوثق. وإنما الولاء لمن أعتق".

راويه

عائشة رضى اللَّه عنها.

مفرداته

بريرة: مولاة عائشة صحابية مشهورة.

كاتبت: من الكتابة وهى العقد المشهور بين السيد وعبده.

أهلى: سادتى.

أواق: جمع أوقية وهى أربعون درهما.

فأعينينى: بصيغة أمر المؤنث عن الإعانة وفى رواية "فأعيتنى" بصيغة الماضى من

ص: 23

الإعياه أى أعجزتنى الأواقى عن تحصيلها.

أهلك: بكسر الكاف سادتك.

أن أعدها؛ التسع الأواق وأعتقك.

وولائك لى؛ الولاء بفتح الواو وبالمد حق إرث المعتق من العتيق.

فأبوا: امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة.

ذلك: بكسر الكاف الذى قلتيه.

خذيها: اشتريها منهم لرواية البخارى "إبتاعى وأعتقى".

واشترطى لهم الولاء: فإن ذلك لا ينفعهم فوجوده كعدمه (1).

ففعلت عائشة: الشراء والعتق.

بال: حال.

ليست فى كتاب اللَّه: ليست فى حكمه من كتابه أو سنة رسوله.

قضاء اللَّه: حكم اللَّه.

أحق: بالإتباع من الشروط المخالفة للحق.

أوثق: أقوى باتباع حدوده التى حدها. وأفعل فى قوله "أحق"، "أوثق" ليس على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل.

وإنما الولاء لمن أعتق: دون غيره.

يستفاد منه

1 -

مشروعية الكتابة والأصل فيها قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} .

2 -

جواز كتابة الأمة الزوجة وكون بريرة ذاق زوج أخذ ما فى الصحيح وغيره أنها كانت تحت زوج وأن النبى صلى الله عليه وسلم خيرها بعد عتقها.

3 -

جواز بيع المكاتب وقيده بعضهم بالعجز عن الأداء أو الكسب وبعضهم بكون الشراء للعتق.

4 -

بيع العبد بشرط العتق لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر اشتراط العتق وإنما أنكر اشتراط الولاء.

5 -

النهى عن اشتراط البائع الولاء له.

6 -

ثبوت الولاء للمعتق فى جميع وجوه العتق.

(1) فكأنه قال: اشترطى أو لا تشترطى فذلك لا يفيدهم.

ص: 24

7 -

تنجيم الكتابة لقول بريرة كاتبت أهلى على تسع أواق فى كل عام أوقية.

8 -

صحة الشروط المشروعة وبطلان غيرها.

9 -

البدأ فى الخطبة بالحمد والثناء وقول أما بعد والقيام فى الخطبة.

10 -

أنه لا كراهة فى السجع فى الكلام إذا لم يكن عن قصد ولا متكلفا.

11 -

أن النبى صلى الله عليه وسلم يراعى فى خطبة المتعلقة بالأمور المهمة قلوب أصحابه لأنه لم يعين أصحاب بريرة بل قال: "ما بال رجال".

* * *

265 -

الحديث الثانى: عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما "أنه كان يسير على جمل فأعيى، فأراد أن يسيبه. فلحقنى النبى صلى الله عليه وسلم فدعا لى، وضربه فسار سيرًا لم يسر مثله. ثم قال: بعنيه بوقية. قلت: لا. ثم قال: بعنيه. فبعته بأوقية. واستثنيت حملانه إلى أهلى فلما بلغت: أتيته بالجمال. فنقدنى ثمنه. ثم رجعت. فأرسل فى إثرى. فقال: أترانى ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك (1) ".

راويه

جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه عنهما.

مفرداته

فأعيى: فتعب.

أن يسيبه: أن يطلقه ليس المراد أن يجعله سائبة لا يركبه أحد كما كان يفعل فى الجاهلية لأن ذلك لا يجوز فى الإسلام.

وضربه: برجله كما فى رواية أحمد ومسلم.

لم يسر مثله: فى رواية مسلم "فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه".

بوقية: فى رواية ابن سعد وغيره أنها أوقية من ذهب.

(1) يفهم من كلام الفتح أن لفظ "لك" من أفراد مسلم ولفظ البخارى "فهو مالك".

ص: 25

حملانه: بضم المهملة حمله إياى.

بلغت: وصلت المدينة.

فنقدى ثمنه: أفرز ثمنه لى.

فى إثرى: بكسر الهمزة وسكون المثلثة.

أترانى: بضم التاء الفوقية أتظننى.

ماكستك: من المماكسة وهى المكالمة فى النقص من الثمن.

لأخذ جملك: بلام التعليل بعدها همزة ممدودة ووقع لبعض رواة مسلم "لا" بصيغة النفى "خذ" بصيغة الأمر.

يستفاد منه

1 -

معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم بمشى البعير حين ضربه.

2 -

جواز بيع الدابة واستثناء حملاتها فى المدة اليسيرة ولا يقدح فى ذلك سقوط هذا الاستثناء فى بعض روايات الحديث لأن الاشتراط أكثر وأصح واختلاف الروايات إنما يعتبر إذا تكافأت الروايات أو قاربت التكافأ لا إذا ترجح بعضها على بعض.

* * *

266 -

الحديث الثالث: عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبع الرجل على بيع أخيه. ولا يخطب على خطبته. ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما فى صحفتها (1) ".

راويه

أبو هريرة رضى اللَّه عنه.

مفرداته

أن يبيع حاضر لباد: أن يكون له سمسارًا.

ولا تناجشوا: لا يزد أحدكم فى ثمن سلعة لا يريدها ليوقع غيره فيها.

ولا يبيع الرجل على بيع أخيه: بأن يقول لمن اشترى شيئًا فى مدة الخيار أفسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن.

(1) هذا لفظ البخارى ولمسلم نحوه نبه عليه الزركشى اهـ من العدة.

ص: 26

ولا يخطب على خطبته: بكسر خاء "خطبة" لا يخطب امرأة اتفقت هى وأخوه على صداق معلوم من غير عقد وركنت إليه.

أختها: أخوة الإسلام أو بالنسبة إلى كونهما تصيران ضرتين لأن الأخت من النسب لا يجمع بينها وبين أختها.

لتكفئ: لتقلب وتميل "تكفى" بفتح التاء وسكون الكاف وبالهمز وفى رواية بضم التاء من "أكفأ" بمعنى أمال.

ما فى صحفتها: ما يحصل من الزوج.

يستفاد منه

1 -

النهى عن بيع الحاضر للبادى، وعن النجش، وعن بيع الرجل على بيع أخيه وقد تقدم الكلام على الجميع.

2 -

النهى عن الخطبة على خطبة الأخ وذلك لما يؤدى إليه من العداوة والبغضاء فى النفوس ومحل النهى إذا وقع التراكن والتوافق بين الخاطب والمخطوب إليه.

3 -

أنه لا ينبغى للمرأة أن تسأل زوجها أن يطلق ضرتها لتنفرد به وأن اشتراط ذلك من الشروط الممنوعة.

ص: 27