الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجهاد
390 -
الحديث الأول: عن عبد اللَّه بن أبى أوفى رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم -فى بعض أيامه التى لقى فيها العدو- "انتظر، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم، فقال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو. واسألوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: اللهم منزل الكتاب، ومجرى السحاب، وهازم الأحزاب: اهزمهم، وانصرنا عليهم".
راويه
عبد اللَّه ابن أبى أوفى رضى اللَّه عنه.
مفرداته
فى بعض أيامه: فى بعض غزواته.
مالت الشمس: زالت.
قام: خطيبا.
لا تتمنوا لقاء العدو: لأن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر.
العافية: من المحذورات المتضمنة للقاء العدو.
فاصبروا: فثبتوا ولا تظهروا التألم من شئ يحصل لكم.
أن الجنة: أن ثواب الجنة.
تحت ظلال السيوف: فى حضور معركة الكفار وجهادهم.
اللهم: يا أللَّه.
منزل الكتاب: منرل الفرقان، أو المراد بالكتاب سائر الكتب السماوية
ومجرى السحاب: بقدرته، إشارة إلى سرعة إجراء ما يقدره اللَّه.
وهازم الأحزاب: إشارة إلى تفرده بالنصر وهزم ما يجتمع من أحزاب العدو.
يستفاد منه
1 -
استحباب القتال بعد زوال الشمس.
2 -
النهى عن تمنى لقاء العدو، وذلك لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدو واحتقاره.
3 -
فضل الجهاد فى سبيل اللَّه والحث على الصبر فى القتال.
4 -
فضل الدعاء المذكور وهو يشتمل على ثلاثة أسباب بها تطلب الإجابة أحدها: طلب النصر للكتاب المنزل وعليه يدل قوله عليه السلام "منزل الكتاب" أى كما أنزلته فأعله وانصره. والثانى: تجريد التوكل واعتقاد أن اللَّه هو المتفرد بالفعل القادر على كل شئ. الثالث: التوسل بالنعمة السابقة إلى النعمة اللاحقة وإلى ذلك يشير قول: زكريا عليه السلام {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} .
5 -
التنبيه على عظم النعم الثلاث المذكورة فى الدعاء المذكور فإنه بإنزال الكتاب حصلت النعمة الأخروية وهى الإسلام وبإجراء السحاب حصلت النعمة الدنيوية وهى الرزق وبهزيمة الأحزاب يصل حفظ النعمتين فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم النعمتين الأخروية والدنيوية وحفظتهما فأبقهما.
* * *
391 -
الحديث الثانى: عن سهل بن سعد رضى اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال "رباط يوم فى سبيل اللَّه خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم فى الجنة: خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد فى سبيل، والغدوة: خير من الدنيا وما فيها".
راويه
سهل بن سعد الساعدى رضى اللَّه عنه.
مفرداته
رباط يوم: ثواب رباط يوم والرباط مراقبة العدو فى الثغور المتاخمة لبلاده.
فى سبيل اللَّه: فى الجهاد.
خير من الدنيا وما عليها: لو ملك إنسان ذلك وتنعم به لأنه نعيم زائل وثواب الرباط نعيم الآخرة وهو باق.
وموضع سوط أحدكم فى الجنة: عبر بالسوط دون سائر ما يقاتل به لأنه الذى يساق به الفرس للزحف فهو أقل آلات الجهاد ومع ذلك فله الثواب المذكور.
والروحة: السير من الزوال إلى الليل.
والغدوة: بفتح الغين السير فى الوقت الذى من أول النهار إلى الزوال.
يستفاد منه
1 -
فضل الرباط فى سبيل اللَّه
2 -
أن الرباط يصدق بيوم واحد
3 -
فضل الغدوة والروحة فى سبيل اللَّه
* * *
392 -
الحديث الثالث: عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "انتدب اللَّه -ولمسلم: تضمن اللَّه- لمن خرج فى سبيله، لا يخرجه إلا جهاد فى سبيلى، وإيمان بى، وتصديق برسلى، فهو على ضامن: أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة".
ولمسلم (1): "مثل المجاهد فى سبيل اللَّه -واللَّه أعلم بمن جاهد فى سبيله- كمثل الصائم القائم، وتوكل اللَّه المجاهد سبيله إن توفاه: أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالمًا مع أجر أو غنيمة".
راويه
أبو هريرة رضى اللَّه عنه.
مفرداته
انتدب اللَّه: تكفل اللَّه.
لا يخرجه إلا جهاد فى سبيلى: من باب الاستغناء بالمقول عن القول المحذوف كأنه قال "قائلا لا مخرجه" إلخ. والمحوج إلى هذا الخروج من الغيبة إلى الحضور.
(1) هذه الزيادة التى عزاها لمسلم ليست فيه وإنما هى للبخارى بطولها فى "باب أفضل الناس مجاهد بنفسه وماله" العدة.
فهو على ضامن: مضمون فاعل معنى مفعول أن أدخله الجنة: عند موته أو عند دخول السابقين والمقربين بلا حساب ولا عذاب ولا مؤاخذة بذنب.
أرجعه: بفتح الهمزة وكسر الجيم من رجع الثلاثى المعتدى.
من أجر: خالص إن لم يغنم شيئًا
أو غنيمة: معها أجر (1)
واللَّه أعلم بمن جاهد فى سبيله: جملة معترضة قصد بها التنبيه على شرطية الإخلاص فى نيل هذا الثواب.
كمثل الصائم: نهاره.
القائم: ليله.
يستفاد منه
1 -
ثواب الجهاد فى سبيل اللَّه فإن اللَّه ضمن لمن خرج مجاهدا فى سبيله أن ينال خيرًا بكل حال فإنه إما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر وإما أن يرجع بأجر وغنيمة.
2 -
أن هذا الثواب العظيم إنما يحصل لمن صحت نيته، وخلصت من شوائب إرادة الأغراض الدنيوية فإنه ذكر بصيغة النفى والإثبات المقتضيين للحصر.
* * *
393 -
الحديث الرابع: عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "ما من مكلوم يكلم فى سبيل اللَّه، إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى: اللون لون الدم، والريح ريح المسك".
راويه
أبو هريرة رضى اللَّه عنه.
مفرداته
مكلوم: مجروح
يكلم: يجرح
فى سبيل اللَّه: لتكون كلمة اللَّه هى العليا
وكلمه: بفتح الكاف وسكون اللام جرحه
(1) الحامل على هذا التأويل أن ظاهر الحديث أنه إذا غنم لا يحصل له أجر وليس ذلك مرادًا.
يدمى: يسيل منه الدم شهادة لصاحبه بالفضل وعلى ظالمه بالإثم.
والريح ريح المسك: تنتشر فى أهل الموقف إظهارًا لفضيلته.
يستفاد منه
1 -
فضل الجهاد فى سبيل اللَّه
2 -
أن الشهيد يدفن بدمائه وثيابه ولا يزال عنه الدم بغسل ولا غيره وأصرح من هذا الحديث فى عدم غسل دم الشهيد قول النبى صلى الله عليه وسلم فى شهداء أحد "زملوهم بدمائهم".
* * *
394 -
الحديث الخامس: عن أبى أيوب الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "غدوة فى سبيل اللَّه أو روحة: خير مما طلعت عليه الشمس، وغربت" أخرجه مسلم (1).
راويه
أبو أيوب الأنصارى خالد بن زيد بن كليب من كبار الصحابة شهد بدرًا وعليه نزل النبى صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وتوفى غازيا بالروم سنة خمسين وقيل بعدها.
مفرداته
غدوة: بفتح الغين المعجمة سير أول النهار إلى الزوال
فى سبيل اللَّه: الجهاد
روحة: سير من الزوال إلى آخر النهار
خير مما طلعت عليه الشمس وغربت: هذا المراد بقوله فى الحديث الآتى "خير من الدنيا وما فيها".
يستفاد منه
فضل الغدوة والروحة فى سبيل اللَّه عز وجل وتعظيم أمر الجهاد فى سبيل اللَّه
(1) قوله "أخرجه" أى منفردًا وزاده لبيان أنه ليس على شرطه فى خطبة كتاب العمدة. "العدة".
395 -
الحديث السادس: عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "غدوة فى سبيل اللَّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها" وأخرجه البخارى (1).
راويه
أنس بن مالك رضى اللَّه عنه
مفردات
غدوة: بفتح الغين المعجمة سير أول النهار إلى الزوال.
فى سبيل اللَّه: الجهاد.
روحة: سير من الزوال إلى آخر النهار.
خير من الدنيا وما فيها: أفضل من نعيم الدنيا كلها لو ملكه إنسان وتنعم به كله لأنه زائل ونعيم الآخرة غير زائل.
يستفاد منها
1 -
تعظيم أمر الجهاد.
2 -
تسهيل أمر الدنيا بالنسبة إلى الآخرة والنكتة فى قوله "خير من الدنيا وما فيها" أن سبيل التأخير عن الجهاد والميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه على أن القدر اليسير من الجنة أفضل من الدنيا وما فيها.
* * *
396 -
الحديث السابع: عن أبى قتادة الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى حنين -وذكر قصة (2) -
(1) قوله "وأخرجه البخارى" قال الزركشى "فى نسخة من العمدة بخط المصنف لها بغير واو وليس بصواب" وما فى هذه النسخة بلفظ "وأخرجه" لا حاجة إليه لأن الحديث متفق عليه، اهـ حاصل ما فى "العدة".
(2)
ساقها البخارى وغيره عن أبى قتادة قال: "خرجنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين على رجل من المسلمين فاستدرت حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه: فأقبل على =
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، قالها ثلاثا".
راويه
أبو قتادة الأنصارى رضى اللَّه عنه
مفرداته
من قتل قتيلا: من أوقع القتل على المقتول باعتبار مآله
بينة: شاهد
سلبه: بفتح اللام ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره
يستفاد منه
1 -
استحقاق القاتل الذى له بينة سلب القتيل بالحكم الشرعى ومن قال: بأنه لا يستحقه إلا بصرف الإمام يجعل هذا من باب الحكم الذى يتصرف به ولاة الأمور وأيد ابن دقيق العيد الرأى الأخير عما ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم بعد ما أمر أن يعطى السلب قاتلا منع خالد بن الوليد الرجل الذى منعه من السلب فقابل ذلك الرجل خالد بن الوليد بكلام قال النبى صلى الله عليه وسلم بعده لا تعطه يا خالد فلو كان مستحقًا له بأصل التشريع لم يمنعه منه بسبب كلامه لخالد.
2 -
أنه لا يقبل قول مدعى السلب إذا لم تكن له بينة تشهد أنه قتله.
* * *
= فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلنى، فلحقت عمر بن الخطاب فقالت: ما بال الناس؟ قال: أمر اللَّه. ثم إن الناس رجعوا وجلس النبى صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، فقمت فقلت: من يشهد لى؟ ثم جلست فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت: من يشهد لى؟ ثم جلست. ثم قال الثالثة مثله، فقمت فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا قتادة؟ فقصصت عليه القصة، فقال رجل: صدق يا رسول اللَّه، وسلبه عندى فأرضه عنى. فقال أبو بكر الصديق لاها اللَّه إذن، لا يعمد إلى أسد من أسد اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله يعطيك سلبه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صدق فأعطانى الدرع فبعت الدرع فابتعت به مخرفا فى بنى سلمة فإنه لأول مال تأثلته فى الإسلام.
397 -
الحديث الثامن: عن سلمة بن الأكوع رضى اللَّه عنه قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم عين من المشركين، وهو فى سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انتقل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: أطلبوه واقتلوه فقتلته، فنفلنى سلبه". وفى رواية:"فقال: من قتل الرجل؟ فقالوا: ابن الأكوع. فقال: له سلبه أجمع".
راويه
سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسمى، أبو مسلم وأبو إياس صحابى شهد بيعة الرضوان مات سنة أربع وسبعين.
مفرداته
عين: جاسوس وهو صاحب سر الشر سمى عينًا لأن جل عمله بعينه
فى سفر: عند مسلم أن ذلك فى غزوة هوازن.
انفتل: انصرف
فنفلنى: أعطانى زيادة على ما استحققته من الغنيمة
سلبه: وكان جملا أحمر عليه رحله وسلاحه، كما فى مسلم
يستفاد منه
1 -
جواز قتل الجاسوس الحربى ومن يشبهه ممن لا أمان له
2 -
أن القاتل يستحق جميع سلب المقتول
* * *
398 -
الحديث التاسع: عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال "بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد، فخرجت فيها، فأصبنا إبلا وغنما، فبلغت سهماننا اثنى عشر بعيرًا: ونفلنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعيرًا بعيرًا".
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
مفرداته
سرية: طائفة من الجيش وهى من مائة إلى خمسة وأمير هذه السرية أبو قتادة
نجد: بلاد مرتفعة معروفة بالحجاز وفى الصحيح كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد.
سهماننا: أنصباؤنا والمراد نصيب كل واحد منهم
اثنى عشر: بالياء وهو ظاهر وفى أكثر النسخ بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف مطلقا وهو أربع قبائل من العرب.
نفلنا: أعطى المستحقين للنفل زيادة على ما يستحقونه (1).
يستفاد منه
1 -
بعث السرايا فى الجهاد.
2 -
أن المقطع منها عن جيش الإمام ينفرد بما يغنمه من حيث أن الحديث يقتضى أن السهمان كانت لهم.
3 -
مشروعية التنفيل وهو تخصيص من له أثر فى الحرب بشئ من المال (2).
4 -
أن هذا التفيل كان من الخمس لأنه أضاف الاثنى عشر إلى سهمانهم.
* * *
399 -
الحديث العاشر: عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع اللَّه عز وجل الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان".
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما
مفرداته
غادر: من يواعد على أمر ولا يفى به
لواء: علامة يشهر بها فى الناس
(1) فليس المراد أنه نفل كل واحد من السرية.
(2)
زعم النووى أن المنفلين فى هذه السرية البعض لا الكل وعلى ذللك جرينا فى المفردات ثم وجدنا فى طرح التثريب للعراقى ما نصه: هذا خلاف الظاهر فالظاهر أن كل واحد من السرية نقل وسببه زيادة عنائه ونفعه بانفراده عن بقية الجيش بتلك السفرة والمشقة.
غدرة فلان بن فلان: علامة غدرته والمراد بذلك شهرته وأن يفتضح بذلك على رؤوس الأشهاد و"غدرة" بفتح الغين المعجمة.
يستفاد منه
1 -
تحريم الغدر والوعيد الشديد عليه ويتناول ذلك الغدر من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير وهو غير مضطر إليه لقدرته على الوفاء كما يتناول غدر الرعية بالإمام فيحرم على الرعية غدره وشق العصا والتعرض لكل ما يخاف حصول فتنة بسببه.
2 -
المقابلة فى العقوبة بالضد فإن الغادر أخفى جهة غدره ومكره فعوقب بنقيضه وهو شهرته على رؤوس الأشهاد.
3 -
أن التعريف بالناس يوم القيامة هو بالنسبة إلى آبائهم خلاف ما حكى أن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم.
* * *
400 -
الحديث الحادى عشر: عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما "أن امرأة وجدت فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان".
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
مفرداته
فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم: فتح مكة.
مقتولة: حال كونها مقتولة.
فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان: لعدم مفسدة المقاتلة فيهم فى الحال الحاضر ورجاء هدايتهم عند بقائهم.
يستفاد منه
1 -
النهى عن قتل النساء والصبيان فى الحرب وهذا محمول على من لم يقاتل منهم والحكمة فى ذلك أن الأصل عدم إتلاف النفوس وإنما أبيح منهم ما يقتضيه دفع المفسدة ومن لا يقاتل ولا يتأهل للقتال فى العادة ليس فى إحداث الضرر كالمقاتلين مع ما فى نفوس النساء والصبيان من الميل وعدم التشبث الشديد بما يكونون عليه كثيرًا أو غالبًا
فرفع عنهم القتل لعدم مفسدة المقاتلة فى الحال الحاضر ورجاء هدايتهم عند بقائهم.
2 -
جواز العمل بالعام حتى يرد الخاص لأن الصحابة تمسكوا بالعمومات الدالة على قتل أهل الشرك ثم نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان فخص ذلك العموم.
* * *
401 -
الحديث الثانى عشر: عن أنس بن مالك رضى اللَّه عنه "أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، شكوا القمل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فى غزاة لهما، فرخص لهما فى قميص الحرير ورأيته عليهما".
راويه
أنس بن مالك رضى اللَّه عنه
مفرداته
عبد الرحمن بن عوف: أحد العشرة المبشرين بالجنة أسلم قديمًا ومناقبه شهيرة
الزبير بن العوام: القرشى الأسدى أحد العشرة المبشرين بالجنة.
شكوا: بالواو وفى رواية بالياء
لهما: لكل واحد منهما
فى قميص الحرير: فى لبس قميص الحرير
يستفاد منه
1 -
جواز لبس الحرير فى الحرب لقوله "فى غزاة" والحكمة فى ذلك إرهاب العدو وقذف الرعب فى قلوبهم واعتبر بعضهم الترخيص لهما فى لبس الحرير من أجل القمل (1) فأجاز لبس الحرير لدفع القمل.
* * *
402 -
الحديث الثالث عشر (2): عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه
(1) أخذًا بظاهر قوله "شكوا القمل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
(2)
قال الزركشى لما ذكر المصنف هذا الحديث فى "عمدته" الكبرى عزاه للترمذى ثم قال "ومتفق على معناه" هذا لفظه وقد أخرج مسلم فى الجهاد قريبًا منه والبخارى فى خمسة مواضع من صحيحه. اهـ من العدة.
عنه قال: "كانت أموال بنى النضير مما أفاء اللَّه على رسوله صلى الله عليه وسلم، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالصة، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقى فى الكراع والسلاح عدة فى سبيل اللَّه عز وجل".
راويه
عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه.
مفرداته
بنى النضير: بفتح النون وكسر الضاد المعجمة بطن من اليهود.
مما أفاد اللَّه على رسوله: مما أعاده اللَّه عليه وصيره له فإنه الحقيق بأن يكون له لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته.
لم يوجف المسلمون: لم يعملوا فى تحصيله.
بخيل ولا ركاب: المراد أنهم لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل حصل ذلك بما نزل عليهم من الرعب الذى ألقى فى قلوبهم من هيبة الرسول صلى الله عليه وسلم
خالصة: يضعها حيث شاء فلا تقسم قسمة الغنائم التى قوتل عليها.
الكراع: بضم الكاف الخيل
السلاح: شامل للمجن وغيره من آلات الحرب
عدة: بضم العين وتشديد الدال المهملتين استعدادًا
يستفاد منها
1 -
أن أموال بنى النضير لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاصة لاحق فيها لأحد غيره من المسلمين فإخراج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما يخرجه منها لغير أهله ونفسه تبرع منه.
2 -
جواز الإدخار للأهل قوت سنة والجمع بين ذلك وبين الحديث الآخر "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئًا لغد" أن المراد بالحديث الأخير أنه لا يدخر لنفسه والحديث الذى نحن فى شرحه إنما يدل على الادخار لأهله فهم المقصودون بالادخار الذى اقتضاه حالهم لا هو صلى الله عليه وسلم.
3 -
تقديم مصلحة الكراع والسلاح على غيرها، لاسيما فى مثل ذلك الزمان.
403 -
الحديث الرابع عشر (1): عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال "أجرى النبى صلى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل: من الحفياء إلى ثنية الوداع: وأجرى ما لم يضمر: من الثنية إلى مسجد بنى زريق قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى" قال سفيان من الخفياء إلى ثنية الوداع: خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق ميل.
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
مفرداته
أجرى: أمر بإجراء
ما ضمر من الخيل: وهو ما علف حتى سمن وقوى ثم قلل علفه بقدر القوت ويدخل بيتا ويغشى بالجلال حتى يحمى ويعرق فإذا جف عرقه خف لحمه وقوى على الجرى.
من الحفياء: مكان معروف
ثنية الوداع: مكان معروف سمى بذلك لأن الخارج من المدينة يمشى معه المودعون إليه و"الوداع" بفتح الواو.
ما لم يضمر: بضم الياء وفتح الضاد المعجمة والميم المثقلة وفى رواية بسكون الضاد وتخفيف الميم.
من الثنية: المذكورة وهى ثنية الوداع.
بنى زريق (2): قبيلة من الأنصار.
قال ابن عمر: عبد اللَّه الصحابى المشهور، وقائل:"قال ابن عمر" نافع راوى الحديث عنه.
وكنت فيمن أجرى: فى هذا بيان أن المسابقة بين الخيل المركبة لا إرسال الفرسين ليجريا بأنفسهما.
قال سفيان (3): الثورى أبو عبد اللَّه الكوفى الثقة الحافظ الفقيه الإمام الحجة.
(1) هذا الحديث لم يخرجه مسلم فليس على شرط المصنف كما فى "العدة".
(2)
إضافة المسجد إليهم.
(3)
قول سفيان هذا رواه البخارى عن عبد اللَّه بن الوليد العدنى عن سفيان.
ميل: الميل أربعة آلاف خطوة كل خطوة ثلاثة أقدام بوضع قدم أمام قدم ويلصق به.
يستفاد منه
1 -
جواز المسابقة بالخيل وأنها ليست من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد فى الغزو والانتفاع بها عند الحاجة ومثلها الترامى بالسهام واستعمال الأسلحة لما فى ذلك من التدريب على الحرب.
2 -
جواز إضمار الخيل، وهو مستحب فى الخيل المعدة للغزو.
3 -
مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة.
4 -
إطلاق الفعل على الأمر به والمسوغ له لأنه نسب الإجراء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو إنما أمر بذلك وسوغه.
* * *
404 -
الحديث الخامس عشر: عن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما قال "عرضت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزنى، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة، فأجازنى".
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما
مفرداته
عرضت: فى رواية "عرضنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم"
يوم أحد: بضم همزة "أحد" وحائه جبل بجنب المدينة المنورة على نحو ميلين كانت غزوته يوم السبت لإحدى عشرة خلت من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة.
فلم يجزنى: بضم ياء "يجزنى" من الإجازة. وفى رواية مسلم "فاستصغرنى"
يوم الخندق: هو يوم الأحزاب وكان فى سنة أربع من الهجرة وقيل خمس وكانت مدة حصارهم خمسة عشر يومًا (1).
(1) أى ثم أرسل اللَّه تعالى على الكفار ريحًا وجنودًا لم يرها المسلمون فهزمهم بها.
فأجازنى: لأنه رآنى مطيقًا للقتال.
يستفاد منه
1 -
بيان المدة التى إذا بلغها الإنسان ولم يحتلم كان أهلا للقتال وأنها خمس عشرة واستدل بعضهم بهذه القصة على أن من استكمل خمس عشرة سنة أجريت عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة ويقتل إن كان حربيا ويفك عنه الحجر إن أونس رشده.
* * *
405 -
الحديث السادس عشر: وعنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قسم فى النفل (1): للفرس سهمين، وللرجل سهم".
راوية
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
مفرداته
النفل: بتحريك النون والفاء الغنيمة
للفرس: لأجل الفرس
سهمين: زيادة عن سهم صاحب الفرس
وللرجل: الذى لم يكن معه فرس
يستفاد منه
1 -
أن لصاحب الفرس ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه والحكمة فى إعطاء الفرس سهمين الترغيب فى اتخاذ الخيل للغزو ولما فى ذلك من إعظام الشوكة وإعلاء كلمة اللَّه، قال تعالى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} .
2 -
أن من لم يكن معه فرس فله سهم واحد.
* * *
406 -
الحديث السابع عشر: وعنه "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كان ينفل بعض من يبعث فى السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش".
(1) قوله "فى النفل" لم يورده البخارى كما فى "العدة".
راويه
عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه عنهما.
مفرداته
ينفل: من التنفيل وهو إعطاء شئ خارج عن السهمان.
السرايا: جمع سرية وهى طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم، من الشئ "السرى" النفيس.
يستفاد منه
1 -
مشروعية التنفيل وهو أن يعطى الإمام السرية أو لبعض أهل الجيش خارجا عن السهمان وليس فى الحديث بيان لكونه من رأس الغنيمة أو من الخمس واللفظ محتمل للأمرين جميعًا والعلماء مختلفون فى ذلك.
2 -
أن بعض المقاصد الخارجة عن محض التعبد لا يقدح فى الإخلاص لأن التنفيل المراد به الترغيب فى زيادة العمل والمغامرة فى الجهاد لم يؤثر فى إخلاصهم إذ لو كان مؤثرًا فيه لما نفاهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 -
أن لنظر الإمام مدخلا فى المصالح المتعلقة بالمال فيفعل ما تقتضيه المصلحة.
* * *
407 -
الحديث الثامن عشر: عن أبى موسى عن عبد اللَّه بن قيس عن النبى صلى الله عليه وسلم قال "من حمل علينا السلاح فليس منا (1) ".
راويه
أبو موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه
مفرداته
من حمل علينا السلاح: لمقاتلتنا بغير حق.
فليس منا: لما فى ذلك من تخويف المسلمين وإدخال الرعب عليهم وحق المسلم على المسلم نصره والمقاتلة دونه لا إرعابه بحمل السلاح عليه، لإرادة قتاله أو قتله.
يستفاد منه
تحريم قتال المسلمين وتغليظ الأمر فى ذلك.
(1) الأولى الإمساك عن تأويل هذه اللفظة لأن ذلك أبلغ فى الزجر ولذلك كان ابن عيينة ينكر من يقول: فى معنى "ليس منا" ليس على طريقتنا ومع ذلك لا نحملها على الخروج عن الإسلام فى ما دل الدليل على أنه لا يخرج من الإسلام.
408 -
الحديث التاسع عشر: عن أبى موسى رضى اللَّه عنه قال "سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الرجل: يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أى ذلك فى سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة اللَّه هى العليا، فهو فى سبيل اللَّه".
راويه
أبو موسى الأشعرى رضى اللَّه عنه
مفرداته
شجاعة: لإظهار الشجاعة أو لكونه شجاعا
حمية: أنفة وغيرة ومحاماة عن عشيرته، أما الحمية لدين اللَّه فمطلوبة (1).
رياءًا: مظهرًا قصد الرغبة فى ثواب اللَّه وبذل النفس فى مرضاته وهو فى الباطن لا يقصد ذلك.
كلمة اللَّه: كلمة التوحيد.
العليا: بضم العين وطلب علو كلمة اللَّه يتناول طلب رضاه وطلب ثوابه ودحض أعدائه
فهو: فقتاله
فى سبيل اللَّه: قتال فى سبيل اللَّه.
يستفاد منه
1 -
وجوب الإخلاص فى الجهاد وأن ثواب الجهاد إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة اللَّه هى العليا.
2 -
أن لقتال للشجاعة والحمية والرياء لا يستحق صاحبه ثواب المجاهد فى سبيل اللَّه، وأما الجهاد لطلب الجنة فهو من القتال لتكون كلمة اللَّه هى العليا، وقد سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة يقول:"قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فألقى التمرات التى فى يده وقاتل حتى قتل" وظاهر هذا أنه قاتل لثواب الجنة وقد أمره النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك والشريعة كلها طافحة بأن الأعمال لأجل الجنة أعمال صحيحة غير معلولة لأن اللَّه ذكر صفة الجنة وما أعد فيها للعاملين ترغيبا للناس فى العمل ومحال أن يرغبهم للعمل للثواب ويكون ذلك العمل معلولا مدخولا.
(1) لابد منها فى إمضاء أحكام اللَّه.